فضاءات الاحراز

الاحراز

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر قطب محمد سليمان
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 52
إعلانات


"إبراهيم" هذا الزمان

بقلم: الشيخ محمد عبد الباسط محمد مصطفى
الحمد لله الذي خصَّنا بخير كتابٍ أُنزل وبخير نبي أُرسل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا، ثم أما بعد.
- هل من الممكن أن يكون الفرد الواحد بعمله وخلقة وعقيدته أمةً كاملة؟
- وهل من الممكن أن تجتمع خصال أمة وطباع أفرادها في رجلٍ واحد، حتى يصير الرجل أمة تتحرك على الأرض؟
تجد إجابة هذا السؤال في حياة نبي الله إبراهيم- عليه السلام- الذي كان نموذجًا لأمةٍ كاملة، وترك أثرًا في الحياه حتى صار علمًا على ملة التوحيد، وصارت تُنسب إليه رغم أنه ليس أول الموحدين.. ?مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ? (الحج: من الآية 78).
ذلك النبي الذي جعل الله أعماله وسيرته هو وأهل بيته نسكًا وعبادة يتعبَّد بها الناس إلى يوم الدين، فمعظم أعمال الحج ما هي إلا اقتداء بعلامات بارزة وفاضلة في حياة سيدنا إبراهيم- عليه السلام- من الطواف بالبيت إلى السعي بين الصفا والمروة إلى الشرب من ماء زمزم إلى رمي الجمرات ونحر الهدي، كلها إحياءً لذكرى هذه الأسرة المُوحِّدة الداعية المُصلِحة التي حملت لواء الحق، ورفعت راية التوحيد والخضوع لله وأوامره وتكاليفه مهما كلَّفتهم هذه الأوامر والتكاليف من تضحياتٍ وبذلٍ وجهاد.
?وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)? (البقرة).
* حقًا لقد كان إبراهيم أمة كاملة كما قال الله تعالى: ?إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)? (الحج).
والأمة في اللغة هي الجماعة أو الطائفة العظيمة من الناس، والتي تجمعها جهة جامعة؛ لأنه حقًّا كان يعدل أمة كاملة في الخلق، اجتمعت فيه خصال الخير، ففي الدين أقام قواعد الحنيفية السمحة.
* وقد دارت أقوال المفسرين حول معنى كلمة أمة التي وصف الله بها نبيه إبراهيم عليه السلام
على أقوال ثلاثة:
الأول: الأمة هو الرجل الذي اجتمعت فيه خصال الخير، كما قال ذلك الإمام القرطبى.
الثاني: الأمة هو الرجل الذي يُعَلِّمُ الناس الخير، كما قال ذلك عبد الله بن مسعود وابن عمر عليهما رضوان الله.
الثالث: إن إبراهيم كان أمة وحده فقد كان مؤمنًا وحده والناس كلهم إذ ذاك كفار.
* إن هذه الخصال والفضائل التي اجتمعت في أبي الأنبياء إبراهيم- عليه السلام- هي مقومات الدعاة والمصلحين، فقد توفرت فيه دعائم الإصلاح وخصائص المصلحين الذين تقوم عليهم الدعوات، وتنتصر بهم الرسالات، وتؤسس بجهودهم دول الحق، وترفع رايات الإيمان، وقد توفر ذلك كله في سيدنا إبراهيم عليه السلام وليس على الله بمستنكر..... أن يجمع العالم في واحد.
وأول خصال المصلحين:
الخلق الحسن: بأن يجمع المصلح خصال الخير من أطرافها؛ لأنه محال أن يدعو المرء إلى الخير وهو لا يتخلق به، وما حقق معانيه في نفسه أولاً.
إن الناس يصعب عليهم أن يؤمنوا بالأفكار المجردة والمبادئ الخيالية حتى يروا هذه المبادئ والأفكار مجسدة في شخصية واضحة معالمها في نموذج تراه العين، وهكذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حينما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلقه فقالت: "كان خلقه القرآن"، وكذلك كان أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام جمع الله فيه صفات الخير الكثيرة:
1- رجاحة العقل ?وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)? (الأنبياء).
2- القوة في الدين بصيرة ويدا ?وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ (45)? (ص).
3- الحلم والأناه ?إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)? (التوبة).
4- حسن الصلة بالله عز وجل.. ?إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)? (هود).
5- الوفاء: ?وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)? (النجم).
6- الجود والكرم حتى لقب بأبي الضيفان.
* هذه نماذج من خُلُقِهِ- عليه السلام- التي تخلق بها وقصَّها لنا القرآن الكريم، إن رسوخ العقيدة والخلق الحسن هما أقوى دعائم الإصلاح السليم، ومحال أن يقوم إصلاح على غير أساس العقيدة والأخلاق الفاضلة، وما الخلق الحسن إلا الصورة العملية لسلامة الاعتقاد، وقد عبَّر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "الدين حسن الخلق" مهما ادعى الرجل الصلاح وسلامة العقيدة فالدليل على ذلك هو حسن الخلق، كما قال ابن القيم رحمه الله معلقًا على ذلك: إذا كان الدين حسن الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.
