الشورى.. المبادئ أهم من النتائج
بين الحين والآخر يطل علينا موقف الشورى العظيم والفريد في غزوة أحد، يدعونا إلى تذكر أحداثه وتفاصيله، ويذكرنا بقواعد الشورى اللازمة، ليس للجماعة التي اتخذت دعوة الله طريقًا لها فقط، بل لأي جماعة اجتمعت على هدف وتعاهدت على الوصول إليه.
بعد هزيمة مذلة للمشركين في غزوة بدر، تقرر قريش الأخذ بالثأر، والزحف على المدينة لمقاتلة المسلمين، ويرى الرسول صلى الله عليه وسلم- وهو النبي الملهم- أن جغرافية المدينة ستسمح بالتفوق على المشركين، فيما لو كان القتال من داخلها، بينما رأى معظم الصحابة أن تتم ملاقاة المشركين من خارج المدينة.
وينزل الرسول العظيم الكريم- وهو النبي الموحى إليه- على قرار الشورى، رغم عدم اقتناعه، ولكن الرسول القائد كان من الشجاعة بحيث يقدم على قرار (حرب) غير مقتنع به شخصيًّا، بل يمكن القول إنه كان صلى عليه وسلم متأكدًا من صواب رأيه، وبرغم ذلك، يقدم الرسول الأمين على قرار هو الأخطر على الإطلاق بالنسبة لدولة ناشئة هو رئيسها صلى الله عليه وسلم، ألا وهو قرار الحرب؛ ليقرَّ مبدأً أساسيًّا في الدولة، مهما كان حجم التضحية.
برغم عدم موافقة الرسول على قرار الحرب من خارج المدينة، يضع الرسول الخطة بكل إخلاص، وكأن القرار قراره، حتى يقترب المسلمون من النصر، ولكن تحدث المفاجأة وينهزم المسلمون.
وهنا يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم الدرس الثاني في مبدأ الشورى، وهو عدم اللوم واجترار الماضي والغمز بصحة رأيه، بل التسليم بأمر الله وقدره مهما كانت النتائج، على أن هذا لا يمنع من تحليل ما حدث في الحرب نفسها، وذكر السلبيات والوقوف على مواطن الخطأ.
ثم يأتي القرآن العظيم ليعطي دفعةً معنويةً هائلةً لجماعة المسلمين، ويعلمهم أن المبادئ أهم من النتائج، في وقت كان البعض قد حدَّث نفسه بأن ما حدث كان بسبب التشاور، وربما لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد انفرد بالقرار، لما حدث ما حدث.. ينزل القرآن ويقول الله عزَّ وجلَّ لنبيه: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ? (آل عمران: من الآية159).
كان الأمر صريحًا: استمروا في الشورى مهما حدث، ومهما كانت النتائح، فالشورى مبدأ إسلامي لا يمكن التنازل عنه.
هذا الموقف العظيم يجسِّد ملحمة الشورى التي بنى بها- وعليها- الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم الدولة الإسلامية، فنشأت قويةً متماسكةً لا يقدر عليها أعداؤها، رغم مالهم من قوة وعتاد.
وهذه المواقف الشورية (الصعبة)، هي المواقف التي تشكِّل الانتماء عند أفراد الجماعة الدعوية، وتجعلهم يؤمنون بمسئوليتهم نحوها، وتدفعهم إلى التضحية من أجلها مهما كانت العواقب.
إن بركة الشورى تجعل الكل متكاتفًا كالبنيان المرصوص، تستعصي على هذا البنيان القوي هزات الهزائم والشائعات والمؤامرات.. ?إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)? (الصف)، تلك الأمور القادرة على إشعال الفتن في أحزاب كانت تظن نفسها قويةً وآمنةً، فإذا بها تُؤتى من حيث لا تحتسب.
إن بركة الشورى تجعل الجميع يتحمَّل النتائج بصبر وثبات، ثم يفكِّر ويحلل ويراجع ليصنع رؤيةً جديدةً، تضيف للخبرات السابقة خبرات وخبرات.
إن بركة الشورى تجعلنا نستحق أن يظلنا الله برحمته ويحمينا بقوته؛ لأننا أطعنا أمره، وانتهجنا نهج نبيه صلى الله عليه وسلم.
كيف نحصد بركة الشورى؟
ولكي نحصد بركة الشورى في كل مرة نقدم فيها على أمر من أمور الدعوة، ينبغي أن نراعي ما يأتي:
1- أن يكون الرأي مخلصًا لله، فلا يدخل فيه هوى النفس، ولا تحرِّكه المصلحة، ولا يصنعه خلاف شخصي، أو غرض دنيوي.. قال تعالى: ?وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء? (البينة: من الآية 5).
2- أن يتقبل الجميع قرار الشورى بصدر رحب، وأن يعاهد الله أن يعمل على تنفيذ القرار بإخلاص وحماس، لا فرق بين من كان مع القرار، ومن كان ضده.
3- أن لا يغترَّ أحد بنفسه عن النصر، وألا يتباهى أحد بأن قراره كان صائبًا، بل يلبس لباس التواضع، ويجهر بفضل الله، وينسب القرار للجميع.. قال تعالى: ?قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)? (يونس).
4- أن لا يلم أحد أحدًا عند الخطأ، وألا يستخدم أحد الغمز واللمز بأن رأيه كان صوابًا، بل يجمع الجميع على تهدئة النفوس ولمّ الجراح.
5- أن نقوم بعملية المراجعة الأمينة لما حدث، حتى نوضح الأخطاء التي كشفتها التجربة فنتجنبها، ونتبين مواضع الصحة فنركز عليها.
ساعتها تصبح الشورى عبادةً نتقرب بها الى الله، مهما كانت النتائج، وساعتها تصبح للشورى بركةً تعمُّنا في الدنيا وتشفع لنا في الآخرة.
بعد هزيمة مذلة للمشركين في غزوة بدر، تقرر قريش الأخذ بالثأر، والزحف على المدينة لمقاتلة المسلمين، ويرى الرسول صلى الله عليه وسلم- وهو النبي الملهم- أن جغرافية المدينة ستسمح بالتفوق على المشركين، فيما لو كان القتال من داخلها، بينما رأى معظم الصحابة أن تتم ملاقاة المشركين من خارج المدينة.
وينزل الرسول العظيم الكريم- وهو النبي الموحى إليه- على قرار الشورى، رغم عدم اقتناعه، ولكن الرسول القائد كان من الشجاعة بحيث يقدم على قرار (حرب) غير مقتنع به شخصيًّا، بل يمكن القول إنه كان صلى عليه وسلم متأكدًا من صواب رأيه، وبرغم ذلك، يقدم الرسول الأمين على قرار هو الأخطر على الإطلاق بالنسبة لدولة ناشئة هو رئيسها صلى الله عليه وسلم، ألا وهو قرار الحرب؛ ليقرَّ مبدأً أساسيًّا في الدولة، مهما كان حجم التضحية.
برغم عدم موافقة الرسول على قرار الحرب من خارج المدينة، يضع الرسول الخطة بكل إخلاص، وكأن القرار قراره، حتى يقترب المسلمون من النصر، ولكن تحدث المفاجأة وينهزم المسلمون.
وهنا يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم الدرس الثاني في مبدأ الشورى، وهو عدم اللوم واجترار الماضي والغمز بصحة رأيه، بل التسليم بأمر الله وقدره مهما كانت النتائج، على أن هذا لا يمنع من تحليل ما حدث في الحرب نفسها، وذكر السلبيات والوقوف على مواطن الخطأ.
ثم يأتي القرآن العظيم ليعطي دفعةً معنويةً هائلةً لجماعة المسلمين، ويعلمهم أن المبادئ أهم من النتائج، في وقت كان البعض قد حدَّث نفسه بأن ما حدث كان بسبب التشاور، وربما لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد انفرد بالقرار، لما حدث ما حدث.. ينزل القرآن ويقول الله عزَّ وجلَّ لنبيه: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ? (آل عمران: من الآية159).
كان الأمر صريحًا: استمروا في الشورى مهما حدث، ومهما كانت النتائح، فالشورى مبدأ إسلامي لا يمكن التنازل عنه.
هذا الموقف العظيم يجسِّد ملحمة الشورى التي بنى بها- وعليها- الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم الدولة الإسلامية، فنشأت قويةً متماسكةً لا يقدر عليها أعداؤها، رغم مالهم من قوة وعتاد.
وهذه المواقف الشورية (الصعبة)، هي المواقف التي تشكِّل الانتماء عند أفراد الجماعة الدعوية، وتجعلهم يؤمنون بمسئوليتهم نحوها، وتدفعهم إلى التضحية من أجلها مهما كانت العواقب.
إن بركة الشورى تجعل الكل متكاتفًا كالبنيان المرصوص، تستعصي على هذا البنيان القوي هزات الهزائم والشائعات والمؤامرات.. ?إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)? (الصف)، تلك الأمور القادرة على إشعال الفتن في أحزاب كانت تظن نفسها قويةً وآمنةً، فإذا بها تُؤتى من حيث لا تحتسب.
إن بركة الشورى تجعل الجميع يتحمَّل النتائج بصبر وثبات، ثم يفكِّر ويحلل ويراجع ليصنع رؤيةً جديدةً، تضيف للخبرات السابقة خبرات وخبرات.
إن بركة الشورى تجعلنا نستحق أن يظلنا الله برحمته ويحمينا بقوته؛ لأننا أطعنا أمره، وانتهجنا نهج نبيه صلى الله عليه وسلم.
كيف نحصد بركة الشورى؟
ولكي نحصد بركة الشورى في كل مرة نقدم فيها على أمر من أمور الدعوة، ينبغي أن نراعي ما يأتي:
1- أن يكون الرأي مخلصًا لله، فلا يدخل فيه هوى النفس، ولا تحرِّكه المصلحة، ولا يصنعه خلاف شخصي، أو غرض دنيوي.. قال تعالى: ?وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء? (البينة: من الآية 5).
2- أن يتقبل الجميع قرار الشورى بصدر رحب، وأن يعاهد الله أن يعمل على تنفيذ القرار بإخلاص وحماس، لا فرق بين من كان مع القرار، ومن كان ضده.
3- أن لا يغترَّ أحد بنفسه عن النصر، وألا يتباهى أحد بأن قراره كان صائبًا، بل يلبس لباس التواضع، ويجهر بفضل الله، وينسب القرار للجميع.. قال تعالى: ?قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)? (يونس).
4- أن لا يلم أحد أحدًا عند الخطأ، وألا يستخدم أحد الغمز واللمز بأن رأيه كان صوابًا، بل يجمع الجميع على تهدئة النفوس ولمّ الجراح.
5- أن نقوم بعملية المراجعة الأمينة لما حدث، حتى نوضح الأخطاء التي كشفتها التجربة فنتجنبها، ونتبين مواضع الصحة فنركز عليها.
ساعتها تصبح الشورى عبادةً نتقرب بها الى الله، مهما كانت النتائج، وساعتها تصبح للشورى بركةً تعمُّنا في الدنيا وتشفع لنا في الآخرة.