فضاءات الجديدة (البلدية)

الجديدة (البلدية)

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـجماعة
المصطفى بنوقاص
مسجــل منــــذ: 2012-08-02
مجموع النقط: 2517.83
إعلانات


بؤس الغزَل

×××××

الحبيب الدائم ربي

يخيل إليّ، أحيانا، كما لو أن كثيرا من الشعر، وشعر العرب بالأساس، باطل، خاصة ذاك الذي قيل في المدح والهجاء والغزل.. ولئن كانت له من قيمة فهي لا تبرح التأريخ لذهنية

تتحكم فيها الانفعالات والأهواء، بدل التفكير والتأمل. صحيحٌ أن القول الشعري صدى لاختلاجات النفس الجوانية وارتكاساتها إزاء ما يحوطها (ويحيطها) من مؤثرات خارجية، لكن المحكّ هنا هو صدق العاطفة، الذي وإن كان خصيصة نوعية لشعرية الشعر، فإننا لا نملك لاختباره عيارا، وتلك هي المشكلة..
قد نتفهم الدّواعي التي تدفع شاعرا للمديح، فالحاجة وقلة ذات اليد قد تبيحان للفرد، عند الضرورة، ما لا يباح. و»غير الحر» مستعد ليأكل ويتكسّب بما وسعه فأحرى بلسانه. كما أن الذي لا يعرف كيف يذود عن الحياض بيده وسيفه قد يدفع عنها الأذى بضجيج الشعر. يا لخسارة الشعر والشعراء!.. ومع ذلك، فإن غير المفهوم لديّ هو هذا الركام من شعر الغزل في المرأة على امتداد التواريخ والقارات.. غزل، غزل، غزل.. حتى إنه من فرط مبالغته ونمطيته وركاكته صار أشبهَ بفضيحة. فمن خلاله ما عادت المرأة امرأة، وإنما صارت وثناً، مُومياءَ، صورة في إطار.. لا صلة لها بالواقع ولا بالحياة، في نثريتها المعتادة. والأمر هنا لا يتعلق ببؤس مخيّلة رجالية وحسب، وإنما بتضخيم لأنا نسائية جرّاء كلام مطلق على العواهن، يتم تصديقه كلما قيل وأُعيدَ.. واللوم ليس على المرأة، وحدها، التي باتت، مع الأزمنة، سجينة قولٍ وجسد، وإنما، وبالدرجة الأولى، على الرجل، الذي «صنع» من اللغة امرأة من وهم!.. ليغدوَا معا سجينـَي تمثلات مريضة: تمثلات الرجل عن المرأة وتمثلات المرأة عن ذاتها، من خلال ما قاله ويقوله الرجل عنها، وبالتالي تمثلاتها عن الرجل انطلاقا من هذا الهوس السوريالي..
لا يعني هذا أن المرأة لا تستحق التشبيب والدلال لجمالها ومالها وأخلاقها، فهذا ما لا يتهارش في شأنه « قانوعان»، وهي، في كل الأحوال، جديرة بالحب والتوقير، بيد أن إطراءها الزائد تبخيس فعليّ لقيمتها المطلقة وحط من مكانتها الاعتبارية في معادلة الكينونة الحقة، أي باعتبارها ذاتاً غيرَ مشروطة بأحكام ذكورية مكبّلة بعُقد الحرمان والخصاصة، حتى أني أفترض، في بعض الحالات، أن بعض النساء صرن يتضايقن ممن لا يرى فيهنّ سوى زينتهن الجسدية. وأغلبيتهن، والحال هذه، انسقن مع الأكذوبة، فغدت أجسادهنّ سجونا تحول دون إبراز ممكناتهن البشرية في الخلق والإبداع.
لقد اختزل الشعراء، والرجال عموما، النساءَ، ولأحقاب عديدة في مظاهرهن الجسدية... وكأنّ النسوة اللواتي لم يكنْ من نصيبهن حظ وافر من الجمال لا قيمة لهن وغيرُ جديرات بالمحبة والحياة... هذا إذا افترضنا، ظلما، أنّ هناك من هنّ بلا جمال.. وطبيعيّ أن نظرية سطحية، كنظرة الشعراء المتغزلين، لا ترى الجمال سوى جسد يتثنى أو يسيل أو يتمايل، وما عداه بشاعة –يا لبشاعة الشعر حين لا يتقرى في الأفق الممتد وفي الأعماق جمالا وجلالا!.. والواقع أن الجمال حدس تعوزه الضوابط، وكلما اتـّسعت الرؤية صارت للجمال ضوابط معقولة. ولعل البيولوجيا تـُعلمنا كيف أن الذكور هم القمينون بتقمص «القيمة» الجمالية في أجسادهم هم، كما هو الشأن لدى ذكورالطيور والطواويس والأفراس وسواها من الكائنات الحيوانية، التي تتخذ من جاذبية أجسادها طـُعماً لاستقطاب الغرائز الأنثوية، وهذا ما لم يفعله بنو البشر، إلا نادرا، لأسباب تظل عندنا مدعاة إلى التساؤل. فللحفاظ على استمرار الحياة وجودة السلالة، في الفصيلة البشرية، كان من المفروض أن يُوليّ الرجال قدْرا معتبرا لـ»زينتهم» الجسدية، عدا الحروشة والاخشيشان، وهذا ما لم يفعلوه وأوقعوا في فخه نساءهم بكلام بئيس، مُمعنٍ في التفاصيل، يُكرّس الجسد الأنثوي للتكلس والصنمية المجانية.
إن الحياة جميلة، يا أصدقائي ويا صديقاتي، كما قال ناظم حكمت، ولكنها ليست محضَ جسدٍ ولا قول يمجد الجسد، لا غير..




تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة