العلامة الشيخ : محمد بن عبد الرحمن الديسي بن سيدي إبراهيم الغول
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،
تمهيد : استكمالا لما بدأته و مساهمة مني في التعريف برجال المنطقة ،هذه ترجمة علم آخر من ألمع و أبرز العلماء الأجلاء الذين أنجبتهم المنطقة وهو العلامة الشيخ ، محمد بن عبد الرحمن الديسي بن سيدي إبراهيم الغول ، كتبها المؤرخ الجزائري الكبير العلامة الشيخ " عبد الرحمان بن محمد الجيلالي " حفظه الله و نفعنا بعلمه في كتابه القيم " تاريخ الجزائر العام " في قسم : من مشاهير الجزائر ( ج : 4 ،ص : 421-425 الطبعة السابعة 1415 هـ/ 1994م ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ).
نقلتها خصيصا لمنتدى " أولاد سيدي إبراهيم " مع إضافتين من " تعريف الخلف برجال السلف " للشيخ الحفناوي و من ترجمة للشيخ بقلم
أبــ FARID ــو فيصل في أحد المنتديات و هي مرقمة (1) و (2) لتعميم الفائدة.
و أرجو من الإدارة المحترمة تثبيت الموضوعين و شكرا سلفا.
كتبها: م. أو TURKI يوم الخميس 05/08/2010.
وهذه هي الترجمة :
محمد بن عبد الرحمن الديسي
1270 1339 هـ
1854 1921 م
الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحمن الديسي آل سيدي ابراهيم الغول صاحب الضريح الشهير بمدينة ( بوسعادة ) ، ولد المترجم سنة 1270هـ/ 1954 م بقرية الديس القريبة من هذه المدينة الواقعة بالجنوب الشرقي من عاصمة الجزائر و بها نشأ و تربى يتيما في حجر والدته السيدة خديجة بنت محمد بن الخرشي فكفلته أمه و شاركها في الحنو و الشفقة عليه كل من جدته و عمته عائشة و زادهن عطفا و رأفة به كونه رحمه الله ولد أكمه فكن كلهن حيطة له ، ( و لا يعدم الخوار من أمة حنة ) فاعتنين كلهن بتنشئته نشأة أهل الخير و الصلاح فدفعن به إلى الكتاب ، و قد منحه الله حافظة واعية ، فحفظ القرآن الكريم سماعا في زمن قصير ، و جوده فاتقن قراءاته بالروايات السبع المشهورة . ثم انكب على حفظ متون العلم المتداولة يومئذ بين طلبة الزوايا و المشهور تدريسها بجامعي الزيتونة و الأزهر حتى استوعب في صدره ما يقرب من نحو الخمسين متنا في فنون مختلفة ، و كان يستظهر من النظم في اليوم نحو المائة بيت ، مع ما كان يستحضره من نصوص الحديث الشريف مسندة إلى الصحاح الست مع ما يتعلق بها من أقوال الشراح و المفسرين كل ذلك يحفظه عن ظهر قلب ، و ظاهرة الحفظ عند العميان هي كما يعلم ظاهرة معروفة من قديم حتى قيل في المثل " أحفظ من العميان " . وكان فيمن انتفع بعلمهم من الشيوخ الشيخ ابن أبي القاسم الديسي المعروف بابن عروس والد شيخنا الحفناوي.
ثم ارتحل الشيخ من بلدته إلى جبال زواوة فالتحق بزاوية الشيخ سعيد بن أبي داود القائمة بآقبو فقضى هنالك زمنا حقق فيه معلوماته الشرعية و اللغوية و في القراءات و التجويد أيضا ، ثم انتقل منها إلى زاوية الهامل القريبة من بوسعادة و الديس حيث مسقط رأسه ، فاتصل بشيخها و مؤسسها الفقيه الصوفي الكبير الشيخ محمد بن أبي القاسم الشريف الهاملي و لازمه ملازمة طويلة ، و كان إذ ذاك يبلغ من العمر ثلاثا و ثلاثين سنة و بهذه الزاوية ظهر علمه و انتشر فضله و أصبح ممن يشار إليهم بالبنان في حل المشكلات و يستثبح بضوئهم في المدلهمات . و هناك انقطع للإفادة و الاستفادة فلا تراه إلا في مجلس علم أو عبادة معرضا عن الدنيا و زخرفها مقبلا على الطلبة يعلمهم و يواسيهم و يساعدهم في شؤونهم الدراسية و المعاشية أيضا ما استطاع و خاصة في شهر رمضان فإنه كان يزيدهم منه فضلا و إحسانا ...
وكان مما وصفه به شيخنا الحفناوي في كتابه تعريف الخلف ( ج 2 ص 399-400 ) إذ قال هو " من أجل المشائخ المعتبرين متخلقا بالأخلاق الرائقة و الأحوال الفائقة علما و عملا و زهدا و ورعا و محبة في الله و أهله و وقوفا مع الكتاب و السنة ، يقول من عاشره و وزنه بالميزان الشرعي أن جزءا من أحواله لا يخرج عن الشرع ... و كان يحب الخمول و يكره المحمدة و الظهور ، لين الجانب صبورا غيورا على الدين صاحب حزم و اجتهاد منذ خلق ما نطق بفحش و لا ضبطنا عنه ساعة هو غافل فيها عن دينه ... و هكذا يستمر شيخنا الحفناوي في حديثه عن مناقب و محامد الشيخ واصفا لمواهبه و علمه فيقول عنه أنه كان " جيد النظم ، سهل العبارة في التعليم و التأليف ، ذكي الفهم غواصا في المعاني الدقيقة جبل علم ، محاججا ، و كان في درسه رحمه الله يجمع لتلامذته من مسائل العلم على سبيل التسهيل النظائر و الضوابط.
ولم يمنعه كف بصره عن المشاركة في ميدان التأليف مستعينا في ذلك بأخص تلامذته و من كان يلوذ به من نجباء الطلبة فكان يملي عليهم و هم يكتبون فاجتمع له بذلك عدد لا بأس به من مؤلفاته نظما و نثرا ، فطبع بعضها و بقي أكثرها .
إذا أبصر المرء المروءة و اتقى $ و إن عمى العينان فهو بصير.
فمن المطبوع كتابه المسمى " بالكلمات الشافية في شرح العقيدة الشعيبية " ، و هي منظومة في التوحيد للشيخ أبي بكر شعيب بن علي قاضي مدينة تلمسان المتوفي سنة 1346هـ/1928م ، و كان تمام تأليف هذا الشرح سنة 1316هـ/1899م ، و له منظومة في العقائد شرحها الشيخ محمد بن يوسف الكافي بعنوان "إيقاظ الوسنان الفاتح لمنظومة التوحيد لابن عبد الرحمن " ، طبعت بدمشق ، و كتاب " توهين القول المتين " وضعه في الرد على الشيخ قاسم بن سعيد الشماخي العامري الإباضي فيما تعرض له في كتابه "القول المتين من الطعن في عقائد أهل السنة" ، فكان المترجم في صنيعه هذا على حد قول عبد الله بن عباس رضي الله عنه :
أن يأخذ الله من عيني نورهما $ ففي لساني و سمعي منهما نور
قلبي ذكي و عقلي غير ذي دخل $ و في فمي صارم كالسيف مشهور
و الكتاب مطبوع بالجزائر على الحجر ، و له مقامة أدبية و ضعها في أسلوب مفاخرة أو مناظرة بين العلم و الجهل ، طبعت بتونس مضافا إليها قصيدة له في تفضيل الحاضرة على البادية . و لغز في الرضاب على أسلوب المقامة و شرح له أسماه " بذل الكرامة لقراء المقامة " و له قصيدة أخرى بعنوان " الأدلة الواضحة البادية في تفضيل البادية " جاءت في معناها عكس الأولى ، نشرت في كتاب : "تدبير صحة الأبدان في السفر و زيارة البلدان " لأبي القاسم المدني شقيق شيخنا الحفناوي طبع الكتاب بالجزائر سنة 1313هـ/1913م ، كما نشرت له مجلة آمال الجزائرية في عددها الثاني الصادر في شهر جوان 1969م نتفا من أشعاره.
و أما غير المطبوع فقد بلغنا منها كتابه المسمى "بالموجز المفيد" شرح به منظومته عقد الجيد في علم الكلام و كتاب "المشرب الراوي على منظومة الشبراوي" ، و منظومة في الجمل باسم "الزهرة المقتطفة" و جعل عليها شرحا باسم" القهوة المرتشفة "و ألحقها بحاشية أسماها" الحديقة المزخرفة "، و نظم ورقات امام الحرمتين في الأصول باسم "سلم الوصول إلى علم الأصول" في 99 بيتا و وضع عليه شرحا وجيزا اسمه "النصح المبذول" ، و كان وضعه لهذا النظم مع الشرح بزاوية الهامل سنة 1308هـ و له شرح على كنز الحقائق في الحديث للمناوي ، و شرح على متن الشهاب في الحديث أيضا ، و له العقيدة الفريدة ، و رسالة في نسب سيدي نايل ، و شرح على الصلاة المشيشية ، و بديعية نظمها في مدح مؤسس زاوية قرية الهامل في بوسعادة : الشيخ محمد بن أبي القاسم ، و شرحها في كتاب أسماه تحفة الإخوان ، و لعلها هي القصيدة المشهورة باسم " المسعودية " كما أنه شرح منظومة " الاسمائية " التي جمع فيها شيخ الزاوية المذكور مع جميع أوراده و أذكاره و سمى شرحه هذا باسم " الفوز الغانم " ، و له رسالة شرح بها الأبيات الثلاثة المشهورة المنسوبة للشيخ ابن عربي الصوفي :
توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر $ و إلا تيمم بالصعيد أو الصخر
و قدم اماما كنت أنت امامه $ و صل صلاة الفجر في أول العصر
فهذي صلاة العارفين بربهم $ فان كنت منهم فانضح البر بالبحر
وله رسالة وضعها كخاتمة لألفية ابن مالك في النحو فانتقده فيها الشيخ عاشور الخنقي فرد عليه المترجم بتأليف أسماه " الساجور للعادي العقور عاشور " ، و له كذلك في الرد على كتاب " منار الأشراف " الذي وضعه عاشور المطبوع بالجزائر سنة 1332هـ/1914م تأليف باسم " هدم المنار " و له رسائل أخرى متعددة تحتوي على مسائل كثيرة ... و ديوان شعر يحتوي على نحو أربعة آلاف بيت ، طرق فيه أغلب أبواب الشعر و فنونه المتعارفة عند العرب ، و قفت عليه مخطوطا بزاوية الهامل. ( 1 )
كما توجد بعض مقطوعات و قصائد له متفرقة هنا و هناك عند بعض الإخوان لم توجد في ديوانه منها ما أورده شيخنا أبو القاسم الحفناوي في كتابه " تعريف الخلف " حيث قال : وله معنا أدبيات كثيرة .، و أورد له نموذجا من شعره و نثره ....
وهذا هو النموذج : ( 2 )
يقول الشيخ الحفناوي :
" ولما بعثت له الجزء الأول من هذا التعريف قرظه بقوله :
نحمدك اللهم يا من جعل العلم حلية الأبرار، و قنية المهتدين الأخيار ، و نصلي و نسلم على سيدنا محمد الرحمة المهداة ، و على آله و أصحابه الأئمة الهداة ،
أما بعد : فإن العلم من أفضل الذخائر ، و أشرف ما يتنافس في خدمته أفاضل الأوائل و الأواخر ، و هو لعمري من أسنى المواهب ، و أعلى المفاخر و المناقب ، فالعلماء و أعيانهم مفقودة ، و آثارهم على صفحات الدهر موجودة، و إن من أظرف فنونه ، و ألطف أغراضه و عيونه ، فن التاريخ الجليل ، المعظم في كل أمة و قبيل ، الذي لولاه ما عرفت سير الملوك و العظماء و لا حفظت تراجم العلماء و الحكماء ، و إن من أبدع مصنفاته و أحسنها ، و أجل مؤلفاته و أتقنها ، السفر المسمى " بتعريف الخلف برجال السلف " الذي حرره العلامة المحقق بلا مدافع و الجهبذ المدقق بل منازع ، فريد عصره السيد الحفناوي بن الشيخ حفظه الله تعالى و أسعد أحواله ، و أنجح فيما يرجوه في الدارين آماله ، فإنه كتاب جليل الموضوع أحيا به مجد علماء القطر ، و أبان عن مآثرهم و مالهم من جميل الذكر ، و قد قلت أبياتا في مدح المؤلف و تأليفه ، متضمنة لتاريخه حسب الإستطاعة ، فإن الإنفاق بقدر البضاعة :
حبذا عقد جمان و درر $ صاغه الحبر الجليل المعتبر
مفرد العصر الهمام المرتضى $ ما جد الآباء محمود السير
إن وشى طرسا فحدث ما تشا $ عن بيان و معان كالغرز
لو ذعي ذو مزايا جمة $ فارس التحرير غواص الفكر
ذلك الحفني نبراس الدجا $ في علاه صدق الخبر الخبر
و كفانا شاهدا إبرازه $ تحفة في العصر تسبي من نظر
ضمنها تعريفه بالعلما $ من رجال ذكرهم يجلي الكدر
جملوا الغرب و أعلوا قدره $ و هم للغرب نعم المفتخر
خدموا العلم فما أسعدهم $ ظفروا بالفوز في أعلى مقر
زينت أسماؤهم مدرسة $ بجوار الثغلبي القطب الأبر
روضة العلم و مغنى الفضلا $ سوف يحيى في حماها ما اندثر
ياله سفرا غدا تاريخه $ جل للتعريف معنى قد بهر
ياله سفرا غدا تاريخه $ 33 820 161 104 207
سنة 1325
فتراه من خلال أعماله في الإنتاج العلمي و الأدبي يصدق عليه قول الوزير الأديب أحمد بن الحسين الباخرزي في وصف أبي العلاء ( الكفيف ) : " هو ضرير ما له في أنواع الأدب ضريب ، و مكفوف في قميص الفضل ملفوف ، و محجوب خصمه الألد محجوج ...
و هكذا استمر الشيخ على خطته المرضية في تدريس العلم لطلابه و تحرير مسائله بالكتابة و التأليف معتكفا على الطاعات إلى ما قبل وفاته بيومين حضر مجلسه عبد الحي الكتاني الفاسي فأجاز كل منهما صاحبه حسب الاجازة التقليدية العامة الجاري العمل بها بين العلماء على سبيل التبرك ووصل السند العلمي. و توفي إلى رحمة الله يوم السبت 22 ذي الحجة 1339هـ/17 أوط 1921م و دفن طيب الله ثراه بجوار قبر الشيخ محمد بن أبي القاسم داخل قبة الضريح بزاوية الهامل بوسعادة.
أبــ FARID ــو فيصل
تمهيد : استكمالا لما بدأته و مساهمة مني في التعريف برجال المنطقة ،هذه ترجمة علم آخر من ألمع و أبرز العلماء الأجلاء الذين أنجبتهم المنطقة وهو العلامة الشيخ ، محمد بن عبد الرحمن الديسي بن سيدي إبراهيم الغول ، كتبها المؤرخ الجزائري الكبير العلامة الشيخ " عبد الرحمان بن محمد الجيلالي " حفظه الله و نفعنا بعلمه في كتابه القيم " تاريخ الجزائر العام " في قسم : من مشاهير الجزائر ( ج : 4 ،ص : 421-425 الطبعة السابعة 1415 هـ/ 1994م ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ).
نقلتها خصيصا لمنتدى " أولاد سيدي إبراهيم " مع إضافتين من " تعريف الخلف برجال السلف " للشيخ الحفناوي و من ترجمة للشيخ بقلم
أبــ FARID ــو فيصل في أحد المنتديات و هي مرقمة (1) و (2) لتعميم الفائدة.
و أرجو من الإدارة المحترمة تثبيت الموضوعين و شكرا سلفا.
كتبها: م. أو TURKI يوم الخميس 05/08/2010.
وهذه هي الترجمة :
محمد بن عبد الرحمن الديسي
1270 1339 هـ
1854 1921 م
الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحمن الديسي آل سيدي ابراهيم الغول صاحب الضريح الشهير بمدينة ( بوسعادة ) ، ولد المترجم سنة 1270هـ/ 1954 م بقرية الديس القريبة من هذه المدينة الواقعة بالجنوب الشرقي من عاصمة الجزائر و بها نشأ و تربى يتيما في حجر والدته السيدة خديجة بنت محمد بن الخرشي فكفلته أمه و شاركها في الحنو و الشفقة عليه كل من جدته و عمته عائشة و زادهن عطفا و رأفة به كونه رحمه الله ولد أكمه فكن كلهن حيطة له ، ( و لا يعدم الخوار من أمة حنة ) فاعتنين كلهن بتنشئته نشأة أهل الخير و الصلاح فدفعن به إلى الكتاب ، و قد منحه الله حافظة واعية ، فحفظ القرآن الكريم سماعا في زمن قصير ، و جوده فاتقن قراءاته بالروايات السبع المشهورة . ثم انكب على حفظ متون العلم المتداولة يومئذ بين طلبة الزوايا و المشهور تدريسها بجامعي الزيتونة و الأزهر حتى استوعب في صدره ما يقرب من نحو الخمسين متنا في فنون مختلفة ، و كان يستظهر من النظم في اليوم نحو المائة بيت ، مع ما كان يستحضره من نصوص الحديث الشريف مسندة إلى الصحاح الست مع ما يتعلق بها من أقوال الشراح و المفسرين كل ذلك يحفظه عن ظهر قلب ، و ظاهرة الحفظ عند العميان هي كما يعلم ظاهرة معروفة من قديم حتى قيل في المثل " أحفظ من العميان " . وكان فيمن انتفع بعلمهم من الشيوخ الشيخ ابن أبي القاسم الديسي المعروف بابن عروس والد شيخنا الحفناوي.
ثم ارتحل الشيخ من بلدته إلى جبال زواوة فالتحق بزاوية الشيخ سعيد بن أبي داود القائمة بآقبو فقضى هنالك زمنا حقق فيه معلوماته الشرعية و اللغوية و في القراءات و التجويد أيضا ، ثم انتقل منها إلى زاوية الهامل القريبة من بوسعادة و الديس حيث مسقط رأسه ، فاتصل بشيخها و مؤسسها الفقيه الصوفي الكبير الشيخ محمد بن أبي القاسم الشريف الهاملي و لازمه ملازمة طويلة ، و كان إذ ذاك يبلغ من العمر ثلاثا و ثلاثين سنة و بهذه الزاوية ظهر علمه و انتشر فضله و أصبح ممن يشار إليهم بالبنان في حل المشكلات و يستثبح بضوئهم في المدلهمات . و هناك انقطع للإفادة و الاستفادة فلا تراه إلا في مجلس علم أو عبادة معرضا عن الدنيا و زخرفها مقبلا على الطلبة يعلمهم و يواسيهم و يساعدهم في شؤونهم الدراسية و المعاشية أيضا ما استطاع و خاصة في شهر رمضان فإنه كان يزيدهم منه فضلا و إحسانا ...
وكان مما وصفه به شيخنا الحفناوي في كتابه تعريف الخلف ( ج 2 ص 399-400 ) إذ قال هو " من أجل المشائخ المعتبرين متخلقا بالأخلاق الرائقة و الأحوال الفائقة علما و عملا و زهدا و ورعا و محبة في الله و أهله و وقوفا مع الكتاب و السنة ، يقول من عاشره و وزنه بالميزان الشرعي أن جزءا من أحواله لا يخرج عن الشرع ... و كان يحب الخمول و يكره المحمدة و الظهور ، لين الجانب صبورا غيورا على الدين صاحب حزم و اجتهاد منذ خلق ما نطق بفحش و لا ضبطنا عنه ساعة هو غافل فيها عن دينه ... و هكذا يستمر شيخنا الحفناوي في حديثه عن مناقب و محامد الشيخ واصفا لمواهبه و علمه فيقول عنه أنه كان " جيد النظم ، سهل العبارة في التعليم و التأليف ، ذكي الفهم غواصا في المعاني الدقيقة جبل علم ، محاججا ، و كان في درسه رحمه الله يجمع لتلامذته من مسائل العلم على سبيل التسهيل النظائر و الضوابط.
ولم يمنعه كف بصره عن المشاركة في ميدان التأليف مستعينا في ذلك بأخص تلامذته و من كان يلوذ به من نجباء الطلبة فكان يملي عليهم و هم يكتبون فاجتمع له بذلك عدد لا بأس به من مؤلفاته نظما و نثرا ، فطبع بعضها و بقي أكثرها .
إذا أبصر المرء المروءة و اتقى $ و إن عمى العينان فهو بصير.
فمن المطبوع كتابه المسمى " بالكلمات الشافية في شرح العقيدة الشعيبية " ، و هي منظومة في التوحيد للشيخ أبي بكر شعيب بن علي قاضي مدينة تلمسان المتوفي سنة 1346هـ/1928م ، و كان تمام تأليف هذا الشرح سنة 1316هـ/1899م ، و له منظومة في العقائد شرحها الشيخ محمد بن يوسف الكافي بعنوان "إيقاظ الوسنان الفاتح لمنظومة التوحيد لابن عبد الرحمن " ، طبعت بدمشق ، و كتاب " توهين القول المتين " وضعه في الرد على الشيخ قاسم بن سعيد الشماخي العامري الإباضي فيما تعرض له في كتابه "القول المتين من الطعن في عقائد أهل السنة" ، فكان المترجم في صنيعه هذا على حد قول عبد الله بن عباس رضي الله عنه :
أن يأخذ الله من عيني نورهما $ ففي لساني و سمعي منهما نور
قلبي ذكي و عقلي غير ذي دخل $ و في فمي صارم كالسيف مشهور
و الكتاب مطبوع بالجزائر على الحجر ، و له مقامة أدبية و ضعها في أسلوب مفاخرة أو مناظرة بين العلم و الجهل ، طبعت بتونس مضافا إليها قصيدة له في تفضيل الحاضرة على البادية . و لغز في الرضاب على أسلوب المقامة و شرح له أسماه " بذل الكرامة لقراء المقامة " و له قصيدة أخرى بعنوان " الأدلة الواضحة البادية في تفضيل البادية " جاءت في معناها عكس الأولى ، نشرت في كتاب : "تدبير صحة الأبدان في السفر و زيارة البلدان " لأبي القاسم المدني شقيق شيخنا الحفناوي طبع الكتاب بالجزائر سنة 1313هـ/1913م ، كما نشرت له مجلة آمال الجزائرية في عددها الثاني الصادر في شهر جوان 1969م نتفا من أشعاره.
و أما غير المطبوع فقد بلغنا منها كتابه المسمى "بالموجز المفيد" شرح به منظومته عقد الجيد في علم الكلام و كتاب "المشرب الراوي على منظومة الشبراوي" ، و منظومة في الجمل باسم "الزهرة المقتطفة" و جعل عليها شرحا باسم" القهوة المرتشفة "و ألحقها بحاشية أسماها" الحديقة المزخرفة "، و نظم ورقات امام الحرمتين في الأصول باسم "سلم الوصول إلى علم الأصول" في 99 بيتا و وضع عليه شرحا وجيزا اسمه "النصح المبذول" ، و كان وضعه لهذا النظم مع الشرح بزاوية الهامل سنة 1308هـ و له شرح على كنز الحقائق في الحديث للمناوي ، و شرح على متن الشهاب في الحديث أيضا ، و له العقيدة الفريدة ، و رسالة في نسب سيدي نايل ، و شرح على الصلاة المشيشية ، و بديعية نظمها في مدح مؤسس زاوية قرية الهامل في بوسعادة : الشيخ محمد بن أبي القاسم ، و شرحها في كتاب أسماه تحفة الإخوان ، و لعلها هي القصيدة المشهورة باسم " المسعودية " كما أنه شرح منظومة " الاسمائية " التي جمع فيها شيخ الزاوية المذكور مع جميع أوراده و أذكاره و سمى شرحه هذا باسم " الفوز الغانم " ، و له رسالة شرح بها الأبيات الثلاثة المشهورة المنسوبة للشيخ ابن عربي الصوفي :
توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر $ و إلا تيمم بالصعيد أو الصخر
و قدم اماما كنت أنت امامه $ و صل صلاة الفجر في أول العصر
فهذي صلاة العارفين بربهم $ فان كنت منهم فانضح البر بالبحر
وله رسالة وضعها كخاتمة لألفية ابن مالك في النحو فانتقده فيها الشيخ عاشور الخنقي فرد عليه المترجم بتأليف أسماه " الساجور للعادي العقور عاشور " ، و له كذلك في الرد على كتاب " منار الأشراف " الذي وضعه عاشور المطبوع بالجزائر سنة 1332هـ/1914م تأليف باسم " هدم المنار " و له رسائل أخرى متعددة تحتوي على مسائل كثيرة ... و ديوان شعر يحتوي على نحو أربعة آلاف بيت ، طرق فيه أغلب أبواب الشعر و فنونه المتعارفة عند العرب ، و قفت عليه مخطوطا بزاوية الهامل. ( 1 )
كما توجد بعض مقطوعات و قصائد له متفرقة هنا و هناك عند بعض الإخوان لم توجد في ديوانه منها ما أورده شيخنا أبو القاسم الحفناوي في كتابه " تعريف الخلف " حيث قال : وله معنا أدبيات كثيرة .، و أورد له نموذجا من شعره و نثره ....
وهذا هو النموذج : ( 2 )
يقول الشيخ الحفناوي :
" ولما بعثت له الجزء الأول من هذا التعريف قرظه بقوله :
نحمدك اللهم يا من جعل العلم حلية الأبرار، و قنية المهتدين الأخيار ، و نصلي و نسلم على سيدنا محمد الرحمة المهداة ، و على آله و أصحابه الأئمة الهداة ،
أما بعد : فإن العلم من أفضل الذخائر ، و أشرف ما يتنافس في خدمته أفاضل الأوائل و الأواخر ، و هو لعمري من أسنى المواهب ، و أعلى المفاخر و المناقب ، فالعلماء و أعيانهم مفقودة ، و آثارهم على صفحات الدهر موجودة، و إن من أظرف فنونه ، و ألطف أغراضه و عيونه ، فن التاريخ الجليل ، المعظم في كل أمة و قبيل ، الذي لولاه ما عرفت سير الملوك و العظماء و لا حفظت تراجم العلماء و الحكماء ، و إن من أبدع مصنفاته و أحسنها ، و أجل مؤلفاته و أتقنها ، السفر المسمى " بتعريف الخلف برجال السلف " الذي حرره العلامة المحقق بلا مدافع و الجهبذ المدقق بل منازع ، فريد عصره السيد الحفناوي بن الشيخ حفظه الله تعالى و أسعد أحواله ، و أنجح فيما يرجوه في الدارين آماله ، فإنه كتاب جليل الموضوع أحيا به مجد علماء القطر ، و أبان عن مآثرهم و مالهم من جميل الذكر ، و قد قلت أبياتا في مدح المؤلف و تأليفه ، متضمنة لتاريخه حسب الإستطاعة ، فإن الإنفاق بقدر البضاعة :
حبذا عقد جمان و درر $ صاغه الحبر الجليل المعتبر
مفرد العصر الهمام المرتضى $ ما جد الآباء محمود السير
إن وشى طرسا فحدث ما تشا $ عن بيان و معان كالغرز
لو ذعي ذو مزايا جمة $ فارس التحرير غواص الفكر
ذلك الحفني نبراس الدجا $ في علاه صدق الخبر الخبر
و كفانا شاهدا إبرازه $ تحفة في العصر تسبي من نظر
ضمنها تعريفه بالعلما $ من رجال ذكرهم يجلي الكدر
جملوا الغرب و أعلوا قدره $ و هم للغرب نعم المفتخر
خدموا العلم فما أسعدهم $ ظفروا بالفوز في أعلى مقر
زينت أسماؤهم مدرسة $ بجوار الثغلبي القطب الأبر
روضة العلم و مغنى الفضلا $ سوف يحيى في حماها ما اندثر
ياله سفرا غدا تاريخه $ جل للتعريف معنى قد بهر
ياله سفرا غدا تاريخه $ 33 820 161 104 207
سنة 1325
فتراه من خلال أعماله في الإنتاج العلمي و الأدبي يصدق عليه قول الوزير الأديب أحمد بن الحسين الباخرزي في وصف أبي العلاء ( الكفيف ) : " هو ضرير ما له في أنواع الأدب ضريب ، و مكفوف في قميص الفضل ملفوف ، و محجوب خصمه الألد محجوج ...
و هكذا استمر الشيخ على خطته المرضية في تدريس العلم لطلابه و تحرير مسائله بالكتابة و التأليف معتكفا على الطاعات إلى ما قبل وفاته بيومين حضر مجلسه عبد الحي الكتاني الفاسي فأجاز كل منهما صاحبه حسب الاجازة التقليدية العامة الجاري العمل بها بين العلماء على سبيل التبرك ووصل السند العلمي. و توفي إلى رحمة الله يوم السبت 22 ذي الحجة 1339هـ/17 أوط 1921م و دفن طيب الله ثراه بجوار قبر الشيخ محمد بن أبي القاسم داخل قبة الضريح بزاوية الهامل بوسعادة.
أبــ FARID ــو فيصل