أين أهل الوسطية والإعتدال من أحداث سوريا؟
أين أهل الوسطية والإعتدال من أحداث سوريا؟
أصبح مايجري في سوريا من مذابح ودمار ،ينفطر له القلب
ويدمي العين ،ويجعل المرء حائرا حول المخرج من هذ ا المستنقع
الدامي ،فالكل يسير في اتجاه تأجيج الصراع بين الإخوة المتقاتلين
من أجل تحقيق أجندات سياسية إقليمية ودولية على حساب دم السوريين
ومستقبل هذا البلد العظيم.
وقد بات واضحا للمتتبع للشأن السوري أن الأمر أكبر من الصراع
الداخلي في سوريا ،وما سوريا إلا ساحة اختارها المتصارعون حلبة
للنزال ،فأمريكا ومعها الغرب وإسرائيل تعتبر دعمها للثوار نهاية
لدولة من محور الشر ،وهدما لجدار أمني يحمي إيران،بعدما أخفقت
في إجبار هذه الأخيره الأخيرة على الردوخ لإملاءاتها،من أجل التخلي
عن برنامجها النووي السلمي ،الذي يهدد أمن إسرائيل،الدولة المدللة
لأمريكا. بالإضافة إلى الموقع الإستراتيجي لسوريا وما يشكله من أهمية
في الصراع على النفوذ في المنطقة بينها وبين روسيا.
أما روسيا ،فسوريا بالنسبة إليها ،تحتل أهمية استراتيجية عسكرية
واقتصادية خطيرة جدا ،فهي كالرئة من الجسد ،والتفريط في هذا
البلد سيلحق بها ضررا اقتصاديا كبيرا ،بل قد تكون بداية لثورات
داخل روسيا نفسها.
أما إيران ،فستكون خاسرة أيضا إذا ما سقط نظام الأسد ،فسوريا
تعتبر الورقة القوية الأخيرة التي تقوي موقفها في مفاوضاتها مع الغرب
وفي منع الضربات العسكرية المحتملة عليها من طرف إسرائيل .
ولعل الخاسر الأكبر في هذه المعادلة هم العرب ،وخاصة قضية فلسطين
والقدس الشريف ،كما سيفتح الباب على مصراعيه أمام أمريكا ومعها
الغرب من أجل ابتزاز حكام امارات البترول والغاز ،لأنها أنذاك ستنفرد
بتحديد مصير تلك الدول التي ليست أفظل حالا من نظام سوريا والعراق
وليبيا وتونس فيما يرتبط بالحريات وحقوق الإنسان.
أما الرابح الأكبر ،بدون شك ،هو إسرائيل،فستستتب لها الأمور من أجل
مزيد من إلتهام الأراضي الفلسطينية ،بل سنرى حالة من التطبيع ،معها، لا
نظير لها في التاريخ العربي ،لأن توازن الرعب الذي كان يمثله العراق
وبعده إيران وسوريا وحزب الله ، لن يكون موجودا بعد سقوط نظام سوريا
وضعف الجمهورية الإسلامي في إيران.
هي إذن مأساة ،بالمفهوم الإستراتيجي والقومي للعرب والمسلمين ،تنظاف
لمأساة العراق،وما كان يشكله من قوة عربية ناهضة اقتصاديا وعسكريا ،
وسيكون لها انعكاسات خطيرة على واقع العرب ومستقبلهم ،وعلى القضية
الفلسطينية والقدس الشريف بوجه خاص.
فكل ما يجري ماهو إلا تفعيل لأجندة أمريكية معدة سلفا لتشكيل خارطة
الشرق الأوسط والمغرب العربي ،بشكل يضمن أمن إسرائيل ،ويؤبد
استغلال ثروات العرب البترولية .
إن أسفنا على سوريا ،لا يعني بأي وجه من الوجوه القبول بالديكتاتورية
والإستبداد وسياسة التحكم التي كانت وما تزال نظام حكم في هذا البلد وغيره
من البلدان العربية ،نأسف على ضياع الدور الذي كانت تلعبه هاتبن الدولتين
في القضايا المصيرية للعرب والمسلمين ،فالكل يتذكر ماكان يقوم به العراق
من دور في كبح جماح التوسع الإيراني على حساب دول الخليج العربي ،وما
قدمه للقضية الفلسطينية ،ناهيك عما كان يشكله من توازن في الرعب أمام
غطرسة العدو الصهيوني .
أما سوريا ،فلا أحد يزايد عليها في احتضان المقاومة الفلسطينية ،ودعمها ماديا
وسياسيا ،كما كانت تمثل معسكر الرافضينن للتطبيع مع العدو الصهيوني ،في
الوقت الذي تحول فيها الآخرون إلى أبواق دعائية للتطبيع ،وآليات لتنفيذ
المشروع الأمريكي في المنطقة.
إن تخلي سوريا والعراق عن هذا الدور ،هو انتكاسة للقضايا العربية المصيرية
لأن الرهان على حكومات مابعد الثورات العربية ،ليس مضمونا ،خاصة إذا علمنا
أن أمريكا وإسرائل كان لها اليد الطولى في صنع ورسم سياسات الأحداث التي
عرفها ويعرفها العالم العربي.
للأسف ،نحن العرب ،منخدعون وحمقى ،قراراتنا مجرد انفعالات ،في الوقت الذي
يتحرك فيه الآخرون وفق استراتيجة مدروسة ،فإذا تأملت في أحداث سوريا اليوم
تجد كل طرف متدخل في القضية ،يعمل وفق هدف واضح ،كما سبق أن ذكرت
في مقدمة هذا المقال ،إلا العرب ....لا هدف لهم ،ولا استراتيجة تحكم تحركهم
بل تحولوا ،كما كانوا دائما ،إلى أدوات لإدارة المعارك ،من أجل محاربة إخوانهم
وتمكين عدوهم من مقدراتهم الإقتصادية .
فالحرب في سوريا اليوم ،تمول من البترول العربي ،وتدور على أرض عربية
والقاتل والمقتول عربي ،بل أصبح المتقاتلون ،بحكم الجهل والحماقة العربية ،
يمارسون الحرب بالوكالة ،فالجيش النظامي مسخر لتحقيق الهدف الإيراني
السوري الصيني ،والجيش الحر مسخر لتحقيق الهدف الأمريكي الإسرائيلي.
وهذه لعمري قمة في الغباء والجهل.وصدق الشاعر إذ يقول :
لكل داء دواء يستطب به .....إلا الحماقة أعيت من يداويها
بناء عليه ،وما مايعرفه المشهد السوري من تعقيدات طائفية ،وتداخل سياسي
إقليمي ودولي،وما يملكه النظام من قوة عسكرية قاهرة ،يتوجب على تيار
الوسطية والإعتدال في الأمة أن يتحرك لحقن الدماء ،والبحث عن حل سياسي
لا غالب فيه ولا مغلوب ،وإلا فمستقبل المنطقة مرشح إلى فوضى عارمة لن
يسلم منها داعموا الحروب والفتن في قطر والسعودية.
فأين أهل الوسطية والإعتدال مما يجري في سوريا؟ أين عقلاء الأمة ؟ أين
علماؤها ؟ ......من أجل إصلاح ذات البين بين الإخوة الأعداء ، أعتقد أن
هذا الخيار هو الكفيل بحل الأزمة السورية وغيرها من الأزمات العربية
والإسلامية ،أما حلول الساسة والحكام العرب ...،فلن تزيد الوضع إلا
اشتعالا ،وستدفع النظام السوري إلى التصعيد أكثر من أجل حسم المعركة
لصالحه ،كما ستدفع بإيران وحزب الله وروسيا إلى التدخل المباشر لمساعدة
بشارالأسد ،لأن سقوط نظامه ،سيؤدي لا محالة إلى اضعاف كل تلك الأطراف.