دولة الظلم ساعة
إن الحمد لله، نحمده ونستعين به، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، أما بعد..
إن الظلم عاقبته وخيمة سيئة، وهو منبع كل رذيلة ومصدر كل شر، وحَدُّ الظلم أن تضع الشيء في غير موضعه اللائق به، ومتى انتشر الظلم وشاع في أمة أهلكَها، وإذا حلّ بقرية أو مدينة دمَّرها، والظلم والفساد شقيقان، بهما تخرب الديار وتزول الأمصار وتقِلُّ البركات، والظلم ظُلُمات تَزِلّ به الأقدام وتضِلّ به الأفهام، وينتشر بسببه الفزع والاضطراب بين الناس.. قال تعالى: ?أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)? (الفجر).. ?كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)? (الدخان).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (رواه مسلم)، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ لَيُملي للظالم، حتى? إذا أخذَه لم يُفلِتْه" ثم قرأ: ?وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)?. (متفق عليه).
فيا ويح أهل الظلم واللهو والغِنا إذا أقبلت يوم الحساب جهنّمُ
إذا ما رآها المُجرمون وأيقنوا بأنّ لهم فيها شراب ومَطعَمُ
ضريع وزقُّوم ويتلوه مشرب حميم لأمعاء الشقيين يهذم
ومن قطران كسوة قد تسربلوا وسيقوا لما فيه العذاب المُخيِّمُ
الذين اجتمعوا في ليالٍ ظلماء، يحيكون المكائد، وينصبون المصائد، ويخططون للظلم، ويعملون للجرم ?وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)? (الزخرف) أين الظلمة عن يوم الأذان، والحرمان من الجنان، ألم يسمعوا قول الملك الديان: ?فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)? (الأعراف)، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ؟" قَالَ: لاَ، قَالَ: "لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا يوم القيامة" (أخرجه أحمد بإسناد صحيح).
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: "ثلاثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يومَ القيامةِ، ومن كنتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ؛ رجلٌ أَعْطَى بِي ثم غَدَرَ، ورجلٌ باعَ حرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورجلٌ اسْتَأْجَرَ أجيرًا فاسْتَوْفَى منهُ ولم يُوفه أَجْرَهُ" (أخرجه البخاري).
روى الحاكم وصححه من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، لاَ يَقْبَلُ اللَّه مِنْهُ صَرْفاً وَلا عَدْلاً، حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ".
نهاية ظالم معاد للدعوة:
فقد مات أبو لهب, مات الذي يتزعم المعارضة أمام النبي; مات أحدُ أشد الشخصيات حماسًا لرد الإسلام، ولكن كيف مات؟! هل حزنت عليه الجماهير؟! هل أحست بفقده الأجيال؟ وهل بكت عليه السماء والأرض؟! هل حضرت الأمة دفنه.. لا، لقد ضاق بموته حتى أقرب الأقربين إليه!! حدث أبو رافع مولى رسول; فقال: إن الله رمى أبو لهب بالعدمة (وهي قروح في البدن) فقتلته، قال: فلقد تركه ابنيه بعد موته ثلاثًا ما دفناه, حتى انتن, وكانت قريش تتقي هذه العدمة كما تتقي الطاعون.. حتى قال لهم رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد انتهى في بيته.. ألا تدفناه؟ فقالا: إنا نخشى عدواة هذه القرحة، فقال: انطلقا فأنا أعينكما عليه، فوالله ما غسلوه إلا قذفًا بالماء عليه من بعيد ما يدنون منه, ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار ثم رخموا عليه بالحجارة.
ومن أنواع الظلم
1- الحلف على يمين كاذبة، من أجل اقتطاع أرض مغتصبة، أو أكل حقوق واجبة، وتالله وبالله لهو ظلم عظيم، وعقابه وخيم، ظلم دنيوي، وعذاب أخروي، قَالَ صلى اللّهِ عليه وسلم: "مَنِ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا، لَقِيَ اللّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ" أخرجه مسلم، وقال رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" (أخرجه مسلم في صحيحه).
2- ظلم المرء لأخيه الإنسان، ومن صوره: التعذيب في الدنيا: وهو محرم مطلقًا، فقد مرَّ هشام بن حكيم رضي الله عنه بالشام على الناس، وقد أقيموا في الشمس وصب على رءوسهم الزيت فقال: ما هذا؟ قيل: يُعذبون في الخراج، أي: لأجلِ دفعه، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" (رواه مسلم).
