دكالة العروبة و التاريخ:
دكالة العروبة و التاريخ:
دكالة، أكبر الأقاليم الزراعية في المغرب، يحده شمالا وادي أم الربيع مع إقليم الشاوية (تامسنا التاريخي)، و جنوبا إقليم عبدة (تاريخيا دكالة الحمراء)، و شرقا إقليمي قلعة السراغنة و سطات. منطقة حافلة بالأحداث التاريخية و معقل العروبة في مغرب اليوم.
و قد اختلف في تسمية دكالة فقيل أن أصلها قبيلة دكالة الأمازيغية التي سكنت المنطقة إلى غاية قضاء الموحدين على مملكة برغواطة، أما محمد شفيق ومحمد الفاسي فيرجعان أصل دكالة إلى كلمتين: "دو" أي تحت و"أكال" أي الأرض. وتعني "دكالة" الأرض المنخفضة، وهي بالفعل أرض منخفضة مقارنة مع المناطق المجاورة. أما أحمد توفيق في تعليقه على كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" يرجع أصلها إلى "إيدوكلين" أو إيداوكلن أو إيدركالن. ويلتقي مع محمد شفيق في الاحتمال الأخير على اعتبار أن فعل "إدرا" يعني بالأمازيغية "انخفض". وفي احتماله الأخير يرجع أصل دكالة إلى تيديكلت أي راحة اليد. ومما يؤيد هذا التفسير وجود منطقة في الصحراء الكبرى تحمل اسم تيديكلت.
دكالة ما قبل العروبة:
يعد بزوغ مملكة بورغواطة نقطة تحول تاريخية في تاريخ المغرب و تاريخ دكالة، فهذه المملكة ظهرت بعد اعتناق قبائل مصمودة الاسلام في بداية القرن الثامن و إنتفاضة ميسرة (739 742) ، أقام بربر بورغواطة دولتهم على الساحل الاطلسي بين آسفي وسلا، أي المنطقة التي تضم اليوم أقاليم عبدة، دكالة، الشاوية و زعير.
لا نعرف كثيرا عن مملكة بورغواطة لعدم وجود تاريخ مدون، و عن طقوسهم الدينية التي تعد خليطا من مذاهب الخوارج و الشيعة و السنة، و اليهودية، و تقاليد الوثنية ذات علاقة بالتنجيم. و قيل أنه كان عندهم "قرآن" يحتوي على 80 سورة بالأمازيغية.
حكم البورغواطيون في منطقة تامسنا لأكثر من ثلاثة قرون (744- 1058). تحت حكم صالح بن طريف ، إلياس بن صالح (792- 842) ؛ يونس (842 -888) وابو غُفيل (888 - 913)، ظلت المملكة القبلية موحدة ، و ارسلت بإستمرار ببعثات إلى القبائل المجاورة. لم تدم العلاقات الطيبة مع خلافة قرطبة طويلا حيث قُطعت في مع حكام الأمويين القرن العاشر . هجومين للأمويين ، فضلا عن الهجمات التى شنتها الفاطميون قد صُدت من قبل بورغواطة. نشبت حرب عصابات مكثفة مع بنو يفران من القرن الحادي . مما أضعف بورغواطة كثيرا ، إلا انها ما زالت قادرة على صد هجمات المرابطين (سقط الزعيم الروحي للمرابطين ، عبد الله بن ياسين في معركة ضد البورغواطيين سنة 1058). و كانت نهاية بورغواطة على يد الموحدين سنة 1149م وسط إبادة جماعية للبورغواطيين من قبل أسود مصمودة جنود الدولة الموحدية.
دخول العرب دكالة :
قرر بنو غانية أن يعيدوا مجد دولة المرابطين (أخوالهم) وأن يستردوا ما أمكن من المناطق من أيدي الموحدين. وقام اثنان من أفراد هذه الأسرة، وهما علي بن إسحاق (1184-1185 م) ثم يحيى بن إسحاق (1187-1203 م) من بعده بالاستيلاء على العديد من المدن في شرق الجزائر ومقاومة نفوذ الموحدين فيها، واستطاعا الصمود سنوات طويلة في وجه حملات الجيوش الموحدية. دامت المرحلة الأولى، التي عرفت سيطرة بني غانية على مناطق شرق الجزائر حتى مقتل علي بن إسحاق سنة 1227 م، فتابع يحيى بن إسحاق جهود أخيه حتى وفاته سنة 1236 م.
و يحكي الناصري في كتابه «الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى» حكاية خروج علي بن إسحاق المسوفي المعروف بابن غانية على يعقوب المنصور الموحدي والمعركة التي جمعت بينهما وانتهت باندحار ابن غانية.
بعد انتصار المنصور الموحدي أدخل قبائل العرب التي ناصرت بن غانية و أنزلها المغرب، بعضها بتامسنا و بعضها بالهبط و بعضها بدكالة. و الذين أنزلوا بدكالة كانوا من عنصر الأثبج أو الداخلين في نسبهم حلفا كقرة و عمرو. و في هذا قال الحسن الوزان صاحب كتاب وصف إفريقيا ص 50 : كانت أثبج أشرف العرب و أنبهها شأنا فاختارهم المنصور لسكنى دكالة و سهول تادلة و يؤدون في أيامنا هذه ضرائب جسيمة لملك البرتغال تارة، و لملك فاس تارة أخرى، و يبلغ عددهم نحو مائة ألف مقاتل نصفهم من الفرسان.
يثير البعض قضية وجود العنصر الأمازيغي في دكالة بعد دخول العرب، و الكلام في هذا واضح لا لبس فيه:
أولا: يجب الوضع في عين الإعتبار أن الإبادة الجماعية التي تعرض لها البورغواطيون جعلت مناطق كاملة خالية من السكان، و منع الموحدون الإستقرار بها، خصوصا البوادي التي وطنوا بها العرب بعد ذلك.
ثانيا: أن ما ساقه ليون الإفريقي في أسماء حواضر دكالة ذكر أسماء بعضها عربية و أخرى أمازيغية، و هذا نستفيد منه شيئين:
أولا: أن الأسماء العربية وضعت لحواضر وجدت خالية فالعرب بدو لا يبنون مدنا (راجع ص 153 154 155 من وصف إفريقيا)
الثاني: أن الحواضر التي يغلب أن يكون أهلها أمازيغ نقل ملك فاس ساكنتها من دكالة و انتقلوا منها بعد الغزو البرتغالي . انظر قنط، تيط، تمراكشت، المدينة، تركا و آزمور ص 152 إلى 159 من كتاب وصف إفريقيا.
ثم احتجوا بكلام نقله أحمد بوشارب في كتابه دكالة و الإستعمار البرتغالي عن قبيلة مشتراية أو امنشزان و قال بربر مستوطنون بين آزمور و المدينة الغربية و قال إلى غاية القرن السادس عشر (أي إلى غاية بدء الإستعمار البرتغالي)، و الجواب عن هذا الكلام تجده في الحديث عن آزمور و المدينة في وصف إفريقيا، فأما المدينة فنقل ملك فاس أهلها إلى مملكته حذرا من البرتغاليين ص 153 أما آزمور فلدى سقوطها انتقل بعض أهلها إلى سلا و بعضها إلى فاس ص 157 إلى 159
و هذا يضاف إليه كلام الناصري حول استرجاع آزمور، فالولي أبو مدين نزل على أولاد ذويب و استعان بهم للإنقضاض على مدينة آزمور و لا تجد ذكرا في هذا لمشتراية أو إمنشزان لا من قريب أو بعيد و لو كانت موجودة لكان النزول عليها أولى.
فالتاريخ يحيل على عروبة العنصر الدكالي بدون لبس إذا ما قرأناه بتأني و جمعنا نصوصه.
دكالة البيضاء و دكالة الحمراء:
هذا التقسيم جاء نتيجة فتنة أولاد زيد التي تعرف تاريخيا بثورة أولاد زيد إحدى الفخدات السبع المكونة لقبيلة البحاترة ، أوسع قبائل عبدة مساحة وأكثرها سكانا، ولئن كانوا محسوبين على البحاترة، فإنهم في أرومتهم وأصلهم غرباء عنها، وعن مجموع قبائل عبدة، لا تربطهم بهم أية قرابة دموية أو حتى جوار جغرافي بمواطنهم الأصلية، التي وفدوا منها، فأولاد زيد ينحدرون من تجمع قبائل دكالة، فهم ينتسبون إلـى قبيلة أولاد فرج ، إحدى القبائل الست المكونة لما يسمى قبائل "الشرقية"، والتي كما يفصح اسمها، وفدت على دكالة من هضاب ونجود المغرب الشرقي ؛ ويظهر أن أولاد زيد كانوا يمتهنون الرعي، كأسلافهم القدامى بسهوب المغرب الشرقي، وأنهم لم يعطوا كبير اهتمام للزراعة كبقية إخوانهم بدكالة وجيرتهم عبدة، ومن المحتمل جدا أن مستقر أولاد فرج على الضفة اليسرى لنهر أم الربيع شرق مدينة أزمور، قد شهد زيادة كبيرة في عدد السكان، وتوسعا في الاستغلال الزراعي، بفضل ما يوفره السهل الفيضي هناك من خصوبة متجددة وماء متدفق، الأمر الذي ضيق من مجال نجعة أولاد زيد، ودفع بهم إلى خارج ديار أهليهم وعشيرتهم، ليجدوا في الجوار القريب بجهة "الساحل" المسرح المنشود، فأراضيه صخرية، لا تصلـح للحرث والزرع ، تتكاثف بين حجارة صخورها باقات متفرقة من العشب، تستفيد في نموها وتجدد إنباتها من المطر ورطوبة البحر، ولاشك أن أولاد زيد استطابوا المقام بهذه الجهة ، مشجعين بإمكانياتها الرعوية وقلة عدد سكانها، إذ كان الوطاسيون هجروا أكثرهم سنة 1515، ونعتقد أن نزوح أولاد زيد إلى الساحل حدث قبل توسع قبائل عبدة في الشمال والشرق خلال القرن الثامن عشر، وقبل أن يتم الفصل الإداري والتمييز القبلي بين دكالة البيضاء في الشمال ودكالة الحمراء في الجنوب، أي بين ما أصبح يعرف لاحقا بدكالة وعبدة سنة 1153هـ /1740م.
قبائل دكالة اليوم:
تتكون دكالة اليوم من ست قبائل تاريخية و هي أولاد فرج، أولاد بوعزيز، أولاد عمران، أولاد عمرو، أولاد بوزرارة و العونات و قبيلتين وافدتين لحاجة المخزن الأمنية و هما هشتوكة من قبيلة مصمودة الأمازيغ و عرب الحوزية التي ترجع أصولهم إلى مجموعة قبائل عربية صحراوية نقلها السعديون إلى حوز مراكش فسميت السوسية ثم الحوزية (انظر كتاب المعسول للمختار السوسي) و أخيرا فرقة من عرب الشياظمة انتقلت من موطنها جنوب عبدة و استقرت شمال منطقة دكالة.