من أحكام الصيام
من أحكام الصيام
من كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق
الصيام :
الصيام ، يطلق على الإمساك . قال الله تعالى : ( إني نذرت للرحمن صوما ) أي إمساكا عن الكلام .
والمقصود به هنا ، الإمساك عن المفطرات ، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، مع النية.
فضله :
1 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( قال الله عزوجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام ، فإنه لي ( 1 ) ، وأنا أجزي به ( 2 ) ، والصيام جنة ( 3 ) ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ( 4 ) ، ولا يصخب ( 5 ) ، ولا يجهل ( 6 ) ، فإن شاتمه أحد ، أو قاتله ، فليقل : إني صائم ، مرتين ، والذي نفس محمد بيده لخلوف ( 7 ) فم الصائم ، أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك ، وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه ) . رواه أحمد ، ومسلم ، والنسائي .
( هامش ) ( 1 ) إضافته إلى الله إضافة تشريف .
( 2 ) هذا الحديث بعضه قدسي وبعضه نبوي . فالنبوي . من قوله : والصيام جنة إلى آخر الحديث .
( 3 ) " جنة " أي مانع من المعاصي .
( 4 ) " الرفث " أي الفحش في القول .
( 5 ) " لا يصخب " أي لا يصيح .
( 6 ) " لا يجهل " أي لا يسفه .
( 7 ) " الخلوف " تغير رائحة الفم بسبب الصوم .
2 - ورواية البخاري ، وأبى داود :
( الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله ، أو شاتمه فليقل ، إني صائم ، مرتين ، والذي نفس محمد بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي . الصيام لي ، وأنا أجزي به ، والحسنة بعشرة أمثالها )
3 - وعن عبد الله بن عمرو . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام أي ( 1 ) رب منعته الطعام والشهوات ، بالنهار ، فشفعني به . ويقول القرآن : منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه فيشفعان ( 2 ) ) رواه أحمد بسند صحيح .
4 - وعن أبي أمامة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة ، قال :
( عليك بالصوم فإنه لا عدل له ) ( 3 ) ثم أتيته الثانية ، فقال :
( عليك بالصيام ) .
رواه أحمد ، والنسائي ، والحاكم ، وصححة .
( هامش ) ( 1 ) " أي " حرف نداء بمعنى " يا " أي : يا رب .
( 2 ) أي تقبل شفاعتهما .
( 3 ) " لا عدل له " أي لا مثل له .
5 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يصوم عبد يوما في سبيل الله ألا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه ، سبعين خريفا ) رواه الجماعة ، إلا أبا داود .
6 - وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن للجنة بابا يقال له : الريان ، يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب ) رواه البخاري ومسلم .
أقسامه :
الصيام قسمان : فرض ، وتطوع . والفرض ينقسم ثلاثة أقسام :
1 - صوم رمضان . 2 - صوم الكفارات . 3 - صوم النذر .
والكلام هنا ينحصر في صوم رمضان ، وفي صوم التطوع . أما بقية الأقسام ، فتأتي في مواضعها .
صوم رمضان
حكمه :
صوم رمضان ، واجب بالكتاب ، والسنة والإجماع .
فأما الكتاب : فقول الله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا كتب ( 1 ) عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )
وقال :
( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان فمن شهد ( 2 ) منكم الشهر فليصمه )
( هامش ) ( 1 ) " كتب " أي فرض .
( 2 ) شهد : حضر .
وأما السنة : فقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان وحج البيت ) .
وفي حديث طلحة بن عبيد الله ، " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله . أخبرني عما فرض الله علي من الصيام ؟ قال : ( شهر رمضان ) . قال : هل علي غيره ؟ قال :
( لا . إلا أن تطوع ) .
وأجمعت الأمة : على وجوب صيام رمضان . وأنه أحد أركان الإسلام ، التي علمت من الدين بالضرورة ، وأن منكره كافر مرتد عن الإسلام .
وكانت فرضيته يوم الإثنين ، لليلتين خلتا من شعبان ، من السنة الثانية من الهجرة .
فضل شهر رمضان ، وفضل العمل فيه :
1 - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حضر رمضان :
( قد جاءكم شهر مبارك ، افترض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ) رواه أحمد ، والنسائي ، والبيهقي .
2 - وعن عرفجة قال : كنت عند عتبة بن فرقد وهو يحدث عن رمضان قال : فدخل علينا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه عتبة هابه ، فسكت ، قال : فحدث عن رمضان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان :
( تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة ، وتصفد فيه الشياطين ، قال : وينادي فيه ملك : يا باغي الخير أبشر ، ويا باغي الشر أقصر ، حتى ينقضي رمضان ) رواه أحمد ، والنسائي وسنده جيد .
