شبهات وردود...حين تفسد السياسة الدعاة .. ماذا أفعل؟
أنا على وشك اتخاذ قرار هام، ولكني متردد وأود أخذ رأي بعض أهل العلم والرأي. لقد انتميت إلى إحدى الجماعات الإسلامية منذ عشرين سنة، وكنا نعمل في الدعوة بإخلاص وحماس، ثم دارت الأيام وتحولت الجماعة إلى حزب سياسي، ودخل أفراد من الجماعة البرلمان والحكومة.
أنا على وشك اتخاذ قرار هام، ولكني متردد وأود أخذ رأي بعض أهل العلم والرأي.
لقد انتميت إلى إحدى الجماعات الإسلامية منذ عشرين سنة، وكنا نعمل في الدعوة بإخلاص وحماس، ثم دارت الأيام وتحولت الجماعة إلى حزب سياسي، ودخل أفراد من الجماعة البرلمان والحكومة.
وبدأت الحقائق تنكشف.. القادة يتحولون إلى سياسيين محترفين، همهم الدنيا والمناصب، فيتزينون لأصحاب القرار ولو على حساب المبادئ، الحزب يصبح مطية لكل طامح وطامع وسط تواطؤ القيادات وغفلة القواعد.
كل ناطق بالحق أو من يرفع شعار التقويم والإصلاح يقصى وتثار حوله الاتهامات، وكل ساكت غفلة أو تواطؤا يقرب ويبجل، الرجال الأكفاء ذوي العقول المفكرة يجب أن يبتعدوا لئلا يظهروا عجز القيادات، أموال الجماعة وممتلكاتها مسخرة لرفاهية القادة ورحلاتهم في الخارج دون حسيب.
وأتوقف هنا حتى لا ييأس الطيبون، لقد قررت أن أهجر الجماعات كلها وأكتفي بالعمل الفردي حتى يجعل الله لي مخرجا، لأن هذه الجماعات ورثت نفس الأمراض التي تزعم أنها تعالجها في الأمة، والخطير في الأمر أنها تدعي تمثيل الإسلام، ويا ويح من يعارض.
فهل أنا على حق؟
----------------
يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم محمد الحبيب .. حفظك الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
وأذكر أنني دعيت للمشاركة في معالجة مشكلة عنوانها "غلبة الهم السياسي على الهم الدعوي"، وذلك في بلد عربي خاضت الحركة الإسلامية فيه غمار السياسة، واحتلت عددا من المقاعد في المجلس النيابي، ولم تكد هذه الحركة تصل إلى البرلمان حتى تعالت أصوات من داخلها، ومن قلب قواعدها منددة مستنكرة، بعضها ينادي بوقف العمل السياسي والانسحاب من الميدان البرلماني، والبعض الآخر يطالب بتحقيق التوازن بين الهم السياسي والهم الدعوي.. وهكذا.
فكرت مليا في هذه القضية، في ضوء مفاهيمنا الشرعية للسياسة، كما في ضوء تصوراتنا الحركية لها.. وخرجت بالنتيجة إلى ثابتة شرعية وحركية تؤكد أن لا تناقض في الأساس بين السياسة وبين الدعوة.
ولقد تأكد لي أن الأسباب التي أحدثت هذه الإشكالية تعود إلى الخطأ في ممارسة السياسة وليس إلى السياسة بذاتها.
وقد تكون بسبب اقتحام الحياة السياسية قبل الأوان، وقد تكون بسبب سوء اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وقد تكون بسبب عدم متابعة الجماعة لمن اختارتهم، وعدم قيامها بواجب دعمهم وإسنادهم، وتأمين المتطلبات اللازمة لهم، وقد تكون بسبب عدم وجود مشروع سياسي واضح للعمل النيابي، وعدم تبيان الضوابط الشرعية الواجب التزامها من قبلهم، إلى غير ذلك من أسباب.
فالسياسة رعاية شئون الأمة من كل جوانبها وعلى كل صعيد، وهي مركب من مراكب الدعوة إن سخرت لذلك، وهي منبر متقدم وفاعل من منابرها إن وظفت توظيفا صحيحا.
ثم إن السياسات التربوية والتعليمية التي تعتمد في بناء الأجيال، هي من صلب مسئولية السياسيين والنواب، وهي من أوسع الأبواب والمسالك التي يمكن أن يستفاد منها في إصلاح المناهج وبناء الأبناء على القيم والفضائل والأخلاق، وهل هذا يتناقض مع أهداف الحركة الإسلامية؟.
