فضاءات الاحراز

الاحراز

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر قطب محمد سليمان
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 52
إعلانات


نعمة الرضا

بقلم: الشيخ محمد عبد الباسط محمد مصطفى
- هل تريد أن تصعد معنا في سلم الرضا؛ لتصل إلى تلك المنزلة التي سار فيها السالكون في مدارجهم، فوصلوا إلى راحة القلب، وسعادة النفس، فهيا بنا نرتقي لعلنا نلتقي وندعو الناس إلى هذا الخير والخلق القويم.
- الرضا هو ارتفاع الجزع في أي حكمٍ كان، وقيل استقبال الأحكام بالفرح، وقيل سكون القلب تحت مجاري الأحكام.
- وثمرة الرضا في جميع حالات الفرح والسرور بالله تبارك وتعالى، وسُئل عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "أسألك الرضا بعد القضاء"، فقال: "لأن الرضا قبل القضاء عزمٌ على القضاء، والرضا بعد القضاء هو الرضا".
- ويتعلم العبد الرضا إذا درَّب نفسه على الطمأنينة، فالرضا وليد الطمأنينة قال تعالى: ?يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً(28)? (الفجر)، فالطمأنينة والبشارة تتحقق بشرط وفاتهم طيبين، فعند الموت إذا أراد الله قبض النفس اطمأنت إليه، فيرضى الله عنها، ويقال لها عند البعث: ?فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)? (الفجر).
- والرضا هو أساس الإيمان، وفي الحديث الشريف: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً"، فالرضا بالألوهية يتضمن الرضا بمحبته وحده، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، وعبادته، والإخلاص له.
- والرضا بالربوبية يتضمن الرضا بتدبيره لعبده وإفراده بالتوكل عليه، والاستعانة به، والثقة به، والاعتماد عليه، والرضا بكل ما يفعله، والرضا بنبيه يتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، ولا يرضى بغير حكمه بديلاً، والرضا بدينه فهو الرضا بكل أمرٍ أو نهي ولو كان مخالفًا هوى نفسه.
ومن الناس مَن يرضى بالله ربًّا ولكنه يتخذ من دون الله وليًا وناصرًا يتحاكم إليه، ويرضى بحكمه، وهذا يناقض التوحيد.
أهمية الرضا وثمراته:
- أن الرضا له ثمرات لها أهميتها وأثرها في الترقِّي إلى أعلى المنازل:
1- فمن تمام العبودية أن تعبده على ما تكره كما تعبده على ما تحب ولا تقع العبودية إلا بالصبر والتضرع والذل والخضوع، ولا يتم ذلك إلا بالرضا بالقضاء بما تكره.
2- إن السخط باب الهم والغم والحزن، والرضا يخلصه من ذلك كله، ويفتح له باب جنة الدنيا، والطمأنينة، والسكينة.
3- إن السخط يفتح باب الشك في الله وقدره وحكمه وحكمته، فالرضا واليقين أخوان، والشك والسخط قرينان.
4- أن من لم يرضَ بقضائه، فهو كإبليس اللعين الذي لم يرضَ بحكم الله وقضائه، ومن ملأ قلبه بالرضا ملأ الله قلبه غنًى وأمنًا وقناعةً ومحبةً وإنابة، فالرضا يُفرِّغ القلب لله، والسخط يُفرِّغ القلب من الله.
5- إن الشيطان يظفر بالإنسان عند السخط، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه "يحزن القلب، وتدمع العين، ولا نقول إلا ما يرضي الرب" (رواه البخاري).
6- أن حكم الرب ماضٍ في عبده، وقضاءه عدل فيه، كما في الحديث "ماض فيَّ حكمك، عدل في قضاؤك" (رواه أحمد)، ومن لم يرضَ بالعدل فهو من أهل الظلم وقوله "عدلٌ فيَّ قضاؤك" يعم قضاء الذنب وقضاء أثره وعقوبته فإن الأمرين من قضائه عزَّ وجلَّ وهو أعدل العادلين.
أما عدل العقوبة فظاهر، وأما عدله في قضائه بالذنب فلأن الذنب عقوبة على غفلته عن ربه، وإعراض قلبه عنه.. فإنه إن غفل.. ونقص إخلاصه استحق عقوبته، فالعقوبات واردة على الغافلين من كل جهة، وإلا فمع كمال الإخلاص والذكر والإقبال على الله، يستحيل صدور الذنب، كما قال تعالى: ?كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)? (يوسف: من الآية 24).