3- ظلم الراعي للرعية: عن معقل بن يسار عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة" (متفق عليه)، وفي رواية: "ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة" (متفق عليه).
4- الظلم في محيط المجتمع، كظلم أرباب العمل للعمال، أو ظلم القوي للضعيف، ومن آثار هذا الظلم، أنه يذهب بالبركة، ويفتت القوى، ويوهن أواصر المعرفة، ومن أشد أنواع هذه الصور من صور الظلم، ظلم القوي للضعيف، فربنا سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: "اشتد غضبي على مَن ظلم مَن لم يجد له ناصرًا غيري"، وإذا كثرت مظالم هؤلاء حق على الأرض التي وقع بها الظلم عقاب الله وغضبه.
5- فهي ظلم القاضي للمتحاكمين إليه؛ لأن المفترض في القاضي العادل أن يحكم حسب شرع الله والحق، لا حسب الهوى ولا حسب مكانة المتحاكمين من القاضي أو من يعلوه في المكانة، ويضرب الشيخ مثالاً للظلم البين بقضية الصحفي تيسير العلّوني، والذي حكم عليه بسبع سنوات دون جريرة.
احذر أخي الحبيب:
فحَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ يَا عبادَ اللهِ الأخيارِ، مِنْ سُلوكِ سبيلِ الظَّلَمَةِ الفُجَّارِ، فهَا هِيَ لذَّاتُهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ وبَقِيَ لهُمْ العَارُ، ومَلَكَ غيرُهُمْ قُصُورَهُمُ التِي شيَّدُوهَا ومَلَئوا بِهَا الأقْطَارَ، فَتُرِكُوا بالعذَابِ مِنْ وَرَاءِ الأسْتَارِ؛ بَيْنَ أطباقِ الثَّرى والأحْجَارِ، فَلا مُغِيثَ ولا مُعِينَ ولا جَارَ، قدْ شَيَّدُوا بُنيانَ أمَلِهِمْ وطَمَعِهِمْ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فإذا قَامُوا إلى القِيامَةِ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ: زادَ البَلاءُ على المِقْدارِ، فإذا سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ، فعزاءُ المظلومينَ؛ تعزيةُ ربِّ العالمينَ: ?وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)? (إبراهيم).
لا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا فالظُّلْمُ آخِرُهُ يُفْضي إلى النَّدَمِ
واحْذَرْ أُخَيَّ مِنَ المَظْلُومِ دَعْوَتَهُ لا تَأْخُذَنكَ سِهَامُ الليلِ فِي الظُّلَمِ
تَنَامُ عَيْنَاكَ وَالمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
لا شَكَّ دعوةُ مظلومٍ تَحِلُّ بِهَا دارَ الهَوانِ ودارَ الذُّلِ والنِّقَمِ
نصيحة مخلصة للظالمين:
إذا كنت قادرًا على الظلم وإنفاذه، والتعدي على المظلوم وعدم إنقاذه، فتذكر قول الجبار: ?فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)? (سبأ) فعليك بالعفو، وعدم الجفو، واسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه على رءوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره من الحور العين ما شاء" (أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وقال الألباني: حسن لغيره)، فاحذر أيها الظالم من التمادي في الظلم والطغيان، فعاقبة ذلك نيران، وحميم وقَطِرَان، قال الواحد المنان: ?يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)? (غافر).
إذا ما الظلوم اتخذ الظلم مركبًا وتمادى في ظلمه وقبيح اكتسابه
فكله إلى الواحد الديان وعدله سيبدو له ما لم يكن في حسابه
هل تعلم؟!
أن إمهال الله للظالمين وتركهم ليس عن رضى منه سبحانه، بل إن الله يمد لهم في آجالهم وأرزاقهم فقط؛ حتى إذا أخذهم، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، ليس ذلك فحسب بل إن الله ربما أمد للظالم في رزقه، وأطال له في أجله، ليس رحمة به ولا رضى بما يصنع إنما مكر بهم واستدراج لهم، وربما كلما زادوا في الظلم زاد لهم في العطاء؛ حتى تأتي النقمة فتباغتهم وتأخذهم من حيث لا يحتسبون، فربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ?فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)?(الأنعام)، ورواه أبو موسى الأشعري فيما رواه الشيخان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تقييم:
0
0
إن الظلم عاقبته وخيمة سيئة، وهو منبع كل رذيلة ومصدر كل شر، وحَدُّ الظلم أن تضع الشيء في غير موضعه اللائق به، ومتى انتشر الظلم وشاع في أمة أهلكَها، وإذا حلّ بقرية أو مدينة دمَّرها، والظلم والفساد شقيقان، بهما تخرب الديار وتزول الأمصار وتقِلُّ البركات، والظلم ظُلُمات تَزِلّ به الأقدام وتضِلّ به الأفهام، وينتشر بسببه الفزع والاضطراب بين الناس.. قال تعالى: ?أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)? (الفجر).. ?كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)? (الدخان).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (رواه مسلم)، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ لَيُملي للظالم، حتى? إذا أخذَه لم يُفلِتْه" ثم قرأ: ?وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)?. (متفق عليه).
فيا ويح أهل الظلم واللهو والغِنا إذا أقبلت يوم الحساب جهنّمُ
إذا ما رآها المُجرمون وأيقنوا بأنّ لهم فيها شراب ومَطعَمُ
ضريع وزقُّوم ويتلوه مشرب حميم لأمعاء الشقيين يهذم
ومن قطران كسوة قد تسربلوا وسيقوا لما فيه العذاب المُخيِّمُ
الذين اجتمعوا في ليالٍ ظلماء، يحيكون المكائد، وينصبون المصائد، ويخططون للظلم، ويعملون للجرم ?وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)? (الزخرف) أين الظلمة عن يوم الأذان، والحرمان من الجنان، ألم يسمعوا قول الملك الديان: ?فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)? (الأعراف)، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ؟" قَالَ: لاَ، قَالَ: "لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا يوم القيامة" (أخرجه أحمد بإسناد صحيح).
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: "ثلاثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يومَ القيامةِ، ومن كنتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ؛ رجلٌ أَعْطَى بِي ثم غَدَرَ، ورجلٌ باعَ حرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورجلٌ اسْتَأْجَرَ أجيرًا فاسْتَوْفَى منهُ ولم يُوفه أَجْرَهُ" (أخرجه البخاري).
روى الحاكم وصححه من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، لاَ يَقْبَلُ اللَّه مِنْهُ صَرْفاً وَلا عَدْلاً، حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ".
نهاية ظالم معاد للدعوة:
فقد مات أبو لهب, مات الذي يتزعم المعارضة أمام النبي; مات أحدُ أشد الشخصيات حماسًا لرد الإسلام، ولكن كيف مات؟! هل حزنت عليه الجماهير؟! هل أحست بفقده الأجيال؟ وهل بكت عليه السماء والأرض؟! هل حضرت الأمة دفنه.. لا، لقد ضاق بموته حتى أقرب الأقربين إليه!! حدث أبو رافع مولى رسول; فقال: إن الله رمى أبو لهب بالعدمة (وهي قروح في البدن) فقتلته، قال: فلقد تركه ابنيه بعد موته ثلاثًا ما دفناه, حتى انتن, وكانت قريش تتقي هذه العدمة كما تتقي الطاعون.. حتى قال لهم رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد انتهى في بيته.. ألا تدفناه؟ فقالا: إنا نخشى عدواة هذه القرحة، فقال: انطلقا فأنا أعينكما عليه، فوالله ما غسلوه إلا قذفًا بالماء عليه من بعيد ما يدنون منه, ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار ثم رخموا عليه بالحجارة.
ومن أنواع الظلم
1- الحلف على يمين كاذبة، من أجل اقتطاع أرض مغتصبة، أو أكل حقوق واجبة، وتالله وبالله لهو ظلم عظيم، وعقابه وخيم، ظلم دنيوي، وعذاب أخروي، قَالَ صلى اللّهِ عليه وسلم: "مَنِ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا، لَقِيَ اللّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ" أخرجه مسلم، وقال رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" (أخرجه مسلم في صحيحه).
2- ظلم المرء لأخيه الإنسان، ومن صوره: التعذيب في الدنيا: وهو محرم مطلقًا، فقد مرَّ هشام بن حكيم رضي الله عنه بالشام على الناس، وقد أقيموا في الشمس وصب على رءوسهم الزيت فقال: ما هذا؟ قيل: يُعذبون في الخراج، أي: لأجلِ دفعه، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" (رواه مسلم).