فالمشكلة ليست في السياسة بل في الذين يمارسونها بعيدا عن الضوابط الشرعية المقررة، والمصالح الإسلامية المعتبرة، فيجهضون بذلك الدور الدعوي في العمل السياسي، ويقدمون للناس نماذج مشوهة عن الإسلام.
فالمواقع السياسية ليست مطلوبة لذاتها، ومكاسبها وأضوائها، وما يمكن أن تسخره من مصالح مادية ومعنوية لأصحابها، ولا يجوز أن تمارس بدون ضوابط شرعية ولا تميز ولا خصوصية، وأن تصبح مصدر خلاف ونزاع بين اللاهثين وراءها من أبناء الصف الواحد، أو تتحول إلى غاية لا وسيلة، وتنقلب نقمة لا نعمة.
ونتيجة لذلك بات العمل السياسي نفسه سبة لدى فريق كبير من العاملين، من غير تفريق بين مبدأ وممارسة، وبات يحكم عليه من هذا الجانب وهذه الزاوية، وهذا خطأ كبير وشر مستطير، لأنه مدخل شيطاني يشطر الصف الواحد إلى شطرين، ويجعل الجبهة جبهتين، مع كل ما ينشأ عن ذلك ويترتب عليه من علل ومفاسد وأخطار.
فالمشكلة إذن في السياسيين لا في السياسة، وفي إصلاحهم لا في إلغائها، ومثيل ذلك يمكن أن يقع في التربية والدعوة حين يسيء المربون والدعاة ولا يحسنون، وحين يهدمون ولا يبنون، بل إن الخطأ التربوي والدعوي قد يكون أخطر بكثير من الخطأ السياسي، ومن خطورته أنه بعيد عن الأضواء والأنظار، وقد لا يكشف إلا بعد أن يكون قد أتى على البناء كله.
والعلاج الصحيح والدواء الناجع إنما يكون بالعودة إلى الأصول والثوابت والمبادئ، والنزول عند الأحكام الشرعية وقواعد هذا الدين، في نطاق التربية والدعوة كما في نطاق السياسة.
ووسائل العصر المختلفة - والتي يقع جلها إن لم يكن كلها - في أيدي المؤسسات الرسمية التشريعية والتنفيذية لتفرض على الساحة الإسلامية العمل والتحضير والتخطيط للإمساك بهذا الجانب وتسخيره في إعزاز دين الله وإعزاز شرعه، هو من صلب العمل الدعوي الفاعل، وصدق القائل: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
المجالس النيابية مواقع اختصاص:
ولما كانت كل تلك المواقع مواقع اختصاص، فإنه يتعين على الساحة الإسلامية أن تختار لها أكفاءها، والجديرين بها، والقادرين على النجاح في مهمتهم تلك، وفق المواصفات القرآنية التي وردت في قوله تعالى: (إن خير من استأجرت القوي الأمين).
فمن يصلح للعمل التعليمي والتربوي قد لا يكون صالحا في العمل النقابي والبلدي، ومن يصلح للجانب التجاري والصناعي قد لا يصلح للجانب النيابي، ومن يصلح للتشريع قد لا يصلح للتنفيذ، فلابد من وضع الأمور في مواضعها حتى لا يختل كل شيء.
مواقع تكليف لا تشريف:
وهذه المواقع هي مواقع مسئولية وتكليف، والقائمون بها يجب أن يكونوا مؤتمنين على تأدية دورهم على أكمل وجه خدمة للمشروع الإسلامي، وليكونوا أنموذجا عمليا لمبادئ الإسلام، وترجمة للخطاب الإسلامي.
ولا يجوز بحال أن تصبح هذه المواقع محل تطلع الأشخاص، وأهدافا يسعى إليها الأفراد لتحقيق أغراضهم وخدمة مصالحهم باسم الإسلام وعلى حساب المشروع الإسلامي، وحين يحدث هذا تكون الخسارة فادحة، فهي من جانب تفتح بابا لا يغلق للاهثين وراء المكاسب الدنيوية وما أكثرهم - إذ النفس أمارة بالسوء - فتتحول الوسائل إلى غايات، ويصبح الصراع على بلوغها متصدرا كل الحسابات والخطوات.