7- أن رضا الله عن العبد أكبر من الجنة وما فيها.. قال تعالى: ?وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَر? (التوبة: من الآية 72).
8- أن الرضا يقلل الهم، قال أحد الصالحين: "ألق نفسك على القدر حيث ألقاك، فهو أحرى أن يفرغ قلبك ويقلل همك".
9- أن الرضا يفتح له باب السلامة، فيجعل قلبه سليمًا نقيًّا من الغش والغل، لا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، فالخبث والغش قرين السخط.
10- أن الرضا يثمر الشكر الذي هو من أعلى المقامات، والسخط يثمر ضده وهو كفر النعم.. فإذا رضي العبد أوجب له ذلك الشكر، فكان من الشاكرين وإذا كان من الساخطين، سلك سبيل الكافرين.
الدعاء لا ينافي الرضا:
- لا يقدح في مقام الرضا أن يسأل العبد ربه وفي الحديث: "مَن لم يسأل الله يغضب عليه" (رواه بن ماجة)، وربما يفتح الدعاء للعبد إجابة من الله ما هو أكثر من طلبه وحاجته، وأما ما ينافي الرضا فهو يسأل الله، وهو يلح متحكمًا متخيرًا عليه ما لم يعلم.
الرضا بالمكروه:
- الرضا والكراهية ضدان لا يجتمعان، فلا يشترط في الرضا هنا ألا يحس بالألم والمكروه؛ لأن هذا ممتنع على الطبيعة، ولكن لا يعترض على الحكم ولا يسخطه، ويمكن القول بعدم التناقض؛ لأن وجود التألُّم وكراهة النفس له لا ينافي الرضا، فمثلاً المريض يشرب الدواء الكريه، والصائم في اليوم الشديد الحرراة، والمجاهد الذي يقبل على الجهاد بالنفس والمال.. وهو غاية الرضا.
- ومن فضائل الرضا ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بعبد خيرًا أرضاه بما قسم له"، وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود: إنك لن تلقاني بعمل هو أرضى لي عنك، ولا أحطَّ لوزرك، من الرضا بقضائي.
- ونظر علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى عدي بن حاتم كئيبًا، فقال: يا عدي: ما لي أراك كئيبًا حزينًا؟ فقال: وما يمنعني فقد قُتل ابناي، وفُقئت عيني فقال: "يا عدي! من رضي بقضاء الله جرى عليه، وكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله".
- ودخل أبو الدرداء- رضي الله عنه- على رجلٍ وهو يموت ويحمد الله تعالى، فقال أبو الدرداء: "أصبت، إن الله عزَّ وجلَّ إذا قضى قضاءً أحب أن يرضى به".. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، وقال علقمة في قوله عزَّ وجلَّ: ?فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً? (النحل: من الآية 97) قال: الرضا والقناعة.
- وقال صلى الله عليه وسلم: "ما قضى الله لمؤمنٍ من قضاء إلا كان خيرًا له" إسناده حسن وفي الحديث الآخر: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله تعالي إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط"، فارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وفي الحديث: "إن الله تعالى يتجلَّى للمؤمنين فيقول: "سلوني" فيقولون "رضاك"، فسؤالهم الرضا بعد النظر نهاية التفضيل، فإنما سألوه الرضا لأنه سبب دوام النظر.
هذه مقتطفات من مدارج السالكين لابن القيم، ومن منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى التحلِّي بخلق الرضا، واتباع كل الوسائل التي تصعد بنا إلى هذه المنزلة، وأهمها زيادة الإيمان والالتحام بجماعة المؤمنين والصبر على الابتلاء والعمل لهذا الدين وحسن العبادة حتى يأتينا اليقين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة