المجاهد خليفة بن عسكر
المجاهد- خليفة بن عسكر ودوره في الجهاد الليبي
للدكتور عيسى امحمد البجاحي
عضو هيئة التدريس بجامعة الفاتح
والتي ألقيت بقاعة المجاهد بمركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية
بتاريخ 27-2-2008
والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.?
الإخوة الحضور السلام عليكم ورحمة الله.
في البداية نحي هذه المؤسسة العلمية التي تبنت إعادة كتابة التاريخ الليبي وجهاده، كما لا ننسى من كان على رأسها الدكتور محمد الجراري وكل الأخوة والأخوات من باحثين وموظفين.
أما بعد،،،،
وحديثنا بإذن الله تعالى سيكون عن إحدى الشخصيات الوطنية التي أدت دوراً كاملاً شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.
إنه المجاهد الشهيد خليفة بن عسكر الذي يعتبر من القادة القلائل في حركة الجهاد الليبي، الذين يعدون الهجومات في أغلب المعارك التي حضرها، إذ تتميز شخصيته بالغيرة على الوطن وقوة الإرادة مما دفعه إلى أن يكون في طليعة المدافعين عن الدين والوطن(1).
وهنا قد نجد أنفسنا أمام أسئلة فيما يخص خليفة بن عسكر، من حيث موقفه من الغزو الإيطالي وسبب ثورته، وسبب هجرته صحبة عائلته وبعض أتباعه إلى الجنوب التونسي، وتلك الهجرة تعتبر أول هجرة جماعية من قبل الليبيين في فترة الجهاد على مستوى ليبيا، ثم عودته إلى بلده بمفرده ودون ترخيص من فرنسا، وما هي الأدوار التي أداها في الساحة الليبية عبر أكثر من عقد من الزمن وهي الفترة الحرجة بالنسبة للشعب الليبي منذ 1911 وحتى 1922، فهذه وغيرها من الأسئلة التي نجدها تغوص في ذاكــرة التاريـخ، وقد نجـد لها إجابات كافيـة وقد لا نتمكن من ذلك.
فابن عسكر كان رجلاً من بين الرجال الذين برزوا في صفوف حركة المقاومة الشعبية منذ بداية الغزو الإيطالي، وهو أحد الزعامات الوطنية التي تردد أسمها كثيراً داخل ميادين القتال أتصف بكراهية متناهية للإيطاليين وأعتبروه عدوهم اللدود منذ بداية الإحتلال(1).
إنه لم يتاجر في قضية بلاده حين تواطأ آخرون ولم يعرفه الإيطاليون إلا من خلال المعارك الوطنية وميادين القتال وما أكثر ما ألحق بهم من هزائم مميتة وضربات موجهة في كثير من الأحيان(2).
صنفه الشيخ الطاهر الزاوي على رأس عدد من الجنود البواسل ممن كانوا في قائمة الحرب الطرابلسية(3)، ووصفه جايبي بروح الثروة والمحرك النشيط في الطرف الجنوبي الغربي من الجبل(4)، وأعتبره قارسياني زعيماً حربياً صلباً أُتصف بعبقرية سياسية عسكرية رفيعة كان يناصبهم العداء باستمرار ولا يؤتمن جانبه(5).
فذلك الرجل هو خليفة بن سعيد بن علي بن عسكر وابن فاطمة بن سعيد بن يوسف بن عسكر من إحدى القبائل الكبيرة بنالوت التي تتكون من أولاد يحى والعساكره، وهو مولود في حدود 1878م(6).
وهناك من يذكر بأنه من مواليد 1884م(7) رغم وجوده في العهد العثماني إلا أنه لم تغره مناصبه وكما تذكر المصادر فإنه شارك في المعركة الأولى بالشط والهاني بطرابلس وفي معارك 1911، 1912م وكان من أشد المتحميسين لمقاومة الغزو الإيطالي في معارك 1912، 1913م شارك في معركة جندوبة الفاصلة التي كانت في ربيع 1913م التي خسرها الجانب الوطني والتي كانت بقيادة سليمان الباروني، وبن عسكر كان مسؤولاً على أحد أركانها حيث كان يقود أكثر من 1500 مقاتل في ناحية الرابطة(8).
وعلى إثر احتلال نالوت في أبريل1913، وإفلاته من الأسر(1) اتجه إلى مقر إقامته في وادي الثلث بنالوت على الحدود التونسية، إلا أن حادثه ليتسي التي مس فيها شرف نالوت وطعنه بمساعدة البعض، حيث تجاوز فيها كل الحدود والقيم التي اعتبرها خليفة بن عسكر جرحاً في كرامته.
مع العلم وكما يبدوا أن خلال تلك الفترة تكررت طلبات الزواج من فتيات أهليات من قبل الضباط الإيطاليين ويذكر الشيخ سليمان الباروني في رسالته إلى الكونت الإيطالي سفورزا في نوفمبر 1913 ثلاث حالات حصلت في كل من نالوت وفساطو والرحيبات (2)، كما لا ننسى أن حالات اغتصاب النساء المتزوجات والفتيات تواترت على نحو ملفت للنظر فاقت التوقعات وهي لم تصدر عن جنود عاديين فحسب بل بدرت كذلك من ضباط معروفين ومن هؤلاء نذكر على سبيل المثال الرائد ماديا والنقيب أليس والرقيب كوميد سانق(3) كما تضيف الأحداث أن نفس الفترة ضبطت القوة العسكرية قائمة في أربعين فتاة من كاباو وثلاثين فتاة من نالوت لغرض ترحيلهن مع فرق الجيش ليؤثتن نوعا من المواخير المتنقلة والتي كانت ترافق الحاميات(4)، فكان بذلك دافعاً قوياً في الثأر لكرامة وطنه ومواطنيه.
وأولى مشاريعه المستقلة في نطاق الجهاد التي خطط لها بنفسه ونفذها وكان ناجحاً فيها هي معركة "لقن عمران" بنالوت التي تزامنت عفوياً مع معركة "القاهرة" بسبها.
إذ نجده وبعد تلك الأحداث حيث هطلت الأمطار في خريف تلك السنة من 1914 مما ترتب عنها موسم حرث مناسب ومهم للمنطقة، إذ قام النقيب "دلبايو سينجور أوتورينو" قائد حامية نالوت بجمع اثنيين وتسعين جملاً قسراً من المواطنين لغرض حمل الذخيرة، نحو يفرن وغريان استعداد لمعركة القرضابية مستقبلاً وكــان ذلك بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، إذ شعر الناس بمظالم لا حدود لها، فبعد طعنهم في شرفهم أخذت جمالهم في الوقت الذي وهم في أشد الحاجة إليها بسبب موسم الحرث.
فعاد الناس من الجفارة إلى نالوت بدون حرث ولا جمال وهم يعضون الآنامل على الإيطاليين، وإنما بن عسكر لم يعد مع العائدين إلى منازلهم في نالوت، بل قصد هو وثلة من رفاقه الخلص، إلى قصبة "إمجوجن" التي تقع في ذلك الوقت غرب نالوت بحوالي 4 كيلو متر واليوم أصبحت داخل المدينة من ناحية الغرب.
واجتمع بهم أول اجتماع تاريخي بالنسبة لنالوت وكان ذلك في قصبة إمجوجن التي تقع في أعلى ربوة في تلك المنطقة وهم: خليفة بن عسكر، وعيسى اتفوشيت، وخليفة قرقاب، وسعيد صالح عسكر، وعلى بن الحاج يحى الناكوع، وسالم القلال، وسعيد بن أحمد، ومحمد بن يوسف بوصوة، وأحمد امبارك ، وأحمد الصويعي المحمودي (1).
إذ تم الإجتماع في تلك القصبة ونتج عنه الإتفاق والقسم على ما اتفقوا عليه والقسم كان عبارة عن شد قطعة من القماش تسمى القشطة "الحزام" بين رجلين ويمرمن أسفل ذلك القماش جميع الحضور وهو تعبير على أن تكون الكلمة واحدة والعهد واحد، وبعد ذلك الإجتماع وما ترتب عنه، وسماع الناس به وتقاطرهم إلى تلك الجماعة التي تمثل نواة الثورة والجهاد، وعند وصول الأخبار إلى الإيطاليين توسطوا إلى شقيقه عمر بن عسكر ولكن لا جدوى من ذلك.
