قصيدة البرقـــع . د محمد نجيب المراد
قصيدة البرقـــع
د محمد نجيب المراد
...............
شَبَّبـتُ فيها فاستثـرتُ الأدمُعــا : لا الشِّعرُ جاملني ولا الدمـعُ ادعى
قـلبي الذي في حبهـا ولحـبها : غنّى القصائدَ في الغرام وأسمَعَـا
أواهُ مِـنْ وَجْــدِ القلـوبِ فإنـهُ : إنْ زادَ أوْ إن قلَّ كانَ مُوَجِّعـا
لمـا دنـوتُ سـألتُها في أنْ أرى : فإذا سفورُ الوجـهِ كان البرقعا
فرجـوتهُـا فَتَعزّزتْ وتمنّعـت : فرضيـتُ في وصلٍ يجيءُ تمنُّعا
حبـي وحـسبي بالدلالِ وإنني : واللهِ أرضى أن يكـونَ تَصنَّعـا
ضيَّعتُ عمـري في انتظارِ وصالِها : أنا ما حزنـتُ بأن يكونَ مُضيَّعا
وضممتُها بين الضـلوعِ صبابةً : ورجوتُها فـي أَنْ تَضُمَّ الأضلعا
وشربتُ دمعَ العشـقِ كأسَ تَضلُّعٍ : الدمعُ يُشـربُ إن عشقتَ تَضَلُّعا
كم طفتُ حولَ ربوِعها مستعبراً : وبقربها هذا فؤاديَ كم سعى
ووقفتُ عندَ البابِ علَّ أو عسى : فالحبُّ كان تصبُّراً وتَوَقُّعـا
البابُ هذا البابُ كم طَرقَتْ يدي : ووقفـتُ أنتظـرُ الجوابَ . مُدمِّعا
أطرقتُ بعد الطَرْقِ أدعو باسمها : الله َما وهنتْ يدايَ على الدعا
فسمعـتُ في عمقِ السكونِ إشـارةً : فازدادَ قلبـي غبطـةً وتسـرَّعا
ولربما أعطـى الحبيـبُ علامـةً : أحيا بهـا أرضَ المحـبِّ وأَمـرَعا
كان اللقـاءُ على العِشاءِ فجئتُهـا : فإذا بريحِ المسكِ كـانَ تضوَّعا
وإذا المؤذِّنُ للصـلاةِ مُكبّـر : وإذا بحشدِ النـاسِ كـانَ تجمَّعـا
فوقفتُ مرتبكاً وكلّي أعينٌ : فرأيتُ نوراً خالصاً قد شَعشَعا
فصُعِقْـتُ ثمّ صحوتُ بعد سُويعةٍ : وكأنَّ قلبي عنـد صعقِتهِ وعى
ورأى بمحضِ الصدقِ أسرارَ الهـوى : ما أجمـلَ الأسرارَ بـلْ مـا أروعا
قـد يصبحُ القلبُ المحـبُّ منـازلاً : للمشرقاتِ وكـان قبل البَلْقَعا
أحببُتها وأحبَّ تربتَها أبـي : وكذاكَ جَـدّي حَجَّهـا وتمتَّعا
ورأيتُهم صَـلُّوا إليها قِبـلةً : وتعهـدّوا أنْ لا أكـونَ مضيِّعا
وتضرّعوا بالليلِ نحـو ربوعها : فسمعتُـه قد كـادَ أنْ يتضرعا
ورأيتُ جَدّي قبل حج ٍ بـاكيا : ورأيتُ – أقسمُ – منه دمعـاً هُمَّعا
مَلكتْ علينا اللبَّ سـبحان الذي : خلقَ المهابةَ والجمالَ وأبـدعا
فترى الجموعَ أمام هيبتهـا انحنَوْا : للهِ خرّوا سجَّداً أو رُكّعا
هـي كعبةُ الأسرارِ هـذي مكةٌ : دامتْ - علـى مرِّ العصـورِ - الأرفعا
أُرضِعتُ حبكِ مكـةٌ منذ الصِّبا : أو قبـل حتى أَنْ أكونَ وأُرضَعا
وَنَزَلتُ بابَكِ صـادقاً مُتبتِّلاً : ورجوتُ أنْ تضعي لأجلي البرقعا