قف : أنت فى النادى الأهلى لرجائى عطية
قف : أنت فى النادى الأهلى
حيث الكل فى الواحد .. والواحد للكل
بقلم : رجائى عطية
أحببت النادى الأهلى قبل أن أدخل بابه ، وعشقت لاعبيه قبل أن أشاهد أحدًا منهم ، وانتظمت منذ وعيت فى أسرته بمصاهرة أقوى وأمتن من أواصر الأعراق .. ليس مهمًّا فى أسرة النادى الأهلى من أنت .. فى هذا الكيان عبر نيف وقرن من الزمان ذاب الجميع فى بوتقة واحدة ، الرئيس هو والعامل فى الانتماء سواء ، كذلك الإدارة والأعضاء ، واللاعب والمشجع ، والنجم واللانجم .. فالنجم الوحيد الذى يذوب الجميع فيه عشقًا هو النادى الأهلى .. فى النادى الأهلى تعرف أن الكل فى واحد ، وأن الواحد للكل .. فى الشدائد وفى المسرات ، فى الإقبال وفى الإدبار ، فنحن جميعا نأتى ونروح ، ونجئ ونذهب ، ونظهر ونمضى ، ولا يبقى إلاّ النادى الأهلى .. نعيش فيه ، ويعيش فينا ، يضمنا فى باحته إحساس هائل بالانتماء ، يضوينا فيه ، ويضمنا معًا ، نعيش على قلب واحد ، وشعور واحد ، ونبض واحد ..
يوم روّعنا فى الأول من فبراير الماضى ، بمأساة بورسعيد ، فَقَدَ كلٌّ منا ونُكِبَ فى أربعة وسبعين شهيدًا .. هو المُعّزِّى والمعزَّى .. هو الطفل الذى تَيَتًّم ، والأم التى ثُكلت ، والأب الذى فُجع ، والزوجة التى تَرَمَّلت .. كان هذا ولا يزال هو الإحساس الذى غمر كل من ينتمى إلى القلعة الحمراء .. الكل مفجوع فى أرواحنا التى أزهقت ، وفى الفجيعة التى ألمت ببيت كل واحد منا .. فبيتنا واحد ، هو النادى الأهلى .. والبيت قد ألمّت به فاجعة دامية ، فبتنا جميعا أيتاما وثكالى وأرامل .. فى لحظة واحدة إنصهر الجميع فى جمرة هذه المأساة بقلوب واجفة ، ودموع سخينة .. لا يكاد الواحد يُعزِّى ويُعزَّى ، حتى يستحضر ماذا عليه بعد ذلك أن يفعل .. الكل خليةٌ واحدةٌ كخلية النحل ، ليس مهما أن تكون الملكة أو الملك ، أو أن تكون من الشغّالات .. المهم أن تقدم أقصى ما تستطيع .. فى كفكفة الدموع ، وجبر الخواطر ، وسد الاحتياجات ، ونزول الميدان للدفاع عن النادى الأهلى وشهدائه وأهاليهم ، عن جمهوره ولاعبيه ، عن أعضائه وإدارته , عن الألتراس وروابط المشجعين والمحبين .. فالخسارة قد لحقت بالجميع .. لا ينتظر أحد أن يوجهه أحد ، ولا أن يحثه أحد ، ولا أن يرشده أحد ماذا عليه أن يفعل .. أليس الكل فى واحد ، والواحد للكل ، إذن فأنت تعرف أن عليك أن تقدم لأسرتك المفجوعة فى بنيها أقصى ما تستطيع .. بلا تنافر أو تناقض أو إختلاف .. فالغاية واحدة ، والهدف واحد ..