وبعد أن تأكد خليفة بن عسكر من موعد انطلاق القافلة التي ستحمل الذخيرة من حامية نالوت عبر وادي نالوت أرسل سراً ليطلب من الليبيين المرافقين للقافلة أن ينضموا إلى المجاهدين، كما أرسل إلى أصحاب الإبل الذين أجبروا على مرافقة إبلهم وطلب منهم في حالة إطلاق الرصاص أن يسارعوا باستياق إبلهم بعد فك أحمالها ويتفرقوا في الأرض.
وفي مساء ذلك اليوم السابع والعشرين من شهر نوفمبر 1914م أنطلقت القافلة من نالوت في اتجاهها شمالاً عند وادي نالوت حيث كان بن عسكر ورفاقه بانتظارهم في موقع لقن عمران الذي سميت فيما بعد المعركة باسمه، وفي تمام الساعة الرابعة من فجر يوم 28 نوفمبر 1914م، أخذ بن عسكر يثأر لمواطنيه من سكان المنطقة ففك الإبل، وفجر معظم الذخيرة التي لم يكن في حاجة إليها(1)
بعد أن قضى على معظم الجنود والضباط الإيطاليين ممن كانوابرفقتها وهذه المعركة التي ظهر فيها نجم بن عسكر ورفاقه ترتبت عنها العديد من الأحداث المهمة في تاريخ الجهاد الليبي منها أنها كانت سسبباُ في معركة الجويبية بنالوت التي دارت راحها في يوم 13 من ديسمبر 1914م، بين المجاهدين والإيطاليين وكانت نتيجتها لصالح الإيطاليين وذلك رغم ما كبده المجاهدون من أعداد كبيرة من القتلة والجرحى وقلة خسارة المجاهدين، إلا أن في آخر النهار أضطر المجاهدون إلى الانسحاب إلى منطقة الحسيان، قرب نالوت، وذلك كان بسبب الأعداد التي كانت بالألوف التي أرسلت من جادو والتي كان قائمقامها فيها امحمد فكيني، الذي أرسل قيقه معهم من هناك، للمقاتلة إلى جانب الإيطاليين .
وبعد معركة الجويبية التي ذكرناها والتي سببها محاصرة حامية نالوت من قبل بن عسكر ورفاقه لمدة أسبوعين مما أضطر القوات الإيطالية كما ذكرنا ببعث قوات من جادو والجوش لفك الحصار عليها، وهنا لم يجد بن عسكر إلا الهجرة والرحيل من نالوت بعد خطة وضعها للإفراج عن أُسر المجاهدين في نالوت والهجرة إلى تونس، وتتمثل الخطة في الهجوم على نالوت ليلاً من مختلف الجهات ومشاغلة العدو لتغطية خروج العائلات، وقد نجح في ذلك وخرج بنجعه هو ومن معه نحو الحدود التونسية عبر وادي الثلث الذي ترك فيه معظم سلاحه وما يلزم، وحملوا معهم بعضاً من السلاح القديم لتسليمه للقوات الفرنسية عند دخولهم، فاستقبلهم الفرنسيون وتسلموا منهم جميع الأسلحة التي لم يتم تخزينها في أرض الوطن وكان ذلك في 19 ديسمبر 1914(2).
حيث أشترطوا عليهم تسليم السلاح والإقامة على بعد 100كيلو متر من الحدود الليبية التونسية وأن يدفعوا ضريبة مقابل إقامتهم في تونس(3) حيث استقر بهم المقام في دوز بالمرازيق وفرضت عليهم الإقامة الجبرية، وقد تدمر بن عسكر من تلك الإجراءات التعسفية، وقرر ومجموعة من رفاقه الرجوع إلى أرض الوطن وكان ذلك في بداية 1915م.
وعندما علمت السلطات الفرنسية بفراره أصدرت عليه حكماً غيابياً، كما ورد في البرقية التالية:
"قد أخبرتكم برسالة يوم 15 أبريل بأن خليفة الأخ لعمر عسكر كان قد اختفى من منطقة دوز وقد تعرض لتطبيق قانون العقوبات التونسي الذي ترتب عنه ستة أشهر سجن وخمسمائة فرنك غرامة"(1)
وعلى إثر ذلك قامت السلطات الفرنسية بسجن كامل عائلة بن عسكر، وعلى رأسها شقيقه عمر بن عسكر، وخمسة من رفاقه، وهم: "سعيد بن صالح عسكر، وأحمد الناكوع، وسعيد بلقاسم، وخليفة بن ابراهيم العزابي، وأحمد الصويعي المحمودي"، واستمر سجنهم ثلاث سنوات حتى إلى إن تم استبدالهم بالأسرى الفرنسيين 1917م.(2)
وعند وصول بن عسكر ورففاقه إلى أرض الوطن وبالتحديد إلى وادي الثلث إلى أملاك بن عسكر في غرب نالوت، أخرجوا سلاحهم الذي سبق وأن أخفوه هناك، واتجه إلى وديان درج وبالتحديد إلى وادى أوال بين غدامس ودرج، علماً بأن المسافة بين نالوت ووادي أوال حوالي 250 كيلو متر، وهي من بين مناطق الصحراء الكبرى وكان زادهم ومائهم محمولاً على ظهورهم، وهم في منطقة مناخها قاري أي حار نهاراً وبارد ليلاً، وبعد أيام وهم في رحلتهم هذه نقص زادهم، وماءهم ولم يجدوا أمامهم إلا السراب مما جعلهم في موقف صعب جعلهم يقولون جئنا لنطلب الشهادة في الجهاد فقد نموت كما تموت الإبل في الصحراء القاحلة.
وهم كذلك وإذا بخيالين من جنود فرنسا "الصبايحية" يركبان جمليهما ويحملان البريد في محاذاة الحدود وعندما توقفت المجموعة وقامت بالقضاء على الجنديين، وأخذ جمليهما، وما عليهما من سلاح ومؤن، وتغير حال المجموعة فأصبح لهم ما كانوا في حاجة إليه من زاد ومركوب، مما مكن المجموعة من الوصول إلى وادي أوال وكان في استقبالهم المجاهدون هناك.
ولإضطرار المهدي بن كنيفوا إلى العودة إلى فزان، نادى ببن عسكر في قيادة المجموعة وحسب قول المجاهد عون بلقاسم السباعي: "أن محمد المهدي السني قد عينه بدلاً من المهدي بن كنيفوا" وقد تليت علينا الرسالة في تعينه.
وهكذا أصبح بن عسكر الفار من الفرنسيين والساعي لمقاومة الإيطاليين قائداً لمجموعة من المجاهدين جمعتهم طريق الجهاد وروح النضال(1).
وما هي إلا أيام محدودة أستعاد فيها أنفاسه بعد عودته من الأراضي التونسية إلا وتزعم ثورة التطهير وملاحقة القوات الإيطالية المنسحبة إلى الساحل وقطع خطوط مواصلاتها، وقاد على إثر ذلك العديد من المعارك ضد الإيطاليين والفرنسيين.
وكما سبق وأن ذكرنا، معركة لقن عمران بوادي نالوت، التي كانت في شهر 11/ 1914م، ومعركة الجويبية التي كانت في شهر 12 / 1914م، وبعد مغادرته لأرض الوطن والدخول إلى تونس في 17/12/1914م،ثم رجوعه إلى أرض الوطن مع بداية 1915، نجده قد استأنف المعارك من جديد وكانت أولاها معركو سوينية يعقوب في يوم 10، 11 من أبريل 1915 التي أستولى المجاهدون بسببها على 120 رأس من الإبل و115 كبشاً(2)، ثم معركة سيناون التي كانت عبارة عن محاصرة سيناون لمدة ستة أيام، وفي الليلة الفاصلة بين 10،11 من يونيو 1915 تمكن غالياتى ورجاله بالفرار من الحصن، والإلتحاق بالمركز الحدودي الفرنسي بعد نفاذ مؤونتهم وتأكدهم أن بقاءهم يعني فناءهم المحقق إما جوعاً وعطشاً أو على يد قوات بن عسكر (3)، وخلال عملية الإنسحاب تعرضت كتيبة غالياتي لملاحقة بن عسكر ورجاله، مما أوقع بالإيطاليين خسائر مهمة خمنت بثلاثة وثلاثين قتيلاً وثلاثة عشر جريحاً، كان من بينهم غالياتي والملازم أول فنقولي مع الإستيلاء على كميات كبيرة من السلاح والذخيرة(4).
وعليه فتوالت المعارك التي قد لا يسمح الوقت لسرد تفاصيلها، ولكن لا يمنع ذلك من ذكر ما أمكن مما قاد أو شارك فيها من المعارك وهي:
معركة كباو15 يونية 1915م.
