أعظم مسجد شيّده المسلمون في جنوب آسيا جامع الاستقلال بأندونيسيا
لا يمكنك أن تزور أندونيسيا دون أن تصلي في مسجدها ''الأعظم'' الذي يسمى مسجد الاستقلال، والذي يعد أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا والثالث عالميا، حيث يسع لأكثر من 120 ألف مصلي، ''الخبر'' زارت هذا المسجد العملاق الذي تؤكد أساساته المتينة وأعمدته الضخمة مدى تجذر الإسلام في أقصى نقطة من العالم الإسلامي رغم حملات التنصير الواسعة التي استهدفت هذا البلد في مراحل مختلفة
من تاريخه، وستكتشفون في هذا الاستطلاع روعة هذا الصرح الإسلامي المهيب.
بعد لقاء جمعنا بوزيرة السياحة الأندونيسية، أسرعنا بالسيارة للوصول إلى مسجد الاستقلال الواقع في أشهر ساحة في العاصمة جاكرتا لأداء صلاة الجمعة، ولكن الطريق إلى المسجد كانت مكتظة بالسيارات على عكس الجزائر التي تصبح طرقاتها شبه مهجورة وقت صلاة الجمعة، وعلمنا فيما بعد أن السبت والأحد هما يومي العطلة في أندونيسيا وليس الجمعة.
عندما وصلنا المسجد وقفنا أمام بناء مهيب وعملاق يأخذ الألباب، يزاوج بين فن العمارة الإسلامية والفن المعماري العصري، ولما دخلناه فوجئنا بمكتب استقبال به شخصين أحدهما كان يشير علينا بلغة لم نفهمها وظننا أنه يطلب منا نزع أحذيتنا، ثم قدم لنا أكياسا لوضع أحذيتنا، وأعطانا بطاقة عليها رقم، ثم صنف الأكياس في رفوف خشبية منظمة تضمن عدم سرقة الأحذية أو ضياعها، خاصة وأن المسجد يؤمه عشرات الآلاف من المصلين، مما يعكس حسن تنظيم وإدارة هذا المسجد في أبسط الأشياء، كما أن المبيضة كانت نظيفة ومنظمة تعكس مدى اهتمام المشرفين على هذا المسجد بأدق التفاصيل.
وصعدنا الدرج متوجهين إلى القاعة الكبرى للصلاة حافيي الأقدام ومررنا بباحة شاسعة طويلة ولكنها نظيفة، وهي غير مغطاة غير أنها تصلح للصلاة في غير الأيام الماطرة، حيث تسع آلاف المصلين.
غير أن أكثر ما يبهرك ويشعرك بالذهول في هذا المسجد.. قاعة الصلاة الضخمة وقبتها نصف الدائرية وأعمدتها العملاقة، حتى ترى الناس كالأقزام أمام هذا البناء الضخم والمهيب، أما المنبر فهو جزء من مقصورة الإمام، التي يصعد إليها عبر الدرج.
تجويد يبعث السكينة
وعلى طرفي المنبر وضعت كلمتين عملاقتين بلون ذهبي منقوشتان بالعربية بشكل فخم ومزخرف.. ''الله'' و''محمد''، وفي أعلى مكان بالمنبر نقشت بشكل دائري مزخرف ''أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله''، وأسفل كلمة ''الله'' كتبت على الجدار بلغة عربية فصيحة آية ''بسم الله الرحمان الرحيم... وإنك على خلق عظيم''، كما وجدنا يافطة كبيرة معلقة على الجدار فوق المنبر لكنها مكتوبة بالأندونيسية قيل لنا أنها تتحدث عن تنظيم محاضرات داخل المسجد بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.
واصطف المصلون في صفوف طويلة، ونظرا لكثرة أعدادهم، خاصة وأنهم يتدفقون من مختلف أرجاء العاصمة جاكارتا التي يقطنها 20 مليون نسمة، كما يأتون من ولايات أخرى لأداء الصلاة، لذلك فهناك أربعة طوابق محيطة بالقاعة الكبرى للمسجد تسع الآلاف منهم لأداء الصلاة.. الكتف للكتف دون اكتظاظ، وحتى عند الخروج من المسجد لا تجد أي زحام عند البوابات الضخمة له، رغم أن عشرات الألوف من المصلين يخرون في وقت متزامن.
وأكثر ما يثير إعجابك في هذا المسجد، تجويد الإمام للقرآن بشكل يبعث في نفسك السكينة والطمأنينة، وتحتار كيف لرجل أعجمي أن يتلو القرآن بكل تلك الفصاحة والجودة، محترما أحكام التجويد نطقا وترتيلا وقد يتفوق على الكثير من أقرانه العرب من حيث عمق الترتيل وتأثيره على النفوس. وتطلّب بناء هذا المسجد 14 عاما من الأشغال (1961 ـ 1975)، وسمي بمسجد الاستقلال لأنه شرع في بنائه بعد استقلال أندونيسيا عن هولاندا في 1949، وأراد الأندونيسيون حينها أن يشيّدوا مسجدا عظيما يليق بسمعتهم كأكبر بلد إسلامي سكانا، بتعداد 240 مليون نسمة، 87 بالمئة منهم مسلمون، فشيّدوا أعظم مسجد ما بين المحيطين.. الهادي والهندي. عن الخبر الجزائرية