ألا ذُو سمعٍ وبصرٍ ؟!
ألا ذُو سمعٍ وبصرٍ ؟ ! - لابن الجوزي
............
ابن الجوزي: هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري. فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم، ولد وتوفي في بغداد، حظي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، كما برز في كثير من العلوم والفنون يعود نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق.
يقول ابن الجوزي في كتابه "المدهش":-
إخواني ..
ألا ذُو سمعٍ وبصرٍ! ؟ .. يعلمُ أن الأعمارَ فيها قِصَر!، إلا متلمحٌ ما في الغيرِ من العِبر!؟، إلا ذاكرٌ بيتَ الترابِ والمدر!؟.
تنبّه فإنّ الدهرَ ذو فجعاتِ ** وشملٌ جميعٌ صائرٌ لشتاتِ!
نخلّف مأمولاتِنا وكأنّنا ** نسيرُ إليها لا إلى الغمراتِ!
هل المرءُ في الدنيا الدّنيةِ ناظرٌ ** سوى فقدِ حبّ أو لقاءِ مماتِ!
يا منْ يجولُ في المعاصي قلبُه وهمُّه!
يا معتقدًا صحتَه فيما هو سقمُه!
يا منْ كلما طالَ عمرُه زادَ إثمُه!
أينَ لذةُ الهوى!؟ رحلَ المطعومُ وطعمُه!
يا منْ سيجمعُه اللحدُ عن قليلٍ ويضمُّه!
كيفَ يوعظُ من لا يعظُه عقلُه ولا فهمُه!؟
كيفَ يوقظُ من قدْ نامَ قلبُه لا عينُه ولا جسمُه!؟
ويحكْ!، تداركْ أمركَ قبلَ الفَوتِ،
أتنفعُ الاستغاثةُ والسمُّ قد وصلَ إلى القلبِ!؟
إنّ الترياقَ يصلحُ قبلَ اللسعِ!
لمنْ أحدثُ والقلبُ غائبٌ!؟ لمنْ أعاتبُ والفكرُ ذاهل!؟
وا أسفا من ضربِ الخراجِ على بلدٍ خرابٍ!
لما عزّت نفسُ الببغاءِ زاحمتْ الآدمينَ في النطقِ وهي تتناولُ بكفّها من جنسِ مطاعمِهم!، واعجبًا لبهيمٍ يتشبهُ بالناسِ! ولإنسانٍ يتشبهُ بالبهيمِ!، كلّ هذا سببُهُ الهمةُ!
إنّ لذةَ الراحةِ لا تُتناولُ بالراحةِ!، منْ زرعَ حصدْ، ومنّ جدّ وَجدْ!
المالُ لا يحصلُ إلا بالتعبِ، والعلمُ لا يدركُ إلا بالنّصبِ، واسمُ الجوادِ لا ينالُه بخيل!، ولقبُ الشجاعةِ بعدَ تعبٍ طويلٍ!
يقول المتنبي:
لا يُدركَ المجدَ إلا سيدٌ فطنٌ : لما يشقُّ على الساداتِ فعالُ
لولا المشقةُ سادَ الناسُ كلُّهُمُ : الجودُ يفقرُ والأقدامُ قتال !!!
*انتهى بتصرف.