وهي من جانب آخر تسبب بإفراغ هذه المواقع من مضمونها وفاعليتها الإسلامية العامة والتنظيمية.
طالب الولاية لا يولى:
هذه القاعدة النبوية من شأنها لو أمكن الالتزام والتقيد بها أن تحول دون تسلق البعض جدار الدعوة والإسلام، وباسم الإسلام لتحقيق الأغراض والمصالح الشخصية، التزاما بالنهج النبوي الحاسم الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنا لا نولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه" رواه البخاري، فطالب الولاية يجب أن لا يولى.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" رواه البخاري.
ويقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شكر الله لكم حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
أخي الكريم، قبل أن تفارق جماعتك إذا كانت معتدلة فعليك أولا أن تراجع نفسك لماذا انضممت إليها منذ 20 عام؟.
أظنك ولا شك انضممت لها وانضم آخرون أيضا من المصلحين مثلك لما رأيت أعداء الإسلام بكل قواهم البشرية والعلمية والإعلامية والمالية والعسكرية وغيرها، يتحدون ويتجمعون من أجل القضاء عليه، فيبقى المسلمون دون نظام يحكم حياتهم، فيسهل نهب خيراتهم.
ولما رأيت أنك بمفردك لا يمكنك مقاومتهم، وجعل كلمة الله هي العليا لأنها تحتاج إلى جهود متنوعة الأشكال تقابل صور العداء التي يبذولها هم، فرأيت أنه أصبح من الفروض المستحدثة على المسلمين في هذا العصر التجمع للدفاع عن إسلامهم، ودليل ذلك قول الله تعالى بصيغة الأمر: (وتعاونوا على البر والتقوى)، وقوله بصيغة التلميح: (والذين كفروا بعضهم أولياء إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
وانتبه إلى مداخل الشيطان أن يكون في نفسك شيء من الضعف أو الخوف من أعباء الطريق ثم ينجح بوساوسه لك بهذه العيوب، فكن على حذر من نفسك وشيطانك، واستعن بالله تعالى ثم بإخوانك من حولك، أما إن تغيرت قناعاتك وأصبحت مقتنعا أن العمل منفردا سيحقق الأهداف أكثر بالتمكين للإسلام، فاعمل منفردا ولا إثم على تركك الجماعة.
أخي الكريم، إن أعضاء أي تجمع هم من البشر المعرضين للصواب والخطأ، وللفتن والأهواء والانحرافات، ولكن التجارب تثبت أن التجمعات الإسلامية التي يحوطها الإخلاص، وحسن الفهم والأخوة والحب والثقة والتسامح والتغافر والتعاون والتضحية والتشاور والتفاهم والتنازل غالبا ما تكون الفتن قليلة إن لم تكن نادرة.
وذلك لأن من بركات التجمع رعاية الله كما يقول سبحانه: (يد الله فوق أيديهم)، إذ كل فرد هو مرآة لأخيه المسلم يعاونه، ويحبه، وينصحه، ويستر عليه، ويوصيه إذا أخطأ، ويأخذ بيده إذا تعثر، ولا يظن به بغير دليل قاطع، وإلا وقع في الإثم كما يقول تعالى: (إن بعض الظن إثم).
فلا يجرك الشيطان - أخي الكريم - إلى الظن بإخوانك سوء طالما لم يتكشف لك على وجه اليقين شيئا، وإلا كان ذلك تفتيتا وإضعافا لهذا التجمع المبارك في وقت يحتاج فيه المسلمون لأي تجمع، حتى لو تأكدت من شيء محرم أو خاطئ فلا تبتعد، فذلك نوع من السلبية ذات الإثم والتي حذرنا منها القرآن في مواضع كثيرة، مثل قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون).
وعليك بالإيجابية التي شجعنا عليها الإسلام لما فيها من الخير، والصلاح، والقوة، والثواب، فانصح سرا أو تعريضا أو تليمحا أو حتى جهرا حسبما يحقق المصلحة دون ضرر، وفرديا أو جماعيا، وشاور أهل التخصص والخبرة ممن لهم القدرة على الإصلاح والتغيير من إخوانك دونما توسيع لدائرة الفتنة بعرضها على من لا يخصه أو من لا خبرة له بها، أو لن يفيد في إخمادها.
