هل يثبت ولد الزنا للزانى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير رسل الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
فإن حفظ الأنساب من مقاصد الشريعة الإسلامية ومن الضرورات الخمس التي تدور أحكام الشريعة الإسلامية على حمايتها وصيانتها .
قال تعالى : {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (5) سورة الأحزاب .
وإنكار النسب بالباطل أو إثباته بالباطل قد صرح النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الكفر .
قال الإمام ابن ماجة في سننه : " باب من أنكر ولده " : وساق بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كُفْرٌ بامرئٍ ادِّعَاءُ نَسَبٍ لا يعرفه أو جَحْدُهُ وإن دق "
قال الإمام البوصيري : هذا إسناد صحيح .
وقال الشيخ الألباني : حسن صحيح .
وأخرج ابن ماجه في نفس الباب حديثاً قبله ضعَّفه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما نزلت آية اللعان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة ألحَقَتْ بقومٍ من ليس منهم فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها جنته ، و أيمَّا رجل أنكر ولده وقد عَرَفَهُ احتجب الله منه يوم القيامة وفَضَحَهُ على رؤوس الأشهاد " ( 2743 ) قال البوصيري : هذا إسناد ضعيف .
قلت : يشهد له ما قبله وكفى بوصف الكفر زاجراً ومانعاً ، وزاد أبو داود في لفظه : " وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين " ( 2263 )
وجاء النص الصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم في استحالة ثبوت النسب بين الزاني والولد الذي جاء بهذه الزنية .
في سنن ابن ماجة " كتاب الفرائض " - " باب في ادعاء الولد بسنده " :
عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّهِ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من عاهر أمةً أو حُرَّةً فولَدُه ولد زناً لا يَرِثُ ولا يورث " حسنه الألباني .
وساق بسنده عن عمر بن شعيبٍ عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" كل مُسْتَلْحَقٍ استُلْحِقَ بعد أبيه الذي يُدعَى له, ادعاه وَرَثَتُهُ من بعده ـ فقضى ـ أن من كان من أَمَةٍ يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه, وليس له فيما قُسِمَ قبله من الميراث شيءٌ ، وما أدرك من ميراثٍ لم يُقْسَمْ فله نصيبه ".
ولا يَلْحَقُ إذا كان أبوه الذي يُدْعَى له أنكره .
وإن كان من أَمَةٍ لا يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق ولا يورث ولا يرث وإن كان الذي يُدْعَي له هو ادعاه فهو وَلَدُ زنا لأهل أُمِّهِ من كانوا حرةً أو أمةً " ( 2746 ).
قال البوصيري : هذا إسناد حسن .
وقال الألباني : حسن .
وقد رواه أبو داود ، وزاد الإمام أبو داود هنا حديثاً في سننه : " كتاب الطلاق " - " باب في ادعاء ولد الزنا "، بسنده عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا مُسَاعَاةَ في الإسلام ، من سَاعَى في الجاهلية فقد لحق بعصبته ، ومن ادعى ولداً من غير رِشْدَةٍ فلا يَرِثُ ولا يورث "
قال الألباني ضعيف ، وقال المندي : في إسناده رجل مجهول .
قال ابن القيم في زاد المعاد عن حديث ابن ماجه وابن داود ( كل مُسْتَلْحَقٍ ) قال رحمه الله تعالى : فإن ثبت هذا الحديث تعين القول بموجبه والمصير إليه ، وإلا فالقول قول إسحاق ومن معه ، والله المستعان . أهـ
قلت : الحديث حسنه البوصيري ، ومن بعده الألباني ، وقد حدث في الأزمنة القريبة شِبْهُ إجماعٍ على هذه المسألة التي لم يخالف فيها إلا إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار مع بعض التأويلات المرجوحة والتعليلات المردودة التي هي في الحقيقة حجة على إسحاق ومن تبعه رحمه الله تعالى التي منها :
قلت : فمن الذي يحمل العار سوى الزانية إذا أنكر الزاني الذي لا يحبل أصلاً وخلقاً .
ومن الذي يحمل العار غيرها بحيث إذا نَسَبَتْهُ للزاني فأنْكَرَ أُقيم عليها حدان : حدُّ الزنا وحد القذف .
ومن الذي اختلف العلماء في ثبوت الحد عليه من غير شهادة الشهود والإقرار سوى المرأة تَحْمل ولا يُعْرَفُ لها زوج ، وهذا لا يتأتَّى على الرجل أبداً .
كيف وإذا أضيف ما جاء في هذا الزمان من إبطال للحدودٍ ، مع ما نَمَا في النفوس من قلَّةِ الحياء وعدم استشعار العار وتقديم الدنيا وزخرفها على الشرف وصيانته فمن أثبت الولد للزاني بالزنا فقد فَتَحَ على الأمة باباً عظيماً من أبواب الهلاك والفساد والشر فإن الإمام ابن القيم لو كان في زماننا واللهِ لما كان خطَّ حرفاً واحداً يتمسك به ديوث خبيث لا حُرْمَةَ لهذا الدينِ ولا مُراعاةَ لضروريات هذا الشرع في نفسه .
كيفَ والذي يثير هذا الغبارَ السَّامَ هذه الأيام امرأةٌ من أفسد النساء, لم تترك باباً من أبواب الشر كان مغلقاً إلا وتُجَاهِدُ جَاهِدَةٌ أن تفتحه فتح الله عليها أبوب الكآبة والحزن .
ولكن الله حليم كريم, فقد ختم ابن القيم رحمه الله بحثه بما بيناه .
وأَزيدُ الإمامَ ابن القيم هذا البيان :
ليس حديث ( كل مُسْتَلْحَقٍ ) وحديث ( لا مُسَاعَاةَ ) هما حديثا الباب فقط ، فقد سبق حديث ابن ماجه الذي حسنه الشيخ الألباني أيضاً .
" من عاهر أمة أو حرة فولده ولد زناً لا يرث ولا يورث " ( 2745 )
وإليك أخي المسلم هذا البيان التأكيدي
هل ألحق النبي صلى الله عليه وسلم ولد الملاعنة لشريك بن سَحماء بعد ثبوت الشبه به بعد بيان النبي صلى الله عليه وسلم ونصه على ذلك ؟
الإجابة في البخاري ومسلم وأبي داود عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " البينة أو حد في ظهرك "، قال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينة ؟!
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول " البينة أو حَدٌ في ظهرك "
فقال هلال : والذي بعثك بالحق نبياً إني لصادق ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد .
فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ} (6) سورة النــور. فقرأ حتى بلغ "من الصادقين"
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها ، فجاءا فقام هلال بن أمية فشهد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" الله يعلم أن أحدكما كاذبٌ فهل منكما من تائب ؟ "
ثم قامت فشهدت ، فلما كان عند الخامسة أنَّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقالوا : إنها موجبة .
قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع ، فقالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ـ : "أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء"
فجاءت به كذلك .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"لولا ما مضى من كتاب الله ـ وفي رواية من الإيمان ـ لكان لي ولها شأن" فكان ابنها يُدْعَى إليها.
وفي رواية لأبي داود : قال عكرمة عن ولدها :
فكان بعد ذلك أميراً على مصر ، وما يُدْعَي لأبٍ .
قلت : والله لقد صَدَّق القرآن هلال بن أمية بقوله تعالى : {وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ} (6) سورة النــور. " فكأنه صدقه تعالى, وأيضاً هذا وقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك" هذا أقوى من الإثبات بالـ DNA ومع ذلك لم يثبت له نسباً لشريك بن سحماء فكيف إذاً أشكو الزاني ؟!
البيان الثاني
كيف إذا حدثت دعوى المطالبة من الزاني نفسه أو وكيله أو وريثه وأكد الدعوى الشبه ولكن عارضها ثبوت الفراش ؟
الجواب : في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أَمَةِ زمعة .
فقال سعد : أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن انظر إلى ابن أَمَةِ زمعة ، فَأقْبِضَهُ فإنه ابنه .
وقال عبد بن زمعة : أخي ابنُ أمَةِ أبي وُلِدَ على فراش أبي .
فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهاً بيناً بعتبة .
فقال :
الولد للفراش وللعاهر الحجر ، واحتجبي عنه يا سودة هو أخوك يا عبد" فلم تره سودة قط "
رواه أبو داود أيضاً وصححه الألباني رحمه الله تعالى .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تعليقاً على هذا الحديث :
فهذا الحكم النبوي أصل في ثبوت النسب بالفراش ، وفي أن الأمَةَ تكون فراشاً بالوطء ، وفي أن الشبه إذا عارض الفراش قُدِّمَ عليه الفراش ، وفي أن أحكام النسب تتبعض فتثبت من وجه دون وجه . أهـ
وعن أبي داود حديث يكاد يكون نصاً في هذه المسألة : مسألة وجود الفراش المعارض .
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :
قام رجل فقال : يا رسول الله إن فلاناً ابني عَاهَرْتُ بأمه في الجاهلية . ( يعني يَدَّعِي نَسَبَهُ )
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا دعوة في الإسلام ، ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الحجر " 2274
قال الألباني :حسن صحيح .
ومن دعاء عباد الرحمن : {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان .
وفي سورة النحل التي هي سورة النعم قال تعالى : {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
والقاعدة تقول : الجريمة لا تصلح أن تكون سبباً لنعمة الله التي أنعم الله بها على عباده وتفضل بها .
فهل تثبت ملكية المال بالسرقة ؟
وهل يثبت الإرث بقتل المورِّث ؟
فيا عبد الله ما بالك بالخيانة التي أبى الله أن يصف نفسه بها على سبيل المقابلة فإن الخيانة بئست البطانة .
فكيف نثبت للخائن بطانة وأي بطانة... إنه ولد قد اشتاق إلى حصول جنسه العقيم ولم يخن العقيم فكيف نمتع به اللئيم ؟!
هذا وعلى نبينا أفضل صلاة وأتم تسليم
والحمد لله الكريم الحليم