الآن فهمت لماذا أنا فقير وهم أغنياء
الآن فهمت لماذا أنا فقير وهم أغنياء
الكاتب :العياشي كيمية
كنت أسمع عن اقتصاد الريع ،وحاولت أن أفهمه بطريقتي الخاصة ،لكن لم أكن أتمثل الصورة البشعة التي يمثلها ،ولا أعي عمق الخلل الإقتصادي
والإجتماعي الذي ينتجه. كنت أتساءل كيف تملك فئة من المغاربة تلك الأموال الطائلة وذلك الترف الفرعوني ،وكيف أن أكثر من 95 في المئة من أبناء الشعب يقتسمون 5 في المئة من الثروة ،ولماذا أنا فقير لا أستطيع أن أملك سيارة ،رغم كوني أستاذا عملت في الجبال والسهول لمدة 26 سنة ،تخرج على يدي عشرات الرجال والنساء ،هم اليوم يقدمون خدمات جليلة لوطنهم . فهمت اليوم سبب فقري وسبب ثراء غيري ،فهمت أني كنت أتقاضى راتبي مقابل عملي ،وأن غيري كان يبحث عن الثروة بالطرق الملتوية غير المشروعة،أدركت اليوم كيف بنوا القصور وكيف امتلكوا السيارات الفارهة ،وكيف يملكون عشرات الضيعات ،أدركت أن المغاربة صنفان : صنف كادح محكوم عليه أن يحمل حجرة سيزيف ،وصنف مترف مهيأ سلفا كي يمتص عسل الشهد دون وخز النحل .
اليوم ،وبعد نشر لا ئحة بأسماء المستفيدين والمستفيدات من ( لا كريمات) من طرف السيد عبد العزيز رباح وزير التجهيز والنقل ،أدركت معنى اقتصاد الريع ،وكيف يتقمص من كنت أخاله قدوة في الورع والتدين جلباب الفقير كي يستبيح مال اليتيم والمعوز وكل الذين يعيشون في وضعية صعبة ،فهمت لماذا غير كثير من السياسيين والنقابيين مواقفهم ،كانوا يملؤون آذاننا صراخا تحت مسميات مختلفة، بدعوى الدفاع عن الطبقة الكادحة والمستضعفين في الأرض،فتحولوا فجأة إلى خراف وديعة ،لم يكفيها السكوت بعد الضجيج،ولكن أصبحت تبرر الفساد والإستبداد ،وتروج في السر والعلن لفلسفة انهزامية كثيرا ما عابوها على غيرهم ....ذلك هو المفعول السحري لاقتصاد الريع .
هذا فيض من غيض ،ولعل في مستقبل الأيام سنسمع أخبارا عن سرقات ،وأموال هربت ،وصفقات مغشوشة بالمليارات ........،وربما هناك ملفات قد يعجز السيد الوزير رباح أو زملاؤه عن كشفه،ف(ليس كل شيء يقال) في السياسة،ونتساءل كمغاربة، من المسؤول عن كل هذا الفساد ،وهذا الإستهتار بمصيرأمة؟
قد نختلف في تحديد المسؤولية ،لكن سنتفق جميعا أن هذا التعثر في جميع مناحي الحياة،وهذا التهميش والضياع الذي تعيشه غالبية الشعب، لم يكن وليد الصدفة وإنما كان عملا مقصودا وعلى مرأى ومسمع كل السياسيين والنقابيين من بداية الإستقلال إلى الآن،ومن هذا المنطلق فالكل مدان،ومن حقنا أن نحاسبهم ،لأنهم أعاقوا بفعلهم هذا مسيرة أمة عظيمة ،كانت دوما تواقة إلى الرفاهية والعيش الكريم ككل شعوب الدنيا .
قبل أن تنصب الحكومة الجديدة ،كنت أتحفظ على مطالب فئات كثيرة من الشعب ،كالحق في الشغل وولوج الوظيفة العمومية ،والمطالبة بفك العزلة
عن العالم القروي،وإنصاف الفئات المهمشة......لأني كنت أعتبرها مطالب تعجيزية ،لا تستطيع ميزانية الدولة أن تلبيها ،اعتقادا مني أن مايعلن عنه من أرقام يعبر عن حقيقة إمكانات الدولة ،وبالتالي فإن تلك المطالب مجرد مزايدات ليس إلا ،لكن اليوم فهمت أنه كان بالإمكان أن أرى أبناء بلدي أسعد حالا مما هم عليه الآن ،وأدركت أن العزلة التي تعيشها قرى شمال وشرق وغرب وجنوب المغرب ،ماكانت لتكون لو لم تذهب المليارات إلى جيوب المحظوظين والسراق ،ولهذا لما سئل السيد أردوغان رئيس وزراء توركيا كيف استطعت تحويل خزينة تركيا من عجز إلى فائض ،أجاب بكل بساطة :لم أسرق.
اليوم يحق لي ،وبكل شجاعة ، أن أقول : أريد حقي في ثروة بلدي ،لأني فهت لماذا أنا فقير وهم أغنياء.