وجوب الابتعاد عن مواطن الشبهات
عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير - رضي الله عـنهما - قـال: سمعـت رسـول الله - صلّى الله عليه وسلم - يقول: ( إن الحلال بيّن، وإن الحـرام بيّن، وبينهما أمـور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله، وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب ).
[رواه البخاري:52، ومسلم:1599].
شرح الحديث :
قسّم النبي - صلّى الله عليه وسلم - الأمور إلى ثلاثة أقسام:
قسم حلال بيّن لا اشتباه فيه، وقسم حرام بيّن لا اشتباه فيه، وهذان واضحان أما الحلال فحلال ولا يأثم الإنسان به، وأما الحرام فحرام ويأثم الإنسان به.
مثال الأول: حل بهيمة الأنعام
ومثال الثاني: تحريم الخمر.
أما القسم الثالث فهو الأمر المشتبه الذي يشتبه حكمه هل هو من الحلال أم من الحرام؟ ويخفى حكمه على كثير من الناس، وإلا فهو معلوم عند آخرين.
فلهذا يقول الرسول - صلّى الله عليه وسلم - أن من الورع تركه وأن لا يقع فيه
فقال: ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )
استبرأ لدينه أي فيما بينه وبين الله،
واستبرأ لعرضه أي فيما بينه وبين الناس
بحيث لا يقولون: فلان وقع في الحرام، حيث إنهم يعلمونه وهو عنده مشتبه ثم ضرب النبي - صلّ الله عليه وسلم - مثلاً لذلك ( كالراعي يرعى حول الحمى ) أي حول الأرض المحمية التي لا ترعاها البهائم فتكون خضراء، لأنها لم ترع فيها فإنها تجذب البهائم حتى تدب إليها وترعاها، ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ) ثم قال -عليه الصلاة والسلام -: ( ألا وإن لكل ملك حمى ) يعني بأنه جرت العادة بأن الملوك يحمون شيئاً من الرياض التي يكون فيها العشب الكثير والزرع الكثير ( ألا وإن حمى الله محارمه ) أي ما حرمه على عباده فهو حماه، لأنه منعهم أن يقعوا فيه ثم بين أن ( في الجسد مضغة ) يعني لحمة بقدر ما يمضغه الآكل إذا صلحت صلح الجسد كله بصلاحها ثم بينها بقوله: ( ألا وهي القلب ) وهو إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يراعي ما في قلبه من الهوى الذي يعصف به حتى يقع في الحرام والأمور المشتبهات.
ويستفاد من هذا الحديث:
أولاً: أن الشريعة الإسلامية حلالها بيّن وحرامها بيّن والمشتبه منها يعلمه بعض الناس وإن خفي على سواد منهم .
ثانياً: أنه ينبغي للإنسان إذا اشتبه عليه الأمر أحلال هو أم حرام أن يجتنبه حتى يتبيّن له أنه حلال.
وبالطبع لا يكون ذلك إلا ببينة من كتاب الله أو من سنة نبيه .
- أن الإنسان إذا وقع في الأمور المشتبهة هان عليه أن يقع في الأمور الواضحة فإذا مارس الشيء المشتبه فيه فإن نفسه تدعوه إلى أن يفعل الشيء البين الحرمة وحينئذ يهلك.
- جواز ضرب المثل من أجل أن يتبين الأمر المعنوي بضرب المثل الحسي أي أن تشبيه المعقول بالمحسوس ليقرب فهمه.
- حسن تعليم الرسول - عليه الصلاة والسلام - بضربه للأمثال وتوضيحها.
- أن المدار في الصلاح والفساد على القلب وينبني على هذه الفائدة أنه يجب على الإنسان العناية بقلبه دائماً وأبداً حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه.
- أن فساد الظاهر دليل على فساد الباطن لقول النبي - صلّى الله عليه وسلم - : ( إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ) ففساد الظاهر عنوان فساد الباطن.
والله - تعالى - أعلى و أعلم