ملحمة "أبطال القدر" تحاكي تضحيات الجزائريين خلال ليل الاستعمار الطويل ليلة بيضاء ومشاهد جسّدت لهيب الثورة
الوطني
ملحمة "أبطال القدر" تحاكي تضحيات الجزائريين خلال ليل الاستعمار الطويل
ليلة بيضاء ومشاهد جسّدت لهيب الثورة
سميرة بلعمري
كلمات دلالية: الجزائر.. 50 سنة بعد الإستقلال
2012/07/05 (آخر تحديث: 2012/07/05 على 22:01)
لوحات فنية جسدت كفاح الجزائريين تصوير: (جعفر سعادة)
احتفال جزائري بنكهة لبنانية!
أطلقت الجزائر الاحتفالات الرسمية المخلدة للذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية، بعرض فني جسد ملحمة تاريخ الجزائر، وقف عند كل محطة من محطات تاريخها، منذ وطأة الاستعمار أراضيها الى المصالحة الوطنية، فأصاب مصممُ الملحمة في جانب وحاد عن الأهداف المرجوة من الملحمة في أخرى.
الفنان الكوريغرافي اللبناني المايسترو عبد الحليم كركلا، وإن حاول من خلال عمله الفني أن يحط عند كل محطة من محطات تاريخ الجزائر، ويعطي كل رئيس من الرؤساء المتعاقبين على حكم الجزائر حقه، إلا أن العرض لم يف تاريخ بلد المليون والنصف المليون شهيد هذا الحق، كما حاد عن تجسيد معاناة ومآسي الشعب إبان الاستعمار، وحتى إن كانت اللوحات الفنية التي تضمنتها الملحمة جميلة ورائعة في شكلها وتمكنت من إدخال الغبطة في نفوس الحاضرين، إلا أن مضمونها كان سطحيا وبعيدا كل البعد عن تجسيد المعاناة الحقة وكشف بشاعة وجه الاستعمار الذي كوى بنيرانه كل جزائري.
حضور "الدبكة" اللبنانية واللباس التقليدي اللبناني، جعلا ملحمة تاريخ الجزائر تنبعث منها رائحة لبنانية وطعم شامي، وعجزت الفرق الفلكلورية الجزائرية التي كانت حاضرة بقوة على ركح "الكازيف" أن تخترق الحصن اللبناني المنيع الذي لف العرض التاريخي، رغم أن المكان والزمان والذكرى كانت تفرض على كركلا أن يتنصل من ثقافته اللبانينة ويتجزأر، حتى يحاكي الجزائريين بملحمة جزائرية 100بالمائة في صوتها وصورتها. وهو الذي سبق له وأن صمم ملحمة خمسينية الثورة سنة 2004 والتي حملت عنوان "مسيرة الكرامة" ورغم الانتقادات التي وجهت له يومها إلا أنه وقع في نفس الخطأ.
الحركات والرقص والإيقاعات الموسيقية والمسرح والشعر التي شغلت فضاء "الكازيف" ومحيطه حاولت أن تجسد ملحمة فنية حملت "أبطال القدر" عنوانا، وسردت تاريخ الجزائر منذ حرب التحرير الوطني إلى يومنا هذا؛ إلا أنها لم تعكس الهوية الجزائرية.
صمم هذا العمل الذي لم يتخلف عنه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الكوريغراف اللبناني، عبد الحليم كركلا، وأشرف على إنتاجه الديوان الوطني للثقافة والإعلام، وجمع 500 فنان جزائري من ممثلين ومطربين وراقصين من البالي وفرق فلكلورية وراقصي هيب هوب قدموا من مختلف مناطق البلاد، إلا أن جميع هؤلاء وقعوا في فخ طبيعة ثقافة صاحب العمل، ولأنه لبناني فقد عبّقت رائحة الشام المكانَ الذي كان يفترض أن تعطره الرائحة الجزائرية.
انطلق العرض من مشهد حضور طلبة درس في مادة التاريخ عن عيد الاستقلال وهم يطيرون سعادة على شرف شهداء الحرية قبل دخول الأستاذ الذي عاد بالطلبة في رحلة إلى ماضي الجزائر. فيما اختصرت الحقبة الاستعمارية ببشاعتها في مشهد عن اجتماع ضباط فرنسيين وهم يتحدثون عن عنف منظمة الجيش السري ويطالبون جنودهم بممارسة المزيد من العنف، وكأن 132 سنة من الجلد والسلخ ومحاولة المسخ كانت مسؤولية منظمة الجيش السري.
أما لوحة أخرى فقد جسدت اندلاع الثورة ظهرت بعدها مباشرة ودون المرور عبر لفحات أزيد من7 سنوات ويلات، راية وطنية كبيرة تعبيرا عن استقلال الجزائر على وقع أغنية "يا محمد مبروك عليك" وسط رقصات كوريغرافية شكلت "الدبكة" ديكورها.
وعلى خلفية خطاب الرئيس الراحل أحمد بن بلة تم إبراز تصور صناع القرار لمستقبل الجزائر في مجالات التربية والثقافة والزراعة والصناعة والصحة.
وفي لوحة أخرى تم التطرق إلى سياسة الرئيس الراحل هواري بومدين على ضوء إعادة توزيع الأراضي للفلاحين، أو ما يعرف بسياسة الثورة الزراعية.
أما فترة الثمانينات فجاءت في مشهد، تضمن مقطع من خطاب الرئيس الشاذلي بن جديد، كما لم تغب في العرض العشرية السوداء، في مشهد كان الأكثر تأثيرا عكَسَ الخوف الذي شكل الواقع اليومي للجزائريين في تلك الفترة من خلال فيديو أظهر أشباحا يرقصون في الظلام على وقع مقتطفات من خطابات الرؤساء محمد بوضياف وعلي كافي واليمين زروال.
وكانت سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية التي جاء بها الرئيس بوتفليقة إلى جانب إنجازات العشرية الأخيرة آخر محطة من العمل الملحمي الذي اختتم باستعراض فرق رقص فلكلورية، لم تتمكن جميعها من التخلص من النكهة اللبنانية سواء في الموسيقى أو طريقة الرقص وحتى الإلقاء الروائي، لتكمل هدية كركلا للرئيس بوتفليقة الديكور الشامي، لأنها كانت عبارة عن عباءة لبنانية.
هذا العرض تلاه عرض للألعاب النارية، دام 20 دقيقة كاملة، ورغم جمال اللوحات التي أطلقتها ثلاث سفن ألهبت المكان الذي شهد دخول فرنسا الإستعمارية، وأضاءته بضوء الاستقلال، إلا أن هذه اللوحات لم تحمل الرمزية التي كانت تنتظر منها عدا لوحتين؛ واحدة أنارت المكان بالراية الوطنية، وأخرى أظهرت مدافع ترمز للحدث.
احتفالية الخمسينية التي روت في ليلة بيضاء قصة معاناة شعب، حضرها كبار المسؤولين في الدولة وأعضاء الحكومة وكذا شخصيات تاريخية، بالإضافة الى ممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر، غير أن الحفل تخلف عنه الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بلخادم، كما غاب الوزير المنتدب المكلف بالدفاع الوطني عبد المالك ?نايزية، وكذا قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد ?ايد صالح، بسبب حفل موازٍ نظمته وزارة الدفاع الوطني على شرف الترقيات التي عرفها السلك.