3 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ، إذا اجتنبت
الكبائر ) . رواه مسلم .
4 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من صام رمضان وعرف حدوده ، وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله ) رواه أحمد ، والبيهقي ، بسند جيد .
5 - وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ( 1 ) غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه أحمد ، وأصحاب السنن .
( هامش ) ( 1 ) " احتسابا " أي طالبا وجه الله وثوابه .
الترهيب من الفطر في رمضان :
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( عرى الإسلام ، وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الإسلام ، من ترك واحدة منهن ، فهو بها كافر حلال الدم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة ، وصوم رمضان ) رواه أبو يعلى ، والديلمي ، وصححه الذهبي .
2 - وعن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من أفطر يوما من رمضان ، في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه ) رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي ، وقال البخاري : ويذكر عن أبي هريرة رفعه :
( من أفطر يوما من رمضان ، من غير عذر ، ولا مرض ، لا يقضه صوم الدهر ، وإن صامه ) .
وبه قال ابن مسعود .
قال الذهبي : وعند المؤمنين مقرر : أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ، أنه شر من الزاني ، ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه ، ويظنون به الزندقة ، والانحلال .
بم يثبت الشهر ؟ :
يثبت شهر رمضان برؤية الهلال ، ولو من واحد عدل أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما .
1 - فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه . رواه أبو داود ، والحاكم ، وابن حبان ، وصححاه .
2 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( صوموا لرؤيته ( 1 ) وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ) رواه البخاري ومسلم .
قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، قالوا : تقبل شهادة رجل واحد ، في الصيام ، وبه يقول ابن المبارك والشافعي ، وأحمد . وقال النووي : وهو الاصح .
وأما هلال شوال ، فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماو لا تقبل فيه شهادة العدل الواحد ، عند عامة الفقهاء .
واشترطوا أن يشهد على رؤيته ، اثنان ذوا عدل ، إلا أبا ثور فإنه لم يفرق في ذلك بين هلال شوال ، وهلال رمضان ، وقال : يقبل فيهما شهادة الواحد العدل .
قال ابن رشد : " ومذهب أبي بكر بن المنذر ، هو مذهب أبي ثور ، وأحسبه مذهب أهل الظاهر .
وقد احتج أبو بكربن المنذر ، بانعقاد الإجماع على وجوب الفطر ، والإمساك عن الأكل ، بقول واحد ، فوجب أن يكون الأمر كذلك ، في دخول الشهر وخروجه ، إذ كلاهما علامة ، تفصل زمان الفطر من زمان الصوم " .
وقال الشوكاني : وإذا لم يرد ما يدل على اعتبار الإثنين في شهادة الإفطار من الادلة الصحيحة ، فالظاهر أنه يكفي فيه قياسا على الاكتفاء به في الصوم .
وأيضا ، التعبد بقبول خبر الواحد ، يدل على قبوله في كل موضع ، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه ، بعدم التعبد فيه بخبر الواحد ، كالشهادة على الأموال ونحوها ، فالظاهر ما ذهب إليه أبو ثور .
( هامش ) ( 1 ) المراد بالرؤية : الرؤية الليلية .
اختلاف المطالع :
ذهب الجمهور : إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع .
فمتى رأى الهلال أهل بلد ، وجب الصوم على جميع البلاد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته ) وهو خطاب عام لجميع الأمة فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا .
وذهب عكرمة ، والقاسم بن محمد ، وسالم ، وإسحاق ، والصحيح عند الأحناف ، والمختار عند الشافعية : أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ، ولا يلزمهم رؤية غيرهم .
لما رواه كريب قال : قدمت الشام ، واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام ، فرأيت الهلال ليلة الجمعة . ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني ابن عباس - ثم ذكر الهلال - فقال : متى رأيتهم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس ، وصاموا ، وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين ، أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا . . . هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أحمد ، ومسلم والترمذي .
وقال الترمذي : حسن ، صحيح ، غريب ، والعمل على هذا الحديث ، عند أهل العلم ، أن لكل بلد رؤيتهم .
وفي فتح العلام شرح بلوغ المرام:الأقرب لزوم أهل بلد الرؤية ، وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها ( 1 ) .
( هامش ) ( 1 ) هذا هو المشاهد ، ويتفق مع الواقع .
من رأى الهلال وحده :
اتفقت أئمة الفقه على أن من أبصر هلال الصوم وحده أن يصوم .
وخالف عطاء فقال : لا يصوم إلا برؤية غيره معه .
واختلفوا في رؤيته هلال شوال ، والحق أنه يفطر كما قال الشافعي ، وأبو ثور . فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب الصوم والفطر للرؤية ، والرؤية حاصلة له يقينا ، وهذا أمر مداره الحس ، فلا يحتاج إلى مشاركة .