معركة اتكويت 9 يوليو 1915م:
التي تعتبر من المعارك الفاصلة، وذلك لما ترتب عنها من نتائج، أولاها انكسار القوات الإيطالية التي تعتبر نفسها في ذلك الوقت من الدول العظمى، وحالة البؤس التي كان عليها جنود إيطاليا الناجين من القتل والأسر بالإضافة إلى أربعمائة وخمسة قتلى من بينهم خمسة ضباط(1)، وأسر 183 كان من بينهم سبعة ضباط(2)، ونجى منهم ودخل الحدود التونسية إلى دهيبة، حوالي أربعمائة هارب (3)، مما جعل الحكومة الإيطالية بعد تلك المعركة أن تصدر أمراً لحامية غدامس التي كان فيها عشرة ضباط وأربعمائة وخمسون جندياً بالإنسحاب إلى الجنوب التونسي ومنه إلى ميناء جرجيس للعودة إلى طرابلس بحراً.
وبعد نهاية تلك المعارك عاد إلى نالوت مسقط رأسه وأصبح قائمقاماً عليها، وعزل كل من مكنته إيطاليا، إذ عزل خليفة بغني، وجعل أحمد أيوب(4).
ثم كانت معارك العجيلات وهي 12 معركة خلال 1916، 1917، 1918.
معركة العقربية جنوب الجميل 18 مايو 1917م.
معركة سواني المشاشطة 9 سبتمبر 1917م.
معركة سواني بن يادم 20سبتمبر 1917م.
معركة الجميل 5 أكتوبر 1917م.
معركة قصر تليل 23 سبتمبر 1918م.
معركة ثرينه "راس الغوله" 8 10 فبراير 1918م.
معركة جنزور وصياد 2 يناير 1919م.
أما المعارك التي خاضها ضد الفرنسيين داخل التراب التونسي، بعد طرده للإيطاليين من نالوت فهي:
معركة وادي المرطبة 18 سبتمبر 1915م.
معركة جبل عفبنة 14 سبتمبر 1915م.
معركة سيدي عبد الله "لوزان" 15 سبتمبر 1915م.
معركة دهيبة الأولى 17 سبتمبر 1915م.
معركة نكريف 9 أكتوبر 1915م.
معركة دهيبة الثانية 18 يونيو 1916م.
معركة الرمادة 28 يونيو 1916م.
معركة مغري 30 يونيو 1916م.(1)
ولا ننسى أنه أشرف على تجهيز وتمويل أكثر من 18 عملية فدائية(2)، ضد القوات الفرنسية وداخل التراب التونسي، وذلك حتى نهاية 1918.
وهو من اللذين تحفظوا على تطبيق القانون الأساسي 1919م، الذي نتج عنه إقامة حكم القطر الطرابلسي، وإنتشار مراكز الإتصال، برئاسة ضباط إيطاليين في مختلف أنحاء مناطق الجزء الغربي من البلاد من سرت شرقاً وحتى نالوت غرباً وعندما لاحظ نشاط ضباط الإتصال بنالوت، وذلك بزيادة عدد الجنود وإقامةهوائي لمحطة الراديو قرر طرده هو وجنوده من نالوت في 15 مارس 1920م.، وحطم كل مخلفاته وأستولى عليها وكان ذلك العمل إذاناً لإنتشار الثورة ضد مراكز الإتصال في مصراته وسرت ونالوت والجبل، مما أغضب أعضاء حكومة القطر الطرابلسي، وهو ما كان سبباً في فتح الشرخ الذي كان بين بن عسكر ومحمد فكيني حيث وصل بهما الخلاف إلى إشعال حرب أهلية مدمرة بمنطقة الجبل التي جعلت بن عسكر بين أمرين أحلاهما مراً، إما أن يستسلم لفكيني الذي كان الإيطاليون في دعمه وإما أن يتجه إلى الفرنسيين والإيطاليين مباشرة، وقد إختار الذهاب إلى الوطية، وذلك من باب الحفاظ على أعراض النساء وسلامة الأطفال والشيوخ والتضحية بنفسه أفضل من غيرها.
وعليه فقد أتجه إلى الوطية ونزل هو ونجعه من نالوت في أواخر ديسمبر 1911م.(1) وقد فرضت عليه الإقامة الجبرية، بينما ذهب من زين له بطريقة الإحتماء بالإيطاليين إلى زوارة وبقي بن عسكر في الوطية محاصراً بنجعه لعله يجد طريقاً للخلاص وبدأ إتصالاته بهيئة الإصلاح المركزية(2)، وبأتباعه اللذين بقوا في نالوت للخلاص من هذا الموقف، ولكن المخابرات الإيطالية كانت له بالمرصاد وكشفت اتصلاته مع الغير، وعرفت تصميمه على محاربة إيطاليا من جديد، ولكن وبطرق ملتوية، تم وقوعه في الفخ والقبض عليه في 28/5/1922م ونقل إلى زوارة ومنها إلى طرابلس، حيث يقول قارسياني: "وهكذا أختفى من ميدان الغرب السحيق رجل شديد الخطر"(3)، ثم أحيل إلى النيابة الإستعمارية الغاشمة، بتاريخ 22/7/1922م. ونال بذلك الشهادة، وكما تروي الأخبار، وتقول الناس "زغرتي يا أم الشهيد"، فقد أخرج من موضعه إلى المشنقة، بما يسمى "بالنوبة" والزغاريت، وهو لم يخف بل كان يلعنهم ويحرض الجمهور الحاضر على الاستمرار في الثروة ونفذ فيه الإعدام شنقاً بمدينة الزاوية في سبتمبر 1922م. ونال بذلك الشهادة التي يتمناها كل مخلصٍ لربه.
وبهذا طويت أحداث وأخبار خليفة بن عسكر العملية، ولم يبق سوى الخبر من هذا أو ذاك، مما جعل الكثير من الباحثين والكتاب والجهات تتناوله بطريقة أو بأخرى.
ومما نعمل عليه في هذه المحاضرة المحدودة، هو الوقوف على بعض مما كتبه كلٍ من القشاط في كتابه خليفة بن عسكر، وكذلك فتحي ليسير في كتابه أيضاً خليفة بن عسكر، رغم أن الجميع يعلم بأن هذا الرجل تناولته العديد من البحوث والكتب والمجلات لا تعد، سواء من الليبيين أو العرب أو غيرهم من الأجانب وبشتى اللغات ولكن تحديدنا للكتابين المذكورين له ما يبرره.
فرغم تقديرنا وأحترامنا الشخصي لكل مجهود يتناول تاريخ هذا البلد وأبطاله الصناديد، إلا أنه قد نجد من كتب على هذا المجاهد الشهيد، وبطرق ملتوية، وقد يكون استعمال اسمه لشهرته، والغاية هي إشهار أناس آخرين، وذلك كما يقال: "لأمر كان في نفس يعقوب"، وذلك لوجود من يتناول قضايا دون فحصها، أو التحري عليها،وقد تكون قصداً.
وعليه فمما نجده في كتاب "خليفة بن عسكر الثروة والاستسلام" للقشاط وما نذكره على هذا الكتاب وصاحبه قد يكون عبارة عن ملاحظات من قبل أناس آخرين وذلك حتى لا نتهم بالتحيز والعاطفة، وعليه فمما قاله فتحي ليسير في كتابه "خليفة بن عسكر بيوغرافيا رجل غامض".
الذي ذكر فيه العديد من الأمور غير الصحيحة من قبل القشاط، ومنها على سبيل المثال:
فإنطلاقته كانت للتعليق على كتاب مدرسي : كتاب "التاريخ لتلاميذ السنة السابعة الجزء الأول ط1 تونس" المركز القومي البيداغوجي 1979م.، الذي وحسب قوله تضمن أخطاء كثيرة، فيما يتعلق بالدور الذي لعبه خليفة بن عسكر وحقيقة الاتصالات التي أجراها والتحالفات التي عقدها، وهو ما يشكر عليه فتحي ليسير عن هذا الانتباه.
