اجتماع الجمعة و العيد
القول السديد في حكم الجمعة إذا اجتمعت مع العيد
للمستشار احمد السيد علي
من مجلة التوحيد العدد 430
……………………….
الحمد لله وكفى،
وصلى الله وسلم على نبيه المصطفى، وبعد:
فقد من الله على المسلمين بشهر رمضان يأتيهم في كل عام فيتقربون إليه فيه بالصيام والقيام، ثم يأتي من بعده يوم العيد وقد يوافق هذا اليوم يوم الجمعة، وقد اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد واجتمع العيد مع الجمعة في يوم واحد، ولنا مع هذا الموضوع الوقفات الآتية:
الوقفة الأولى: الأحاديث الواردة في هذا الموضوع:
1- عن محمد بن كثير قال: أخبرنا إسرائيل قال: حدثنا عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رواد الشامي قال: أشهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة. فقال: من شاء أن يصلي فليصل.
[رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
2- عن عطاء بن أبي رباح قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدنا، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السنة.
[أخرجه أبو داود وصححه الألباني].
3- عن ابن جريج قال: قال عطاء: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير. فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر. [أخرجه أبو داود وصححه الألباني].
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أنه قال: قد اجتمع في يومكم عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون.
[رواه أبو داود وقال عنه الألباني صحيح بما قبله أي بشواهده].
5- عن ابن عمر قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال: من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف. [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
الوقفة الثانية: الرخصة في صلاة الجمعة بعد العيد:
اختلف العلماء في ذلك على عدة آراء:
الرأي الأول: ذهب إلى أن صلاة الجمعة بعد العيد تصير رخصة يجوز للمسلم أن يصليها أو يتركها، وهذا الحكم خاص بمن صلى العيد دون من لم يصل صلاة العيد كما أن هذا الحكم لا يشمل الإمام وثلاثة معه، وهو قول جماعة من العلماء.
الرأي الثاني: ذهب إلى أن صلاة الجمعة بعد العيد لا تصير رخصة بل يجب أن يصليها المسلم المكلف بها وهو قول الشافعي.
الرأي الثالث: ذهب إلى أن صلاة الجمعة تصير رخصة يسقط أداؤها وفرضها عن الجميع، وهو قول عطاء.
الرأي الرابع: ذهب إلى سقوط صلاة الجمعة عن غير المقيمين في البلد، وهو قول للشافعي وأبي حنيفة.
أدلة كل رأي:
دليل الرأي الأول: القائل بأن صلاة الجمعة بعد العيد تصير رخصة يجوز للمسلم أن يصليها أو يتركها الآتي:
1- الأحاديث الوارد ذكرها آنفا في الوقفة الأولى، فقد خير النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بين فعلها وتركها، فقال صلى الله عليه وسلم : «من شاء أن يصلي فليصل»، والتخيير يدل على عدم الوجوب ؛ إذ الواجب ما لا تخيير فيه بل هو ما طلب الشارع فعله على وجه الحتم والإلزام بحيث يثاب فاعله ويستحق العقاب تاركه، كما أن قول ابن عباس مادحا ابن الزبير لتركه صلاة الجمعة يوم العيد «أصاب السنة» يدل على أن ترك صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد هو القول الراجح والأولى بالقبول.
2- ولأن الجمعة إنما زادت على الظهر بالخطبة وقد حصل سماعها في العيد «لاشتمال صلاة العيد على خطبة» فأجزأ عن سماعها ثانيا.
وأما الإمام فلا تسقط عنه للآتي:
1- لقوله صلى الله عليه وسلم : «وإنا مجمعون».
2- ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه.
دليل الرأي الثاني: القائل بعدم سقوط صلاة الجمعة الآتي:
1- عموم الآية والأخبار الدالة على وجوب الجمعة وهي:
أ- قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [الجمعة: 9].
ب- ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم : «الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض». [رواه أبو داود بسند صحيح]. وقوله: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين». متفق عليه. وقال: «من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه».
[أخرجه أبو داود وغيره، وقال الألباني: حسن صحيح].
2- ولأنها صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد، فكما لا تسقط صلاة الظهر عمن صلى العيد في سائر أيام الأسبوع إذا وافق أحدها يوم العيد، فكذلك لا تسقط صلاة الجمعة لمن صلى العيد إذا وافق يوم الجمعة.
دليل الرأي الثالث :
القائل بسقوط صلاة الجمعة عن الجميع الإمام والمأمومين، الآتي:
1- عموم الأدلة السابق ذكرها، ومنها ترك ابن الزبير لصلاة الجمعة وهو إمام القوم فقد صلى بهم صلاة العيد ولم يخرج إليهم لصلاة الجمعة، فدل ذلك على سقوط الجمعة عن الجميع ؛ الإمام والمأمومين.
2- قول عبد الله بن عباس رضي الله عنها مادحا تركه: «أصاب السنة» فدل ذلك على أن السنة سقوط الجمعة عن الجميع ؛ الإمام والمأمومين.
دليل الرأي الرابع: القائل بسقوط الجمعة عن غير المقيمين في البلد الآتي:
قول عثمان بن عفان رضي الله عنه: من أراد من أهل العوالي أن يصلي معنا الجمعة فليصل، ومن أحب أن ينصرف فليفعل.
مناقشة الأدلة :
أ- يرد على دليل القول الثاني بالآتي:
1- أن أدلتهم الموجبة لصلاة الجمعة أدلة عامة مخصوصة بما ذكرناه من أحاديث تدل على سقوط الجمعة عمن صلى العيد.
2- قياسهم عدم سقوط الجمعة عمن صلى العيد على عدم سقوط الظهر عمن صلى العيد منقوض بالظهر مع الجمعة.
ب- يرد على دليل القول الثالث بالآتي: بأننا لو أسقطنا الجمعة عن الإمام لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه.
د- يرد على دليل القول الرابع بالآتي:
1- بأن قول عثمان لا يخصص قول النبي صلى الله عليه وسلم .
الرأي الراجح
هو الرأي القائل بسقوط الجمعة عمن صلى العيد ما عدا الإمام لقوة أدلتهم وسلامتها عن المعارض.
{{ الوقفة الثالثة: حكم صلاة الظهر في ذلك اليوم {{
اختلف الفقهاء فيما إذا سقطت صلاة الجمعة عمن صلى العيد هل يجب عليه صلاة الظهر أم لا ؟ على رأيين:
الرأي الأول: يرى سقوط فرض الظهر كذلك ولا يصلي المصلي إلا العصر.
دليله: عن عطاء قال: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير، فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر.
[أخرجه أبو داود وصححه الألباني].
2- قالوا: إن الجمعة الأصل في يومها والظهر بدل عنها فإذا سقط وجوب الأصل مع إمكان أدائه سقط البدل.
الرأي الثاني: يرى عدم سقوط صلاة الظهر بل يجب أن تصلى صلاة الظهر في ذلك اليوم.
دليله: قال الإمام الصنعاني في سبل السلام: «ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل في منزله، فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة الموافق ليوم العيد على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله بل إنه وضح من قول عطاء أنهم صلوا وحدانا صلاة الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه، مع العلم بأنه لا يمكن القول بأنهم صلوا وحدانا صلاة الجمعة لأنها لا تصح إلا جماعة وهذا إجماح لا خلاف فيه». اهـ.
الرد على الرأي الأول: قال الخطابي: «وهذا لا يجوز أن يحمل إلا على قول من يذهب إلى تقديم الجمعة قبل الزوال، فعلى هذا يكون ابن الزبير قد صلى الجمعة فسقط العيد والظهر لأن الجمعة إذا سقطت بالعيد مع تأكدها فالعيد أولى أن يسقط بها، أما إذا قدم العيد فلا بد من صلاة الظهر في وقتها إذا لم يصل الجمعة، والله أعلم». اهـ.
الرأي الراجح: هو الرأي الثاني القائل بعدم سقوط صلاة الظهر.
الوقفة الرابعة: هل الأصل الظهر أم الجمعة ؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول: يرى بأن الأصل صلاة الجمعة والظهر بدل منها.
الرأي الثاني: يرى بأن الأصل الظهر والجمعة بدل منها.
قال الصنعاني في سبل السلام: «ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة والظهر بدل عنها قول مرجوح بل الظهر هو الفرض الأصل المفروض ليلة الإسراء والجمعة متأخرة فرضيتها ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعا فهي البدل عنه».
الرأي الراجح: أن كلا الصلاتين أصل في يومها فالجمعة أصل في يومها، والظهر أصل في يومه.
الوقفة الخامسة: معنى سقوط فرض الجمعة والأثر المترتب عليه:
معنى سقوط فرض الجمعة أو الظهر هو الوارد في قول زيد بن أرقم رضي الله عنه ثم رخص في الجمعة، فمن شاء أن يصلي فليصل ، فلا يجوز لمسلم أن يخطئ آخر ترك صلاة الجمعة، ولا يجوز لمن لم يصل أن يخطئ من صلى، فالأمر فيه سعة، والإثم مدفوع عن الفاعل أو التارك، وإن كان يستحب للمسلم أن يتبع هديه صلى الله عليه وسلم فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه،
والله من وراء القصد.