نصر من الله وفتح قريب
يقول ابن عطاء الله: (لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبًا ليأسك، فهو ضمن لك الإجابة، فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد).
ولكن هذا النصر يقتضي
أولاً: مناجاة على طريق الدعوة.
ثانيًا: تقديم إخواننا على أنفسنا.
ثالثًا: حب حقيقي للمجتمع.
أولاً: المناجاة على طريق الدعوة
ثم إن العمل على طريق الدعوة:
لا تغني فيه الكفاءة الإدارية والدقة في التنظيم والحركة إذا لم يصاحب ذلك ويعلو عليه الزاد الروحي وقوة الصلة بالله؛ بما يؤهل لتوفيق الله وللحفظ من الخطأ والانحراف، والمناجاة وسيلة لجلب هذا الزاد، والعمل على طريق الدعوة يعتمد على تزكية النفوس، ولا يقدر على ذلك إلا من تزود ليفيض على غيره وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه.
والعمل على طريق الدعوة:
يحتم على العامل أن يعرض بين الحين والحين عمله وإنتاجه على من له الأمر كله والذي يجازيه على عمله، مستلهمًا إياه قبول ما وفقه إليه من عمل صالح.. ومستغفرًا إياه عما حدث منه من تقصير، ويسأله الرشد والسداد والعون، وما أجمل أن يتحقق ذلك في ظل المناجاة!!.
وأثناء العمل على طريق الدعوة:
يدخل الشيطان ويوقع الخلاف بين العاملين وقد يتعوق أو يتعثر الإصلاح بينهم، وتعتصر القلوب الصادقة ألمًا لهذه الحال.. فمن غير الله يلجأ إليه ويطلب منه أن يعيذهم من نزغ الشيطان.. ويؤلف بين القلوب، ويصلح ذات البين!.
لا بد من: (.. تذكير الدعاة المتوغلين في درب السياسة بأن بلوغ هذه الأعماق ينحت، ولا بد من رصيد القلوب، وأن التربية وظيفة دائمة في الأداء الدعوي، لا ينبغي أن ينساها أحد، ولا يتكبر عليها واهم، وهي عند كثافة الانشغال بيوميات السياسة والتنمية أشد لزومًا من أيام النشأة والعزلة، ولا بد من تصحيح النوايا وموعظة النفس والانطلاق من عند ركن المحاريب إلى أداء الخطط المتقدمة!!).
ملازمة المحراب وإحياء الربانية وفقه الدموع والخشوع ونهوض الفجر والمناجاة والانكسار والاستغفار بالأسحار؛ هي معادلات الإيجابية.
ثمن النصر: العبودية المتضرعة
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بكل الأسباب المادية بين يدي غزوة بدر ومع ذلك؛ يجأر إلى الله تعالى بالدعاء مساء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان ويقول: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني"، وظل يناشد الله متضرعًا وخاشعًا، وهو يبسط كفيه إلى السماء حتى أشفق عليه أبو بكر رضي الله عنه فالتزمه من ورائه، وقال له: يا رسول الله! أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزنّ الله لك ما وعدك، وأقبل المسلمون أيضًا يستنصرون الله ويستغيثونه ويخلصون له في الضراعة!.
ثانيًا: تقديم إخواننا على أنفسنا
فالعمل العام يقتضي أن نقدم أحدنا ونقاوم شح النفس، ونفرح عندما يبرز أحد الإخوان في مكان ما، وكثيرًا ما نخفي أنفسنا ونقدم إخواننا على أنفسنا دون أن يشعر أحد بنا؛ فمن فضل الله على هذه الدعوة أنه يسوق إليها بين الحين والآخر رجالاً، امتزجت الدعوة بدمائهم وأُشربت بها نفوسهم، وفقهتها عقولهم، فصاروا هم الدعوة، والدعوة هم، إذا فكروا فلها، وإذا تحدثوا فعنها، وإذا صمتوا فشغلاً بها، وإذا حاربوا فلنصرها؛ هي همهم بالليل وشغلهم بالنهار، إذا أكلوا وشربوا، إذا ناموا وقعدوا، إذا تحدثوا وصمتوا، إذا فكروا واهتموا، في كل أحوالهم يعيشون بالدعوة وللدعوة، فبأمثال هؤلاء يكون النصر والتمكين.
ثالثًا: حب حقيقي للمجتمع
ونحن نتقدم لإرشاد المجتمع وحشد الجهود من أجل حريته وعدله وتنميته، فلا بد أن نعطهم من مشاعرنا ما يؤكد حبنا لهم (رغم القيود والحصار ومحاولات الإقصاء السياسي والاجتماعي)، فإن الله لم يخلق لنا العواطف إلا لنتبادلها ونتعامل بها، فلنفتح كنوز عواطفنا ونعطهم من مشاعرنا ما يؤكد حبنا، ويرضي قلوبهم ونفوسهم.
فكما أن المال جعله الله ليتداول بين الناس لا ليكنزوه، فكذلك كنوز العواطف لا نكنزها في قلوبنا، بل ننفق من كلماتنا نسعد قلوب من حولنا.
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليُسعِد النطقُ إن لم يسعد الحال
بقلم: الشيخ محمد عبد الباسط محمد مصطفى