فضاءات الاحراز

الاحراز

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر قطب محمد سليمان
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 52
إعلانات


الإصلاح.. فريضة الوقت للدعاة


كلما فسد المجتمع البشري أرسل الله رسولاً برسالة، أو قفّى على أثره بنبي لإجراء عملية الإصلاح، ودائمًا كانت عمليات الإصلاح تتم على أساس عقيدة التوحيد ?اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ? (الأعراف: من الآية 59)، فكانت "لا إله إلا الله" هي المرتكز والمنطلق.
ولقد مضت دعوات الإصلاح بغير التوحيد متعثرة، ولم تتحقق طموحات فلاسفة اليونان-مثلاً- وهم أعلى مفكري البشر، لم تحقق دعواتهم ما توهموه من إصلاحات مثالية- حسب تصوراتهم- لم تتحقق تصورات أفلاطون بإنشاء "المدينة الفاضلة"، وبقيت تصوراته حبرًا على ورق!.
وجاء لينين، ومن بعده ستالين، ثم ماو تسي تونج، وغيرهم، متوهمين تحقيق أفكار وتصورات "كارل ماركس" الشيوعية"، بما ادعاه من كفاية وعدل، فما تحقَّق شيء من ذلك، بل حدثت مظالم، ومذابح!! (راجع في ذلك كتاب "الإسلام في وجه الزحف الأحمر" للشيخ محمد الغزالي- رحمه الله).
إن جميع التصورات البشرية للإصلاح هي مجرد أوهام وخيالات إما مثالية غير واقعية (فلاسفة اليونان)، أو هي أهواء وشهوات (الليبرالية أو الرأسمالية أو الديمقراطية)، (راجع في ذلك كتاب "الإسلام والرأسمالية للشهيد سيد قطب- رحمه الله").
لقد تصادمت التصورات الشيوعية أو الاشتراكية أو الماركسية، مع التصورات الليبرالية أو الرأسمالية أو الديمقراطية... ودفعت أجيال البشرية أثمانًا غالية للفكر البشري الذي أهلك الملايين وعبث بالثروات.
الإصلاح الإلهي
وتناول الإصلاح الإسلامي بمنهجه الرباني جميع جوانب الحياة، وجمع وسائل الإصلاح لكل صور الفساد؛ جاعلاً العمل بها، إيمانًا بالعقيدة، وعملاً بالشريعة، وأورد عدة صور لذلك في القرآن الكريم، ومنها:
1- الفساد الاقتصادي:
حدث فساد في الاقتصاد (التداول المالي) في "مدين" ديار وقوم شعيب- عليه السلام-، حدث فساد في البيع والشراء، وحدث خلل في الموازين والمكاييل، فأرسل الله نبيه لإجراء عملية الإصلاح ?وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)? (هود).
كان الفكر الاقتصادي عند قوم شعيب قائمًا على ?أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ? (هود: من الآية 87)، وغابت عنهم، أو هم غيّبوا حقيقة أن المال مال الله، فكان منهج الإصلاح في دعوة شعيب- عليه السلام- قائمًا على:
1) الدعوة إلى توحيد الله- جل في علاه- ?اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ?.
3) التصدي للفساد العام ?وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)? (الأعراف)؛ لأن الفساد الاقتصادي يؤدي إلى فساد عام.
ثم حدث الجدل المشابه لما يحدث اليوم بين دعاة الإسلام والوثنيين والعلمانيين أتباع الشرق والغرب، وكثر الجدل وتعددت أساليبه مثلما يحدث اليوم بين الشيوعيين أو الليبراليين والإسلاميين، فألقى شعيب- عليه السلام- البيان الأخير قبل التدمير ?وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)? (هود)، انتهت رسالة الإصلاح بنجاة الداعية وأتباعه، وهلاك المفسدين.
*****
2- فساد الفطرة (العادات- السلوكيات- الأخلاق):
حدث الفساد في "سدوم" من بلاد الشام، فجاءهم المصلح نبيًّا من "بابل"- العراق حاليًّا- أرسل الله "لوط" إلى هؤلاء الفاسدين المفسدين ?وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ? (العنكبوت)، ?إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)? (الأعراف).
قطع لوط- عليه السلام- أشواطًا يدعوهم إلى الله، ويحذِّرهم من التمادي في شذوذهم عن الفطرة السليمة في الممارسة الجنسية ?أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)? (الشعراء).
وقبيل ساعات هلاك هؤلاء القوم "الشواذ" يعرض علينا القرآن هذا المشهد ?وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)? (هود).
إذن فالقوم مصرُّون على فسادهم وإفسادهم حتى مع ضيف "لوط"- عليه السلام- وما دروا أن هؤلاء الضيف قوة خاصة من الملائكة، ولكن في هيئة بشر، جاءوا لتنفيذ مهمة الإجهاز على الفاسدين المفسدين ?قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)? (هود).
إن السلوكيات الفاسدة المتعلقة بالشهوات تستدعي الفاسدين لمقاومة الإصلاح بشدة، هذا ما توضحه قصة الإصلاح الذي دعا إليه، وقاده النبي "لوط" عليه السلام.
فعلى دعاة الإصلاح أن يطيلوا صبرهم على الفاسدين من مدمني الشهوات، وسوف ينتهي مشهد الفساد السلوكي والانحراف الفطري نهاية حاسمة.
إن "تسونامي" الذي اجتاح جنوب آسيا منذ سنوات يحدثنا بمشاهده المتعددة، وفي عدد من البلدان أن العقوبة التي نزلت بقرية الشواذ "سدوم" تتكرر؛ لأن قصة سدوم مجرد نموذج، وليست حدثًا تاريخيًّا فقط ?فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)? (الحجر).
ومثل تسونامي المحيط الهندي حدث زلزال ذمار باليمن 1982م.
والأحداث تتكرر حوالينا منذ أغادير في المغرب ومرورًا بالأصنام في الجزائر.
*****
خلاصات في موضوع الإصلاح:
2- أرسل الله الرسل والأنبياء لإصلاح المجتمعات، وبانتهاء إرسال الرسل صار أتباع محمد- صلى الله عليه وسلم- هم المكلفون بالإصلاح، وبات عملهم له فرض كفاية، لا بد أن يعمل لها الأشخاص، أو الجماعات والحركات.
3- لا يوجد منهج للإصلاح في جميع الأزمان بعد وفاته- صلى الله عليه وسلم- سوى المنهج الإسلامي، وقد جُرّبت الشيوعية أو الاشتراكية أو الماركسية، ثلاثة أسماء لشيء واحد… وجُرّبت الرأسمالية، أو الليبرالية، أو الديمقراطية (العلمانية secularism) وهي أيضًا ثلاثة أسماء لشيء واحد، فكانت نتائج التجربتين فشلاً (خرابًا ودمارًا) ومزيدًا من الفساد في العالم البشري جميعه.
4- على المسلمين أن يعملوا بدأب وإصرار على إجراء عمليات الإصلاح في العالم كله بلا وجل أو تردد أو خوف ?يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ? (المائدة).
5- عمليات الإصلاح لها مسميات عديدة، كلية أو جزئية:
* فهي الدعوة إلى الله.
* وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* وهي الإصلاح.
* وهي النصح والنصيحة.
* وهي الإنقاذ الإسلامي.
* وهي العمل لإعادة الخلافة الإسلامية.
* وهي إعادة الأحكام الشرعية إلى أنظمة الحكم، والانخلاع من الأحكام الوضعية الجاهلية.
* وهي إعادة الوحدة الإسلامية وإلغاء ما يسمى الحدود "اللورنسية"، وإلغاء الواقع الشاذ الذي صنعه الوزيران "سايكس" و"بيكو".
* وهي كل إصلاح "محدود"، أو "واسع" بين قبيلتين، أو بين بلدين، أو بين جماعتين أو بين حزبين، بل بين كل زوجين، أو أخوين.
فإلى الإصلاح تمضي خطانا... وللإصلاح فقه، وللمصلحين سمات وصفات، ولهذين أحاديث أخرى.
1- الفساد ينتاب المجتمعات البشرية بفعل فئات المفسدين على اختلاف أنواعهم.
بقلم: الشيخ محمد عبد الباسط محمد مصطفى

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة