فضاءات الاحراز

الاحراز

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر قطب محمد سليمان
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 52
إعلانات


الأثرة آفة الأخوة والمجتمع


الأثرة حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم منها الأنصار، فعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلانًا، قَالَ: "سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ" (متفق عليه)، ونحن أنصار اليوم لدعوة الله عز وجل، ونريد أن نكون على نهجهم ونقتفي أثرهم لنحشر معهم، ونلقاه صلى الله عليه وسلم على الحوض غير مبدلين وإنما بسنته عاملين، ومن منطق سيدنا حذيفة رضي الله عنه حين قال: "كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، فكانت هذه الوقفة لمحاولة الوصول إلى تشخيص وعلاج مرض الأثرة الذي انتشر في المجتمع وسبل الوقاية من صيدلية الإيمان ومستشفى علاج النفس.
وبدايةً أتحدث عن الأثرة بمفهومها الواسع في جميع المجالات المادية والمعنوية ليس في مجال المال وحسب، وإنما في مجالات الدنيا الواسعة، وهناك آفات أخرى نحذِّر منها مرتبطة بمرض الأثرة وهي الشح والبخل.
والشح (أشد البخل والحرص على متاع الدنيا)، وهو من الأمراض التي تستحيل معها الأُلفة والحياة الجماعية والتعاون، وإذا جف الخير من القلوب، وعم الشح، فمن يجرؤ على الإقدام على مشروع خيري، أو أية منافع تُؤَدى إلى الناس؟، وإذا عم الشح فكيف يقوم جهاد أو تكون مواساة أو تقوم دولة؟.
والشح قد يكون في صورة إعطاء الأفراد لدعوتهم فضول أوقاتهم، وليس أفضل أوقاتهم؛ لنشرها وحمل الخير لكل الناس، وعدم البذل في كل صوره بالصورة المطلوبة التي تحقق قيام الجماعة المسلمة بمهامها.
والله تبارك وتعالى خلق النفس البشرية، وأنزل لنا الكتاب يتحدث عن هذه النفس ويرشدها، فقال تعالى: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)? (التغابن)، وقال تعالى: ?وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) ? (آل عمران)، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عن الشح، فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والإعلانية، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضا والغضب" (رواه البيهقي)، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ" (رواه الترمذي).
وأسباب الأثرة والشح والأنانية التي نرى مظاهرها في حياة الناس حتى في المساجد، كثيرة ومتعددة نذكر منها:
- ضعف الإيمان في النفوس، فكلما هبط مؤشر الإيمان كلما زادت الأثرة، وكلما علا مؤشر الإيمان حل الإيثار مكان الأثرة.
- حب الدنيا والتنافس المذموم، قال الأصمعي: "سمعت أعرابيًّا وقد وصف رجلاً فقال: لقد صغر فلانٌ في عيني لعظم الدنيا في عينيه"، والآيات الواردة في القرآن كثيرة, تضع الدنيا في ميزانها الصحيح، فقال تعالى: ?اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)? (الحديد)، ?بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) ? (الأعلى)، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم متعددة؛ ومنها، ما رواه أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ" (رواه مسلم)، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ" (رواه الترمذي)، وعَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى" (رواه أحمد).
وقيل إن عيسى علية السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم، قال فكلهم مات عليك أو كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى عليه السلام: بؤسًا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف تهلكيهم واحدًا بعد واحد، ولا يكونون منك على حذر.
وقيل: مَثلُ طالب الدنيا مِثلُ شارب ماء البحر، كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا حتى يقتله.
والعاقل من دان نفسه وأخذ من الدنيا للآخرة، واعتبرها دار ممر إلى دار المستقر.
وحين تعلم أن غثاء السيل الذي وصف به النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين هو بسبب الوهن الذي ينتج عن حب الدنيا وكراهية الموت، تدرك على الفور سبب ضعف الأمة واستباحة حرماتها.
- نسيان الموت وطول الأمل، حينما ينسى الإنسان الموت ويتشبث بالدنيا فإن بوصلة الحياة تنحرف وتسير سفينة الحياة في ظلمات البحار المتلاطمة الأمواج فتهلك، ويؤدي ذلك إلى عدم قيام العبد بما عليه من حقوق لله وللعباد، ويتخذ إلهه هواه وتقوده الشهوات المذمومة إلى طريق الخسران، أما حين يكون الموت رأي العين في حياتنا، في موتتنا الصغرى (النوم) كل يوم وفيما نشيع من جنائز، وفيما نقرأ عن وفيات على صفحات الجرائد؛ فإن النفس تتخلص من شحها، وتحزم أمتعتها، وتقلع في رحلة الطيران إلى الدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم.
الشهوات المذمومة، هي التي تخرج عن حاجة الإنسان، وعن النعم التي أخرج الله لعباده والطيبات من الرزق، ويتحول الإنسان إلى طالب شهوة يسعى طوال حياته لقضائها، فيؤدي ذلك إلى التنافس المذموم والتطاحن على الدنيا الفانية، وعلى رأس الشهوات المذمومة شهوات البطن، والفرج، والطمع، والحسد، وحب الجاه، والكبر.. وكل ما يؤدي إلى سوء الأخلاق.
والإسلام بكل آفاقه وتعاليمه يؤدي إلى تهذيب الشهوات لتصبح منجية وليست مهلكة، يقول الله تعالى: ?قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)? (الأعراف).
- رفقاء السوء، الصحبة في حياة الإنسان من أهم عوامل ارتقائه أو انحطاطه، قال الله تعالى: ?الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)? (الزخرف)، ولذلك نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية ذلك، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ" (رواه أحمد)، والقدوة في حياة الناس هي النماذج المؤثرة بالسلب والإيجاب، وكلما زادت معاني الأخوة والإيثار بدأ الجسد في التعافي والمثول للشفاء؛ اقتداءً بأهل الأسوة الحسنة فيمن يعيشون بيننا.
- عدم محاسبة النفس، إن النفس تحتاج إلى تعاهد يومي بل كل ساعة قبل أن تشرد، قال تعالى: ?قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)? (الشمس)، والمسلم هو من يستطلع خبايا نفسه، ويستكشف دقائقها هل انزلقت إلى طريق الأنانية والأثرة، أم هي في ثبات وعلو إلى طريق الإيثار والجود؟!.
تلك هي بعض الأسباب الرئيسية وهي محاولة للتشخيص الدقيق والكشف المبكر قبل أن يستفحل المرض.
أما عن العلاج فلنا معه جلسة إيمانية وتوجهات تربوية ونصائح عملية، واللهَ أسأل أن يرزقنا حسن الفهم وخالص العمل.

بقلم: الشيخ محمد عبد الباسط محمد مصطفى

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة