تلس

كثيراً ما نسمع بعبارة (مين يقدر يقول البغلة في الابريق) ومضمون معناها معروف وتعني أنك لن تستطيع أن تنقض من لديه سلطان عليك كالمسئول في الحكومة أو مديرك في العمل خوفاً من البطش، وكل ما بوسعك القيام به هو النظر والسكوت ثم القبول بالامر الواقع أو على الاقل التعامل معه، لكن ما هي قصة البغلة في الابريق؟ : حسب ما روي عن تلك القصة : أن هناك سلطان صاحب صيت في مدينة، وفي ذات يوم رأى أحد وزرائه رجل يبيع الحطب ويستخدم في احتطابه بغلة جميلة جداً لم يرى هذا الوزير أجمل منها فذهب مسرعاً للسلطان وحكى له عن تلك البغلة، فأمره السلطان بشرائها، فلما ذهب الوزير الى صاحب البغلة وعرض عليه شرائها للسلطان رفض الحطاب وقال أن بغلته مثل أحد أبنائه ولن يستغنى عنها. رجع الوزير بالرسالة الى السلطان، فقال له السلطان اذهب اليه وزد في ثمنها وعوضه ببغال من الحظيرة. ذهب الوزير ومرة أخرى لم يتجاوب معه الحطاب ورفض كل العروض، رجع الوزير وحدث السلطان بما دار وهنا غضب السلطان وقال كيف أن حطاباً يرفض عرضه ويعصى أمره، وقال للوزير اذهب وخذ منه البغلة عنوة ولا تدفع مقابلها شئ. ذهب الوزير وأخذ البغلة بالقوة من الحطاب وأتى بها الى السلطان فأعجب السلطان كثيراً بالبغلة وضرب لها وتد بالقرب من مجلسه حتى يتمتع هو ومن معه بالنظر اليها طوال الوقت. واصبح الحطاب المسكين لا حول له ولا قوة، يذهب كل يوم الى الخلاء يحمل ما يستطيعه في رأسه ويذهب لبيعه. وفي ذات يوم أثناء جلوسه في مكان الاحتطاب تذكر بغلته وما سببه له فقدها من أثر وحزن بالغ فأجهش في البكاء وبينما هو في تلك الحالة التعيسة اذا برجل يقف أمامه ويقول له ما بك يا رجل؟ فرفع الحطاب رأسه ورأى الرجل ولم يجبه فسأله الرجل مرة أخرى ما بك يا حطاب؟ فرد عليه الحطاب بقوله ما دخلك أنت بما أنا فيه؟ فقال الرجل أنا أعرف أنك متأثر بفقد البغلة، فقال الحطاب وما أدراك أنت بذلك؟، وهنا قال الرجل هل تعلم من أنا؟ رد عليه الحطاب لا، قال أنا شيطان وجئت لأحل مشكلتك وهنا نهض الحطاب وأراد أن يهرب فمسكه الرجل الشيطان وقال له لا تخف فما جئت لأذيك بل لأدافع عنك وأرد لك حقوقك. قال الحطاب وكيف؟ قال الرجل الشيطان سوف اتبدل الى بغلة أجمل بعشرات المرات عن بغلتك فحملني بالحطب واذهب بالقرب من قصر السلطان. فنفذ الحطاب الامر وذهب بالقرب من قصر السلطان فرآه الوزير وذهل كثيراً من جمال هذه البغلة ورجع مسرعاً حتى وصل السلطان وحدثه بما رأى فقال السلطان خذ بغلته القديمة أرجعها له وهات الأخرى ولا تدفع له أي شئ زيادة وقام الوزير بتنفيذ الوصية وأحضر البغلة الجديدة فلما رآها السلطان ذهل من شدة جمالها فربطها بالقرب من مجلسه ينظر اليها طوال الوقت، وفي ذات يوم قبل صلاة المغرب بقليل بينما كان ينظر اليها هو وحاشيته اذا بالبغلة تقطع الحبل وتجري مسرعة تدخل في الابريق بجوار السلطان، فتسمرت عينا السلطان من شدة الذهول كيف تدخل تلك البغلة الكبيرة في الابريق؟ وبينما هو كذلك، تخرج البغلة رأسها من الابريق وأذنيها الى أعلى فتنظر الى السلطان برهة وتختفي مرة أخرى داخل الابريق. أما الحاضرين في مجلس السلطان كانوا يروا البغلة مربوطة في مكانها لكنهم كانوا مستغربين من شدة نظر وتركيز السلطان على الابريق، فلما تكرر المنظر للسلطان أصبح كلما أخرجت البغلة رأسها من الابريق يصرخ ويقول (البغلة في الابريق ، البغلة في الابريق) ثم تختفي البغلة مرة أخرى في الابريق وبعد فترة عندما لم تتحسن حالة هذا السلطان، أدرك الحاضرين بأن السلطان أصيب بمس من الجنون فقال لهم أحد عقلائهم لابد أن يتم تقييده وعزله في غرفة فأوثقوه وأغلقوا عليه الغرفة وهو يحلف لهم بأن البغلة دخلت الابريق ويطلب منهم تصديقه أن البغلة في الابريق، فعاد الجميع الى المجلس وهم في حيرة من أمر السلطان وبعد قليل اذا بالبغلة تقطع الحبل مجددا وتدخل في الابريق لكن هذه المرة لم يرها إلا الوزير الذي جلب البغلة فصاح البغلة في الابريق، ولم يمهله الحضور كثيراً فأوثقوا رباطه وأدخلوه غرفة بمعزله ثم عادوا الى المجلس وبعد فترة قطعت البغلة الحبل مرة أخرة ودخلت في الابريق وهذه المرة شاهدها جميع الحضور لكن لم يفصح أحد بذلك فكانت البغلة تخرج رأسها وتدخله دون أن يفصح أحد بدخولها أو خروجها ودون أن يتفوه أي أحد أن البغلة في الابريق، لأن من يتكلم معروف مصيره. وهنا عزيزي القارئ هل تستطيع أن تقول (البغلة في الابريق) إن لم تستطع ، رددها كثيراً حتى تتعود عليها. وها أنا أقولها لك !! البغلة في الابريق.