عن الاحتفال الليبرالي بنتائج الانتخابات الليبية
عن الاحتفال الليبرالي بنتائج الانتخابات الليبية
بوسع أدعياء الليبرالية وبعض اليساريين (جزء منهم طائفيون) من كارهي الظاهرة الإسلامية برمتها، بما فيها المساجد والحجاب، وربما القرآن ذاته، أن يحتفلوا بنتائج الانتخابات الليبية التي منحتهم فرصة الخروج من دائرة الذعر من تقدم الإسلاميين في سائر الانتخابات التي أجريت عقب الثورات في عدد من الدول العربية، وهي النتائج التي دفعت كثيرا منهم للوقوف في صف الدكتاتورية، لا سيما بعد ثورة سوريا، فيما استداروا وشككوا بكل الثورات السابقة، بما فيها التي اندلعت ضد أنظمة لا تنتمي لنهج المقاومة والممانعة الذي يزعمون الدفاع عنه.
حين يخرج بعض الليبراليين واليساريين علينا قائلين إن نتائج الانتخابات قد أثبتت أن الإعلام "النفطي" كان يزور الحقائق حين كان يظهر الثورة الليبية بثوب إسلامي، فهذا هو التزوير بعينه
بوسعهم أن يفعلوا ذلك تنفيسا عن مشاعرهم وإخراجا لأنفسهم من دائرة التهميش التي تلبستهم منذ الثورات فعلا، ومن ثم اقتراعا بعد ذلك، لكن تزييف الحقائق في شرح الموقف وتفسيره، فضلا عن تقييمه لن يمر على الغالبية من الناس، بمن فيهم الشعب الليبي نفسه.
حين يخرج بعضهم علينا قائلين إن نتائج الانتخابات قد أثبتت أن الإعلام "النفطي" كان يزور الحقائق حين كان يظهر الثورة الليبية بثوب إسلامي "لحى وخطب دينية وما شابه"، فهذا هو التزوير بعينه، ليس فقط لأن هناك إعلاما نفطيا آخر له حضوره ودوره كان يفعل العكس بتقديم نماذج أخرى كان ينقب عنها كي يعطي الانطباع بقوة حضورها في الثورة، بل أيضا لأن ما كان يظهر على الشاشات ويرونه تزييفا للواقع كان حقيقيا إلى حد كبير، إذ كان الإسلاميون بتنوعاتهم هم عماد الثورة، ولولاهم لما كان لها أن تنتصر، لأن تدخل الناتو لم يكن ليفعل ذلك وحده. هل كان بوسعه أن يحقق انتصارا لولا وجود عشرات الآلاف من الثوار الملتحين وغير الملتحين على الأرض، ممن كان نشيدهم اليومي هو "الله أكبر"؟
لم يشاهد أحد ثوارا يحتسون الخمر على الجبهات ولا آخرين يرفعون صور غيفارا ثم تجاهلهم "الإعلام النفطي"، بل كان هناك أناس يحملون أرواحهم على أكفهم بروحية إسلامية، وهم ومن ينتسبون لتيارهم همْ من دفعوا الثمن الأكبر في مواجهة النظام قبل الثورة أيضا. هل ينكر أحد أن الإسلاميين بتنوعاتهم كانوا أكثر من دفع الثمن في مواجهة النظام، بصرف النظر عن صواب أو خطأ المسار الذي اختطه كل فريق منهم في تلك المواجهة.
كل ذلك كان تعكسه المحطات الأجنبية وليس المحطات النفطية التي يتحدث عنها البعض، وقد كنت في عاصمة غربية أثناء المراحل الأخيرة للثورة ولم أر في تقارير المحطات الغربية غير ما كنت أراه في الجزيرة وسواها، الأمر الذي ينطبق على سائر تقارير الصحف والوكالات التي لا يمكن لعاقل أن يدعي انحيازها للإسلاميين.
