إحياء التراث المعمارى فى قرية المحروسة
إحياء التراث المعمارى فى قرية المحروسة
"الفن من الناس وللناس " هو عنوان مشروع حضاري وبيئي تتبناه جمعية المحروسة لرعاية التراث والفنون المعاصرة و يسعي الي الكشف عن الخبرة الجمالية المترسبة في الذاكرة المصرية مابين فنون شعبية وتراث معماري وإحياء هذه الفنون برؤية معاصرة لتصبح من الأدوات الأصيلة لتنمية المجتمع.
في 2004 جاءت نشأة الجمعية في قرية المحروسة بقنا و هي قرية تمتد جذورها الي الزمن القديم وكانت تسمي في السابق قرية "البلاص" وهي في الاصل كلمة فرعونية لأواني الفخار والتي تشتهر بها القرية. تتميزالقرية باسلوب معماري فريد وقديم يستخدم أدوات البيئة المحيطة في أشكال البناء فيمزج ما بين الطين والفخار. وتتميز كذلك بجداريات الحج علي حوائط البيوت الطينية، وهو فن يظهر فيه بوضوح المزيج الفريد للشخصبة المصرية ما بين زخارف إسلامية تختلط بتكوينات تحمل طابع الفن الفرعوني. وتعبر الجداريات كذلك عن طبيعة الإنسان المصري والتي تحتفي بالعقيدة والدين كما تحتفي بالحياة اليومية وتحرص علي تسجيل خبراتها ورؤاها في اشكال بصرية وفنية متنوعة.
الأفكار التي طرحها الفنانون الشباب تحمل قدر كبير من الرؤية البداعية المتميزة ، لعل ابرزها هو مشروع شارع القرية، والذي جاء نتاجاً للمعايشة الإنسانية مع أهل المكان. ففي واحد من اكثر احياء القرية فقراً لاحظت مجموعة الشباب، ان أهل الشارع يتمتعون بحس فني يظهر أحياناً في المناسبات القليلة التي تستدعي الإحتفال في الأعياد ورمضان، من خلال أشكال الزينة البدائية والتي يصنعها الصغار و الكبار معاً وذلك رغم البيوت المتهالكة والإهمال وتراكم القبح. وفي نفس الوقت فإن هناك بيوتاً وأحياء أخري تتمتع بأشكال فنية خلابة لجداريات الحج والتي كانت عادة يحرص عليها القادرين من اهل القرية حين يجئ موسم الحج.
ويتلخص المشروع في العمل علي إزالة تراكمات الزمن في الشارع بترميم البيوت علي جانبيه و العمل علي إبراز المكونات المعمارية التي تختص بها القرية. ثم تجيء المرحلة التالية و هي إستقطاب عدد من الفنانين التلقائيين ممن تخصصوا في فنون الجداريات للحج لكي تتزين البيوت برسومهم من زخارف واشكال تراثية وشعبية. والهدف إحياء هذا الفن الأصيل والحفاظ عليه من الإندثار، ونقل هذا التراث للأجيال الجديدة ، و الأهم تحسين الظروف المعيشية لأهل الشارع ليلعب الفن دوره الأصيل بان يكون جزء من نسيج المجتمع المكاني والإجتماعي سواء. بدلاً من أن يكون مجرد لوحة في إطار.
ويقول عاصم عبد الحميد وهو واحد من الفنانين المؤسسين للجمعية وهو ايضاً من أبناء قرية المحروسة، أن أهمية الجداريات ليست فقط في أشكال الخط والزخرفة ولكن في كونها ذاكرة بصرية حية تسجل واقع العصر ونبض أهله. ويضيف موضحاً " في جدارية للحج رسمت علي جدران منزلنا في أيام الطفولة كان يطل علينا وجه أخي والذي توفي في سن صغيرة. أذكر ان الوجه المطل علي الحائط كان بمثابة الصاحب والصديق لفترة طويله وكأنه معنا يشاركنا الأحلام ويواسي الألم، ثم إستيقظت يوماً فإذا بالوجه وقد تلاشي بلون ابيض جامد في إطار عملية ترميم وبياض للمنزل." ويستطرد بعد لحظة تذكر " كان هذا اليوم هو يوم وفاة اخي بالنسبة لي."
