علامة عصره الشيخ محمد البشير الابراهيمي ابن منطقة اولاد براهم
نبذة عن حياة العلامة محمد البشير الإبراهيمي
ولد "محمد البشير الإبراهيمي" في (15 من شوال 1306 هـ= 16 من يوليو 1889م) في قرية "سيدي عبد الله" قرب "سطيف" غرب مدينة "قسنطينة" ووفقا للتقسيم الاداري الحالي أصبحت اولاد براهم تابعة لولاية برج بوعريريج، في بيت من أعرق بيوت الجزائر، يرجع نسبه إلى الأدارسة العلويين حسب العلامة نفسه لكن مختلف الدلائل وكتابات المؤرخين ترجع انتساب عرش اولاد براهم الى قبيلة ريغة الأمازيغية ويمكن ان يكون انتساب هذا العرش للعلويين في اطار ما كان يعرف من تفاخر بالانساب الشريفة، وتلقى تعليمه الأوَّلي على والده وعمه الشيخ "محمد المكي الإبراهيمي" الذي كان من أبرز علماء "الجزائر" في عصره؛ فحفظ القرآن ودرس بعض المتون في الفقه واللغة، كما حفظ العديد من متون اللغة ودواوين فحول الشعراء، فلما مات عمه صار يُدَرِّس ما تلقاه عنه، ولم يكن قد جاوز الرابعة عشرة من عمره.
لكنه ما لبث أن غادر "الجزائر" إلى "الحجاز" وهو في العشرين من عمره -سنة (1330 هـ = 1911م)- ليلحق بأبيه الذي كان قد سبقه إلى هناك قبل ذلك بنحو أربعة أعوام.
وواصل "البشير" تعليمه في "المدينة"، واتصل بعالمين كبيرين كان لهما أثر كبير في توجيهه وتكوين فكره، وهما الشيخ "عبد العزيز الوزير التونسي" وقد درس عليه الفقه المالكي وأخذ عنه "موطأ مالك"، والشيخ "حسين أحمد الفيض آبادي الهندي" الذي أخذ عنه "صحيح مسلم". وكان "البشير" شغوفا بالعلم، يقضي معظم وقته بين المكتبات الشهيرة بـ"المدينة"، ينهل من كنوزها، ليروي ظمأه المعرفي ويشبع نهمه العلمي.
علاقته بابن باديس
وفي أثناء إقامته في المدينة تعرف على الشيخ "عبد الحميد بن باديس" عندما قدم لأداء فريضة الحج عام (1331 هـ = 1913م)، كما التقى بعالم جزائري آخر هو "الطيب العقبي" وكان قد سبقه إليها قبل سنوات، وجمعت بين ثلاثتهم ألفة ومودة شديدة زادتها اتصالا ميولهم واهتماماتهم المشتركة، وأضفت عليها الغربة مزيدا من القوة والعمق.
وعاد "ابن باديس" إلى "الجزائر" ليبدأ بها برنامجه الإصلاحي، بينما ظلَّ "البشير" في المدينة حتى غادرها إلى دمشق سنة (1335هـ = 1916م) حيث اشتغل بالتدريس، وشارك في تأسيس "المجمع العلمي" الذي كان من غاياته تعريب الإدارات الحكومية، وهناك التقى بالعديد من علماء دمشق وأدبائها.
تأسيس جمعية العلماء
وفي عام (1338هـ = 1920م) غادر "البشير الإبراهيمي" دمشق عائدا إلى "الجزائر"، وبدأ بدعوته إلى الإصلاح ونشر العلم في مدينة "سطيف"، وبدأ في إلقاء الدروس الدينية والمحاضرات العلمية لطلاب العلم من أبناء بلده، وعندما رأى إقبال طلاب العلم على دروسه وخطبه شجعه ذلك على إنشاء مدرسة لتدريب الشباب على الخطابة وفنون اللغة والأدب، ولم تنقطع صلته بصديقه "ابن باديس" طوال تلك الفترة، فكانا يتبادلان الزيارات من حين لآخر.
