حقيقة العمل الجمعوي بمدينة الجديدة
رئيس جمعية رياضية ....رئيس جمعية المسرح ....أمين المال لجمعية المعاقين رغم انه ليس بمعاق....نائب رئيس جمعية كذا وكذا....مستشار في جمعية كذا وكذا.......
بهذه الصفات قدم لي الجالس أمامي في المقهى نفسه، وبما أني ملم بالعمل الجمعوي وبخباياه أشعل نار فضولي فسألته عن مهنته فكان الجواب فارغا من محتوى السؤال مليء بالمراوغات لم تزدني إلا اقتناعا بان هذا الشخص يعتبر هذه الصفات مهنته التي يسترزق منها، فما كان علي إلا أن أهنئه على نزاهته وإخلاصه لعمله الجمعوي وجهله لبنود الظهير الشريف الذي يعرف الجمعية بأنه اتفاق بين شخصين أو عدة أشخاص لتحقيق تعاون مشترك لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم .
وهذا ما جعلني أتأمل في واقع العمل الجمعوي في مدينتنا، ما زادني إدراكا انه يعيش انحرافات كثيرة عن تعريفه ومفهومه وعن وظائفه الحقيقية وخصوصياته، وإذا ما استثنينا قلة قليلة من المناضلين الجمعويين الحقيقيين اللذين ينشطون في هذا المجال بكل نزاهة وتفان ونكران للذات، ويعطون لهذا العمل اكثر مما يأخذون منه، فإن البقية الباقية تعتبر العمل الجمعوي مجالا للاسترزاق والغنى والثراء السريع، وتتخذه مطية لتحقيق أهداف وطموحات شخصية على حساب المصلحة العامة وانتظارات الشباب والطفولة والمرأة (الثقافية -الفنية والرياضية) وقضايا التنمية بكل أبعادها .
و هكذا تجد من اتخد العمل الجمعوي مجال الإسترزاق وكسب القوت اليومي معتمدا على أساليب وممارسات بشعة اقرب إلى النصب والإحتيال، فتجد من يسترزق بالملتقيات المسرحية والمهرجانات والتظاهرات الفنية وصبيحات الأطفال ومسرح الطفل الذي لا يحمل من محتوياته الفنية ومضامينه التربوية سوى الإسم، وهناك بعض الجمعيات من يتقاسم منصبي الرئيس وأمين المال مع زوجاتهم رغم أمية الزوجة وجهلها بالعمل الجمعوي .
وما يعانيه العمل الجمعوي كذلك في المدينة هي ظاهرة الاستنساخ والتفريخ الذي يراد به تمييع المشهد الجمعوي وخلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح من اجل إفراغه من مضمونه وجوهره وأهدافه ومراميه النبيلة فأصبح تأسيس جمعية في مدينتنا أسهل من إضرام النار في كومة من التبن وقد فاق عدد الجمعيات الألف ومائتان جمعية .
والحقيقة ان الشيء إدا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فأصبح هذا الشيء يضر بثقافتنا وبمبادئنا ونزع الأخلاق وزرع الحقد والنفور فيما بيننا وكرس مبدأ التنافس الغير الشريف.
فغالبية الجمعيات تفتقد لأرضية ورؤية واضحتي المعالم ومحددتي المقاصد الشيء الذي يساهم في استمرار العفوية والارتجالية والاكتفاء بالجاهز من شأنه أن يكرس قوقعة الجمعيات في دائرة النقل والتكرار والموسمية والمناسباتية مما يودي إلى نمط لا ينتج إلا توجها أحادي الاتجاه غير خلاق يكرس مركزية القرار الثقافي ، حتى المحاولة اليائسة لجمع شتات الجمعيات وخلق قوة اقتراحية تشكل نقطة إضافية للحقل المدني الذي دعت إليه بعض الكفاءات ولدت ميتة أو كما يقال (خْرَجْ من الْخيمة مايــْل).
والغريب لدى غالبية الجمعيات من خلال قوانينها الأساسية كثرة الأهداف وتداخل التخصصات ربما تحتاج إلى منتظم وطني لتحقيق تلك الأهداف فتجد مثلا جمعية الصم والبكم تنظم مهرجان الأغنية وجمعية رياضية تنظم مهرجان المسرح. أو أعضاء مكتب تنفيذي لجمعية تتمحور مهنهم ومواهبهم بين البطالة وجمع( اربيعة )من البحر يسيرون جمعية لها علاقة بصحة المواطنين مما يجعلها خيلوطة في آنية يطبخها الرماد .
خلاصة القول فإن العمل الجمعوي عليه ان يكون مدرسة للديمقراطية وحب المعرفة والتعاون وتفعيل صيرورة التغيير لتمكين بلادنا من صنع مستقبل يواكب الركب الحضاري لدى بعض الدول المتقدمة .