تشكلت جمعية المحروسة من خلال التلاقي ما بين عدد من الفنانين الشباب، بعضهم من ابناء القرية والبعض الآخر جاء اليها من القاهرة بحثاً عن الإلهام من خلال التواجد في بيئة فطرية نقية ومحاولة إعادة إكتشاف اشكال فنية اصيلة. وكان عمار ابوبكر الصديق واحد من هؤلاء القاهريين القادمين الي ريف الصعيد " تجربة التواجد والتعايش مع المكان غيرت الكثير من رؤانا حول الفن ودوره في المجتمع، واصبح الهدف من تواجدنا لا يقتصر علي المشروع الخاص بكل منا." ويكمل د. محمد عرابي الأستاذ المساعد ووكيل كلية الفنون الجميلة بالأقصر موضحاً أن العصر الحديث شهد حالة إنفصال للفن عن الناس و المجتمع بكافة مستوياته وقصر رهانه على ما يمكن أن يطلق عليه النخبة. سواء النخبة التي تملك الثقافة او تلك التي تملك المال. وهي مشكلة أدت الي تغييب الدور الحقيقي والنقي للفنون بأشكالها وأجناسها المختلفة من حياة البشر في العصور الحديثة ليتحول الي رفاهية والي سلعة استهلاكية.
ويضيف أن التغيرات التي مر بها مجتمعنا المصري في ظل حركة العالم تتصف بقدر كبير من العشوائية وإختلاط المفاهيم "الأمر الذي يجعلنا نفكر في ضرورة البحث بين الناس عبر الفن عما هو كامن من هذه القيم وإعادة قراءتها برؤية إنسانية جديدة لإبراز ماتكنه من قيم جميلة ونحاول تفعيلها في الحياة المصرية المعاصرة."
المشكلة التي تواجه جمعية المحروسة تتمثل في أن عدد فناني الجداريات لا يتعدي عدد اصابع اليد الواحدة ومعظمهم سافر لدول مختلفة بحثاً عن الرزق. ويقول عمار "نحتاج تمويل جيد لكي نتمكن من إعادتهم مرة اخري للصعيد ليمارسوا فنهم من جديد ولكي نضمن لهم أيضاً الحياة الكريمة ". غير أن نقص التمويل لم يقف عائقاً أمام إصرار ومثابرة أعضاء الجمعية والذين قاموا بالإمكانات الذاتية المتاحة بعمل فيلم وثائقي عن الجداريات والطقس المصاحب لها
والدور الذي لعبته في حياة الناس... تحقيق : ألفه طنطاوى
منقول
"الفن من الناس وللناس " هو عنوان مشروع حضاري وبيئي تتبناه جمعية المحروسة لرعاية التراث والفنون المعاصرة و يسعي الي الكشف عن الخبرة الجمالية المترسبة في الذاكرة المصرية مابين فنون شعبية وتراث معماري وإحياء هذه الفنون برؤية معاصرة لتصبح من الأدوات الأصيلة لتنمية المجتمع.
في 2004 جاءت نشأة الجمعية في قرية المحروسة بقنا و هي قرية تمتد جذورها الي الزمن القديم وكانت تسمي في السابق قرية "البلاص" وهي في الاصل كلمة فرعونية لأواني الفخار والتي تشتهر بها القرية. تتميزالقرية باسلوب معماري فريد وقديم يستخدم أدوات البيئة المحيطة في أشكال البناء فيمزج ما بين الطين والفخار. وتتميز كذلك بجداريات الحج علي حوائط البيوت الطينية، وهو فن يظهر فيه بوضوح المزيج الفريد للشخصبة المصرية ما بين زخارف إسلامية تختلط بتكوينات تحمل طابع الفن الفرعوني. وتعبر الجداريات كذلك عن طبيعة الإنسان المصري والتي تحتفي بالعقيدة والدين كما تحتفي بالحياة اليومية وتحرص علي تسجيل خبراتها ورؤاها في اشكال بصرية وفنية متنوعة.
الأفكار التي طرحها الفنانون الشباب تحمل قدر كبير من الرؤية البداعية المتميزة ، لعل ابرزها هو مشروع شارع القرية، والذي جاء نتاجاً للمعايشة الإنسانية مع أهل المكان. ففي واحد من اكثر احياء القرية فقراً لاحظت مجموعة الشباب، ان أهل الشارع يتمتعون بحس فني يظهر أحياناً في المناسبات القليلة التي تستدعي الإحتفال في الأعياد ورمضان، من خلال أشكال الزينة البدائية والتي يصنعها الصغار و الكبار معاً وذلك رغم البيوت المتهالكة والإهمال وتراكم القبح. وفي نفس الوقت فإن هناك بيوتاً وأحياء أخري تتمتع بأشكال فنية خلابة لجداريات الحج والتي كانت عادة يحرص عليها القادرين من اهل القرية حين يجئ موسم الحج.
ويتلخص المشروع في العمل علي إزالة تراكمات الزمن في الشارع بترميم البيوت علي جانبيه و العمل علي إبراز المكونات المعمارية التي تختص بها القرية. ثم تجيء المرحلة التالية و هي إستقطاب عدد من الفنانين التلقائيين ممن تخصصوا في فنون الجداريات للحج لكي تتزين البيوت برسومهم من زخارف واشكال تراثية وشعبية. والهدف إحياء هذا الفن الأصيل والحفاظ عليه من الإندثار، ونقل هذا التراث للأجيال الجديدة ، و الأهم تحسين الظروف المعيشية لأهل الشارع ليلعب الفن دوره الأصيل بان يكون جزء من نسيج المجتمع المكاني والإجتماعي سواء. بدلاً من أن يكون مجرد لوحة في إطار.
ويقول عاصم عبد الحميد وهو واحد من الفنانين المؤسسين للجمعية وهو ايضاً من أبناء قرية المحروسة، أن أهمية الجداريات ليست فقط في أشكال الخط والزخرفة ولكن في كونها ذاكرة بصرية حية تسجل واقع العصر ونبض أهله. ويضيف موضحاً " في جدارية للحج رسمت علي جدران منزلنا في أيام الطفولة كان يطل علينا وجه أخي والذي توفي في سن صغيرة. أذكر ان الوجه المطل علي الحائط كان بمثابة الصاحب والصديق لفترة طويله وكأنه معنا يشاركنا الأحلام ويواسي الألم، ثم إستيقظت يوماً فإذا بالوجه وقد تلاشي بلون ابيض جامد في إطار عملية ترميم وبياض للمنزل." ويستطرد بعد لحظة تذكر " كان هذا اليوم هو يوم وفاة اخي بالنسبة لي."
تشكلت جمعية المحروسة من خلال التلاقي ما بين عدد من الفنانين الشباب، بعضهم من ابناء القرية والبعض الآخر جاء اليها من القاهرة بحثاً عن الإلهام من خلال التواجد في بيئة فطرية نقية ومحاولة إعادة إكتشاف اشكال فنية اصيلة. وكان عمار ابوبكر الصديق واحد من هؤلاء القاهريين القادمين الي ريف الصعيد " تجربة التواجد والتعايش مع المكان غيرت الكثير من رؤانا حول الفن ودوره في المجتمع، واصبح الهدف من تواجدنا لا يقتصر علي المشروع الخاص بكل منا." ويكمل د. محمد عرابي الأستاذ المساعد ووكيل كلية الفنون الجميلة بالأقصر موضحاً أن العصر الحديث شهد حالة إنفصال للفن عن الناس و المجتمع بكافة مستوياته وقصر رهانه على ما يمكن أن يطلق عليه النخبة. سواء النخبة التي تملك الثقافة او تلك التي تملك المال. وهي مشكلة أدت الي تغييب الدور الحقيقي والنقي للفنون بأشكالها وأجناسها المختلفة من حياة البشر في العصور الحديثة ليتحول الي رفاهية والي سلعة استهلاكية.
ويضيف أن التغيرات التي مر بها مجتمعنا المصري في ظل حركة العالم تتصف بقدر كبير من العشوائية وإختلاط المفاهيم "الأمر الذي يجعلنا نفكر في ضرورة البحث بين الناس عبر الفن عما هو كامن من هذه القيم وإعادة قراءتها برؤية إنسانية جديدة لإبراز ماتكنه من قيم جميلة ونحاول تفعيلها في الحياة المصرية المعاصرة."
المشكلة التي تواجه جمعية المحروسة تتمثل في أن عدد فناني الجداريات لا يتعدي عدد اصابع اليد الواحدة ومعظمهم سافر لدول مختلفة بحثاً عن الرزق. ويقول عمار "نحتاج تمويل جيد لكي نتمكن من إعادتهم مرة اخري للصعيد ليمارسوا فنهم من جديد ولكي نضمن لهم أيضاً الحياة الكريمة ". غير أن نقص التمويل لم يقف عائقاً أمام إصرار ومثابرة أعضاء الجمعية والذين قاموا بالإمكانات الذاتية المتاحة بعمل فيلم وثائقي عن الجداريات والطقس المصاحب لها
والدور الذي لعبته في حياة الناس... تحقيق : ألفه طنطاوى
منقول