أكثر من 100 سنة تمر على وفاة الشاعر الأمازيغي ســــي موحنـــد اومحند
أكثر من 100 سنة تمر على وفاته/ ســــي موحنـــد اومحند :si mouhand omhand…. كما لو كانت الزوابع وجبته اليومية… ! بقلم/ محمد عاطف بريكي.
المقبرة هي مكان للحب الممزق
والقلوب المحطمة. . .
غويندولين بينيت (1902- 1981)
يعتبر من الشعراء القلائل الذي لا يمكن الحكم عليهم بعدد الدواوين التي كتبوها ·
سي موحند او محند ، حياته وحدها كافية لتكون قصيدة شعرية عارمة تفي عنه هم الأوقات العصيبة التي عاشها و تؤسس فهمنا لتفاعلات ذاته الشاعرةـ الموهوبة في صخب الواقع الذي كان بالنسبة اليه مصدر الم و فجيعة لكنه عرف كيف يصوغ فواجعه شعرا و قواف علقها تميمة في وجه الزمن الخائن.
كان سي موحند أومحند حسّاس للوقت المعيش،فقيه الأزمنة الرديئة، كان القدر قاده إلى حياة مرة إكتوى بنارها في وقت بدأت فرنسا حملتها الشعواء لطمس النظام الاجتماعي الجزائري وتمرير رسالة الاستعمار بكل تفاصيله المريبة هنا تنبه الشاعر بفطرة المتأصل الى الممارسات الخطيرة للمستعمر و فهم غاياته بيد أنه استشعر التغييرات التي أخذت تزحف ببطء مدروس و تطبع يوميات الإنسان الجزائري فصاح ذات يوم بكل قواه : أن احذروا···
لكن ما عسى أن تفعله حنجرة غارقة في الماريخوانا والحشيش والخمرة بشعب أنهكه الجوع و التشرد ، ففي غمضة طرف رأى الشاعر قريته الوديعة (إشرعيون) تتهدم تحت ضربات مدافع الهاون التي جاء بها الجنرال “راندون” ليغتصب حرمتها . بعد سنوات من بناء الجنرال محتشده على مشارف القرية المغتصبة، أعلن البطل المقراني المقاوم ثورته العارمة على الوجود الفرنسي خلال سنة1871 فخاضتها عائلة موحند بكامل أفرادها ، حيث نفّذ في والد الشاعر حكما بالإعدام ، و نفي عمه الى أراضي كاليدونيا القصيّة أما شقيقه ففر الى تونس وفضّل الإستقرار فيها ·
أما سي موحند فكان قاب قوسين أو أدنى من الموت لولا أن شفع فيه أحد الضباط الفرنسين وأخلي سبيله في آخر لحظة ليجد نفسه وحيدا مشردا بلا عائلة·
عندما ولد سي موحند أومحند لم تكن سجلات الحالة المدنية اعتمدت بعد في الجزائر المستعمرة و ظلت سنة ميلاده مجهولة ،بينما يفترض أنه ولد خلال سنة 1850 حسب شهادة بعض أصدقاءه ، أما سنة وفاته فكانت خلال سنة 1906 ·
ما تركه لنا سي موحند أومحند من قصائد تلخّص استحضارا لحياة حزينة عرف خلالها الرجل التشرد و استطعم الأمل و الوحدة ، فقصائده شارات ساطعة بحق، تبغي التحاور مع الذات في أعمق نقطة منها بكل ما تحمله من تناقضات الحياة و الموت ، الحب و الكراهية ، السعادة و الشقاء··· حياة الرجل بدأت بالحب ، عرف فيها المرأة عن كثب ثم شيئا فشيئا صاغهما في آتون قداسته :” القصيدة” تماما كما فعل (طاغور) في أولى خطواته نحو العبقرية : / هنا في الفضاء الفسيح ، حيث تنتشر السحب القائمة ، هنا بنيت لك منزلا يا ربة الشعر/ ·
أما سي موحند فصدح قائلا:/ هذه قصيدتي ، أطلب من الله ان تكون جميلة و أن تصدح في الآفاق و يسجلها كل بصير بمعانيها ·أطلب من الله ان ينزل رحمته فوحده منقذنا·/
تتميز أشعار سي موحند أومحند بحسّها التلقائي وتدرجها في صنع الحالة النفسية لدى المتلقي في معادلة صعبة ، تبدأ بحالة النشوة و الغبطة وتفاجئنا في النهاية بفجيعة و مرارة ، هذه الحالة السبلينية تتكرر بشكل مقصود و هذا التدمير الذاتي لنسق بديع يحدث الطلسمية و الذهول في أعماق المتلقي الذي يتشرد و يتيه ثم يحتار بين أن يرتضي الجنة أو يدخل النار ، لكنه يضطر في النهاية الى قبول النتيجة كما هي ، مؤلمة و حارقة لما آلت اليه الأحداث بدءا من السعادة و إنتهاءا الى الألم.
(آســفــرا) ASFRAهي سفر دؤوب إلى مواطن الفجيعة أو قل أنها خلاصة الجوع و البكاء ··· أو ربما ذاكرة لتفجير المستوحش ، هي صياغة مهذبة للتمرد و القطيعة على شاكلة ذلك التروبادور الجوّال الهائم دوما على وجهه ينشر على طول تهوامه ، غربته ، منفاه ، مواويل ضياعه حتى كادت أن تتحول قصائده الى نبوءات يعلقها كل مريد على صدره كتعويذة في وجه الزمن المرّ ، كما كان يفعل الشاعر في تسياره بين مسقط رأسه / إشرعيون ـ الجزائر ـ عنابة ـ سكيكدة ـ البليدة ـ وحتى تونس وهو غارق في كل أنواع المسكرات والحب بيد أنه كان يكفّر عن خطاياه بقرض الشعر ،مزيدا من الشعر و لا شيء غير الشعر ولسان حاله يقول :/ لا يمكن لأحد ان يحرم هذه القلوب من الحب ، فلكل إنسان أوجاعه/)
وأحيانا أخرى يلجأ الشاعر الى ربه بالصلاة و الدعاء (أنت يا الهي ترى كل شيء ،تعرف من يعاني الشقاء ·إني أنتظر عونك)·
( مختارات مترجمة من “آسفرا”-ASEFRA )
لا يمكن لأي كان أن يتكهن بما في القلوب
من حب يملئها
وكم من العذاب تقاسيه
يحب الواحد منا بكل ما أوتي من كمال
يصير ذلك المحبوب
الذي لا يفترق عن محبوبه مهما صار
بالنسبة للبعض هي معاناة
و توق الى المستحيل
و حده الله يعلم كم يتعذب
غصة ما في القلب
لا تفتأ و تفيض العيون بالدمع
لأجل من قاسى
إعترافاتي تهز كيان الجبال
و في كل مرة تحيى جراحي
فالحب غدا لي هواية
أنا ضحية لعنة ما
لست محظوظا
و صرت أتمنى الخلاص
حديقتي من فوق ربوة
ممرها مزدان بالورود
و أشجار من مشمش و رمان
حولها يحيط سياج متين
محمية و غاية في السكينة
و رحت لله كصقر مهيض
وحده كان غصن عقيم
ليس به ثمر و لا هم يحزنون
فجأة تصور لي في هيئة رجل حقير
كان بستاني كل ما تمنيته في الحياة
كل ما تهواها روحي من ورود
و أشجار بهيجة
و عرائش كروم قرمزية
وحبّات المشمش تتلالئ بين الظلال..
و رياحين الورود المتعرشة
كم خضت في هذه الحياة
و في النهاية وجدتني
أعيش بين القطيع
كان لي بستان عجيب:
به ثمار كثيرة
ليحفظ الله خياراته
به يحيط سور حصين
و بابه موصدة في وجه الغرباء
به حارس لا يغفو له جفن
أما الآن فأي وابل أصابه
و أي خسارة لحقت به
فلم يبقى سوى اثر بعد عين
لن اسامح كل من ثالبني
فالجراح في قلبي خفية
و أنا اليوم تائه ،ضائع
الحب كبّلني
فلا تلوموني على طيشي
أليس من الخطأ ينبلج الصواب
أردت السير في طريق قاسية
محفوفة بالمصائب
فإلى ما ينفع الندم إذن؟
مقاطع من ديوانه “آسفرا” ASFRA
(ترجمة الأشعار محمد عاطف بريكي