فى هذا العزاء الضخم ، والمأتم الذى شملنا جميعا ، طفق كل منا يقوم بدوره الذى يعرفه ولا ينتظر أن يطالبه به أحد .. فى القضية التى فجرتها المأساة ، انصهرت الإدارة بكلها ، مع الخبرات القانونية التى يضمها البيت الكبير .. وليس مهما أن تكون قاضيًا أو محاميًا ، شيخا أو كهلا ، وإنما المهم أن تسارع وتطير إلى ما تستطيعه .. فى هذه المأساة وجدتنى إلى جوار الإدارة وفى قلبها ، وإلى جوار أسر الشهداء ومشاعرهم ، واللاعبين الذين شاهدوا المأساة وما ألمّ بهم ، والألتراس وما اعتراه .. لم تشغلنى المهمة القانونية التى تقدمت لحملها عن كفكفة خواطر أسر الشهداء ، ولا عن جبر خواطر من أتونى من الألتراس حزانى على من فقدوهم ، وحزانى على الضربة المعنوية التى أصابتهم ، دون أن يصرفنى صارف من هذه الصوارف عن المجهود الرئيسى الذى كرست نفسى له .. القضية ولوازمها ، ومعالجة الأدلّة ومقتضياتها ، ومتابعة التحقيقات ودراسة ما تفرزه أولاً بأول .. حتى مذكرة دفاعى التى وصلت إلى 208 صفحة يسرتها لكل أسر الشهداء والألتراس واللاعبين والأعضاء والجمهور والمحبين .. وأنت حين تنصرف إلى ذلك ،
لا يجوز لك أن تنشغل عنه أو أن تنصرف إلى سواه .. تابعت التحقيقات وقلبى مع أسر الشهداء ، وعينى على الألتراس .. لم تكن المهمة محصورة فقط فى الواجب القانونى والقضائى ، وإنما فى تهدئة الخواطر الوجلة القلقة المتشككة ، لتعرف ماذا يجرى ، وما لها وما ليس لها حتى لا نصادر على مسار تحقيقات لمست من البداية أنها جادة كل الجد ، متبتلة فى محراب العدالة كل التبتل ، ساعية إلى هدفها فى إحقاق الحق بلا مواربة .. فى اليوم الذى أعلنت فيه النيابة أمر الإحالة شاهداً على مهمة ضخمة أنجزتها ، كانت مظاهرة حاشدة تشق طريقها من حول النادى الاهلى إلى دار القضاء العالى هاتفة بما ينتابها من شكوك فى أن النيابة العامة قصرت ، دون أن تعرف المظاهرة المتحمسة أن النيابة قد أصدرت بالفعل قرار اتهام شاهدًا على صدق عزمها وعلى أمانتها وجديتها وعدلها .. من قلب هذا الحدث ، دخلت ودخلت الإدارة فى مهمة البيان والتوضيح ، وتنظيم الجهود لمرحلة المحاسبة التى بدأت خطواتها الأولى .. ولكن المحاسبة القضائية غير حسابات الناس ، وميزان العدل غير موازين الناس .. ولا بد لرحلة الدعوى القضائية أن تمضى فى مسارها وصولاً إلى غايتها من المساءلة والحساب ، دون أن يتوقف النادى الأهلى عن متابعة رسالته المتعددة الشعب والقنوات .. لا يصرفها صارف عن حقوق الشهداء ورعايتها أمام القضاء وفى قلوب الكل ، وعن الواجب إزاء أهالى الشهداء وإزاء الجماهير ، وعن لملمة ما حاق بالألتراس وباللاعبين وبالجهاز الفنى ، وعن متابعة الدعوى التى تسير سيرا محمودا نؤدى فيه واجبنا ، وعن حماية القلعة ذاتها من أن تنهار فتتحول هى ذاتها إلى شهيدة عاجزة عن جبر ما حاق بالشهداء وذويهم , وبالنادى ولاعبيه وجماهيره وأعضائه ..
