دار الثقافة تستغيث… و ثقافة تتبرّأ
دار الثقافة تستغيث… و ثقافة تتبرّأ
لم تشهد دار الثقافة بالقلعة الكبرى سباتا كالّذي تعيشه الآن مع مديرها الحالي السّيّد نجيب بن عائشة. فرغم ثورة البلاد على الضّيم و آنعدام العدالة الإجتماعيّة و التّبلّد الفكريّ إلاّ أنّ رياح التّغيير لم تهبّ على الدار لأنّنا لم نعهد مديرها ناشطا ثقافيّا و مكرّسا لمبادئها و لا ساعيا لتحقيق أهدافها المنوطة بعهدته بل ألفناها فضاء قفرا موصد الأبواب متآكل الجدران ممزّق السّتائر يفتقر إلى أبسط التّجهيزات الرّكحيّة ....
أنشطة ثقافيّة تكتب بمداد الزّيف و التّسويف و المماطلة. للثّقافة في مدينتي الضّحيّة وجود بالقوّة و لا وجود بالفعل فلا صراع بين الوجودين لأنّ رغبة الصّراع منصهرة في بوتقة العدم، فالأرواح المارقة الجوفاء لا تنثر في الوجود فكرا نيّرا لأنّها تأبى مواكبة التّطلّعات التّوّاقة إلى ما في الكون من فضيلة و نقاء.
أدرك جيّدا أنّ الثورة قد عصفت برأس النّظام وأبقت على ثقافته وعقليّته و معتنقي فكره و أنّ منطق الثّورات يتطلّب الوعي بأنّ تطهير العقول الآسنة يقتضي الصّبر
و الرّغبة و المبادرة و هذه رؤيتي لمقاومة ما تأباه قناعاتي. و ما آلتماسي الكتابة إلاّ وسيلة لزحزحة صخرة الجمود عن مسار ثقافة دارنا الّتي غابت عنها نوادي الإلكترونيك و الشّطرنج و المسرح و السّينما...الرّوافد الأساسيّة للنّهوض بفكر شبابنا و تهذيب ذوق براعمنا و صقل مواهبهم ...إنّ فعل الثّقافة بطل عمله عندما تولّى المديرمهامّه. فلم نره دؤوبا يلتمس الإضافة، و لا يستنكف أن تبقى الحال على ما هي عليه من فراغ و ركود و لم نعرف عنه حساسيّة أو تجاوبا للنّقد البنّاء، فلا يلقي بالا و لايعير الوضع كبير آهتمام. و كيف يبالي و يكترث وهو في منأى عن المحاسبة و المراقبة و المساءلة، يتدثّر بعباءة المندوب الجهوي الّذي يعلم يقينا و منذ سنوات ضعف أدائه ولا يحرّك ساكنا. فالضّمائر غشتها اللاّمبالاة و قضت النّفس اللّوّامة و آندثر الحسّ الوطنيّ منذ زمن. نفوس هؤلاء الّذين تجرّعوا كأس التّجهيل و التّسطيح من أيدي النّظام السّابق نصبوا العداء للتّنوير فنفثوا فينا النّفور و التّفريق و التّعتيم. إذ لا أجد تفسيرا لانخراط المدير بجمعيّة "القلعة بلا حدود" و بذل قصارى جهده لإصدار مجلّة تعنى بثقافة الجسد بينما مجلّة دار الثّقافة "القلعة "الّتي كانت تعكس بحقّ مستوى نشاط المدينة الثّقافيّ في طيّ النّسيان،لا يسعى إطلاقا لإحيائها ...أيعقل أن ينظّم مهرجان ربيع الطّفولة و المهرجان الجهوي للمسرح دون أن يتضمّنا برنامجهما أيّ إنتاج محلّي ... أمر يثير الاستغراب و العجب ....مدير من أهل القلعة أصيبت الدّار في عهده بالشّلل التّام و هذا لعمري من مفارقات الزّمان و عيب عباده...إنّ الثقافة براء منه و من ركب فلكه فلم يأتوا لخدمتها و إنّما آتّخذوها مطيّة لقضاء مآربهم و ليطفواعلى سطح مجتمع يجهلهم تبرّأ منهم و نفرهم عندما خبر أعمالهم...
إنّنا لا نلمس فيه ولا في المندوب الجهوي أيّ إحساس بالمسؤوليّة الأخلاقيّة و التّربويّة و الثّقافيّة تجاه جهتنا و مدينتنا لذا ألتمس من سيادة وزير الثّقافة الّذي نأنس فيه تعطّشا لترسيخ ثقافة الإرتقاء بالذات و تطهير السّاحة الثّقافية و الفكر من أورام العبث بالعقول أن يلقي بالا إلى مدينتنا الّتي تحتضر ثقافتها و تنهار أسوارها على أيدي الانتهازيّين.
لقد ضقنا بأمثال هؤلاء الّذين جثموا على صدورنا و كتموا أنفاس الإبداع وحرّيّة التّعبيرذرعا. فلم يعد لهم بقاء في ساحة الثقافة ما بعد الثّورة. إن راقبتموهم و حاسبتموهم و سألتموهم إمّا أن تجدوا فيهم ما ينكره العقل و لا يرضاه الضّمير أو آستعدادا ضئيلا للعمل لا يستجيب لطموحات شبابنا. عليهم أن يراجعوا مسارهم و يقفوا على ضمائرهم عسى التّأنيب يوقظ ما آندثر فيهم من قيم و مبادئ. أنا لا أتحامل على أيّ طرف و ليس ذلك مرادي و إنّما حقّي في المطالبة بثقافة هادفة ترنو إلى أسمى مراتب التّهذيب محفّزي و دافعي. فلا خير في مواطن يلمس الخور ولا يكلّف نفسه عناء الاحتجاج و الرّفض. لقد أصبحت مدينتي ضحيّة الإهمال و العبث... واقع بائس منفصم الشّخصيّة مختلّ التّوازن لا يليق بتاريخ الأجداد....
فرجاء ارفعوا عنّا هذا الكسل الثّقافي و لا تتركوا فينا من ينفث سمّ البلادة الفكريّة. يا قلعة الأحرار لا أراكِ إلاّ عروسا مزدانة بأبهى ألوان الفكر و لا أرى تونس إلاّ حامية لعقول أبنائها من أعداء العلم و الثّقافة و المعرفة. عاشت القلعة منيعة يتحطّم على أسوارها العابثون و عاشت بلادي خفّاقة فوق الأعالي.
سفيان بن الفقيه فرج
أستاذ عربية
القلعة الكبرى في 24مارس2012