* إن العالم كله يفتقر إلى العقول السليمة والأيدي النظيفة والضمائر الحية التي تراقب الله عز وجل في كلِّ كبير وصغير.
* إن العالم كله يفتقر إلى رجال عفوا عن الحرام بكلِّ ألوانه وأطيافه فغضوا أبصارهم وصانوا فروجهم ورفعوا أيديهم عن أموال الناس العامة والخاصة فكانوا أمناء على أمتهم وأوطانهم.
* وما شَقَت أمتنا إلا حين غاب عنها هؤلاء النفر الذين يُعَوَّل عليهم في بناء الأمم، وصناعة الحضارة، وصيانة المقدسات.
* إن الأمة العربية والإسلامية لا ينقصها الموارد ولا الثروات ولكن ينقصها الأيدي الأمينة والقلوب التقية النقية التي ترعى حقَّ الوطن وتعمل لوجه الله أولاً، ساعتها تنعم الأوطان، وتصان الحدود، وترفع الرايات، والأمة من الرجال من يعلِّمُ الناس الخير: فلا يكفي المرء أن يتحلى بالفضائل ويتصف بالكمالات فحسب إنما عليه دور أكبر هو أن تُرَبَّى الأجيال على هذه القيم، وأن تعد الأمة وأولادها لحمل أمانة الإصلاح.
* إن تربية الشعوب وصناعة الأجيال من أهم الأعمال وأجلها وأصعبها، فإذا أردت أن تنظر لمستقبل أمة فانظر الى أجيالها الناشئة ومن يقومون على إعدادهم، وتاريخ الأمم خير شاهد في الأحداث الفاصلة، ومراحل التحرر والنمو والاستقلال ومواجهة الأعداء كان للعلماء الربانيين والمصلحين الدور البارز في إعداد الأمة والأجيال من أمثال آق شمس الدين، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية عليهم جميعًا رحمة الله.
* ولقد كان أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام نموذجًا للمربي الناجح والوالد الذي أحسن تربية أبنائه وأهل بيته، فانظر إلى بيت سيدنا إبراهيم عليه السلام تجد فيه رسوخ العقيدة، وصدق الإيمان بالله، والجرأة في مواجهة الباطل، وصدق التوكل على الله عز وجل، والتضحية من أجل الدين، وتحقيق معنى العبودية، وعلى نفس الدرب سار الأنبياء والمصلحون والدعاة، واسمع عبد الله بن مسعود وقد رأى معاذ بن جبل فقال له: أنت أمة لله قانتًا، فقال له من حوله: لقد ذكرته بوصف ما وصف الله به إلا نبي الله إبراهيم، فقال ابن مسعود: وما الأمة من الرجال إلا من يُعَلِّمُ الناسَ الخير.
لقد مثَّل سيدنا إبراهيم أمة كاملة في ثباته على العقيدة ودفاعه عنها: وخاض المعارك الطوال مع قومة وجادلهم بالحجة، وبيَّن لهم فساد منهجهم في عبادة النجوم، وكذلك عبادة الأصنام، هذه المعارك التي هددت حياته وجعلت قومه يعلنونها في وجهه ?قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)? (الأنبياء)، فما زاده إلا صلابةً وثباتًا وتوكلاً على الله واعتصامًا به، فأعلنها وهو فوق ألسنة النار أن "حسبي الله ونعم الوكيل" تلك العبارة التي تعد الحصن الحصين للدعاة والمصلحين ومن قبلهم الأنبياء والمرسلين، فأنجاه الله بقوله تعالى: ?قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)? (الأنبياء)، لقد ثبت على العقيدة في زمن خلا من الموحدين حتى إن القرآن ما ذكر لنا خبرًا عن أتباعه ولا المؤمنين به غير ابن أخيه لوط عليه السلام ?فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ? (العتكبوت: من الآية 26).
- فقد حمل لواء التوحيد رغم قلة الموحدين وكثرة المشركين المعاندين، فما وجدنا غير بيته عليه السلام من زوجاته وأولاده وابن أخيه هم الذين يحملون معه هذا الهم، ويؤمنون بهذا المبدأ، خاض المعركة ضد من نازع الله الألوهية وزعم أنه رب الناس يرزقهم ويحييهم ويميتهم، وقف إبراهيم في وجه النمرود ليقرر أن الله هو الذى يحيي ويميت وهو الضار والنافع وملكوت الارض كلها بيده ?أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)? (البقرة).
- إن من أهم خصائص المصلحين الثبات على الحق، والتمسك بالمبادئ، حتى وإن كلفهم ذلك النفس والنفيس، وهو أساس مقومات الإصلاح، فلا ينبغي أن يحيد المرء عنه مهما كانت المغريات والمعوقات، وهكذا يمضي الدعاة والمصلحون يواجهون الباطل، ويتحدون الظلم، ويؤسسون للحق دولته عملاً وتربيةً وثباتًا.. ?وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)? (يوسف).
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة