شوقي بعد المنفى
شوقي بعد المنفى
أنشدها إثر عودته إلى مصر
من منفاه بالأندلس
..............
أنادي الرسم لو ملك الجوابا : وأجزيه بدمعي لو أثابا
وقل لحقه العبرات تجري : وإن كانت سواد القلب ذابا
سبقن مقبلات الترب عني : وأدين التحية والخطابا
فنثري الدمع في الدمن البوالي : كنظمي في كواعبها الشبابا
وقفت بها كما شاءت وشاؤوا : وقوفا علم الصبر الذهابا
لها حق وللأحباب حق : رشفت وصالهم فيها حبابا
ومن شكر المناجم محسنات : إذا التبر انجلى شكر الترابا
وبين جوانحي واف ألوف : إذا لمح الديار مضى وثابا
رأى ميل الزمان بها فكانت : على الأيام صحبته عتابا
وداعا أرض أندلس وهذا : ثنائي إن رضيت به ثوابا
وما أثنيت إلا بعد علم : وكم من جاهل أثنى فعابا
تخذتك موئلا فحللت أندى : ذرا من وائل وأعز غابا
مغرب آدم من دار عدن : قضاها في حماك لي اغترابا
شكرت الفلك يوم حويت رحلي : فيا لمفارق شكر الغرابا
فأنت أرحتني من كل أنف : كأنف الميت في النزع انتصابا
ومنظر كل خوان يراني : بوجه كالبغي رمى النقابا
وليس بعامر بنيان قوم : إذا أخلاقهم كانت خرابا
أحق كنت للزهراء ساحا : وكنت لساكن الزاهي رحابا
ولم تك جور أبهى منك وردا : ولم تك بابل أشهى شرابا
وأن المجد في الدنيا رحيق : إذا طال الزمان عليه طابا
أولئك أمة ضربوا المعالي : بمشرقها ومغربها قبابا
جرى كدرا لهم صفو الليالي : وغاية كل صفو أن يشابا
مشيبة القرون أديل منها : ألم تر قرنها في الجو شابا
معلقة تنظر صولجانا : يخر عن السماء بها لعابا
تعد بها على الأمم الليالي : وما تدري السنين ولا الحسابا
ويا وطني لقيتك بعد يأس : كأني قد لقيت بك الشبابا
وكل مسافر سيئوب يوما : إذا رزق السلامة والإيابا
ولو أني دعيت لكنت ديني : عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهي : إذا فهت الشهادة والمتابا
وقد سبقت ركائبي القوافي : مقلدة أزمتها طرابا
تجوب الدهر نحوك لا الفيافي : وتقتحم الليالي لا العبابا
وتهديك الثناء الحر تاجا : على تاجيك مؤتلقا عجابا
هدانا ضوء ثغرك من ثلاث : كما تهدي المنورة الركابا
وقد غشى المنار البحر نورا : كنار الطور جللت الشعابا
وقيل الثغر فاتأدت فأرست : فكانت من ثراك الطهر قابا
فصفحا للزمان لصبح يوم : به أضحى الزمان إلي ثابا
وحيا الله فتيانا سماحا : كسوا عطفي من فخر ثيابا
ملائكة إذا حفوك يوما : أحبك كل من تلقى وهابا
وإن حملتك أيديهم بحورا : بلغت على أكفهم السحابا
تلقوني بكل أغر زاه : كأن على أسرته شهابا
ترى الإيمان مؤتلقا عليه : ونور العلم والكرم اللبابا
وتلمح من وضاءة صفحتيه : محيا مصر رائعة كعابا
وما أدبي لما أسدوه أهل : ولكن من أحب الشيء حابى
شباب النيل إن لكم لصوتا : ملبى حين يرفع مستجابا
فهزوا العرش بالدعوات حتى : يخفف عن كنانته العذابا
أمن حرب البسوس إلى غلاء : يكاد يعيدها سبعا صعابا
وهل في القوم يوسف يتقيها : ويحسن حسبة ويرى صوابا
عبادك رب قد جاعوا بمصر : أنيلا سقت فيهم أم سرابا
حنانك واهد للحسنى تجارا : بها ملكوا المرافق والرقابا
ورقق للفقير بها قلوبا : محجرة وأكبادا صلابا
أمن أكل اليتيم له عقاب : ومن أكل الفقير فلا عقابا
أصيب من التجار بكل ضار : أشد من الزمان عليه نابا
يكاد إذا غذاه أو كساه : ينازعه الحشاشة والإهابا
وتسمع رحمة في كل ناد : ولست تحس للبر انتدابا
أكل في كتاب الله إلا : زكاة المال ليست فيه بابا
إذا ما الطامعون شكوا وضجوا : فدعهم واسمع الغرثى السغابا
فما يبكون من ثكل ولكن : كما تصف المعددة المصابا
ولم أر مثل سوق الخير كسبا : ولا كتجارة السوء اكتسابا
ولا كأولئك البؤساء شاء : إذا جوعتها انتشرت ذئابا
ولولا البر لم يبعث رسول : ولم يحمل إلى قوم كتابا