لم ننس ، وليس يجوز أن ننسى ، أن الواحد فينا للكل ، وأن الكل فى واحد ، دون أن تتداخل الخطوط ، أو تنبههم الرؤية .. فانبهام الرؤية مضل ، واختلاط الأوراق بلبلة حمانا انتماؤنا للنادى الأهلى من الوقوع فيها .. فى حدودى أقدم ما أستطيع ، وكل فى حده لا يتجاوزه ، فالنادى الأهلى بقى وسيبقى فوق الجميع .. الذوبان فى حبه وعشقه ليس منزلقا إلى الاختلاف أو التنافر ، ولا إلى الهدم أو التدمير ، وإنما نور وهداية إلى البناء ومتابعة المسيرة التى انتظمتنا نيفًا ومائة عام ، فى انتمائنا الواعى الخلاق لهذه القلعة الشامخة التى عشنا فيها وعاشت فينا وستعيش بإذن الله إلى آخر الزمان ! نشر بجريدة المال بتاريخ 27/9/2012
حيث الكل فى الواحد .. والواحد للكل
بقلم : رجائى عطية
أحببت النادى الأهلى قبل أن أدخل بابه ، وعشقت لاعبيه قبل أن أشاهد أحدًا منهم ، وانتظمت منذ وعيت فى أسرته بمصاهرة أقوى وأمتن من أواصر الأعراق .. ليس مهمًّا فى أسرة النادى الأهلى من أنت .. فى هذا الكيان عبر نيف وقرن من الزمان ذاب الجميع فى بوتقة واحدة ، الرئيس هو والعامل فى الانتماء سواء ، كذلك الإدارة والأعضاء ، واللاعب والمشجع ، والنجم واللانجم .. فالنجم الوحيد الذى يذوب الجميع فيه عشقًا هو النادى الأهلى .. فى النادى الأهلى تعرف أن الكل فى واحد ، وأن الواحد للكل .. فى الشدائد وفى المسرات ، فى الإقبال وفى الإدبار ، فنحن جميعا نأتى ونروح ، ونجئ ونذهب ، ونظهر ونمضى ، ولا يبقى إلاّ النادى الأهلى .. نعيش فيه ، ويعيش فينا ، يضمنا فى باحته إحساس هائل بالانتماء ، يضوينا فيه ، ويضمنا معًا ، نعيش على قلب واحد ، وشعور واحد ، ونبض واحد ..
يوم روّعنا فى الأول من فبراير الماضى ، بمأساة بورسعيد ، فَقَدَ كلٌّ منا ونُكِبَ فى أربعة وسبعين شهيدًا .. هو المُعّزِّى والمعزَّى .. هو الطفل الذى تَيَتًّم ، والأم التى ثُكلت ، والأب الذى فُجع ، والزوجة التى تَرَمَّلت .. كان هذا ولا يزال هو الإحساس الذى غمر كل من ينتمى إلى القلعة الحمراء .. الكل مفجوع فى أرواحنا التى أزهقت ، وفى الفجيعة التى ألمت ببيت كل واحد منا .. فبيتنا واحد ، هو النادى الأهلى .. والبيت قد ألمّت به فاجعة دامية ، فبتنا جميعا أيتاما وثكالى وأرامل .. فى لحظة واحدة إنصهر الجميع فى جمرة هذه المأساة بقلوب واجفة ، ودموع سخينة .. لا يكاد الواحد يُعزِّى ويُعزَّى ، حتى يستحضر ماذا عليه بعد ذلك أن يفعل .. الكل خليةٌ واحدةٌ كخلية النحل ، ليس مهما أن تكون الملكة أو الملك ، أو أن تكون من الشغّالات .. المهم أن تقدم أقصى ما تستطيع .. فى كفكفة الدموع ، وجبر الخواطر ، وسد الاحتياجات ، ونزول الميدان للدفاع عن النادى الأهلى وشهدائه وأهاليهم ، عن جمهوره ولاعبيه ، عن أعضائه وإدارته , عن الألتراس وروابط المشجعين والمحبين .. فالخسارة قد لحقت بالجميع .. لا ينتظر أحد أن يوجهه أحد ، ولا أن يحثه أحد ، ولا أن يرشده أحد ماذا عليه أن يفعل .. أليس الكل فى واحد ، والواحد للكل ، إذن فأنت تعرف أن عليك أن تقدم لأسرتك المفجوعة فى بنيها أقصى ما تستطيع .. بلا تنافر أو تناقض أو إختلاف .. فالغاية واحدة ، والهدف واحد ..