والحال أن منصفا لم يكن بوسعه نفي، أو حتى تهميش الحضور الإسلامي الطاغي في الثورة الليبية، فضلا عن تجاهل مد التدين في الساحة الليبية برمتها. وحين يصر مصطفى عبد الجليل على التأكيد على مرجعية الشريعة مرارا وتكرارا وصولا إلى التأكيد على تعدد الزوجات، مع هامشية الأمر في في احتفال أمام وفود دولية. عندما يفعل ذلك، فإنما كان يداعب مشاعر الشعب الليبي التي يعرفها تماما، ولم يفعل ذلك لأنه كان عنصرا في الجماعات السلفية أو الإخوان المسلمين، إذ يعرف الجميع أنه كان جزءا من النظام السابق.
نأتي إلى نتائج الانتخابات لنقول إن من العبث تصوير نتائجها بوصفها انتصارا ليبراليا على الإسلاميين، أو تفضيلا من الشعب الليبي للخطاب الليبرالي على الخطاب الإسلامي، أولا لأن تجمع محمود جبريل لم يقدم نفسه بوصفه تجمعا ليبراليا، بل تجمعا وطنيا ديمقراطيا، وثمة فارق بين الأمرين.
من العبث تصوير نتائج الانتخابات الليبية بوصفها انتصارا ليبراليا على الإسلاميين، أو تفضيلا من الشعب الليبي للخطاب الليبرالي على الخطاب الإسلامي
والأهم أن رأس التجمع (أعني محمود جبريل) كان يصف نفسه بأنه "سياسي إسلامي معتدل"، مؤكدا على حضور الشريعة كمرجعية للدستور، تماما كما يفعل الآخرون من الإسلاميين.
حصول التجمع على 39 مقعدا من أصل ثمانين في نظام القائمة لم يكن مستغربا، بل لعل المستغرب هو حصول حزب الإخوان "العدالة والبناء" على 17 مقعدا، إلى جانب ما حصدته التجمعات الإسلامية الأخرى التي لو جمعت أصواتها، لكانت نسبتها جيدة، مع العلم أن شرذمتها كانت سببا آخر من أسباب نتيجتها.
إذا أضفنا إلى ذلك نتيجة الدوائر الفردية (120 مقعدا من أصل 200)، والتي توزعت على أطياف فكرية وسياسية وقبلية، فإن النتيجة تعكس التنوع الليبي بتعقيداته المعروفة (قبليا ومناطقيا وسياسيا)، ولا تعد انتصارا لتيار ليبرالي في مواجهة تيار إسلامي كما يزعم أولئك.
نكتب قبل اتضاح حصص كل فريق من المقاعد الفردية، لكن المؤكد أن حصة الإسلاميين بتنوعاتهم من مقاعد المجلس ستكون كبيرة لا تبتعد عن حصة التجمع بقيادة جبريل.
حدث ذلك رغم أن تجمع محمود جبريل كان يملك إمكانات كبيرة وهو بدأ الحملة الانتخابية منذ شهور طويلة في سائر المدن والتجمعات بعد حصوله على دعم (خارجي) كبير. أما الأهم فهو أنه لا يمثل كيانا واحدا كما هو حال حزب العدالة والبناء (ممثل الإخوان المسلمين)، بل عشرات الكيانات التي تجمعت لكي تصل إلى النتيجة التي وصلت إليها. ولا يعتقد أن شيئا غير الفوز في الانتخابات وتأمين الحضور السياسي قد جمعها على ذلك النحو.
إنه تجمع يتشكل من خليط غير متجانس، حيث يخلط القبلية بالمناطقية بالحزبية وسواها، بينما ينتمي رئيسه إلى قبيلة الورفلة الأكثر انتشارا، والتي ربما خشيت على دورها وحضورها في الوضع الجديد، هي التي كانت محسوبة على نظام القذافي. كما أن انشقاق جبريل المبكر عن النظام جعله في وعي الكثيرين من رموز الثورة (وحدها مصراتة التي لم تقتنع بذلك فحرمته من الأصوات).
في ليبيا يجتمع الناس على الدين والشريعة، بينما يتفرقون من الناحية القبلية والمناطقية، وهنا أحسن محمود جبريل تجميع شتات تحالفه بطريقة مدروسة، فكان الفوز الذي حققه، والذي يعود جزء لا بأس به منه إلى مخاوف الناس الطبيعية من استمرار الانفلات الأمني وسيطرة المليشيات التي تضاعفت أعداد عناصرها بشكل مذهل بعد نجاح الثورة، وهي ممارسة أقرب للقبلية منها إلى أي شيء آخر.
ربما حضر الخوف من الإسلاميين التقليديين في وعي بعض الليبيين الذين يريد كثير منهم الخروج من دائرة الحروب والتدخلات في شؤون الآخرين كما كان يفعل القذافي، لا سيما أننا إزاء بلد غني لا يواجه مشكلة اقتصادية، وربما كان لدور الناتو في تحقيق الانتصار حضور أيضا، لكن ذلك كله لا يعكس بحال حساسية شعبية ضد الخطاب الإسلامي ومفرداته، لا سيما أن طروحات الطرف الفائز لم تعكس تناقضا مع هذا البعد في الوعي الشعبي.
هناك بُعد ينساه أدعياء الليبرالية والحرية، ويتمثل في أنه كان بوسع الإسلاميين أن يسيطروا على البلد بالقوة المسلحة، لكنهم آثروا العمل السياسي وتركوا السلاح
هناك بُعد ينساه أدعياء الليبرالية والحرية، ويتمثل في أنه كان بوسع الإسلاميين أن يسيطروا على البلد بالقوة المسلحة، لكنهم آثروا العمل السياسي وتركوا السلاح كما فعل عبد الحكيم بلحاج وسواه، وهم أيضا لم يمنوا على أحد جهادهم، بل اعتبروه حقا لبلدهم عليهم.
ما جرى كان طبيعيا، ونحن هنا نسجل ارتياحنا للنتائج، بما فيها حصة الإسلاميين، ونتمنى أن تكون محطة لوحدة وطنية ليبية وأمن واستقرار، لأن ما يعنينا أولا وقبل كل شيء ليس نكاية الأيديولوجيا، بل خيار الناس الحر في تحديد من يمثلهم، أما الآخرون فإن شعارهم هو "نار الأنظمة الفاسدة ولا جنة الإسلاميين".
نحن مع الشعوب وما تختار، أما أولئك فمع أهوائهم وأمراضهم الأيديولوجية. نحن مع الشعوب لأننا مع الحرية، فضلا عن حقيقة أننا نثق في انحيازها لدينها وثقافتها بعيدا عن بعض أولئك ممن تعنيهم حرية التعري والجنس والسكر أكثر من أي شيء آخر.
بوسع أدعياء الليبرالية وبعض اليساريين (جزء منهم طائفيون) من كارهي الظاهرة الإسلامية برمتها، بما فيها المساجد والحجاب، وربما القرآن ذاته، أن يحتفلوا بنتائج الانتخابات الليبية التي منحتهم فرصة الخروج من دائرة الذعر من تقدم الإسلاميين في سائر الانتخابات التي أجريت عقب الثورات في عدد من الدول العربية، وهي النتائج التي دفعت كثيرا منهم للوقوف في صف الدكتاتورية، لا سيما بعد ثورة سوريا، فيما استداروا وشككوا بكل الثورات السابقة، بما فيها التي اندلعت ضد أنظمة لا تنتمي لنهج المقاومة والممانعة الذي يزعمون الدفاع عنه.
حين يخرج بعض الليبراليين واليساريين علينا قائلين إن نتائج الانتخابات قد أثبتت أن الإعلام "النفطي" كان يزور الحقائق حين كان يظهر الثورة الليبية بثوب إسلامي، فهذا هو التزوير بعينه
بوسعهم أن يفعلوا ذلك تنفيسا عن مشاعرهم وإخراجا لأنفسهم من دائرة التهميش التي تلبستهم منذ الثورات فعلا، ومن ثم اقتراعا بعد ذلك، لكن تزييف الحقائق في شرح الموقف وتفسيره، فضلا عن تقييمه لن يمر على الغالبية من الناس، بمن فيهم الشعب الليبي نفسه.
حين يخرج بعضهم علينا قائلين إن نتائج الانتخابات قد أثبتت أن الإعلام "النفطي" كان يزور الحقائق حين كان يظهر الثورة الليبية بثوب إسلامي "لحى وخطب دينية وما شابه"، فهذا هو التزوير بعينه، ليس فقط لأن هناك إعلاما نفطيا آخر له حضوره ودوره كان يفعل العكس بتقديم نماذج أخرى كان ينقب عنها كي يعطي الانطباع بقوة حضورها في الثورة، بل أيضا لأن ما كان يظهر على الشاشات ويرونه تزييفا للواقع كان حقيقيا إلى حد كبير، إذ كان الإسلاميون بتنوعاتهم هم عماد الثورة، ولولاهم لما كان لها أن تنتصر، لأن تدخل الناتو لم يكن ليفعل ذلك وحده. هل كان بوسعه أن يحقق انتصارا لولا وجود عشرات الآلاف من الثوار الملتحين وغير الملتحين على الأرض، ممن كان نشيدهم اليومي هو "الله أكبر"؟
لم يشاهد أحد ثوارا يحتسون الخمر على الجبهات ولا آخرين يرفعون صور غيفارا ثم تجاهلهم "الإعلام النفطي"، بل كان هناك أناس يحملون أرواحهم على أكفهم بروحية إسلامية، وهم ومن ينتسبون لتيارهم همْ من دفعوا الثمن الأكبر في مواجهة النظام قبل الثورة أيضا. هل ينكر أحد أن الإسلاميين بتنوعاتهم كانوا أكثر من دفع الثمن في مواجهة النظام، بصرف النظر عن صواب أو خطأ المسار الذي اختطه كل فريق منهم في تلك المواجهة.
كل ذلك كان تعكسه المحطات الأجنبية وليس المحطات النفطية التي يتحدث عنها البعض، وقد كنت في عاصمة غربية أثناء المراحل الأخيرة للثورة ولم أر في تقارير المحطات الغربية غير ما كنت أراه في الجزيرة وسواها، الأمر الذي ينطبق على سائر تقارير الصحف والوكالات التي لا يمكن لعاقل أن يدعي انحيازها للإسلاميين.
والحال أن منصفا لم يكن بوسعه نفي، أو حتى تهميش الحضور الإسلامي الطاغي في الثورة الليبية، فضلا عن تجاهل مد التدين في الساحة الليبية برمتها. وحين يصر مصطفى عبد الجليل على التأكيد على مرجعية الشريعة مرارا وتكرارا وصولا إلى التأكيد على تعدد الزوجات، مع هامشية الأمر في في احتفال أمام وفود دولية. عندما يفعل ذلك، فإنما كان يداعب مشاعر الشعب الليبي التي يعرفها تماما، ولم يفعل ذلك لأنه كان عنصرا في الجماعات السلفية أو الإخوان المسلمين، إذ يعرف الجميع أنه كان جزءا من النظام السابق.
نأتي إلى نتائج الانتخابات لنقول إن من العبث تصوير نتائجها بوصفها انتصارا ليبراليا على الإسلاميين، أو تفضيلا من الشعب الليبي للخطاب الليبرالي على الخطاب الإسلامي، أولا لأن تجمع محمود جبريل لم يقدم نفسه بوصفه تجمعا ليبراليا، بل تجمعا وطنيا ديمقراطيا، وثمة فارق بين الأمرين.
من العبث تصوير نتائج الانتخابات الليبية بوصفها انتصارا ليبراليا على الإسلاميين، أو تفضيلا من الشعب الليبي للخطاب الليبرالي على الخطاب الإسلامي
والأهم أن رأس التجمع (أعني محمود جبريل) كان يصف نفسه بأنه "سياسي إسلامي معتدل"، مؤكدا على حضور الشريعة كمرجعية للدستور، تماما كما يفعل الآخرون من الإسلاميين.
حصول التجمع على 39 مقعدا من أصل ثمانين في نظام القائمة لم يكن مستغربا، بل لعل المستغرب هو حصول حزب الإخوان "العدالة والبناء" على 17 مقعدا، إلى جانب ما حصدته التجمعات الإسلامية الأخرى التي لو جمعت أصواتها، لكانت نسبتها جيدة، مع العلم أن شرذمتها كانت سببا آخر من أسباب نتيجتها.
إذا أضفنا إلى ذلك نتيجة الدوائر الفردية (120 مقعدا من أصل 200)، والتي توزعت على أطياف فكرية وسياسية وقبلية، فإن النتيجة تعكس التنوع الليبي بتعقيداته المعروفة (قبليا ومناطقيا وسياسيا)، ولا تعد انتصارا لتيار ليبرالي في مواجهة تيار إسلامي كما يزعم أولئك.
