المستعمرة "الغضبانة"
المستعمرة "الغضبانة"
2010.10.19 سالم زواوي ****الشروق***
مسؤول جزائري في الحكومة هو كاتب الدولة المكلف بشؤون الجالية الوطنية في الخارج ذهب إلى العاصمة الفرنسية باريس، في إطار إحياء ذكرى مجازر 17 أكتوبر 1961 في حق المهاجرين الجزائريين، وصرح من هناك أن "روح نوفمبر وقيمه باقية ومستمرة عبر الزمن والتاريخ ولن يستطيع أحد طمسها مهما كانت المحاولات، لأنها قيم إنسانية ثابتة وشاملة..".
هذه شجاعة نادرة وموقف مشهود يحسب لصاحبه في زمن تكاد فيه فرنسا تجهز على كل شيء من ماضي وحاضر ومستقبل ومصير الجزائر التي أصبحت تبدو كالثور الواهن الذي تكثر عليه السكاكين الفرنسية أو،
في أحسن الأحوال، كالمستعمرة "الغضبانة". فتزامنت ذكرى 17 أكتوبر بالتصدي الفرنسي الصارخ لكل ما يتعلق بمقاومات الشعب الجزائري والعمل على طمسها في مشاريع استعمارية جديدة بأساليب جديدة ولكنها أكثر ضررا مما حدث خلال الاستعمار المباشر، وبعد صدور القانون الفرنسي المتعلق بتجميد الاستعمار الفرنسي في الجزائر ومباشرة تطبيقه من خلال إعادة الاعتبار لمنظمة "الأو.آ.آس" الإجرامية وتكريم الحركى والخونة الجزائريين.. ها هم المسؤولون وغير المسؤولين الفرنسيين في ذهاب وإياب دؤوب إلى الجزائر في مهام ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، مثل زيارة وزيرة العدل الفرنسية خلال اليومين الأخيرين والتي جاءت لتشكر البرلمان الجزائري على تجميده مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر وتشيد بالعلاقات الثنائية غير المتكافئة، ولتقول بتحد إن "الجزائر ستستمر في الاستفادة من المعاملة الفرنسية الخاصة" وكأنها تتحدث عن مستعمرة فرنسية أو زوجة "غضبانة" خاصة وأنها شبهت العلاقات الثنائية بين البلدين بالعلاقات الزوجية.
فهل بإمكان تصريح وزير الدولة الجزائري أن يغطي أو يشفع المواقف الجبانة والخائنة لبقية المسؤولين الجزائريين من مستويات أعلى في رفضهم تقديم مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وهو الرفض المتناغم مع المواقف الفرنسية والموافقة ضمنيا على قانون تجميد هذا الاستعمار الذي يعتبر كل جرائم الاستعمار الفرنسي بمثابة المآثر الإنسانية التي أخرجت الشعب الجزائري من الهمجية إلى الحضارة، حتى أصبح يبدو هذه الأيام وكأن مناسبة 17 أكتوبر هي النقطة المضيئة الوحيدة في تاريخ مقاومة الشعب الجزائري، أو كأنها المحطة الوحيدة في تاريخ معاناة هذا الشعب الذي يراد لتاريخه أن يتحول شيئا فشيئا من الكل إلى الجزء ثم إلى لا شيء، بالاعتماد على مختلف الحيل والوسائل الدنيئة من التزوير في كتابة التاريخ إلى إصدار المذكرات الكاذبة مما يضع الخونة الجدد في مرتبة أخس من مرتبة الحركى والأقدام السوداء ومنظمة "الأو.آ.آس" لأنهم على عكس ما استعمله هؤلاء من أساليب مباشرة وصريحة، يقومون اليوم بطعن الأمة في ظهرها ومن مواقع المسؤولية والادعاء بأنهم مجاهدون وثوار، حتى أن وزير الخارجية الفرنسي عبّر عن ثقته فيهم واعتماد فرنسا عليهم، عبر ما أسماه السلطات التنفيذية الجزائرية، في عدم السماح بمرور قانون تجريم الاستعمار أمام البرلمان الجزائري.
وما يدعو إلى القلق وربما إلى اليأس والقنوط هو أن الوثبة الوطنية من أجل إعادة المياه إلى مجاريها أصبحت صعبة الحدوث للغاية إن لم تكن مستحيلة أمام هذا العمل الجهنمي المشترك لفصل الشعب وخاصة الأجيال الجديدة من الجزائريين عن تاريخها ومعاناتها، وعن ما يمكن أن يكون حافزا للاعتزاز والعمل في المستقبل.
تقييم:
0
0