القصرين في سطور
تقع ولاية القصرين في وسط غرب تونس يحدّها من الشمال ولاية الكاف ومن الغرب ولاية تبسّة الجزائيرية ومن الجنوب ولاية قفصة ومن الشرق ولايتا سيدي بوزيد وسليانة. تحتوي القصرين على أعلى قمّة جبلية في تونس وهي جبل الشعانبي الذي يعتبر امتداداً لسلسلة جبال الأطلس الصحراوي. وتحتوي المدينة على آثار رومانية وبيزنطية كثيرة إضافة إلى قليل من الآثار الإسلامية في المدن التابعة لها مثل تلابت وحيدرة وتالة.
اكتسبت منطقة القصرين أهمية استراتيجية كبرى زمن الفتوحات الإسلامية حيث أنه بفتحها في القرن الأول للهجرة عن طريق حلمة العبادلة السبعة وعلى رأسهم التابعي عبد الله بن أبي سرح ثم حملة حسان بن النعمان استتب الأمن للمسلمين في إفريقية وذلك لأن مدينة سفيطلة (سبيطلة)التابعة للقصرين حاليا كانت عاصمة لدولة البربر أو الأمازيغالتابعة للرومان آنذاك تحت إدارة الملك جرجير.
تأسست مدينة القصرين الحديثة على عين ماء تدعى عين القائد التي ظهرت إثر أنكسار جيولوجي رفع الطبقة الصخرية الجنوبية للمنطقة بضعة أمتار خفض الطبقة الشمالية التي تعتبر الآن أكثر المناطق خصوبة لتراكم التربة الرسوبية فيها عبر العصور. وتأسست بلدية القصرين في الأربعينات من القرن العشرين في تجمّع سكني حول محطّة قطار نقل الفوسفاط من ولاية قفصة إلى الولايات الشمالية. وبعد استقلال البلاد من الاحتلال الفرنسي نزح كثير من القبائل إلى المدينة التي تحولت إلى مركز ولاية.
أما البنية القبلية للولاية فتتكون أساسا من قبيلتي الفراشيش وماجر اللتين اختلف المؤرّخون في أصلهما أعربي هو أم أمازيغي أم من بقايا الرومان, غير أن الأرجح أن تكون القبيلتان من الأمازيغ الذين تعرّبوا تماما إثر هجرة بني هلال إلى إفريقية في القرن الخامس للهجرة علماً وأن المنطقة كانت معبرا رئيسيا لبني هلا إلى الجزائر. ومن القبائل الأخرى أصيلة القصرين قبيلة أولاد تليل لأو بني تليل التي تنتسب إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان وقبيلة أولاد عسكر أو بني عسكر المنتسبة إلى الخليفة الراشد ابن عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب. أما بني تليل فيقطنون جنوب الولاية على تخوم قفصة حيث تقطن قبيلة الهمامّة الهلاليّة. وأما قبيلة بني عسكر فيتمركز أكثرها شرقي الولاية على تخوم قبيلة الهمامّة أيضا المقيمين في ولاية سيدي بوزيد. ومن الجدير بالذكر أن التاريخ شهد خصومات بين قبيلة الفراشيش وقبيلة الهمامّة جعل حكّام البلد من العرب والأتراك يوطّنون قبائل عربية ذات نسب عريق وشريف مثل بني عسكر وبني تليل بين القبيلتين لإيقاف المعارك بينهما.
وتعتبر قبيلة الفراشيش أكبر القبائل القاطنة بولاية القصرين وأكبر أفخاذها، أولاد زبد//القصارنية وهما أول من قطن بالمنطقة أما بالنسبة لبقية الأفخاذ وهم بنو وزّاز الذين ينقسمون إلى الأفيال والحنادرة و[[الفرضة أولاد ناجي وأولاد محمد و[[أولاد غيدة فقد كانو منتشرين على التخوم المجاورة لجبال الشعانبي والسلوم وأولاد البداي المنتشرون فيبنماقطة.
ساهمت قبائل القصرين في مقاومة تجاوزات بعض الولاة العثمانيين أثناء الحكم العثماني في الإيالة التونسية حيث كان أغلبهم رحّلاً يمتهنون الرعي وتجارة الحبوب والتمر بين الشمال والجنوب فكان يصعب على الدولة جمع الضرائب منهم. ثم قامت تلك القبائل بثورة بقيادة علي بن غذاهم الماجري على الوالي العثماني أحمد باي في أواسط القرن الـ19 لقيامه بترفيع فاحش في الضرائب لأجل بناء قصر المحمدية على غرار قصر فرساي الفرنسي ظنّا منه أن القصور الفخمة من أسباب التقدّم لا من نتائجه. وحطّمت القبائل القصر بعد إفلاس خزينة الدولة ودخولها في ديون أجنبية كبيرة ساقتها إلى الدخول تحت الاستعمار الفرنسي باسم الحماية. اهتمّ سكان القصرين بالعلوم الإسلامية ففتحوا مدرسة دينية في مدينة فريانة التي تقطنها غالبية من بني تليل الذين يكنّون احتراماً لأحد أجدادهم المسمّىبأحمد تليل الله أي ذبيح الله وهو من شيوخ الصوفية على الطريقة القادرية. وصارت المدرسة زاوية للطريقة ثمّ أصبحت فرعا من مدرسة جامع الزيتونة أكبر منارة للعلم في الشمال الإفريقي قبل جامع الأزهر بمصر وجامع القرويين بالمغرب الأقصى. وما زالت مدرسة فريانة المسماة حالياً بزاوية سيدي تليل تخرّج حفّاظاً وشيوخ علم رغم منع التعليم الديني في البلاد إبّان قيام الجمهورية على يد الحبيب بورقيبة أول رؤساء الجمهورية التونسية. أنجبت ولاية القصرين كثيراً من رجال العلم والسياسة والأدب والنضال من أهمّهم الحاج جيلاني العتوري المعروف بنضاله ضد الاستعمار الفرنسي وقبله الشيخ أحمد التليلي صاحب التصانيف الكثيرة في التصوف والعلوم الدينية وبعده والدكتور محمّد رشاد الحمزاوي مؤسس علم المعجمية الحديثة في تونس والدكتور أحمد بوعزي أكبر خبراء الطاقة الشمسية والدكتور إبراهيم بوعزي والإعلامي والصحفي والشاعر والأديب والمؤرخ المتخصّص في التاريخ العثماني والقضية الفلسطينية وتاريخ الاقتصاد والشؤون التركية.