شهود لا يموتون!
الكاتب:
جمال لعلامي
مات الرئيس الشاذلي بن جديد، لكن مذكراته وسيرته مازلت حية ترزق، مثلما مات الرئيس هواري بومدين، ومازال بعد 34 سنة رصيده حيا لا يموت، ومثلهما تاريخ الرئيس أحمد بن بلة، وغيرهم من رجالات الجزائر، بالرغم من نقاط الخلاف والاختلاف التي قد تجعل البعض يحجر عليهم أو يغمض عينيه عن الانجازات، ويركز كلامه وملامه على النقائص والإخفاقات!
المناسبة ليست مناسبة لنبش الجراح ورشّ الملح عليها، وحتى إن كان لكلّ إنسان هفوة ولكلّ جواد كبوة، فإن المناسبة هي فرصة للتوقف لحظة ولحظات، حتى يأخذ كلّ ذي حقّ حقه، وحتى لا يُظلم الرجال في قبورهم، ويُظلمون أمواتا بعدما ظـُلموا أحياء يرزقون!
لا يجب بأيّ حال من الأحوال، محاسبة الرجال أو معاقبتهم على الحاشية أو "بطانة السّوء" التي قد تـُلصق بهم، وحتى إن وجب على هؤلاء ضرورة تحمّل مسؤولياتهم، فإن على المؤرخين والباحثين أن يوقّعوا "معاهدة" للبحث عن الحقّ والحقيقة، بين غبار الماضي المرير والزمن الجميل!
من الطبيعي أن يكون لبن بلة وبومدين والشاذلي، أصدقاء بلغت بهم الصداقة إلى حدّ الوفاء والولاء معهم ظالمين أو مظلومين، وهناك أيضا خصوم وصلت بهم الخصومة إلى حدّ العداوة!
المؤلم أن رموز الرعيل الأول بدؤوا "ينقرضون" الواحد تلوى الآخر دون أن يتكلموا، وقبل أن يضعوا النقاط على الحروف، وهذه مصيبة حقيقية، أدخلت وستـُدخل الجزائريين، إن آجلا أو عاجلا، في نفق الشبهات والألغاز والضبابية والشكّ!
لماذا لم يتكلم بومدين حتى مات؟ لماذا لم يتكلم بن بلة حتى مات؟ لماذا لم يتكلم الشاذلي حتى مات؟ ولماذا لا يتكلم "صنـّاع" ومفجّرو الأحداث حتى ينتقلون إلى جوار ربهم، مثلما حدث مع بوضياف وبيطاط ومساعدية ومهري وبن خدة -رحمهم الله-، ويحدث أيضا الآن مع بوتفليقة وآيت احمد وياسف سعدي ومولود حمروش وعلي بن فليس والطيب الثعالبي والطاهر آيت علجت؟ وآخرون كثيرون ممّن هم "شهود حقّ" على مراحل حسّاسة وأحداث غيّرت مجرى تاريخ الجزائر المعاصر.
إن الجزائريين كانوا ومازالوا بحاجة إلى أن يسمعوا شهادات واعترافات هؤلاء وأولئك، من السابقين واللاحقين، يسمعون السلبي والإيجابي، الجميل والقبيح، الحسن والسيّء، حتى لا تختلط المفاهيم وحتى لا يذهب "المحرم في رجلين المجرم"، مثلما يقول المثل الشعبي الشهير!
نعم إن الصمت حكمة، وإن كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب، لكن ليس في كلّ الأحوال يُفيد الصمت وينفع، مثلما لا تنفع الثرثرة في كلّ الأمكنة والأزمنة، ومع ذلك من الأفيد للباقي المتبقي من البقية الباقية لبقايا "الشهود" أن يدلوا بشهاداتهم الحية، سواء كانت مفرحة أو محزنة، شريطة أن تكون بعيدة عن العقد والانتقام وتصفية الحسابات والضغائن والقلاقل!
الجزائر ليست بحاجة إلى من يوقظ آلامها، وليست بحاجة إلى من يصنع فتنة جديدة، وليست بحاجة إلى من يكسر الطابوهات بطريقة استعراضية.. إنها بحاجة إلى من يزرع الأمل والتفاؤل ويطيّب الخواطر، ويُنتج الأمن والسلم، ويحقـّق المصالحة بين كل الجزائريين، وبين "جيل الثورة" و"جيل الاستقلال".
.. إن الجزائريين بحاجة اليوم قبل الغد، إلى من يُعيد الحقوق إلى أصحابها كاملة غير منقوصة، وإلى من يعترف بأخطائه، وإلى من يعتذر عن خطاياه، فخير الخطّائين التوّابون!
تقييم:
0
0