السكن حق للجميع
السكن وتوفير مسكن للعيش يظل هاجس ملايين المغربيات والمغاربة. وإذا كان السكن قد تحول إلى كابوس للكثيرين من المواطنات والمواطنين، فإنه أضحى فرصة لآخرين للنصب والإثراء السريع وانتهاز الفرص لملء الجيوب والحسابات البنكية بمال منهوب من عرق المتطلعين لشبر من تراب يليق سقفا مبنيا لسكن لائق أو غير لائق، لا يهم، المهم أن يأويهم، وأن يتملكوا قبر الحياة، كما يسميه عن جدارة كثير من مغاربة المعاناة، حفظا لكرامتهم من ثقل سومة الكراء الشهرية أو من العيش في مدن القصدير أو "الرهن"، الذي شاع كممارسة في العديد من المدن، وهي كلها صيغ لا تحمي طويلا من خطر الرمي إلى الشارع بين عشية وضحاها. ومما زاد من تعقيد هذه الوضعية ضغوطات وإغراءات السماسرة وتجار العقار الساعين إلى انتهاز حاجة الكثيرين وتلهفهم على السكن، حيث لا يتورعون عن خرق القانون لتحقيق ربح منتهز من غفلة وتواطؤ السلطات المعنية. غير أن الخروقات ليست محدودة في السكن المخصص لما هو احتياجي وأساسي، بل امتد الخرق في شساعته ليصل إلى تلاعبات من أجل سكن ثان وترفيهي ومن النوع الرفيع على شواطئ هنا وهناك، خارج كل الضوابط وبانتهاز للفرص تتداخل فيه المكانة السلطوية بسلطة المال والعلاقات الخاصة، والغطاءات اللامشروعة....ومع ذلك، فإن عيون السلطة التي لا تنام، عادة، عن أي صغيرة أو كبيرة ( بدءا من "المقدم" الذي يطرق الأبواب بمجرد علمه بدخول بضع ياجورات أو لسماع صوت حفر خفيف) غضت الطرف وتناومت بفعل عوامل يتداخل فيها التواطؤ باقتسام المنافع ونيل النصيب. كما تواطأت المجالس الجماعية والمستشارون المفسدون الذين سخروا مراكزهم لقنص المنافع سعيا لمراكمة الثروة وأسباب التسلق الاجتماعي.وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية "استيقاظا" متأخرا جدا للسلطات المركزية والمحلية، المكلفة قانونا بمحاربة السكن غير القانوني والعشوائي وحماية الملك العمومي وأراضي الجموع من السطو والتطاول... وهذا ما عرفته عدة مناطق من المغرب، حين شُرع في عمليات الهدم هنا وهناك تحت حماية قوات الأمن العمومي دون أن يخلو ذلك من الأسلوب الانتقائي، كان من نتائجه مواجهات عنيفة وإصابات في صفوف الطرفين واعتقالات ومحاكمات وأحكام.وهذه الممارسة تطرح بحدة تساؤلات عن مدى جدية مبادرات من هذا النوع ومدى ذهابها إلى الأسباب الحقيقية وإلى الجهات المسؤولة مباشرة، التي تسببت في انتشار الظاهرة وتفاقمها والتأخر في وأدها في مهدها قبل أن يتسع عدد ضحاياها وتتعقد وضعية المكتوين بتداعياتها. فأين كانت هذه السلطات، حين شرع السماسرة في التخطيط واقتناص الضحايا؟ وحين توغلوا في تهيئة الأرض وتجزئتها؟ وحين حُفرت أولى الأساسات ووُضعت أول ياجورة؟ وحين اقتنيت المواد الأولية للبناء؟ وحين... وحين... وأين كانت مختلف أجهزة المراقبة والرصد منذ انطلاق المسلسل؟ لماذا لم تتدخل هذه السلطات حين كان يتم إعداد وتسليم وثائق عمليات البيع والشراء والتصديق عليها في إدارات مختلف المصالح الجماعية المعنية ووضع أختام تحمل توقيعات أصحاب الاختصاص المعروفين بالأسماء والمهام لدى سلطات الوصاية الترابية المحلية والمركزية والمُحددة مسؤوليتهم المدنية والجنائية.إن المطلوب عوض التوقف عند قشور هذه الخروقات أن يتم تحديد المسؤوليات، الحقيقية منها والمباشرة، والكشف عن الجهات المتورطة في التشجيع والترخيص، ومساءلتها وتطبيق المقتضيات القانونية في حقها دون هوادة، والذهاب بعيدا في المتابعة عوض أن تقف عند حدود السلالم الدنيا من المسؤولية وترك كثير من المتورطين طلقاء أحرارا يتمتعون بما جمعوه من أموال طائلة، والاكتفاء بمعاقبة ضحايا النصب والتحايل الاحتيال، رغم أنه لا يعذر أحد بجهله للقانون، كما تنص على ذلك القاعدة القانونية.إن السبب الأساسي والحقيقي لتأخر التدخل السليم للجهات المختصة قانونا، لوقف الفساد الذي فسح المجال للبناء العشوائي في مهده (بعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة) هو تحول هذا الفساد إلى صرح قوي وبناء من إسمنت مسلح، مبني بطريقة مقاوِمة لزلزال المساءلة والعقاب. لذا، فإن الأجدر بالمحاسبة والمعاقبة هي هذه الجهات التي تنصلت من المسؤولية الموكولة لها من لدن المشرع بل وتواطؤها بصيغة أو بأخرى.