فى هذا العزاء الضخم ، والمأتم الذى شملنا جميعا ، طفق كل منا يقوم بدوره الذى يعرفه ولا ينتظر أن يطالبه به أحد .. فى القضية التى فجرتها المأساة ، انصهرت الإدارة بكلها ، مع الخبرات القانونية التى يضمها البيت الكبير .. وليس مهما أن تكون قاضيًا أو محاميًا ، شيخا أو كهلا ، وإنما المهم أن تسارع وتطير إلى ما تستطيعه .. فى هذه المأساة وجدتنى إلى جوار الإدارة وفى قلبها ، وإلى جوار أسر الشهداء ومشاعرهم ، واللاعبين الذين شاهدوا المأساة وما ألمّ بهم ، والألتراس وما اعتراه .. لم تشغلنى المهمة القانونية التى تقدمت لحملها عن كفكفة خواطر أسر الشهداء ، ولا عن جبر خواطر من أتونى من الألتراس حزانى على من فقدوهم ، وحزانى على الضربة المعنوية التى أصابتهم ، دون أن يصرفنى صارف من هذه الصوارف عن المجهود الرئيسى الذى كرست نفسى له .. القضية ولوازمها ، ومعالجة الأدلّة ومقتضياتها ، ومتابعة التحقيقات ودراسة ما تفرزه أولاً بأول .. حتى مذكرة دفاعى التى وصلت إلى 208 صفحة يسرتها لكل أسر الشهداء والألتراس واللاعبين والأعضاء والجمهور والمحبين .. وأنت حين تنصرف إلى ذلك ،
لا يجوز لك أن تنشغل عنه أو أن تنصرف إلى سواه .. تابعت التحقيقات وقلبى مع أسر الشهداء ، وعينى على الألتراس .. لم تكن المهمة محصورة فقط فى الواجب القانونى والقضائى ، وإنما فى تهدئة الخواطر الوجلة القلقة المتشككة ، لتعرف ماذا يجرى ، وما لها وما ليس لها حتى لا نصادر على مسار تحقيقات لمست من البداية أنها جادة كل الجد ، متبتلة فى محراب العدالة كل التبتل ، ساعية إلى هدفها فى إحقاق الحق بلا مواربة .. فى اليوم الذى أعلنت فيه النيابة أمر الإحالة شاهداً على مهمة ضخمة أنجزتها ، كانت مظاهرة حاشدة تشق طريقها من حول النادى الاهلى إلى دار القضاء العالى هاتفة بما ينتابها من شكوك فى أن النيابة العامة قصرت ، دون أن تعرف المظاهرة المتحمسة أن النيابة قد أصدرت بالفعل قرار اتهام شاهدًا على صدق عزمها وعلى أمانتها وجديتها وعدلها .. من قلب هذا الحدث ، دخلت ودخلت الإدارة فى مهمة البيان والتوضيح ، وتنظيم الجهود لمرحلة المحاسبة التى بدأت خطواتها الأولى .. ولكن المحاسبة القضائية غير حسابات الناس ، وميزان العدل غير موازين الناس .. ولا بد لرحلة الدعوى القضائية أن تمضى فى مسارها وصولاً إلى غايتها من المساءلة والحساب ، دون أن يتوقف النادى الأهلى عن متابعة رسالته المتعددة الشعب والقنوات .. لا يصرفها صارف عن حقوق الشهداء ورعايتها أمام القضاء وفى قلوب الكل ، وعن الواجب إزاء أهالى الشهداء وإزاء الجماهير ، وعن لملمة ما حاق بالألتراس وباللاعبين وبالجهاز الفنى ، وعن متابعة الدعوى التى تسير سيرا محمودا نؤدى فيه واجبنا ، وعن حماية القلعة ذاتها من أن تنهار فتتحول هى ذاتها إلى شهيدة عاجزة عن جبر ما حاق بالشهداء وذويهم , وبالنادى ولاعبيه وجماهيره وأعضائه ..
لم ننس ، وليس يجوز أن ننسى ، أن الواحد فينا للكل ، وأن الكل فى واحد ، دون أن تتداخل الخطوط ، أو تنبههم الرؤية .. فانبهام الرؤية مضل ، واختلاط الأوراق بلبلة حمانا انتماؤنا للنادى الأهلى من الوقوع فيها .. فى حدودى أقدم ما أستطيع ، وكل فى حده لا يتجاوزه ، فالنادى الأهلى بقى وسيبقى فوق الجميع .. الذوبان فى حبه وعشقه ليس منزلقا إلى الاختلاف أو التنافر ، ولا إلى الهدم أو التدمير ، وإنما نور وهداية إلى البناء ومتابعة المسيرة التى انتظمتنا نيفًا ومائة عام ، فى انتمائنا الواعى الخلاق لهذه القلعة الشامخة التى عشنا فيها وعاشت فينا وستعيش بإذن الله إلى آخر الزمان ! نشر بجريدة المال بتاريخ 27/9/2012