نكتب قبل اتضاح حصص كل فريق من المقاعد الفردية، لكن المؤكد أن حصة الإسلاميين بتنوعاتهم من مقاعد المجلس ستكون كبيرة لا تبتعد عن حصة التجمع بقيادة جبريل.
حدث ذلك رغم أن تجمع محمود جبريل كان يملك إمكانات كبيرة وهو بدأ الحملة الانتخابية منذ شهور طويلة في سائر المدن والتجمعات بعد حصوله على دعم (خارجي) كبير. أما الأهم فهو أنه لا يمثل كيانا واحدا كما هو حال حزب العدالة والبناء (ممثل الإخوان المسلمين)، بل عشرات الكيانات التي تجمعت لكي تصل إلى النتيجة التي وصلت إليها. ولا يعتقد أن شيئا غير الفوز في الانتخابات وتأمين الحضور السياسي قد جمعها على ذلك النحو.
إنه تجمع يتشكل من خليط غير متجانس، حيث يخلط القبلية بالمناطقية بالحزبية وسواها، بينما ينتمي رئيسه إلى قبيلة الورفلة الأكثر انتشارا، والتي ربما خشيت على دورها وحضورها في الوضع الجديد، هي التي كانت محسوبة على نظام القذافي. كما أن انشقاق جبريل المبكر عن النظام جعله في وعي الكثيرين من رموز الثورة (وحدها مصراتة التي لم تقتنع بذلك فحرمته من الأصوات).
في ليبيا يجتمع الناس على الدين والشريعة، بينما يتفرقون من الناحية القبلية والمناطقية، وهنا أحسن محمود جبريل تجميع شتات تحالفه بطريقة مدروسة، فكان الفوز الذي حققه، والذي يعود جزء لا بأس به منه إلى مخاوف الناس الطبيعية من استمرار الانفلات الأمني وسيطرة المليشيات التي تضاعفت أعداد عناصرها بشكل مذهل بعد نجاح الثورة، وهي ممارسة أقرب للقبلية منها إلى أي شيء آخر.
ربما حضر الخوف من الإسلاميين التقليديين في وعي بعض الليبيين الذين يريد كثير منهم الخروج من دائرة الحروب والتدخلات في شؤون الآخرين كما كان يفعل القذافي، لا سيما أننا إزاء بلد غني لا يواجه مشكلة اقتصادية، وربما كان لدور الناتو في تحقيق الانتصار حضور أيضا، لكن ذلك كله لا يعكس بحال حساسية شعبية ضد الخطاب الإسلامي ومفرداته، لا سيما أن طروحات الطرف الفائز لم تعكس تناقضا مع هذا البعد في الوعي الشعبي.
هناك بُعد ينساه أدعياء الليبرالية والحرية، ويتمثل في أنه كان بوسع الإسلاميين أن يسيطروا على البلد بالقوة المسلحة، لكنهم آثروا العمل السياسي وتركوا السلاح
هناك بُعد ينساه أدعياء الليبرالية والحرية، ويتمثل في أنه كان بوسع الإسلاميين أن يسيطروا على البلد بالقوة المسلحة، لكنهم آثروا العمل السياسي وتركوا السلاح كما فعل عبد الحكيم بلحاج وسواه، وهم أيضا لم يمنوا على أحد جهادهم، بل اعتبروه حقا لبلدهم عليهم.
ما جرى كان طبيعيا، ونحن هنا نسجل ارتياحنا للنتائج، بما فيها حصة الإسلاميين، ونتمنى أن تكون محطة لوحدة وطنية ليبية وأمن واستقرار، لأن ما يعنينا أولا وقبل كل شيء ليس نكاية الأيديولوجيا، بل خيار الناس الحر في تحديد من يمثلهم، أما الآخرون فإن شعارهم هو "نار الأنظمة الفاسدة ولا جنة الإسلاميين".
نحن مع الشعوب وما تختار، أما أولئك فمع أهوائهم وأمراضهم الأيديولوجية. نحن مع الشعوب لأننا مع الحرية، فضلا عن حقيقة أننا نثق في انحيازها لدينها وثقافتها بعيدا عن بعض أولئك ممن تعنيهم حرية التعري والجنس والسكر أكثر من أي شيء آخر.