وفي عام (1342 هـ = 1924 م) زاره "ابن باديس" وعرض عليه فكرة إقامة "جمعية العلماء"، فلاقت الفكرة قبولا في نفس "البشير"، فأخذا يدرسانها ويضعان لها الأطر والأهداف التي تقوم عليها تلك الجمعية، وقد استغرق ذلك زمنا طويلا حتى خرجت إلى حيز الوجود، وعقد المؤتمر التأسيسي لها في (17 من ذي الحجة 1349 هـ = 5 من مايو 1931 م)، وذلك في أعقاب احتفال "فرنسا" بالعيد المئوي لاحتلال "الجزائر"، وبعد تأسيس الجمعية اختِير "ابن باديس" رئيسا لها واختير "الإبراهيمي" نائبا لرئيسها، وانتدب من قِبل الجمعية لأصعب مهمة، وهي نشر الإصلاح في غرب "الجزائر" وفي مدينة "وهران" وهي المعقل الحصين للصوفية الطرقيين، فبادر إلى ذلك وبدأ ببناء المدارس الحرة، وكان يحاضر في كل مكان يصل إليه، وبنى أكثر من مائتي مسجد، وامتد نشاطه إلى "تلمسان"، وهي واحة الثقافة العربية في غرب "الجزائر".
وقد أثار نشاط "البشير" حفيظة الفرنسيين كما أثار قلقهم ومخاوفهم من نتيجة هذا الغرس الذي يؤدي إلى صحوة إسلامية عارمة، وإيقاظ وعي أبناء الأمة، فأسرعوا باعتقاله ونفيه إلى صحراء "وهران" سنة (1359 هـ = 1940 م)، وبعد أسبوع من اعتقاله توفي "ابن باديس" فاختاره العلماء رئيسا لجمعيتهم خلفا له، ولم يُفرج عنه إلا بعد انتهاء "الحرب العالمية الثانية" سنة (1362 هـ = 1943 م)، لكنه ما لبث أن اعتقل مرة ثانية عام (1364 هـ = 1945 م)، وأفرج عنه بعد عام واحد.
وفى عام (1366 هـ = 1947 م) عادت مجلة "البصائر" للصدور، وكانت مقالات "الإبراهيمي" فيها غاية في القوة والبلاغة، وتتسم بقدر كبير من الجرأة والصراحة والنقد القاسي لفرنسا وعملاء "فرنسا".
قضايا واهتمامات
وقد وقف "البشير" -في "البصائر"- مدافعا عن اللغة العربية ضد حملات التغريب من المستعمر الفرنسي وأعوانه، يقول عن اللغة العربية: "اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة، ولا دخيلة، بل هي في دارها وبين حماتها وأنصارها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي، مشتدة الأواصر مع الحاضر، طويلة الأفنان في المستقبل".. كما اهتم أيضا بالدفاع عن قضية "فلسطين"، وسخر قلمه للتعريف بها والدفاع عنها.
وقد كان "البشير الإبراهيمي" واسع المعرفة، متنوع الثقافة، متعدد الميول والاهتمامات، ألف في الأدب واللغة، كما صنف في الفقه والمعاملات، ونظم الشعر وكتب العديد من المقالات، وترك "البشير" تراثا علميّا وأدبيّا كبيرا ما يزال بعضه حبيسا حتى الآن، ومن أهم تلك الأعمال:
- أسرار الضمائر العربية.
- الاطراد والشذوذ في العربية.
- التسمية بالمصدر.
- حكمة مشروعية الزكاة.
- رواية "كاهنة أوراس".
- شعب الإيمان (في الفضائل والأخلاق الإسلامية).
- الصفات التي جاءت على وزن "فُعَل".
- عيون "البصائر"، (وهي مجموعة مقالاته التي نشرت في جريدة "البصائر").
- فتاوى متناثرة.
- الملحة الرجزية في التاريخ.
وقد عاش "البشير الإبراهيمي" حتى استقلت الجزائر، فلما أُعْلِن الاستقلال عاد إلى وطنه، وخطب لأول صلاة جمعة في مسجد "كتشاوة" بالعاصمة الجزائرية، وكان الفرنسيون قد حولوه إلى كنيسة بعد احتلالهم "الجزائر".
وقد لزم "البشير" بيته بعد عودته، ولم يشارك في الحياة العامة بعد أن تقدم به العمر ووهنت صحته، إلا أنه لم يكن راضيا عن الاتجاه الذي بدأت تتجه إليه الدولة بعد الاستقلال؛ فأصدر عام (1384 هـ = 1964 م) بيانا قال فيه: "إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية".
تُوفي -رحمه الله- يوم الخميس (18 من المحرم 1385 هـ = 19من مايو1965م) عن عمر بلغ (76) سنة، قضاها في خدمة الإسلام والمسلمين.
المصدر: منتدى نبع الطفوله - من قسم: منتدى التاريخ الاسلامي وحضارات الامم ومشاهير العالم