واسأل واستشر، فلعلك أنت المخطئ في تأويلاتك، وطالب بلجان تحقيق إن استحق الأمر، وانشغل بالعمل الدعوي والجأ إلى ربك، واطرد وساوس الشيطان، ثم في النهاية ليبعد الفاسد إذا لم ينصلح برأي الأغلبية الصالحة، والتي نحن على يقين أنه على خير إن شاء الله.
أخي الكريم، إن أي جماعة تسعى لإعادة الناس لدينهم ولإسلامهم ليدير كل شئون حياتهم ليسعدوا، يجب عليها أن تتخذ من الوسائل المتنوعة ما يمكنها من القيام بهذه الأمانة بما يناسب الظروف والمتغيرات التي حولها.
وأحيانا تنشئ حزبا أو جمعية خيرية أو مؤسسة إعلامية أو تعليمية أو نحو ذلك، وتلحق بها أفرادا من أعضائها، وهؤلاء يصبح فرضا عليهم أن يتخصصوا في هذه المجالات إلى درجة الاحتراف حتى يمكنهم أن يؤثروا في غيرهم بالإسلام ولا يتأثروا بهم، فإن فعلوا ذلك فلهم ثوابهم العظيم لأنهم أكثر تعرضا للفتن من غيرهم من أعضاء الجماعة البعيدين عن مثل هذه المغريات، وإن لم يفعلوا كانوا آثمين لأنهم بذلك سيتركون المجال لغير الصالحين ليفسدوا، وهؤلاء سيرتبطون خارج هذه الأنشطة بجماعتهم في محاضن تربوية تذكرهم بأخلاقيات إسلامهم حتى لا يقعوا فيما هو محرم.
وليس من العيوب أن تقوم الجماعة بذلك بل هو من المحاسن، إذ هي تتكيف مع الأوضاع المحيطة بما يحقق أهدافها طالما ليس هناك حرام ولها ثوابها العظيم مع مراعاة ألا ينخرط جميع أفرادها في هذا الحزب أو هذا النشاط، فإذا ما انحل الحزب لسبب ما انحلت معه الجماعة وتوقفت الدعوة ولم يتبق أفراد بالخارج يقومون بها في المساجد والبيوت والنوادي والشركات والمدارس والمؤسسات الخيرية.
وفقك الله وأعانك ووجهك نحو الخير، ولك ثوابك وثواب الصبر والإصلاح والاستمرار رغم ذلك.
لا تنسنا من صالح دعائك، .
أنا على وشك اتخاذ قرار هام، ولكني متردد وأود أخذ رأي بعض أهل العلم والرأي.
لقد انتميت إلى إحدى الجماعات الإسلامية منذ عشرين سنة، وكنا نعمل في الدعوة بإخلاص وحماس، ثم دارت الأيام وتحولت الجماعة إلى حزب سياسي، ودخل أفراد من الجماعة البرلمان والحكومة.
وبدأت الحقائق تنكشف.. القادة يتحولون إلى سياسيين محترفين، همهم الدنيا والمناصب، فيتزينون لأصحاب القرار ولو على حساب المبادئ، الحزب يصبح مطية لكل طامح وطامع وسط تواطؤ القيادات وغفلة القواعد.
كل ناطق بالحق أو من يرفع شعار التقويم والإصلاح يقصى وتثار حوله الاتهامات، وكل ساكت غفلة أو تواطؤا يقرب ويبجل، الرجال الأكفاء ذوي العقول المفكرة يجب أن يبتعدوا لئلا يظهروا عجز القيادات، أموال الجماعة وممتلكاتها مسخرة لرفاهية القادة ورحلاتهم في الخارج دون حسيب.
وأتوقف هنا حتى لا ييأس الطيبون، لقد قررت أن أهجر الجماعات كلها وأكتفي بالعمل الفردي حتى يجعل الله لي مخرجا، لأن هذه الجماعات ورثت نفس الأمراض التي تزعم أنها تعالجها في الأمة، والخطير في الأمر أنها تدعي تمثيل الإسلام، ويا ويح من يعارض.
فهل أنا على حق؟
----------------
يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم محمد الحبيب .. حفظك الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
وأذكر أنني دعيت للمشاركة في معالجة مشكلة عنوانها "غلبة الهم السياسي على الهم الدعوي"، وذلك في بلد عربي خاضت الحركة الإسلامية فيه غمار السياسة، واحتلت عددا من المقاعد في المجلس النيابي، ولم تكد هذه الحركة تصل إلى البرلمان حتى تعالت أصوات من داخلها، ومن قلب قواعدها منددة مستنكرة، بعضها ينادي بوقف العمل السياسي والانسحاب من الميدان البرلماني، والبعض الآخر يطالب بتحقيق التوازن بين الهم السياسي والهم الدعوي.. وهكذا.
فكرت مليا في هذه القضية، في ضوء مفاهيمنا الشرعية للسياسة، كما في ضوء تصوراتنا الحركية لها.. وخرجت بالنتيجة إلى ثابتة شرعية وحركية تؤكد أن لا تناقض في الأساس بين السياسة وبين الدعوة.
ولقد تأكد لي أن الأسباب التي أحدثت هذه الإشكالية تعود إلى الخطأ في ممارسة السياسة وليس إلى السياسة بذاتها.
وقد تكون بسبب اقتحام الحياة السياسية قبل الأوان، وقد تكون بسبب سوء اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وقد تكون بسبب عدم متابعة الجماعة لمن اختارتهم، وعدم قيامها بواجب دعمهم وإسنادهم، وتأمين المتطلبات اللازمة لهم، وقد تكون بسبب عدم وجود مشروع سياسي واضح للعمل النيابي، وعدم تبيان الضوابط الشرعية الواجب التزامها من قبلهم، إلى غير ذلك من أسباب.
فالسياسة رعاية شئون الأمة من كل جوانبها وعلى كل صعيد، وهي مركب من مراكب الدعوة إن سخرت لذلك، وهي منبر متقدم وفاعل من منابرها إن وظفت توظيفا صحيحا.
ثم إن السياسات التربوية والتعليمية التي تعتمد في بناء الأجيال، هي من صلب مسئولية السياسيين والنواب، وهي من أوسع الأبواب والمسالك التي يمكن أن يستفاد منها في إصلاح المناهج وبناء الأبناء على القيم والفضائل والأخلاق، وهل هذا يتناقض مع أهداف الحركة الإسلامية؟.
فالمشكلة ليست في السياسة بل في الذين يمارسونها بعيدا عن الضوابط الشرعية المقررة، والمصالح الإسلامية المعتبرة، فيجهضون بذلك الدور الدعوي في العمل السياسي، ويقدمون للناس نماذج مشوهة عن الإسلام.
فالمواقع السياسية ليست مطلوبة لذاتها، ومكاسبها وأضوائها، وما يمكن أن تسخره من مصالح مادية ومعنوية لأصحابها، ولا يجوز أن تمارس بدون ضوابط شرعية ولا تميز ولا خصوصية، وأن تصبح مصدر خلاف ونزاع بين اللاهثين وراءها من أبناء الصف الواحد، أو تتحول إلى غاية لا وسيلة، وتنقلب نقمة لا نعمة.
ونتيجة لذلك بات العمل السياسي نفسه سبة لدى فريق كبير من العاملين، من غير تفريق بين مبدأ وممارسة، وبات يحكم عليه من هذا الجانب وهذه الزاوية، وهذا خطأ كبير وشر مستطير، لأنه مدخل شيطاني يشطر الصف الواحد إلى شطرين، ويجعل الجبهة جبهتين، مع كل ما ينشأ عن ذلك ويترتب عليه من علل ومفاسد وأخطار.
فالمشكلة إذن في السياسيين لا في السياسة، وفي إصلاحهم لا في إلغائها، ومثيل ذلك يمكن أن يقع في التربية والدعوة حين يسيء المربون والدعاة ولا يحسنون، وحين يهدمون ولا يبنون، بل إن الخطأ التربوي والدعوي قد يكون أخطر بكثير من الخطأ السياسي، ومن خطورته أنه بعيد عن الأضواء والأنظار، وقد لا يكشف إلا بعد أن يكون قد أتى على البناء كله.
والعلاج الصحيح والدواء الناجع إنما يكون بالعودة إلى الأصول والثوابت والمبادئ، والنزول عند الأحكام الشرعية وقواعد هذا الدين، في نطاق التربية والدعوة كما في نطاق السياسة.
ووسائل العصر المختلفة - والتي يقع جلها إن لم يكن كلها - في أيدي المؤسسات الرسمية التشريعية والتنفيذية لتفرض على الساحة الإسلامية العمل والتحضير والتخطيط للإمساك بهذا الجانب وتسخيره في إعزاز دين الله وإعزاز شرعه، هو من صلب العمل الدعوي الفاعل، وصدق القائل: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
المجالس النيابية مواقع اختصاص:
ولما كانت كل تلك المواقع مواقع اختصاص، فإنه يتعين على الساحة الإسلامية أن تختار لها أكفاءها، والجديرين بها، والقادرين على النجاح في مهمتهم تلك، وفق المواصفات القرآنية التي وردت في قوله تعالى: (إن خير من استأجرت القوي الأمين).
فمن يصلح للعمل التعليمي والتربوي قد لا يكون صالحا في العمل النقابي والبلدي، ومن يصلح للجانب التجاري والصناعي قد لا يصلح للجانب النيابي، ومن يصلح للتشريع قد لا يصلح للتنفيذ، فلابد من وضع الأمور في مواضعها حتى لا يختل كل شيء.
مواقع تكليف لا تشريف:
وهذه المواقع هي مواقع مسئولية وتكليف، والقائمون بها يجب أن يكونوا مؤتمنين على تأدية دورهم على أكمل وجه خدمة للمشروع الإسلامي، وليكونوا أنموذجا عمليا لمبادئ الإسلام، وترجمة للخطاب الإسلامي.
ولا يجوز بحال أن تصبح هذه المواقع محل تطلع الأشخاص، وأهدافا يسعى إليها الأفراد لتحقيق أغراضهم وخدمة مصالحهم باسم الإسلام وعلى حساب المشروع الإسلامي، وحين يحدث هذا تكون الخسارة فادحة، فهي من جانب تفتح بابا لا يغلق للاهثين وراء المكاسب الدنيوية وما أكثرهم - إذ النفس أمارة بالسوء - فتتحول الوسائل إلى غايات، ويصبح الصراع على بلوغها متصدرا كل الحسابات والخطوات.
وهي من جانب آخر تسبب بإفراغ هذه المواقع من مضمونها وفاعليتها الإسلامية العامة والتنظيمية.
طالب الولاية لا يولى:
هذه القاعدة النبوية من شأنها لو أمكن الالتزام والتقيد بها أن تحول دون تسلق البعض جدار الدعوة والإسلام، وباسم الإسلام لتحقيق الأغراض والمصالح الشخصية، التزاما بالنهج النبوي الحاسم الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنا لا نولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه" رواه البخاري، فطالب الولاية يجب أن لا يولى.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" رواه البخاري.
ويقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شكر الله لكم حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
أخي الكريم، قبل أن تفارق جماعتك إذا كانت معتدلة فعليك أولا أن تراجع نفسك لماذا انضممت إليها منذ 20 عام؟.
أظنك ولا شك انضممت لها وانضم آخرون أيضا من المصلحين مثلك لما رأيت أعداء الإسلام بكل قواهم البشرية والعلمية والإعلامية والمالية والعسكرية وغيرها، يتحدون ويتجمعون من أجل القضاء عليه، فيبقى المسلمون دون نظام يحكم حياتهم، فيسهل نهب خيراتهم.
ولما رأيت أنك بمفردك لا يمكنك مقاومتهم، وجعل كلمة الله هي العليا لأنها تحتاج إلى جهود متنوعة الأشكال تقابل صور العداء التي يبذولها هم، فرأيت أنه أصبح من الفروض المستحدثة على المسلمين في هذا العصر التجمع للدفاع عن إسلامهم، ودليل ذلك قول الله تعالى بصيغة الأمر: (وتعاونوا على البر والتقوى)، وقوله بصيغة التلميح: (والذين كفروا بعضهم أولياء إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
وانتبه إلى مداخل الشيطان أن يكون في نفسك شيء من الضعف أو الخوف من أعباء الطريق ثم ينجح بوساوسه لك بهذه العيوب، فكن على حذر من نفسك وشيطانك، واستعن بالله تعالى ثم بإخوانك من حولك، أما إن تغيرت قناعاتك وأصبحت مقتنعا أن العمل منفردا سيحقق الأهداف أكثر بالتمكين للإسلام، فاعمل منفردا ولا إثم على تركك الجماعة.
أخي الكريم، إن أعضاء أي تجمع هم من البشر المعرضين للصواب والخطأ، وللفتن والأهواء والانحرافات، ولكن التجارب تثبت أن التجمعات الإسلامية التي يحوطها الإخلاص، وحسن الفهم والأخوة والحب والثقة والتسامح والتغافر والتعاون والتضحية والتشاور والتفاهم والتنازل غالبا ما تكون الفتن قليلة إن لم تكن نادرة.
وذلك لأن من بركات التجمع رعاية الله كما يقول سبحانه: (يد الله فوق أيديهم)، إذ كل فرد هو مرآة لأخيه المسلم يعاونه، ويحبه، وينصحه، ويستر عليه، ويوصيه إذا أخطأ، ويأخذ بيده إذا تعثر، ولا يظن به بغير دليل قاطع، وإلا وقع في الإثم كما يقول تعالى: (إن بعض الظن إثم).
فلا يجرك الشيطان - أخي الكريم - إلى الظن بإخوانك سوء طالما لم يتكشف لك على وجه اليقين شيئا، وإلا كان ذلك تفتيتا وإضعافا لهذا التجمع المبارك في وقت يحتاج فيه المسلمون لأي تجمع، حتى لو تأكدت من شيء محرم أو خاطئ فلا تبتعد، فذلك نوع من السلبية ذات الإثم والتي حذرنا منها القرآن في مواضع كثيرة، مثل قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون).
وعليك بالإيجابية التي شجعنا عليها الإسلام لما فيها من الخير، والصلاح، والقوة، والثواب، فانصح سرا أو تعريضا أو تليمحا أو حتى جهرا حسبما يحقق المصلحة دون ضرر، وفرديا أو جماعيا، وشاور أهل التخصص والخبرة ممن لهم القدرة على الإصلاح والتغيير من إخوانك دونما توسيع لدائرة الفتنة بعرضها على من لا يخصه أو من لا خبرة له بها، أو لن يفيد في إخمادها.
واسأل واستشر، فلعلك أنت المخطئ في تأويلاتك، وطالب بلجان تحقيق إن استحق الأمر، وانشغل بالعمل الدعوي والجأ إلى ربك، واطرد وساوس الشيطان، ثم في النهاية ليبعد الفاسد إذا لم ينصلح برأي الأغلبية الصالحة، والتي نحن على يقين أنه على خير إن شاء الله.
أخي الكريم، إن أي جماعة تسعى لإعادة الناس لدينهم ولإسلامهم ليدير كل شئون حياتهم ليسعدوا، يجب عليها أن تتخذ من الوسائل المتنوعة ما يمكنها من القيام بهذه الأمانة بما يناسب الظروف والمتغيرات التي حولها.
وأحيانا تنشئ حزبا أو جمعية خيرية أو مؤسسة إعلامية أو تعليمية أو نحو ذلك، وتلحق بها أفرادا من أعضائها، وهؤلاء يصبح فرضا عليهم أن يتخصصوا في هذه المجالات إلى درجة الاحتراف حتى يمكنهم أن يؤثروا في غيرهم بالإسلام ولا يتأثروا بهم، فإن فعلوا ذلك فلهم ثوابهم العظيم لأنهم أكثر تعرضا للفتن من غيرهم من أعضاء الجماعة البعيدين عن مثل هذه المغريات، وإن لم يفعلوا كانوا آثمين لأنهم بذلك سيتركون المجال لغير الصالحين ليفسدوا، وهؤلاء سيرتبطون خارج هذه الأنشطة بجماعتهم في محاضن تربوية تذكرهم بأخلاقيات إسلامهم حتى لا يقعوا فيما هو محرم.
وليس من العيوب أن تقوم الجماعة بذلك بل هو من المحاسن، إذ هي تتكيف مع الأوضاع المحيطة بما يحقق أهدافها طالما ليس هناك حرام ولها ثوابها العظيم مع مراعاة ألا ينخرط جميع أفرادها في هذا الحزب أو هذا النشاط، فإذا ما انحل الحزب لسبب ما انحلت معه الجماعة وتوقفت الدعوة ولم يتبق أفراد بالخارج يقومون بها في المساجد والبيوت والنوادي والشركات والمدارس والمؤسسات الخيرية.
وفقك الله وأعانك ووجهك نحو الخير، ولك ثوابك وثواب الصبر والإصلاح والاستمرار رغم ذلك.
لا تنسنا من صالح دعائك، .