الدين والصوم
الهدى النبوى فى الصيام وحكمته الصحية
مرت علينا أيام ونحن في ضيافة شهر الصيام تعالوا بنا نفقه سوياً الحكمة التي من أجلها فرض الله علينا فريضة الصيام فقد حدد ذلك في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} لماذا يا رب؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فهذا الشهر الكريم معسكر رباني وفصل دراسي إلهي دورة يدخل فيها المؤمنون والمؤمنات في كل أنحاء الدنيا ليحصلوا عقبها على رتبة من رتب التقوى فكل واحد من المؤمنين الصائمين يخرج في نهاية شهر رمضان وقد علق المولى على صدره وساماً من أوسمة التقوى أو نيشاناً من نياشين النور الإلهي أو وشاحاً من أسرار الكتاب القرآني الرباني وكل على قدره بما يشرح الله به صدره فإن الله فضله في هذا الشهر الكريم لا يعدُّ ولا يحدُّ ولكن من هم الصائمون الذين يحصلون على بعض ما ذكرناه؟ هم الذين ساروا على هدى رسول الله في الصيام والقيام وكيف كان هديه الشريف؟ كان من هديه الشريف في رمضان تعجيل الفطر وتأخير السحور ويقول في ذلك {لا تَزَالُ أُمَّتِي بخيرٍ ما عَجَّلُوا الإفْطَارَ وأَخَّرُوا السُّحورَ }[1] وكان فطره على رطب يعني البلح الطازج فإن لم يجد فعلى تمرات يعني البلح الجاف وكان يضعه في الماء حتى يكون له مفعول الرطب فإن لم يجد فعلى مزقة لبن فإن لم يجد يتجرع قليلاً من الماء وهنا يظهر لنا حكمة النبي الكريم وأنه كما قال الله في شأنه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فقد بين الدكتور أنور المفتي أسرار الإفطار على التمر أو الرطب أو أي شئ حلو فقال (إن المعدة تكون آخر النهار خالية من الطعام والأعضاء قد أصابها شئ من الفتور والكسل لنقص إمدادها بالغذاء فإذا أكل المرء عقب الإفطار مباشرة شيئاً من البروتينات [اللحوم أو الأسماك أو ما شابهها] استغرقت أربع ساعات حتى تهضم وتصل إلى الأعضاء وإذا أكل شيئاً من الدهون مكث هذا الطعام ست ساعات حتى يتم هضمه وتحويله إلى المادة اللازمة لغذاء الأعضاء أما التمر والرطب والشئ الحلو فلا يستغرق أكثر من خمس دقائق حتى يصل إلى جميع الأعضاء فينشطها وينبه المعدة لتفرز عصارتها وإنزيماتها حتى تكون جاهزة لاستقبال الطعام) وصدق الله إذ يقول {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ثم كان يقوم بعد ذلك لصلاة المغرب وتلك الفترة كافية لتجهيز المعدة والأمعاء والأعضاء لاستقبال الطعام بعد الجوع الطويل لكن هذا لا يكون لغير القادرين ولا يكون تكليفاً شاقاً على الصغار والكبار فإذا كان ربَّ الأسرة لا يستطيع أن يفارق أولاده عند الإفطار فعليه أن يفطر معهم ويصلي المغرب بعد ذلك أما إذا كان يستطيع ومن معه أن يؤدوا صلاة المغرب ثم يتناولون طعام الإفطار فهو أفضل لأن في ذلك حكمة بالغة فإن أداء الصلاة يجعل الأعضاء تنبعث فيها الحياة فإذا قعد المرء بعد ذلك على الطعام لا يأكل بشراهة وبذلك لا يتعب المعدة ولا يُصاب بالتخمة ولا ينتابه الكسل والوخم الذي ينتاب كثيرين من الذين لا يستطيعون إمساك أنفسهم عند طعام الإفطار ومن هديه في السحور ما روى عنه قيل { تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلاَةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً}[2]يعني ما يعادل حوالي ثُلث ساعة أو ما نسميه في عصرنا بمدفع الإمساك لماذا أخَّر النبي الكريم في كل أحواله طعام السحور إلى ما قبل الفجر؟ ولم يفعل كما نفعل الآن نسهر إلى الواحدة أو الثانية ثم نتناول السحور وننام؟ لحكمة بالغة يعلّمها لنا المصطفى عليه أفضل وأتم الصلاة والسلام فإن المرء إذا أكل قبل الفجر بثلث ساعة ثم قام وتوضأ فالوضوء ينشط الأعضاء والفترة التي يقضيها بعد ذلك في صلاة الفجر تعمل على هضم الطعام فحركات الصلاة كلها تساعد المعدة والكبد وغيرها على إفراز عصارتها التي تعمل على هضم الطعام فإذا صلى الفجر حتى ولو كان متعباً ونام ينام منشرح الصدر نشيط الروح لا يحسّ بوخم ولا تعب أما الذي يأكل في الواحدة أو الثانية وينام فإنه من المؤكد لا يصلي الفجر حاضراً لأن الطعام بما فيه من عملية الهضم تسحب الدم فيقل ما يذهب لأعضائه فيصيبها الجمود والخمول ويستغرق بالنوم! فلا يستطيع القيام لصلاة الفجر، ويحرم نفسه من هذا الأجر العظيم ثم بعد ذلك يظل طوال يومه كسول النفس سقيم الصدر يحس بالوخم ويحس بالثقل لأنه أكل ونام ولم يعط لأعضائه فرصة لهضم الطعام فما بالكم إذا كان الصائم طفلاً صغيراً فإن الأطفال في مرحلة التكوين ويحتاجون في بناء الخلايا إلى بعض البروتينات وأن يكون وقت صيامهم غير طويل لأنه إذا أكل ونام وهضم الطعام في أول النهار واحتاج الجسم إلى غذاء ماذا يفعل؟ تتوقف عملية البناء لحاجة الجسم للغذاء لعدم وجود الطعام فيُصاب الطفل بالضعف وما شابه ذلك لكننا إذا أطعمناه قبل صلاة الفجر ونام بعد صلاة الفجر فإن الطعام يمكث في بطنه فترة طويلة فلا يُصاب بالضعف ولا بالسقم وكلنا نلاحظ هذا على أولادنا عند الذهاب للمدارس في رمضان فلو تسحروا قبل الفجر يعودوا نشيطين من المدرسة ولا يشتكون إلا قليلاً ومن هديه صلاة القيام لماذا سن لنا صلاة القيام؟ لهضم الطعام فلم يكن في زمانه أدوية كالتي عندنا الآن ولا مشروبات تعمل على هضم الطعام فسألوه عن كيفية هضم الطعام للصائمين فقال{أذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ والصَّلاةِ ولا تَنَامُوا عَلَـيْهِ فَتَقْسُوَ لَهُ قُلُوبُكُمْ}[3] فإن الدم يتجمع للمعدة بعد الطعام من أجل الهضم ويقل من بقية أجزاء الجسم مما يجعل المرء يشعر بشئ من الكسل فإذا صلى فعند ركوعه تضغط أعضائه على معدته وعلى كبده فيفرزان العصارات اللازمة للهضم فإذا سجد على جبهته نزل الدم إلى رأسه فحرك مخه ورد إليه شئ من يقظته وبتوالي حركات الصلاة التي نؤديها لله في صلاة القيام يتوالى على الجسم عملية هضم الطعام وتمثيله الغذائي بكيفية مريحة للمعدة ومنبهة للأعضاء فما أصدق قول الله لنا جماعة المؤمنين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} أيضاً من هديه فيما ذكرناه أنه وأصحابه لم يكونوا يظهرون اهتماماً بالغاً كما نفعل بطعام الفطور بل كانوا يرون من العيب ومن الذنب أن يفكر الإنسان فيما سيفطر عليه قبل ميعاد الغروب لأنه بذلك اشتغل عن علام الغيوب عز وجل وكان يحثهم على ضرورة السحور ويقول في ذلك لمن لا يستطيع الأكل{تَسَحَّرُوا ولَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ ماءٍ}[4] ويقول لهم{هَلُمُّوا إِلَى? الغِذَاءِ الْمُبَارَكِ}[5] ويقول لهم{ تَسَحَّرُوا فإنَّ في السُّحُورِ بَرَكَةً}[6] وقال {أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ بَرَكَةٍ فِيهِ خَيْرٌ يُغَشيكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ فِيهِ الْخَطَايَا وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعَاءَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلاَئِكَتَهُ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً فَإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ}[7] وكان من هديه ما رواه ابن عباس { كَانَ رَسُولُ اللّهِ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حين يلقاه جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَة }[8] فكان يكثر فيه من التصدق على الفقراء والمساكين لأن من أنفق أنفق الله عليه ومن أعطى جاد في عطائه الكريم الحنان المنان فلنكثر من الإنفاق في شهر رمضان ويا حبذا لو انتهجنا السنة الحميدة التي فعلتها بعض الدول الإسلامية في الأعوام الماضية بأن نرسل جزءاً من زكاة الفطر إلى هيئاتنا الإسلامية التي تجمعها مثل الأزهر وغيرها وأيضاً تبرعات ذوي الخير واليسار فيرسلونها إلى إخواننا المسلمين المحتاجين في البوسنة أو إخواننا المسلمين المحتاجين في الصومال وإخواننا المسلمين المحتاجين في الجمهوريات الإسلامية في روسيا وغيرها فإننا جميعاً في بلدنا والحمد لله لا يوجد إلا أقل من القليل الفقير الذي تنطبق عليه الشروط الشرعية للفقير وهو الذي ليس في بيته شئ إلا التراب لكن في هذه البلاد الإسلامية هناك يموت الكثيرون منهم من شدة الجوع من الكبار والصغار والأطفال والمواليد والنساء بل ويموت الكثيرون منهم لعدم وجود الغطاء في البرد القارس الذي يعانون منه والذي لا يصيبنا إلا القليل منه مع ملكنا للغطاء والكساء والمنزل والتدفئة كما يموت كثيرون منهم أيضاً لعدم استطاعتهم العلاج أو الحصول على الماء النقي مع شدة الأنواء والكوارث والأدواء والحروب والمجاعات التي عافانا الله منها والحمد لله
[SIZE="3"][1] عن أبي ذر رواه أحمد[2] رواه الإمام البخاري عن سيدنا زيد بن ثابت [3] عن عائشة رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب النبوي[4] عن أنس رواه أبو يعلى[5] مصنف ابن أبي شيبة عن أبي رهم السماعي[6] عن أنس رواه أبو يعلى[7] رواه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت[8] ابن عباس صحيح مسلم وروى مثله عن عائشة في البخاري.[/SIZE]
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]
المصدر :منتدى شباب الجزائر
مرت علينا أيام ونحن في ضيافة شهر الصيام تعالوا بنا نفقه سوياً الحكمة التي من أجلها فرض الله علينا فريضة الصيام فقد حدد ذلك في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} لماذا يا رب؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فهذا الشهر الكريم معسكر رباني وفصل دراسي إلهي دورة يدخل فيها المؤمنون والمؤمنات في كل أنحاء الدنيا ليحصلوا عقبها على رتبة من رتب التقوى فكل واحد من المؤمنين الصائمين يخرج في نهاية شهر رمضان وقد علق المولى على صدره وساماً من أوسمة التقوى أو نيشاناً من نياشين النور الإلهي أو وشاحاً من أسرار الكتاب القرآني الرباني وكل على قدره بما يشرح الله به صدره فإن الله فضله في هذا الشهر الكريم لا يعدُّ ولا يحدُّ ولكن من هم الصائمون الذين يحصلون على بعض ما ذكرناه؟ هم الذين ساروا على هدى رسول الله في الصيام والقيام وكيف كان هديه الشريف؟ كان من هديه الشريف في رمضان تعجيل الفطر وتأخير السحور ويقول في ذلك {لا تَزَالُ أُمَّتِي بخيرٍ ما عَجَّلُوا الإفْطَارَ وأَخَّرُوا السُّحورَ }[1] وكان فطره على رطب يعني البلح الطازج فإن لم يجد فعلى تمرات يعني البلح الجاف وكان يضعه في الماء حتى يكون له مفعول الرطب فإن لم يجد فعلى مزقة لبن فإن لم يجد يتجرع قليلاً من الماء وهنا يظهر لنا حكمة النبي الكريم وأنه كما قال الله في شأنه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فقد بين الدكتور أنور المفتي أسرار الإفطار على التمر أو الرطب أو أي شئ حلو فقال (إن المعدة تكون آخر النهار خالية من الطعام والأعضاء قد أصابها شئ من الفتور والكسل لنقص إمدادها بالغذاء فإذا أكل المرء عقب الإفطار مباشرة شيئاً من البروتينات [اللحوم أو الأسماك أو ما شابهها] استغرقت أربع ساعات حتى تهضم وتصل إلى الأعضاء وإذا أكل شيئاً من الدهون مكث هذا الطعام ست ساعات حتى يتم هضمه وتحويله إلى المادة اللازمة لغذاء الأعضاء أما التمر والرطب والشئ الحلو فلا يستغرق أكثر من خمس دقائق حتى يصل إلى جميع الأعضاء فينشطها وينبه المعدة لتفرز عصارتها وإنزيماتها حتى تكون جاهزة لاستقبال الطعام) وصدق الله إذ يقول {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ثم كان يقوم بعد ذلك لصلاة المغرب وتلك الفترة كافية لتجهيز المعدة والأمعاء والأعضاء لاستقبال الطعام بعد الجوع الطويل لكن هذا لا يكون لغير القادرين ولا يكون تكليفاً شاقاً على الصغار والكبار فإذا كان ربَّ الأسرة لا يستطيع أن يفارق أولاده عند الإفطار فعليه أن يفطر معهم ويصلي المغرب بعد ذلك أما إذا كان يستطيع ومن معه أن يؤدوا صلاة المغرب ثم يتناولون طعام الإفطار فهو أفضل لأن في ذلك حكمة بالغة فإن أداء الصلاة يجعل الأعضاء تنبعث فيها الحياة فإذا قعد المرء بعد ذلك على الطعام لا يأكل بشراهة وبذلك لا يتعب المعدة ولا يُصاب بالتخمة ولا ينتابه الكسل والوخم الذي ينتاب كثيرين من الذين لا يستطيعون إمساك أنفسهم عند طعام الإفطار ومن هديه في السحور ما روى عنه قيل { تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلاَةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً}[2]يعني ما يعادل حوالي ثُلث ساعة أو ما نسميه في عصرنا بمدفع الإمساك لماذا أخَّر النبي الكريم في كل أحواله طعام السحور إلى ما قبل الفجر؟ ولم يفعل كما نفعل الآن نسهر إلى الواحدة أو الثانية ثم نتناول السحور وننام؟ لحكمة بالغة يعلّمها لنا المصطفى عليه أفضل وأتم الصلاة والسلام فإن المرء إذا أكل قبل الفجر بثلث ساعة ثم قام وتوضأ فالوضوء ينشط الأعضاء والفترة التي يقضيها بعد ذلك في صلاة الفجر تعمل على هضم الطعام فحركات الصلاة كلها تساعد المعدة والكبد وغيرها على إفراز عصارتها التي تعمل على هضم الطعام فإذا صلى الفجر حتى ولو كان متعباً ونام ينام منشرح الصدر نشيط الروح لا يحسّ بوخم ولا تعب أما الذي يأكل في الواحدة أو الثانية وينام فإنه من المؤكد لا يصلي الفجر حاضراً لأن الطعام بما فيه من عملية الهضم تسحب الدم فيقل ما يذهب لأعضائه فيصيبها الجمود والخمول ويستغرق بالنوم! فلا يستطيع القيام لصلاة الفجر، ويحرم نفسه من هذا الأجر العظيم ثم بعد ذلك يظل طوال يومه كسول النفس سقيم الصدر يحس بالوخم ويحس بالثقل لأنه أكل ونام ولم يعط لأعضائه فرصة لهضم الطعام فما بالكم إذا كان الصائم طفلاً صغيراً فإن الأطفال في مرحلة التكوين ويحتاجون في بناء الخلايا إلى بعض البروتينات وأن يكون وقت صيامهم غير طويل لأنه إذا أكل ونام وهضم الطعام في أول النهار واحتاج الجسم إلى غذاء ماذا يفعل؟ تتوقف عملية البناء لحاجة الجسم للغذاء لعدم وجود الطعام فيُصاب الطفل بالضعف وما شابه ذلك لكننا إذا أطعمناه قبل صلاة الفجر ونام بعد صلاة الفجر فإن الطعام يمكث في بطنه فترة طويلة فلا يُصاب بالضعف ولا بالسقم وكلنا نلاحظ هذا على أولادنا عند الذهاب للمدارس في رمضان فلو تسحروا قبل الفجر يعودوا نشيطين من المدرسة ولا يشتكون إلا قليلاً ومن هديه صلاة القيام لماذا سن لنا صلاة القيام؟ لهضم الطعام فلم يكن في زمانه أدوية كالتي عندنا الآن ولا مشروبات تعمل على هضم الطعام فسألوه عن كيفية هضم الطعام للصائمين فقال{أذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ والصَّلاةِ ولا تَنَامُوا عَلَـيْهِ فَتَقْسُوَ لَهُ قُلُوبُكُمْ}[3] فإن الدم يتجمع للمعدة بعد الطعام من أجل الهضم ويقل من بقية أجزاء الجسم مما يجعل المرء يشعر بشئ من الكسل فإذا صلى فعند ركوعه تضغط أعضائه على معدته وعلى كبده فيفرزان العصارات اللازمة للهضم فإذا سجد على جبهته نزل الدم إلى رأسه فحرك مخه ورد إليه شئ من يقظته وبتوالي حركات الصلاة التي نؤديها لله في صلاة القيام يتوالى على الجسم عملية هضم الطعام وتمثيله الغذائي بكيفية مريحة للمعدة ومنبهة للأعضاء فما أصدق قول الله لنا جماعة المؤمنين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} أيضاً من هديه فيما ذكرناه أنه وأصحابه لم يكونوا يظهرون اهتماماً بالغاً كما نفعل بطعام الفطور بل كانوا يرون من العيب ومن الذنب أن يفكر الإنسان فيما سيفطر عليه قبل ميعاد الغروب لأنه بذلك اشتغل عن علام الغيوب عز وجل وكان يحثهم على ضرورة السحور ويقول في ذلك لمن لا يستطيع الأكل{تَسَحَّرُوا ولَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ ماءٍ}[4] ويقول لهم{هَلُمُّوا إِلَى? الغِذَاءِ الْمُبَارَكِ}[5] ويقول لهم{ تَسَحَّرُوا فإنَّ في السُّحُورِ بَرَكَةً}[6] وقال {أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ بَرَكَةٍ فِيهِ خَيْرٌ يُغَشيكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ فِيهِ الْخَطَايَا وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعَاءَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلاَئِكَتَهُ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً فَإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ}[7] وكان من هديه ما رواه ابن عباس { كَانَ رَسُولُ اللّهِ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حين يلقاه جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَة }[8] فكان يكثر فيه من التصدق على الفقراء والمساكين لأن من أنفق أنفق الله عليه ومن أعطى جاد في عطائه الكريم الحنان المنان فلنكثر من الإنفاق في شهر رمضان ويا حبذا لو انتهجنا السنة الحميدة التي فعلتها بعض الدول الإسلامية في الأعوام الماضية بأن نرسل جزءاً من زكاة الفطر إلى هيئاتنا الإسلامية التي تجمعها مثل الأزهر وغيرها وأيضاً تبرعات ذوي الخير واليسار فيرسلونها إلى إخواننا المسلمين المحتاجين في البوسنة أو إخواننا المسلمين المحتاجين في الصومال وإخواننا المسلمين المحتاجين في الجمهوريات الإسلامية في روسيا وغيرها فإننا جميعاً في بلدنا والحمد لله لا يوجد إلا أقل من القليل الفقير الذي تنطبق عليه الشروط الشرعية للفقير وهو الذي ليس في بيته شئ إلا التراب لكن في هذه البلاد الإسلامية هناك يموت الكثيرون منهم من شدة الجوع من الكبار والصغار والأطفال والمواليد والنساء بل ويموت الكثيرون منهم لعدم وجود الغطاء في البرد القارس الذي يعانون منه والذي لا يصيبنا إلا القليل منه مع ملكنا للغطاء والكساء والمنزل والتدفئة كما يموت كثيرون منهم أيضاً لعدم استطاعتهم العلاج أو الحصول على الماء النقي مع شدة الأنواء والكوارث والأدواء والحروب والمجاعات التي عافانا الله منها والحمد لله
[SIZE="3"][1] عن أبي ذر رواه أحمد[2] رواه الإمام البخاري عن سيدنا زيد بن ثابت [3] عن عائشة رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب النبوي[4] عن أنس رواه أبو يعلى[5] مصنف ابن أبي شيبة عن أبي رهم السماعي[6] عن أنس رواه أبو يعلى[7] رواه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت[8] ابن عباس صحيح مسلم وروى مثله عن عائشة في البخاري.[/SIZE]
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]
المصدر :منتدى شباب الجزائر