مقال للدكتور علي العمري
بطبيعة الحال يعرف الكثيرون أن الإنسان يُقوَّم بحسناته وسيئاته، وأن النقد يتطلب عرض الحقائق والبراهين، والمعاملة بالتي هي أحسن، ولربما سمع الكثير عن فن الحوار، وأدب المناقشة، ولربما حضروا دورات، وسمعوا ندوات، وقرأوا كتبا ومقالات تؤكد هذه المعاني والمفاهيم، مؤصلة هذه الأخلاق بالكثير من شواهد القرآن والسنة وقصص السلف وعبارات الخلف.
ولكن وآه من لكن، علام تبرز في الساحة، وتطفو على السطح أسوأ ما لا تتوقعه من الفجور في الخصومة، وأقذع ما لا تتخيله من السب والنقيصة؟!
هل يا ترى لا تقوى حجج القوم للإقناع حتى يلجأ أصحابها لهذه الأساليب الرخيصة؟!، أم هي نزعة الهوى والنفس لرغبة الانتصار على الطرف الآخر ولو بالصوت؟!، أو أن المسألة في تمرير فكرة ورأي ولو كان مقابله ما يخالفه يتطلب مزيدا من كسر الطرف الآخر والتركيز على بعض عيوبه لتمرير الفكرة؟!، أم أن ثمة مداولة تاريخية (موهومة) لتصفية الحسابات العقدية والفكرية والسياسية والتاريخية اقتضتها ظروف مرحلة الانفتاح؟!.
يبدو أن كل ما سبق بات جليا في واقعنا الفكري بل وحتى الاجتماعي وللأسف.
ومن أسف أيضا أن تكون هذه الخلائق المقيتة مصدَّرة من بعض أولي الرأي والمعرفة والثقافة، فجل جدالهم مبني على ثقافة سابقة لا تقبل التزحزح، أو الرغبة في الإصلاح.
والأعجب من ذلك أن هذا الاختلاف أو قل الخلاف أصبح يتطور ليس تجاه القطيعة التي عاهدناها، بل حتى لاتهام النيَّات!.
في هذه الأجواء المشحونة يصبح الحكم على رأي اجتماعي، أو اختيار فكري، أو قول فقهي، أو تحليل سياسي، أو حدث تاريخي، حكما عاما على فكر الإنسان ومنهجه لدى هؤلاء، وبالتالي سيتخذون القرار الملائم للتصرف مع هذا الإنسان بالطريقة التي تناسبهم!!.
والأمر قد يظنه البعض مشكلة عند الجيل المتأخر من المسلمين نتيجة لتخلفهم في ميادين حياتية مختلفة، وغلبة القوى الخارجية الظاهرة، والشتات الذي لا نحسد عليه، ولكن الواقع أن التاريخ محمَّل ومثقل بهذه التوترات الفكرية والنفسية، ولم تكن مجرد حالات فردية، أو مراحل تاريخية!.
ففي زمن أبي حنيفة تآلب عليه عدد من أصحابه بشأن القضاء، وفي وقت مالك تآمر البعض عليه في قضية الولاية، وفي عهد تجديد الشافعي للفقه ناله من الشتم وحتى الدعاء عليه من الصالحين، كما كان يقول أشهب المالكي: اللهم أمت الشافعي لا يذهب علم مالك!، وفي زمن أحمد طورد وسجن من رفقاء (الطريقة المذهبية) في مسألة عقدية.
وهذه الحوادث والفواجع تطوَّرت تطورا مذهلا حتى روت كتب التاريخ وقائع متعددة لا فردية، عن استخدام الحجارة لرمي الفقهاء والعلماء، فضلاً عن تأليب ذوي السلطان بعضهم على بعض.
ولربما لو قرأ الإنسان مثل هذا الكلام أو سمع عن مثل هذه الأخبار، ثم لو سألته ما العلاج، لأجابك: العودة إلى منهج الكتاب والسنة. وهذا الجواب صحيح، ولكن ما الذي جعل نخبا من هؤلاء لا يفقهون الكتاب والسنة؟!.
الحقيقة أنهم فهموا القرآن والسنة نظريا، ولم يمارسوا فهمها عمليا، وهذا سر القضية، ومكمن الداء، وأساس التخلف، وإن شئت أن تقول: إنه فهم الدين، ولكنه الفهم المقلوب، أو التدين المغشوش كما يقول محمد الغزالي رحمه الله.
وحتى لا أتعب نفسي وأتعبكم بالوصف، أترككم مع هذه الوقائع التاريخية (الصحيحة) في جيل خير أمة أخرجت للناس، تطوَّر فيها الاختلاف والخلاف، فما ضاقت صدور القوم، ولا خرجت أقوالهم عن الحق، وهي ليست بحاجة إلى تعليق لمن أراد أن يعتبر:
• شتم رجل الخليفة أبا بكر فأراد أبو برزة أن يقتله، فغضب أبوبكر على أبي برزة وقال: لا والله، ما كنت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• ورصد رجل الخليفة عثمان يريد اغتياله، فقُبض عليه فأراد أحدهم قتله، فقال عثمان: عبد همَّ بذنب فكفَّه الله عني، فتركه! قال الراوي: فوالله ما ضربه سوطا، ولا حبسه يوما!.
• واعترض عمار بن ياسر مع جماعة على أمير مصر عبدالله ابن أبي السرح، فكتب الأمير إلى عثمان لعقابهم، فقال عثمان: بئس الرأي رأيت، من أذن لك بعقاب عمار وأصحابه؟.
• وتوعد رجل الخليفة عليا بالقتل. فقال له علي: لا أقتل من يقتلني.
هذه مقتطفات يسيرة لسيرة خير سيرة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ممن تعلموا كيف يتحكمون في عواطفهم، ويلجمون نزوات نفوسهم، ويزنون عقولهم، وأن أفكار الناس ليست حبا مطلقا ولا كرها مطلقا.
ولكن وآه من لكن، علام تبرز في الساحة، وتطفو على السطح أسوأ ما لا تتوقعه من الفجور في الخصومة، وأقذع ما لا تتخيله من السب والنقيصة؟!
هل يا ترى لا تقوى حجج القوم للإقناع حتى يلجأ أصحابها لهذه الأساليب الرخيصة؟!، أم هي نزعة الهوى والنفس لرغبة الانتصار على الطرف الآخر ولو بالصوت؟!، أو أن المسألة في تمرير فكرة ورأي ولو كان مقابله ما يخالفه يتطلب مزيدا من كسر الطرف الآخر والتركيز على بعض عيوبه لتمرير الفكرة؟!، أم أن ثمة مداولة تاريخية (موهومة) لتصفية الحسابات العقدية والفكرية والسياسية والتاريخية اقتضتها ظروف مرحلة الانفتاح؟!.
يبدو أن كل ما سبق بات جليا في واقعنا الفكري بل وحتى الاجتماعي وللأسف.
ومن أسف أيضا أن تكون هذه الخلائق المقيتة مصدَّرة من بعض أولي الرأي والمعرفة والثقافة، فجل جدالهم مبني على ثقافة سابقة لا تقبل التزحزح، أو الرغبة في الإصلاح.
والأعجب من ذلك أن هذا الاختلاف أو قل الخلاف أصبح يتطور ليس تجاه القطيعة التي عاهدناها، بل حتى لاتهام النيَّات!.
في هذه الأجواء المشحونة يصبح الحكم على رأي اجتماعي، أو اختيار فكري، أو قول فقهي، أو تحليل سياسي، أو حدث تاريخي، حكما عاما على فكر الإنسان ومنهجه لدى هؤلاء، وبالتالي سيتخذون القرار الملائم للتصرف مع هذا الإنسان بالطريقة التي تناسبهم!!.
والأمر قد يظنه البعض مشكلة عند الجيل المتأخر من المسلمين نتيجة لتخلفهم في ميادين حياتية مختلفة، وغلبة القوى الخارجية الظاهرة، والشتات الذي لا نحسد عليه، ولكن الواقع أن التاريخ محمَّل ومثقل بهذه التوترات الفكرية والنفسية، ولم تكن مجرد حالات فردية، أو مراحل تاريخية!.
ففي زمن أبي حنيفة تآلب عليه عدد من أصحابه بشأن القضاء، وفي وقت مالك تآمر البعض عليه في قضية الولاية، وفي عهد تجديد الشافعي للفقه ناله من الشتم وحتى الدعاء عليه من الصالحين، كما كان يقول أشهب المالكي: اللهم أمت الشافعي لا يذهب علم مالك!، وفي زمن أحمد طورد وسجن من رفقاء (الطريقة المذهبية) في مسألة عقدية.
وهذه الحوادث والفواجع تطوَّرت تطورا مذهلا حتى روت كتب التاريخ وقائع متعددة لا فردية، عن استخدام الحجارة لرمي الفقهاء والعلماء، فضلاً عن تأليب ذوي السلطان بعضهم على بعض.
ولربما لو قرأ الإنسان مثل هذا الكلام أو سمع عن مثل هذه الأخبار، ثم لو سألته ما العلاج، لأجابك: العودة إلى منهج الكتاب والسنة. وهذا الجواب صحيح، ولكن ما الذي جعل نخبا من هؤلاء لا يفقهون الكتاب والسنة؟!.
الحقيقة أنهم فهموا القرآن والسنة نظريا، ولم يمارسوا فهمها عمليا، وهذا سر القضية، ومكمن الداء، وأساس التخلف، وإن شئت أن تقول: إنه فهم الدين، ولكنه الفهم المقلوب، أو التدين المغشوش كما يقول محمد الغزالي رحمه الله.
وحتى لا أتعب نفسي وأتعبكم بالوصف، أترككم مع هذه الوقائع التاريخية (الصحيحة) في جيل خير أمة أخرجت للناس، تطوَّر فيها الاختلاف والخلاف، فما ضاقت صدور القوم، ولا خرجت أقوالهم عن الحق، وهي ليست بحاجة إلى تعليق لمن أراد أن يعتبر:
• شتم رجل الخليفة أبا بكر فأراد أبو برزة أن يقتله، فغضب أبوبكر على أبي برزة وقال: لا والله، ما كنت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• ورصد رجل الخليفة عثمان يريد اغتياله، فقُبض عليه فأراد أحدهم قتله، فقال عثمان: عبد همَّ بذنب فكفَّه الله عني، فتركه! قال الراوي: فوالله ما ضربه سوطا، ولا حبسه يوما!.
• واعترض عمار بن ياسر مع جماعة على أمير مصر عبدالله ابن أبي السرح، فكتب الأمير إلى عثمان لعقابهم، فقال عثمان: بئس الرأي رأيت، من أذن لك بعقاب عمار وأصحابه؟.
• وتوعد رجل الخليفة عليا بالقتل. فقال له علي: لا أقتل من يقتلني.
هذه مقتطفات يسيرة لسيرة خير سيرة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ممن تعلموا كيف يتحكمون في عواطفهم، ويلجمون نزوات نفوسهم، ويزنون عقولهم، وأن أفكار الناس ليست حبا مطلقا ولا كرها مطلقا.