فضاءات شنهور

شنهور

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1458.41
إعلانات


من فضائل العلم وفوائده

من فضائل العلم وفوائده

لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجُهّال يهابونك ويُجلّونك، وأن العلماء يحبونك ويكرمونك، لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه

فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة.

ولو لم يكن من نقص الجهل، إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويغبط نظراءه من الجهّال، لكان ذلك سبباً إلى وجوب الفرار عنه

فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة.

لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به، إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية، ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم، وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس، لكان ذلك أعظم داع إليه، فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره! ومن أقلها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم، وفي مثله أتعب ضعفاء الملوك أنفسهم، فتشاغلوا عما ذكرنا بالشطرنج، والنرد، والخمر، والأغاني، وركض الدواب في طلب الصيد، وسائر الفضول التي تعود بالمضرة في الدنيا والآخرة، وأما فائدة، فلا فائدة

لو تدبر العالم في مرور ساعاته ماذا كفاه العلم من الذل بتسلط الجهال، ومن الهم بمغيب الحقائق عنه، ومن الغبطة بما قد بان له وجهه من الأمور الخفية عن غيره، لزاد حمداً لله، عز وجل وغطبة بما لديه من العلم، ورغبة في المزيد منه.

من شغل نفسه بأدنى العلوم وترك أعلاها وهو قادر عليه، كان كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البر، وكغارس الشعراء حيث يزكو النخل والزيتون.

نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم، كإطعامك العسل والحلواء من به احتراق وحمى، أو كتشميمك المسك والعنبر لمن به صداع من احتدام الصفراء.

الباخل بالعلم، ألأم من الباخل بالمال، لأن الباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده، والباخل بالعلم بخل بما لا يفنى على النفقة، ولا يفارقه مع البذل.

من مال بطبعه إلى علم ما وإن كان أدنى من غيره فلا يشغلها بسواه، فيكون كغارس النارجيل بالأندلس، وكغارس الزيتون بالهند، وكل ذلك لا ينجب.

أجل العلوم ما قربك من خالقك تعالى، وما أعانك على الوصول إلى رضاه.

أنظر في المال والحال والصحة إلى من دونك، وانظر في الدين والعلم والفضائل إلى من فوقك.

العلوم الغامضة كالدواء القوي، يصلح الأجساد القوية، ويهلك الأجساد الضعيفة. وكذلك العلوم الغامضة. تزيد العقل القوي جودة وتصفية من كل آفة، وتهلك ذا العقل الضعيف.

من الغوص على الجنون، ما لو غاصه صاحبه على العقل، لكان أحكم من الحسن البصري، وأفلاطون الأثيني، وبزرجمهر الفارسي.

وقف العقل عند أنه لا ينفع، إن لم يؤيد بتوفيق في الدين أو بسعد في الدنيا.

لا تضر بنفسك في أن تجرب بها الآراء الفاسدة، لتري المشير بها فسادها فتهلك، فإن ملامة ذي الرأي الفاسد لك على مخالفته

وأنت ناج من المكاره، خير لك من أن يعذرك ويندم كلاكما، وأنت قد حصلت في مكاره.

إياك وأن تسر غيرك بما تسوء به نفسك فيما توجبه عليك شريعة أو فضيلة.

وقف العلم عند الجهل بصفات الباري، عز وجل.

لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون، ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون، ويقدرون أنهم يصلحون.

من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الإتساء به، بمنّه آمين.

غاظني أهل الجهل مرتين من عمري: أحدهما بكلامهم فيما لا يحسنونه أيام جهلي، والثاني بسكوتهم عن الكلام بحضرتي، فهم أبداً ساكتون عما ينفعهم، ناطقون فيما يضرهم. وسرني أهل العلم مرتين من عمري: أحدهما بتعليمي أيام جهلي، والثاني بمذاكرتي أيام عملي

من فضل العلم والزهد في الدنيا، أنهما لا يؤتيهما الله عز وجل إلا أهلهما ومستحقهما، ومن نقص علو أحوال الدنيا من المال والصوت، أن أكثر ما يقعان في غير أهلهما وفيمن لا يستحقهما.

من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة، والبر، والصدق، وكرم العشيرة، والصبر والوفاء، والأمانة، والحلم، وصفاء الضمائر، وصحة المودة. ومن طلب الجاه والمال واللذات، لم يساير إلا أمثال الكلاب ، والثعالب الخلبة، ولم يرافق في تلك الطريق إلا كل عدو المعتقد، خبيث الطبيعة.

منفعة العلم في إستعمال الفضائل عظيمة، وهو أنه يعلم حسن الفضائل فيأتيها ولو في الندرة، ويعلم قبح الرذائل فيجتنبها ولو في الندرة

ويسمع الثناء الحسن فيرغب في مثله، والثناء الرديء فينفر منه، فعلى هذه المقدمات يجب أن يكون للعلم حصة في كل فضيلة، وللجهل حصة في كل رذيلة، ولا يأتي الفضائل ممن لم يتعلم العلم إلا صافي الطبع جداً، فاضل التركيب، وهذه منزلة خص بها النبيون عليهم الصلاة والسلام لأن الله تعالى علمهم الخير كله، دون أن يتعلموه من الناس.

وقد رأيت من غمار العامة من يجري من الاعتدال وحميد الأخلاق إلى ما لا يتقدمه فيه حكيم عالم رائض لنفسه، ولكنه قليل جداً.

ورأيت ممن طالع العلوم وعرف عهود الأنبياء عليهم السلام ووصايا الحكماء، وهو لا يتقدمه في خبث السيرة وفساد العلانية والسريرة شرار الخلق

وهذا كثير جداً، فعلمت أنهما مواهب، وحرمان من الله تعالى.


للإمام ابن حزم الظاهري


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة