باب مرزوقة وبداية حوض إيناون تاريخ غياثة الدي لا ينسى
في شمال المغرب، بين جبال الريف المتقطعة والسلسلة العليا للأطلس المقطوعة بواسطة ممرات مرتفعة وصعبة أحيانا، توجد بأضعف ارتفاع إحدى الثغرات التي تكون أحسن ممر للانتقال من الحوض المتوسطي إلى الحوض الأطلنتيكي، تلك هي ثغرة مضيق تازة، وحسب جانتيل، ........فإن الثغرة تمثل أقدم مضيق -جنوب ريفي- كان يربط المحيط الأطلسي بالبحر الأبيض المتوسط قبل انفتاح مضيق جبل طارق، ومهما كان أصل هذا المعبر فإننا أمام إحدى الفتحات وليس أمام فج، إذ أن خط تقسيم المياه يوجد إلى الأمام من المنفذ الشرقي، على تخوم الفحامة حيث تنتهي سهول ملوية الوسطى، وهناك على بعد حوالي 10 كلم غرب مسون، إحدى العتبات الضعيفة التي تتألف من ارتفاعات لاتتجاوز 700م، تتجه من الشمال إلى الجنوب بتموجات خفيفة مقطوعة عند روكيلة.........زحازجا، ودراع سيدي سعدا.....، إلى الشرق منها تنحذر المياه نحو وادي مسون، رافد ملوية .......نحو الغرب فتتجمع المياه بوادي إيناون أحد روافد وادي اللبن الذي يصب بدوره في سبو، ووادي إيناون بصفة عامة، أقل تحررا وتجردا من العوائق، ومع ذلك فإنه يقدم إحدى الميزات العجيبة. مضيق تازة هو بالضبط ممر إيناون الذي كان دائما طريقا مهما للمواصلات، وهو فعلا كان الرابط الطبيعي بين المدن الآهلة بالسكان، بين تجار الجزائر الشمالية وتجار المغرب الأطلنتيكي، بين الفيافي المقفرة للهضاب العليا والسهول الغنية للغرب التي كانت تغري بؤساء الرحل، وبالإضافة إلى ذلك يدلنا التاريخ على أن هذه الطريق غالبا ما كانت تستغل في الهجرات الكبرى، ومن طرف الغزاة ومع ذلك وقع التخلي عنه مرات كثيرة بسبب انعدام الأمن المحافظ عليه من طرف قبائل بني وراين وغياثة، والوصول من فاس إلى تازة يمكن الانحراف إذن نحو الجهة الشمالية، وبطريقة قطع المنطقة الجبلية للحياينة والتسول الأكثر مضيافية، والوفوذ إلى تازة عن طريق مكناسة التحتية ووادي الحضر، وللاتجاه نحو الشرق كان يتم المرور عبر مكان يسمى المقتلة لأن به حدثت اغتيالات كثيرة، حيث كان الغياثيون يستقرون في هذا المكان بقعر الأودية التي تنتهي بوادي لاربع وبو الاجراف لنهب المسافرين، وعلى الرغم من احتلال الفرنسيين لتازة سنة 1914، -الاحتلال الذي سمح بفتح طريق فاس تازة أمام الأوربيين عبر التسول-، فإن أمن المسافرين بشكل منفرد على تخوم غياتة ظل عارضا، وفي سنة 1917-1918، بوشرت العمليات من أجل تحرير منخفض وادي ايناون وتغطية الأشغال في الخط الحديدي الرابط بين تازة وفاس، بعد انتزاع القمم الرئيسية، حيث أنشئ بها خط متقدم من المراكزو لتأمين حماية الممر من جهة الجنوب، لكن حالة الحرب مازالت مستمرة، ولم يصبح الأمن عاديا إلا في اليوم الذي ستصبح فيه قبيلة غياثة في عزلة تامة. تحتل تازة في ممر غيناون موضعا مكتميزا، أحسن اختياره من أجل الدور الذي لعبه في الماضي، ووضعه هذا بجوار المنفذ الشرقي بجهة انخناق الممر.........، وتفرغ طريق مكناسة التحتية، يسمح له بالتحكم في الممر لأن قدرته كافية بقوة لتجعله مسيطرا. وقد أنشئت المدينة فوق صخرة تكون هضبة ضيقة، تبرز على الجانب الجنوبي لمنخفض الوادي، هذه الصخرة توجد بين وادي أنملي ووادي تازة،ـ وهي محاطة من الشرق بمنحدرات صخرية، ومن الغرب بشواطئ صخرية وعرة، ترتفع بحوالي150م، فوق إيناون، وقسم هذه الصخرة الأعلى يشكل سطحا منبسطا تقريبا، ذا مساحة تبلغ أربعين هكتارا، وارتفاع يتجاوز 600م، والهضبة التي تنضم إليها الصخرة تمتد إلى الجنوب على مسافة كلم واحد، إلى حدود الصخور الالعالية لروس الرحي ، وخلفها نحتت الأراضي، عكس القاعدة القوية لجبال غياثة المنتصبة فوق الوادي، وإلى الجهة الشمالية، فإن هذه الصخرة معضدة عن طريق السفح الجنوبي لجبال البرانس، بتضاريسه الأقل ارتفاعا وسفوحه الأقل انحدارا، وفي اتجاه الغرب فإن تازة بصفة خاصة يتم الإشراف عليها من قمة ميمونة، على بعد حوالي كلم، هذه القمة التي مع كرن النصراني، المرتفع تعطي مضيق الممر. ومع أن تازة تتموقع بمحاداة خط العرض34° شمالا، فإنها تتمتع عموما بمناخ معتدل، ورغم أن هذه الجهة قريبة من التأثيرات الأطلنتيكية التي تجعلنا نحس بفرق واضح عند قدومنا من امسون، ودخولنا مضيق تازة، وغالبا ما نترك وراءنا سماء صافية لنلتقي بالمطر بعد خط تقسيم المياه، وفي فصل الصيف، غالبا ما تهب رياح شرقية جافة وحارة تؤدي إلى ارتفاع الحرارة لكن فترة المعاناة من هبوبها قصيرة، وعند حلول الخريف فإن الرياح الغربية هي التي تصبح مسيطرة، هذه الرياح الرطبة تؤدي إلى سقوط الأمطار بصفة متوالية وتعجل بالبرودة، وبعد ذلك خلال فصل الشتاء، وجزء من الربيع، تواصل هذه الرياح هبوبها أحيانا بعنف وتصبح البرودة قاسية، وعند انتهاء فترة الأمطار والثلوج يصبح الفصل أقل قساوة، لكن التربة تبقى مبللة، وفوق ذلك توجد صعوبة كبيرة في المواصلات. تمتلك ناحية تازة، منحذرات هامة من المياه الجارية على السفوح الشمالية لجبال غياثة، حيث توجد منابع مهمة، وبصفة خاصة فإن وادي تازة له صبيب قوي، وبعمق المنخفض فإن وادي إيناون يتلقى جميع مياه البلاد التي ترسم عددا كبيرا من المجاري، بين حافات ذات ارتفاع لا يتجاوز بضعة أمتار فوق سرير من الأوحال والأحجار المنقولة، هذا النهر (إيناون) له نظام تدفقي يمكن عبوره تقريبا من كل مكان، لكن في لحظة تساقط الأمطار، يخضع لفيضانات عنيفة تجعل عبوره متعذرا، ومياه الجبل مرتبطة بواسطة قناة إلى أعلى الصخرة التي بنيت فوقها تازة، هذه المياه توجد تحت مراقبة غياثة التي لاتتردد في قطعها عندما تتوثر علاقاتها مع السلطة. بعد احتلال المدينة من طرف الفرنسيين، استمرت بدون ماء إلى شهر نونبر1917 وهو الوقت الذي تم فيه احتلال قمة بوكربة التي أعطتنا السيادة على المنابع المدنية. وفي المناطق المحيطة بتازة، فإن أراضي الحوض خصبة ويظهر أنها تحتوي على نسبة لابأس بها من الصلصال، لأن سطح التربة يتشقق خلال الفصل الجاف، ويشكل شبكة حقيقية من الشقوق الضيقة والعميقة، والأراضي الضعيفة ناذرة بالقرب من المدينة وتغطيها نباتات الدوم، أما المساحات المستصلحة فتزرع بالحبوب، وبالإضافة إلى ذلك فإن التساقطات كافية لمواجهة امتداد الحرث وتسمح فورا بتأمينه، وعلى امتداد مجاري المياه، فإن الأهالي أنشئوا بساتين مسقية، للفاكهة، والبقول والمزروعات التي تعطي جمالية للموقع، وخلال فصل الربيع يتزين الوادي بالاخضرار.مقدمة لكتاب تازة وغياثة للباحث الفرنسي فوانو..ترجمة الباحث: جلال التازي.
تقييم:
0
0