3- ظلم الراعي للرعية: عن معقل بن يسار عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة" (متفق عليه)، وفي رواية: "ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة" (متفق عليه).
4- الظلم في محيط المجتمع، كظلم أرباب العمل للعمال، أو ظلم القوي للضعيف، ومن آثار هذا الظلم، أنه يذهب بالبركة، ويفتت القوى، ويوهن أواصر المعرفة، ومن أشد أنواع هذه الصور من صور الظلم، ظلم القوي للضعيف، فربنا سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: "اشتد غضبي على مَن ظلم مَن لم يجد له ناصرًا غيري"، وإذا كثرت مظالم هؤلاء حق على الأرض التي وقع بها الظلم عقاب الله وغضبه.
5- فهي ظلم القاضي للمتحاكمين إليه؛ لأن المفترض في القاضي العادل أن يحكم حسب شرع الله والحق، لا حسب الهوى ولا حسب مكانة المتحاكمين من القاضي أو من يعلوه في المكانة، ويضرب الشيخ مثالاً للظلم البين بقضية الصحفي تيسير العلّوني، والذي حكم عليه بسبع سنوات دون جريرة.
احذر أخي الحبيب:
فحَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ يَا عبادَ اللهِ الأخيارِ، مِنْ سُلوكِ سبيلِ الظَّلَمَةِ الفُجَّارِ، فهَا هِيَ لذَّاتُهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ وبَقِيَ لهُمْ العَارُ، ومَلَكَ غيرُهُمْ قُصُورَهُمُ التِي شيَّدُوهَا ومَلَئوا بِهَا الأقْطَارَ، فَتُرِكُوا بالعذَابِ مِنْ وَرَاءِ الأسْتَارِ؛ بَيْنَ أطباقِ الثَّرى والأحْجَارِ، فَلا مُغِيثَ ولا مُعِينَ ولا جَارَ، قدْ شَيَّدُوا بُنيانَ أمَلِهِمْ وطَمَعِهِمْ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فإذا قَامُوا إلى القِيامَةِ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ: زادَ البَلاءُ على المِقْدارِ، فإذا سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ، فعزاءُ المظلومينَ؛ تعزيةُ ربِّ العالمينَ: ?وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)? (إبراهيم).
لا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا فالظُّلْمُ آخِرُهُ يُفْضي إلى النَّدَمِ
واحْذَرْ أُخَيَّ مِنَ المَظْلُومِ دَعْوَتَهُ لا تَأْخُذَنكَ سِهَامُ الليلِ فِي الظُّلَمِ
تَنَامُ عَيْنَاكَ وَالمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
لا شَكَّ دعوةُ مظلومٍ تَحِلُّ بِهَا دارَ الهَوانِ ودارَ الذُّلِ والنِّقَمِ
نصيحة مخلصة للظالمين:
إذا كنت قادرًا على الظلم وإنفاذه، والتعدي على المظلوم وعدم إنقاذه، فتذكر قول الجبار: ?فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)? (سبأ) فعليك بالعفو، وعدم الجفو، واسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه على رءوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره من الحور العين ما شاء" (أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وقال الألباني: حسن لغيره)، فاحذر أيها الظالم من التمادي في الظلم والطغيان، فعاقبة ذلك نيران، وحميم وقَطِرَان، قال الواحد المنان: ?يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)? (غافر).
إذا ما الظلوم اتخذ الظلم مركبًا وتمادى في ظلمه وقبيح اكتسابه
فكله إلى الواحد الديان وعدله سيبدو له ما لم يكن في حسابه
هل تعلم؟!
أن إمهال الله للظالمين وتركهم ليس عن رضى منه سبحانه، بل إن الله يمد لهم في آجالهم وأرزاقهم فقط؛ حتى إذا أخذهم، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، ليس ذلك فحسب بل إن الله ربما أمد للظالم في رزقه، وأطال له في أجله، ليس رحمة به ولا رضى بما يصنع إنما مكر بهم واستدراج لهم، وربما كلما زادوا في الظلم زاد لهم في العطاء؛ حتى تأتي النقمة فتباغتهم وتأخذهم من حيث لا يحتسبون، فربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ?فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)?(الأنعام)، ورواه أبو موسى الأشعري فيما رواه الشيخان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تقييم:
0
0