ثم انتقل إلى موضوع كتاب القشاط حيث قال:
أولاً تضمن العنوان الرئيسي للمؤلف خطأً تاريخياً ونحن لا نملك إلا أن نعجب لذلك، إذ من المعروف وهذا ما تؤكده الوثائق بكل وضوح وقوة، أن خليفة بن عسكر لم يستسلم كما أشار إلى ذلك العنوان المذكور، بل كان ضحية خدعة أو مكيدة أوقعه فيها قارسياني في المكان المعروف بالوطية، يوم 28 مايو 1922م. فشتان بين الإستسلام وبين الوقوع في مصيدة أحكم العدو نصبها.(1)
كذلك مما ذكره وهو يتحدث عن كتاب القشاط في قوله: "غالباً ما حَكمَهُ منطق التخوين لسليمان الباروني ويوسف خربيش، وسلطان بن شعبان".(2)
ويضيف بقوله: "لم تكن مصادر الكتاب ومراجعه وفيرة ومتنوعة بالقدر الذي يفيد تأليف كتاب يلم بجميع مراحل حياة هذه الشخصية(3)
ومما ذكره أيضاً في قوله: "شتان إذن بين من كتب تحت وهج الحدث وبين من قمش مادة باردة بعد مرور ربع قرن عن الحدث والمواجهة المذكورة"(1)، وهنا يقصد ليسير بقوله النقيب رافوا، الذي جعله القشاط مصدراً في كتابه، فكيف بالقشاط الذي كتب عن بن عسكر بعد ستة عقود معتمداُ على روايات شفوية واهية.
كذلك مما قاله ليسير: " بدأ تعصب محمد القشاط وتحيزه لقبيلة الزنتان واضحاً في متون كتابه هذا ولسنا الوحيدين اللذين أنتبهنا لهذا الأمر(2).
ولقدأفاض القشاط في الحديث عن خيانات سليمان الباروني وعمالته وتواطئه مع الإيطاليين يضيف ليسير عن القشاط في كتابه قوله: وبوسع القارئ المتمعن أن يلاحظ أن الكاتب قد انحرف في أحايين كثيرة عن هدفه الأصيل "بيوغرافيا خليفة بن عسكر"(3)، ويضرب القشاط صفحاً عن الدور المهم الذي نهض له سليمان الباروني عند انطلاق حركة المقاومة، خلال الفترة ما بين 1911 1913، وهو الدور الذي نوه به ونبه إليه كل المؤرخيين ليبيين كانوا أم أجانب، ولم ينتبه إلى الوثائق التي حاول من خلالها تلطيخ صورة الباروني(4).
ومما ذكره ليسير عن القشاط: أن الأمر المحير حقاً في هذا الكتاب الذي حكمه منطق التخوين من البداية وإلى النهاية، هو ذلك المتعلق بالسر الكامن وراء قيام حلف فولاذي بين قبيلة الزنتان برئاسة وجيهها على الشنطة، وقبيلة الرجبان التي يقودها محمد فكيني، وهو الرجل الذي قال عنه القشاط إنه تسبب في إجهاض حركة الجهاد في الجبل وتوجيهها غير وجهتها الصحيحة.
وينهي ليسير حديثه في هذا بقوله : "تلكم مجرد خواطر" سريعة بخصوص كتاب القشاط، وأخص ما نود تأكيده في هذا المقام، هو أننا لم نسع إلى دحض كل دعاوي الكتاب وتفنيد جل طروحاته، لإعتبارات منهجية حتمتها حدود هذا الإستهلال، وبإمكان قارئ الكتاب أن يجد ردوداً على هذه الدعاوي والمزاعم صادر عن القشاط وغيره، مبتوتة في متونه.
وجوهر الجوهر أن سيرة خليفة بن عسكر، لم تكن في حقيقة الأمر بالنسبة لهذا الكاتب إلامناسبة لمحاولة ترسيخ بعض القناعات السيئة، وتأكيد بعض المنطلقات الوطنية والسياسية القبلية(1).
لقد ترتب على تعاطيه المفتقر للموضوعية مع حركة الرجل تغييب بعض الوقائع وطمس جانب من الحقائق، التي كان خليفة بن عسكر طرفاً فيها إن قليلاً أو كثيراً.
ومحمد سعيد القشاط رغم أنه اتخذ عهداً على نفسه في مقدمة كتابه عن بن عسكر، أن حقده لم يدفعه إلى تلفيق التهم والتجني على الناس، والخروج إلى الأٍسلوب الإنشائي في الشتم والسب، وأنه سيكون محايداً وأن ما دونه لا يكون خارجاً عما سجله بأصوات المجاهدين اللذين يدعي أنه ألتقى بهم، إلا أن من يقرأ الكتاب سيجد الكثير مما لا يتفق وما ذكره.
وأنا شخصياً ما توصلت له بأن القشاط في ذهابه وتسجيلاته من الناس أن يوهم الناس بأنه يبحث عن الحقيقة ولكن الواقع غير ذلك، الدليل هو ما يدعيه القشاط في كتابه الأخير والمعنون "من قيادات الجهاد الليبي" الذي يدعي فيه بأنه المنتصر في محاكمته عن الكتاب الأول عن بن عسكر ويوهم من لم يحضر ومن لم يستمع إلى الأشرطة بأنه على صواب والكل على خطأ، ولكن الكتاب الأول موجود والثاني موجود والأشرطة قائمة، والميدان مفتوح، وقد يلام مركز الجهاد في عدم نشره لتلك الأشرطة في كتاب معين حتى ليكون حجة على من ذكرت لسببه.
ونختم حديثنا عن القشاط بما ذكره عن صفات بن عسكر، فقد ذكر بأنه حاد الطبع، عصبي المزاج، يثور لأتفه الأسباب، يتعصب لرأيه، كثير القسم، وكان بن عسكر لا يرى إلا والسوط في يده، ويعامل زوجاته بقسوة، وكان مزوجاً(2).
وهنا نجد القشاط يناقض نفسه، وفي نفس الصفحة حيث يقول: ولكنه كان يمازح زملائه وأقرانه، ويصارعهم، ولقد كان محبوباً لدى رفاقه، اللذين يؤثرونه على أنفسهم، حتى أن زميله ورفيق صباه محمد بن يوسف بو صوة عندما سألته، عنه زفر زفرة طويلة، وقال: إن"البي" خليفة كان لنا أخاً وأكثر من أخ، وكان حاكماً على الآخرين حيث يخافونه، أما نحن رفاقه فكان أخاً لنا(1).
ويذكر: بأنه كان فارساً بارعاً في ركوب الخيل يختار جياده بمهارة فائقة(2)، ويذكر بأنه كان مجاهداً شجاعاً(3). أما لو عرض ما سطره عن معركة تكويت من أساطير على لسان الطرابلسي لكان الأمر أنكى.
أما فيما يخص كتاب فتحي ليسير عن بن عسكر فهو على النحو الآتي:
فقد يعاب عليه بما نقض فيه القشاط في عنوان كتابه، إذ يذكر بأن "خليفة بن عسكر بيوغرافيا قائد غامض"، وهذا عكس الواقع، فهو معروف ومألوف والدليل على ذلك ما كتب عنه من الباحثين وأصاحابه، وأهله وذويه، وحاول وبدون أدنى معرفة للغة الأمازيغية أن يحشر بعض المصطلحات في كتابه ولا داعي لها لا من الناحية المنهجية، ولا التاريخية، ولا الموضوعية، ويا ليتها صحيحة .
أما النعوت التي نعت بها بن عسكر فلا حق ولا دليل له فيها، مثل الصعلوك، والماجن، وغيرها مما نسبها، إلى الودارنه، اللذين يعتبرونه حسب ما سطره هو بأن جبالية نفوسة، يتميزون عن جبالية الجنوب التونسي من حيث الشجاعة وقوة الشكيمة(4)، وأن نفوسة متميزة على مر الأحقاب(5).
وهنا نقول له ولغيره بأن جبالية نفوسة، وجبالية الجنوب التونسي أصلهم واحد وأشك في هذا الإسناد.
ومما يؤخذ عليه وصفه لقصر نالوت التاريخي الدال على عدم معرفته بالقصور القديمة وطبيعتها، إذ يقول: "وقد تميز قصر نالوت بغرفه الواسعة المؤلفة من مستويين، وغرفه تفتح على حوش تتجمع فيه الحيوانات"(6)، كما يلام في ذكره بأن فرسان الودارنه يؤمنون حماية جبالية نالوت، ضد تحرشات البدو وأنصاف البدو نظير أتوات عينية(1)، وهل هذا عهد بن عسكر أو بعده؟ ومن الذي كان يتبع الآخر، ومع احترامي له فإنه ورغم أنه متخصص في التاريخ، إلا أنه يبدو وكأنه لا يعلم من الذي طرد الوندال من ليبيا ؛ إنه الكباوي الذي هو من نفوسة، كما أنه لم تمر عليه عبارة الإمام الرستمي في قوله: "وما قامت الدولة الرستمية إلا بسيوف نفوسة وأموال مزاتة"(2)، وإلا لما قال ما قاله في الجبالية اللذين هم نفوسة.
كما يذكر بأن بن عسكر كان مطبوعاً على الإستهتار، والعبث، واستنفذ حياته في متع اللهو، ولذة الإنطلاق، والمجون، وكان ميالاً للتبذير، ووصفه بأنه نزق، كما ذكر أن فشل عائلة بن عسكر في فرملة جموع إبنها الأصغر لدليل على عناد هذا الشاب(3)، كما نعته بالطبع الحاد وعصبي المزاج وشديد القسوة.
ومما نقله عن الفرنسيين والإيطالليين، بأنه: لص مخادع ورجل متقلب شرير قاسي، ضعيف الإيمان وبأنه أخرق، مندفع عنيد، سطحي مكابر بالإضافة إلى أعماله البربرية(4)، رغم أنه رد على نفسه بنفسه بقوله في صفحة 73 "ومتى تؤخذ شهادة العدو في عدوه؟".
كما يذكر بأن الجبالي رجل محب للمال مقطر، بخيل، أختار حياة التقشف، وهو رجل أي الجبالي، وديع بله، جبان، ذليل، الواهن العزيمة، والمسلوب الشرف والإرادة، إلى غير ذلك من مرذول الأوصاف والنعوت، وتلك كانت السمات العامةللشخصية الجبالية، كما صورتها لنا المصادر وهي ملامح صحيحة في مجملها(5)، كما يذكر ليسير بأن بن عسكر أبعد ما يكون عن صفات الجبالية من المحامد كانت أو العيوب(6).
وليس عندي ما أقوله فيما كتبه القشاط وليسير وفي التناقض الذي سمعتم بعضاً منه وهو مما يدل، على أن مؤلفا الكتابين، قد يكون كتبا كل منهما ما في بداية كتابه، بعيداً عما كان في نهايته، مما جعل كل منهما يصاب، بالنسيان حتى لا يعي كل منهما ما كتبه عن بن عسكر، في البداية عما هو عليه في النهاية.
وفي الختام نسأل الله أن يميتنا على الإيمان والشهادة في الميادين كما أستشهد أولئك المجاهدون.
ونسأل الله المغفرة والعفو والعافية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
للدكتور عيسى امحمد البجاحي
عضو هيئة التدريس بجامعة الفاتح
والتي ألقيت بقاعة المجاهد بمركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية
بتاريخ 27-2-2008
والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.?
الإخوة الحضور السلام عليكم ورحمة الله.
في البداية نحي هذه المؤسسة العلمية التي تبنت إعادة كتابة التاريخ الليبي وجهاده، كما لا ننسى من كان على رأسها الدكتور محمد الجراري وكل الأخوة والأخوات من باحثين وموظفين.
أما بعد،،،،
وحديثنا بإذن الله تعالى سيكون عن إحدى الشخصيات الوطنية التي أدت دوراً كاملاً شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.
إنه المجاهد الشهيد خليفة بن عسكر الذي يعتبر من القادة القلائل في حركة الجهاد الليبي، الذين يعدون الهجومات في أغلب المعارك التي حضرها، إذ تتميز شخصيته بالغيرة على الوطن وقوة الإرادة مما دفعه إلى أن يكون في طليعة المدافعين عن الدين والوطن(1).
وهنا قد نجد أنفسنا أمام أسئلة فيما يخص خليفة بن عسكر، من حيث موقفه من الغزو الإيطالي وسبب ثورته، وسبب هجرته صحبة عائلته وبعض أتباعه إلى الجنوب التونسي، وتلك الهجرة تعتبر أول هجرة جماعية من قبل الليبيين في فترة الجهاد على مستوى ليبيا، ثم عودته إلى بلده بمفرده ودون ترخيص من فرنسا، وما هي الأدوار التي أداها في الساحة الليبية عبر أكثر من عقد من الزمن وهي الفترة الحرجة بالنسبة للشعب الليبي منذ 1911 وحتى 1922، فهذه وغيرها من الأسئلة التي نجدها تغوص في ذاكــرة التاريـخ، وقد نجـد لها إجابات كافيـة وقد لا نتمكن من ذلك.
فابن عسكر كان رجلاً من بين الرجال الذين برزوا في صفوف حركة المقاومة الشعبية منذ بداية الغزو الإيطالي، وهو أحد الزعامات الوطنية التي تردد أسمها كثيراً داخل ميادين القتال أتصف بكراهية متناهية للإيطاليين وأعتبروه عدوهم اللدود منذ بداية الإحتلال(1).
إنه لم يتاجر في قضية بلاده حين تواطأ آخرون ولم يعرفه الإيطاليون إلا من خلال المعارك الوطنية وميادين القتال وما أكثر ما ألحق بهم من هزائم مميتة وضربات موجهة في كثير من الأحيان(2).
صنفه الشيخ الطاهر الزاوي على رأس عدد من الجنود البواسل ممن كانوا في قائمة الحرب الطرابلسية(3)، ووصفه جايبي بروح الثروة والمحرك النشيط في الطرف الجنوبي الغربي من الجبل(4)، وأعتبره قارسياني زعيماً حربياً صلباً أُتصف بعبقرية سياسية عسكرية رفيعة كان يناصبهم العداء باستمرار ولا يؤتمن جانبه(5).
فذلك الرجل هو خليفة بن سعيد بن علي بن عسكر وابن فاطمة بن سعيد بن يوسف بن عسكر من إحدى القبائل الكبيرة بنالوت التي تتكون من أولاد يحى والعساكره، وهو مولود في حدود 1878م(6).
وهناك من يذكر بأنه من مواليد 1884م(7) رغم وجوده في العهد العثماني إلا أنه لم تغره مناصبه وكما تذكر المصادر فإنه شارك في المعركة الأولى بالشط والهاني بطرابلس وفي معارك 1911، 1912م وكان من أشد المتحميسين لمقاومة الغزو الإيطالي في معارك 1912، 1913م شارك في معركة جندوبة الفاصلة التي كانت في ربيع 1913م التي خسرها الجانب الوطني والتي كانت بقيادة سليمان الباروني، وبن عسكر كان مسؤولاً على أحد أركانها حيث كان يقود أكثر من 1500 مقاتل في ناحية الرابطة(8).
وعلى إثر احتلال نالوت في أبريل1913، وإفلاته من الأسر(1) اتجه إلى مقر إقامته في وادي الثلث بنالوت على الحدود التونسية، إلا أن حادثه ليتسي التي مس فيها شرف نالوت وطعنه بمساعدة البعض، حيث تجاوز فيها كل الحدود والقيم التي اعتبرها خليفة بن عسكر جرحاً في كرامته.
مع العلم وكما يبدوا أن خلال تلك الفترة تكررت طلبات الزواج من فتيات أهليات من قبل الضباط الإيطاليين ويذكر الشيخ سليمان الباروني في رسالته إلى الكونت الإيطالي سفورزا في نوفمبر 1913 ثلاث حالات حصلت في كل من نالوت وفساطو والرحيبات (2)، كما لا ننسى أن حالات اغتصاب النساء المتزوجات والفتيات تواترت على نحو ملفت للنظر فاقت التوقعات وهي لم تصدر عن جنود عاديين فحسب بل بدرت كذلك من ضباط معروفين ومن هؤلاء نذكر على سبيل المثال الرائد ماديا والنقيب أليس والرقيب كوميد سانق(3) كما تضيف الأحداث أن نفس الفترة ضبطت القوة العسكرية قائمة في أربعين فتاة من كاباو وثلاثين فتاة من نالوت لغرض ترحيلهن مع فرق الجيش ليؤثتن نوعا من المواخير المتنقلة والتي كانت ترافق الحاميات(4)، فكان بذلك دافعاً قوياً في الثأر لكرامة وطنه ومواطنيه.
وأولى مشاريعه المستقلة في نطاق الجهاد التي خطط لها بنفسه ونفذها وكان ناجحاً فيها هي معركة "لقن عمران" بنالوت التي تزامنت عفوياً مع معركة "القاهرة" بسبها.
إذ نجده وبعد تلك الأحداث حيث هطلت الأمطار في خريف تلك السنة من 1914 مما ترتب عنها موسم حرث مناسب ومهم للمنطقة، إذ قام النقيب "دلبايو سينجور أوتورينو" قائد حامية نالوت بجمع اثنيين وتسعين جملاً قسراً من المواطنين لغرض حمل الذخيرة، نحو يفرن وغريان استعداد لمعركة القرضابية مستقبلاً وكــان ذلك بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، إذ شعر الناس بمظالم لا حدود لها، فبعد طعنهم في شرفهم أخذت جمالهم في الوقت الذي وهم في أشد الحاجة إليها بسبب موسم الحرث.
فعاد الناس من الجفارة إلى نالوت بدون حرث ولا جمال وهم يعضون الآنامل على الإيطاليين، وإنما بن عسكر لم يعد مع العائدين إلى منازلهم في نالوت، بل قصد هو وثلة من رفاقه الخلص، إلى قصبة "إمجوجن" التي تقع في ذلك الوقت غرب نالوت بحوالي 4 كيلو متر واليوم أصبحت داخل المدينة من ناحية الغرب.
واجتمع بهم أول اجتماع تاريخي بالنسبة لنالوت وكان ذلك في قصبة إمجوجن التي تقع في أعلى ربوة في تلك المنطقة وهم: خليفة بن عسكر، وعيسى اتفوشيت، وخليفة قرقاب، وسعيد صالح عسكر، وعلى بن الحاج يحى الناكوع، وسالم القلال، وسعيد بن أحمد، ومحمد بن يوسف بوصوة، وأحمد امبارك ، وأحمد الصويعي المحمودي (1).
إذ تم الإجتماع في تلك القصبة ونتج عنه الإتفاق والقسم على ما اتفقوا عليه والقسم كان عبارة عن شد قطعة من القماش تسمى القشطة "الحزام" بين رجلين ويمرمن أسفل ذلك القماش جميع الحضور وهو تعبير على أن تكون الكلمة واحدة والعهد واحد، وبعد ذلك الإجتماع وما ترتب عنه، وسماع الناس به وتقاطرهم إلى تلك الجماعة التي تمثل نواة الثورة والجهاد، وعند وصول الأخبار إلى الإيطاليين توسطوا إلى شقيقه عمر بن عسكر ولكن لا جدوى من ذلك.
وبعد أن تأكد خليفة بن عسكر من موعد انطلاق القافلة التي ستحمل الذخيرة من حامية نالوت عبر وادي نالوت أرسل سراً ليطلب من الليبيين المرافقين للقافلة أن ينضموا إلى المجاهدين، كما أرسل إلى أصحاب الإبل الذين أجبروا على مرافقة إبلهم وطلب منهم في حالة إطلاق الرصاص أن يسارعوا باستياق إبلهم بعد فك أحمالها ويتفرقوا في الأرض.
وفي مساء ذلك اليوم السابع والعشرين من شهر نوفمبر 1914م أنطلقت القافلة من نالوت في اتجاهها شمالاً عند وادي نالوت حيث كان بن عسكر ورفاقه بانتظارهم في موقع لقن عمران الذي سميت فيما بعد المعركة باسمه، وفي تمام الساعة الرابعة من فجر يوم 28 نوفمبر 1914م، أخذ بن عسكر يثأر لمواطنيه من سكان المنطقة ففك الإبل، وفجر معظم الذخيرة التي لم يكن في حاجة إليها(1)
بعد أن قضى على معظم الجنود والضباط الإيطاليين ممن كانوابرفقتها وهذه المعركة التي ظهر فيها نجم بن عسكر ورفاقه ترتبت عنها العديد من الأحداث المهمة في تاريخ الجهاد الليبي منها أنها كانت سسبباُ في معركة الجويبية بنالوت التي دارت راحها في يوم 13 من ديسمبر 1914م، بين المجاهدين والإيطاليين وكانت نتيجتها لصالح الإيطاليين وذلك رغم ما كبده المجاهدون من أعداد كبيرة من القتلة والجرحى وقلة خسارة المجاهدين، إلا أن في آخر النهار أضطر المجاهدون إلى الانسحاب إلى منطقة الحسيان، قرب نالوت، وذلك كان بسبب الأعداد التي كانت بالألوف التي أرسلت من جادو والتي كان قائمقامها فيها امحمد فكيني، الذي أرسل قيقه معهم من هناك، للمقاتلة إلى جانب الإيطاليين .
وبعد معركة الجويبية التي ذكرناها والتي سببها محاصرة حامية نالوت من قبل بن عسكر ورفاقه لمدة أسبوعين مما أضطر القوات الإيطالية كما ذكرنا ببعث قوات من جادو والجوش لفك الحصار عليها، وهنا لم يجد بن عسكر إلا الهجرة والرحيل من نالوت بعد خطة وضعها للإفراج عن أُسر المجاهدين في نالوت والهجرة إلى تونس، وتتمثل الخطة في الهجوم على نالوت ليلاً من مختلف الجهات ومشاغلة العدو لتغطية خروج العائلات، وقد نجح في ذلك وخرج بنجعه هو ومن معه نحو الحدود التونسية عبر وادي الثلث الذي ترك فيه معظم سلاحه وما يلزم، وحملوا معهم بعضاً من السلاح القديم لتسليمه للقوات الفرنسية عند دخولهم، فاستقبلهم الفرنسيون وتسلموا منهم جميع الأسلحة التي لم يتم تخزينها في أرض الوطن وكان ذلك في 19 ديسمبر 1914(2).
حيث أشترطوا عليهم تسليم السلاح والإقامة على بعد 100كيلو متر من الحدود الليبية التونسية وأن يدفعوا ضريبة مقابل إقامتهم في تونس(3) حيث استقر بهم المقام في دوز بالمرازيق وفرضت عليهم الإقامة الجبرية، وقد تدمر بن عسكر من تلك الإجراءات التعسفية، وقرر ومجموعة من رفاقه الرجوع إلى أرض الوطن وكان ذلك في بداية 1915م.
وعندما علمت السلطات الفرنسية بفراره أصدرت عليه حكماً غيابياً، كما ورد في البرقية التالية:
"قد أخبرتكم برسالة يوم 15 أبريل بأن خليفة الأخ لعمر عسكر كان قد اختفى من منطقة دوز وقد تعرض لتطبيق قانون العقوبات التونسي الذي ترتب عنه ستة أشهر سجن وخمسمائة فرنك غرامة"(1)
وعلى إثر ذلك قامت السلطات الفرنسية بسجن كامل عائلة بن عسكر، وعلى رأسها شقيقه عمر بن عسكر، وخمسة من رفاقه، وهم: "سعيد بن صالح عسكر، وأحمد الناكوع، وسعيد بلقاسم، وخليفة بن ابراهيم العزابي، وأحمد الصويعي المحمودي"، واستمر سجنهم ثلاث سنوات حتى إلى إن تم استبدالهم بالأسرى الفرنسيين 1917م.(2)
وعند وصول بن عسكر ورففاقه إلى أرض الوطن وبالتحديد إلى وادي الثلث إلى أملاك بن عسكر في غرب نالوت، أخرجوا سلاحهم الذي سبق وأن أخفوه هناك، واتجه إلى وديان درج وبالتحديد إلى وادى أوال بين غدامس ودرج، علماً بأن المسافة بين نالوت ووادي أوال حوالي 250 كيلو متر، وهي من بين مناطق الصحراء الكبرى وكان زادهم ومائهم محمولاً على ظهورهم، وهم في منطقة مناخها قاري أي حار نهاراً وبارد ليلاً، وبعد أيام وهم في رحلتهم هذه نقص زادهم، وماءهم ولم يجدوا أمامهم إلا السراب مما جعلهم في موقف صعب جعلهم يقولون جئنا لنطلب الشهادة في الجهاد فقد نموت كما تموت الإبل في الصحراء القاحلة.
وهم كذلك وإذا بخيالين من جنود فرنسا "الصبايحية" يركبان جمليهما ويحملان البريد في محاذاة الحدود وعندما توقفت المجموعة وقامت بالقضاء على الجنديين، وأخذ جمليهما، وما عليهما من سلاح ومؤن، وتغير حال المجموعة فأصبح لهم ما كانوا في حاجة إليه من زاد ومركوب، مما مكن المجموعة من الوصول إلى وادي أوال وكان في استقبالهم المجاهدون هناك.
ولإضطرار المهدي بن كنيفوا إلى العودة إلى فزان، نادى ببن عسكر في قيادة المجموعة وحسب قول المجاهد عون بلقاسم السباعي: "أن محمد المهدي السني قد عينه بدلاً من المهدي بن كنيفوا" وقد تليت علينا الرسالة في تعينه.
وهكذا أصبح بن عسكر الفار من الفرنسيين والساعي لمقاومة الإيطاليين قائداً لمجموعة من المجاهدين جمعتهم طريق الجهاد وروح النضال(1).
وما هي إلا أيام محدودة أستعاد فيها أنفاسه بعد عودته من الأراضي التونسية إلا وتزعم ثورة التطهير وملاحقة القوات الإيطالية المنسحبة إلى الساحل وقطع خطوط مواصلاتها، وقاد على إثر ذلك العديد من المعارك ضد الإيطاليين والفرنسيين.
وكما سبق وأن ذكرنا، معركة لقن عمران بوادي نالوت، التي كانت في شهر 11/ 1914م، ومعركة الجويبية التي كانت في شهر 12 / 1914م، وبعد مغادرته لأرض الوطن والدخول إلى تونس في 17/12/1914م،ثم رجوعه إلى أرض الوطن مع بداية 1915، نجده قد استأنف المعارك من جديد وكانت أولاها معركو سوينية يعقوب في يوم 10، 11 من أبريل 1915 التي أستولى المجاهدون بسببها على 120 رأس من الإبل و115 كبشاً(2)، ثم معركة سيناون التي كانت عبارة عن محاصرة سيناون لمدة ستة أيام، وفي الليلة الفاصلة بين 10،11 من يونيو 1915 تمكن غالياتى ورجاله بالفرار من الحصن، والإلتحاق بالمركز الحدودي الفرنسي بعد نفاذ مؤونتهم وتأكدهم أن بقاءهم يعني فناءهم المحقق إما جوعاً وعطشاً أو على يد قوات بن عسكر (3)، وخلال عملية الإنسحاب تعرضت كتيبة غالياتي لملاحقة بن عسكر ورجاله، مما أوقع بالإيطاليين خسائر مهمة خمنت بثلاثة وثلاثين قتيلاً وثلاثة عشر جريحاً، كان من بينهم غالياتي والملازم أول فنقولي مع الإستيلاء على كميات كبيرة من السلاح والذخيرة(4).
وعليه فتوالت المعارك التي قد لا يسمح الوقت لسرد تفاصيلها، ولكن لا يمنع ذلك من ذكر ما أمكن مما قاد أو شارك فيها من المعارك وهي:
معركة كباو15 يونية 1915م.
معركة اتكويت 9 يوليو 1915م:
التي تعتبر من المعارك الفاصلة، وذلك لما ترتب عنها من نتائج، أولاها انكسار القوات الإيطالية التي تعتبر نفسها في ذلك الوقت من الدول العظمى، وحالة البؤس التي كان عليها جنود إيطاليا الناجين من القتل والأسر بالإضافة إلى أربعمائة وخمسة قتلى من بينهم خمسة ضباط(1)، وأسر 183 كان من بينهم سبعة ضباط(2)، ونجى منهم ودخل الحدود التونسية إلى دهيبة، حوالي أربعمائة هارب (3)، مما جعل الحكومة الإيطالية بعد تلك المعركة أن تصدر أمراً لحامية غدامس التي كان فيها عشرة ضباط وأربعمائة وخمسون جندياً بالإنسحاب إلى الجنوب التونسي ومنه إلى ميناء جرجيس للعودة إلى طرابلس بحراً.
وبعد نهاية تلك المعارك عاد إلى نالوت مسقط رأسه وأصبح قائمقاماً عليها، وعزل كل من مكنته إيطاليا، إذ عزل خليفة بغني، وجعل أحمد أيوب(4).
ثم كانت معارك العجيلات وهي 12 معركة خلال 1916، 1917، 1918.
معركة العقربية جنوب الجميل 18 مايو 1917م.
معركة سواني المشاشطة 9 سبتمبر 1917م.
معركة سواني بن يادم 20سبتمبر 1917م.
معركة الجميل 5 أكتوبر 1917م.
معركة قصر تليل 23 سبتمبر 1918م.
معركة ثرينه "راس الغوله" 8 10 فبراير 1918م.
معركة جنزور وصياد 2 يناير 1919م.
أما المعارك التي خاضها ضد الفرنسيين داخل التراب التونسي، بعد طرده للإيطاليين من نالوت فهي:
معركة وادي المرطبة 18 سبتمبر 1915م.
معركة جبل عفبنة 14 سبتمبر 1915م.
معركة سيدي عبد الله "لوزان" 15 سبتمبر 1915م.
معركة دهيبة الأولى 17 سبتمبر 1915م.
معركة نكريف 9 أكتوبر 1915م.
معركة دهيبة الثانية 18 يونيو 1916م.
معركة الرمادة 28 يونيو 1916م.
معركة مغري 30 يونيو 1916م.(1)
ولا ننسى أنه أشرف على تجهيز وتمويل أكثر من 18 عملية فدائية(2)، ضد القوات الفرنسية وداخل التراب التونسي، وذلك حتى نهاية 1918.
وهو من اللذين تحفظوا على تطبيق القانون الأساسي 1919م، الذي نتج عنه إقامة حكم القطر الطرابلسي، وإنتشار مراكز الإتصال، برئاسة ضباط إيطاليين في مختلف أنحاء مناطق الجزء الغربي من البلاد من سرت شرقاً وحتى نالوت غرباً وعندما لاحظ نشاط ضباط الإتصال بنالوت، وذلك بزيادة عدد الجنود وإقامةهوائي لمحطة الراديو قرر طرده هو وجنوده من نالوت في 15 مارس 1920م.، وحطم كل مخلفاته وأستولى عليها وكان ذلك العمل إذاناً لإنتشار الثورة ضد مراكز الإتصال في مصراته وسرت ونالوت والجبل، مما أغضب أعضاء حكومة القطر الطرابلسي، وهو ما كان سبباً في فتح الشرخ الذي كان بين بن عسكر ومحمد فكيني حيث وصل بهما الخلاف إلى إشعال حرب أهلية مدمرة بمنطقة الجبل التي جعلت بن عسكر بين أمرين أحلاهما مراً، إما أن يستسلم لفكيني الذي كان الإيطاليون في دعمه وإما أن يتجه إلى الفرنسيين والإيطاليين مباشرة، وقد إختار الذهاب إلى الوطية، وذلك من باب الحفاظ على أعراض النساء وسلامة الأطفال والشيوخ والتضحية بنفسه أفضل من غيرها.
وعليه فقد أتجه إلى الوطية ونزل هو ونجعه من نالوت في أواخر ديسمبر 1911م.(1) وقد فرضت عليه الإقامة الجبرية، بينما ذهب من زين له بطريقة الإحتماء بالإيطاليين إلى زوارة وبقي بن عسكر في الوطية محاصراً بنجعه لعله يجد طريقاً للخلاص وبدأ إتصالاته بهيئة الإصلاح المركزية(2)، وبأتباعه اللذين بقوا في نالوت للخلاص من هذا الموقف، ولكن المخابرات الإيطالية كانت له بالمرصاد وكشفت اتصلاته مع الغير، وعرفت تصميمه على محاربة إيطاليا من جديد، ولكن وبطرق ملتوية، تم وقوعه في الفخ والقبض عليه في 28/5/1922م ونقل إلى زوارة ومنها إلى طرابلس، حيث يقول قارسياني: "وهكذا أختفى من ميدان الغرب السحيق رجل شديد الخطر"(3)، ثم أحيل إلى النيابة الإستعمارية الغاشمة، بتاريخ 22/7/1922م. ونال بذلك الشهادة، وكما تروي الأخبار، وتقول الناس "زغرتي يا أم الشهيد"، فقد أخرج من موضعه إلى المشنقة، بما يسمى "بالنوبة" والزغاريت، وهو لم يخف بل كان يلعنهم ويحرض الجمهور الحاضر على الاستمرار في الثروة ونفذ فيه الإعدام شنقاً بمدينة الزاوية في سبتمبر 1922م. ونال بذلك الشهادة التي يتمناها كل مخلصٍ لربه.
وبهذا طويت أحداث وأخبار خليفة بن عسكر العملية، ولم يبق سوى الخبر من هذا أو ذاك، مما جعل الكثير من الباحثين والكتاب والجهات تتناوله بطريقة أو بأخرى.
ومما نعمل عليه في هذه المحاضرة المحدودة، هو الوقوف على بعض مما كتبه كلٍ من القشاط في كتابه خليفة بن عسكر، وكذلك فتحي ليسير في كتابه أيضاً خليفة بن عسكر، رغم أن الجميع يعلم بأن هذا الرجل تناولته العديد من البحوث والكتب والمجلات لا تعد، سواء من الليبيين أو العرب أو غيرهم من الأجانب وبشتى اللغات ولكن تحديدنا للكتابين المذكورين له ما يبرره.
فرغم تقديرنا وأحترامنا الشخصي لكل مجهود يتناول تاريخ هذا البلد وأبطاله الصناديد، إلا أنه قد نجد من كتب على هذا المجاهد الشهيد، وبطرق ملتوية، وقد يكون استعمال اسمه لشهرته، والغاية هي إشهار أناس آخرين، وذلك كما يقال: "لأمر كان في نفس يعقوب"، وذلك لوجود من يتناول قضايا دون فحصها، أو التحري عليها،وقد تكون قصداً.
وعليه فمما نجده في كتاب "خليفة بن عسكر الثروة والاستسلام" للقشاط وما نذكره على هذا الكتاب وصاحبه قد يكون عبارة عن ملاحظات من قبل أناس آخرين وذلك حتى لا نتهم بالتحيز والعاطفة، وعليه فمما قاله فتحي ليسير في كتابه "خليفة بن عسكر بيوغرافيا رجل غامض".
الذي ذكر فيه العديد من الأمور غير الصحيحة من قبل القشاط، ومنها على سبيل المثال:
فإنطلاقته كانت للتعليق على كتاب مدرسي : كتاب "التاريخ لتلاميذ السنة السابعة الجزء الأول ط1 تونس" المركز القومي البيداغوجي 1979م.، الذي وحسب قوله تضمن أخطاء كثيرة، فيما يتعلق بالدور الذي لعبه خليفة بن عسكر وحقيقة الاتصالات التي أجراها والتحالفات التي عقدها، وهو ما يشكر عليه فتحي ليسير عن هذا الانتباه.
ثم انتقل إلى موضوع كتاب القشاط حيث قال:
أولاً تضمن العنوان الرئيسي للمؤلف خطأً تاريخياً ونحن لا نملك إلا أن نعجب لذلك، إذ من المعروف وهذا ما تؤكده الوثائق بكل وضوح وقوة، أن خليفة بن عسكر لم يستسلم كما أشار إلى ذلك العنوان المذكور، بل كان ضحية خدعة أو مكيدة أوقعه فيها قارسياني في المكان المعروف بالوطية، يوم 28 مايو 1922م. فشتان بين الإستسلام وبين الوقوع في مصيدة أحكم العدو نصبها.(1)
كذلك مما ذكره وهو يتحدث عن كتاب القشاط في قوله: "غالباً ما حَكمَهُ منطق التخوين لسليمان الباروني ويوسف خربيش، وسلطان بن شعبان".(2)
ويضيف بقوله: "لم تكن مصادر الكتاب ومراجعه وفيرة ومتنوعة بالقدر الذي يفيد تأليف كتاب يلم بجميع مراحل حياة هذه الشخصية(3)
ومما ذكره أيضاً في قوله: "شتان إذن بين من كتب تحت وهج الحدث وبين من قمش مادة باردة بعد مرور ربع قرن عن الحدث والمواجهة المذكورة"(1)، وهنا يقصد ليسير بقوله النقيب رافوا، الذي جعله القشاط مصدراً في كتابه، فكيف بالقشاط الذي كتب عن بن عسكر بعد ستة عقود معتمداُ على روايات شفوية واهية.
كذلك مما قاله ليسير: " بدأ تعصب محمد القشاط وتحيزه لقبيلة الزنتان واضحاً في متون كتابه هذا ولسنا الوحيدين اللذين أنتبهنا لهذا الأمر(2).
ولقدأفاض القشاط في الحديث عن خيانات سليمان الباروني وعمالته وتواطئه مع الإيطاليين يضيف ليسير عن القشاط في كتابه قوله: وبوسع القارئ المتمعن أن يلاحظ أن الكاتب قد انحرف في أحايين كثيرة عن هدفه الأصيل "بيوغرافيا خليفة بن عسكر"(3)، ويضرب القشاط صفحاً عن الدور المهم الذي نهض له سليمان الباروني عند انطلاق حركة المقاومة، خلال الفترة ما بين 1911 1913، وهو الدور الذي نوه به ونبه إليه كل المؤرخيين ليبيين كانوا أم أجانب، ولم ينتبه إلى الوثائق التي حاول من خلالها تلطيخ صورة الباروني(4).
ومما ذكره ليسير عن القشاط: أن الأمر المحير حقاً في هذا الكتاب الذي حكمه منطق التخوين من البداية وإلى النهاية، هو ذلك المتعلق بالسر الكامن وراء قيام حلف فولاذي بين قبيلة الزنتان برئاسة وجيهها على الشنطة، وقبيلة الرجبان التي يقودها محمد فكيني، وهو الرجل الذي قال عنه القشاط إنه تسبب في إجهاض حركة الجهاد في الجبل وتوجيهها غير وجهتها الصحيحة.
وينهي ليسير حديثه في هذا بقوله : "تلكم مجرد خواطر" سريعة بخصوص كتاب القشاط، وأخص ما نود تأكيده في هذا المقام، هو أننا لم نسع إلى دحض كل دعاوي الكتاب وتفنيد جل طروحاته، لإعتبارات منهجية حتمتها حدود هذا الإستهلال، وبإمكان قارئ الكتاب أن يجد ردوداً على هذه الدعاوي والمزاعم صادر عن القشاط وغيره، مبتوتة في متونه.
وجوهر الجوهر أن سيرة خليفة بن عسكر، لم تكن في حقيقة الأمر بالنسبة لهذا الكاتب إلامناسبة لمحاولة ترسيخ بعض القناعات السيئة، وتأكيد بعض المنطلقات الوطنية والسياسية القبلية(1).
لقد ترتب على تعاطيه المفتقر للموضوعية مع حركة الرجل تغييب بعض الوقائع وطمس جانب من الحقائق، التي كان خليفة بن عسكر طرفاً فيها إن قليلاً أو كثيراً.
ومحمد سعيد القشاط رغم أنه اتخذ عهداً على نفسه في مقدمة كتابه عن بن عسكر، أن حقده لم يدفعه إلى تلفيق التهم والتجني على الناس، والخروج إلى الأٍسلوب الإنشائي في الشتم والسب، وأنه سيكون محايداً وأن ما دونه لا يكون خارجاً عما سجله بأصوات المجاهدين اللذين يدعي أنه ألتقى بهم، إلا أن من يقرأ الكتاب سيجد الكثير مما لا يتفق وما ذكره.
وأنا شخصياً ما توصلت له بأن القشاط في ذهابه وتسجيلاته من الناس أن يوهم الناس بأنه يبحث عن الحقيقة ولكن الواقع غير ذلك، الدليل هو ما يدعيه القشاط في كتابه الأخير والمعنون "من قيادات الجهاد الليبي" الذي يدعي فيه بأنه المنتصر في محاكمته عن الكتاب الأول عن بن عسكر ويوهم من لم يحضر ومن لم يستمع إلى الأشرطة بأنه على صواب والكل على خطأ، ولكن الكتاب الأول موجود والثاني موجود والأشرطة قائمة، والميدان مفتوح، وقد يلام مركز الجهاد في عدم نشره لتلك الأشرطة في كتاب معين حتى ليكون حجة على من ذكرت لسببه.
ونختم حديثنا عن القشاط بما ذكره عن صفات بن عسكر، فقد ذكر بأنه حاد الطبع، عصبي المزاج، يثور لأتفه الأسباب، يتعصب لرأيه، كثير القسم، وكان بن عسكر لا يرى إلا والسوط في يده، ويعامل زوجاته بقسوة، وكان مزوجاً(2).
وهنا نجد القشاط يناقض نفسه، وفي نفس الصفحة حيث يقول: ولكنه كان يمازح زملائه وأقرانه، ويصارعهم، ولقد كان محبوباً لدى رفاقه، اللذين يؤثرونه على أنفسهم، حتى أن زميله ورفيق صباه محمد بن يوسف بو صوة عندما سألته، عنه زفر زفرة طويلة، وقال: إن"البي" خليفة كان لنا أخاً وأكثر من أخ، وكان حاكماً على الآخرين حيث يخافونه، أما نحن رفاقه فكان أخاً لنا(1).
ويذكر: بأنه كان فارساً بارعاً في ركوب الخيل يختار جياده بمهارة فائقة(2)، ويذكر بأنه كان مجاهداً شجاعاً(3). أما لو عرض ما سطره عن معركة تكويت من أساطير على لسان الطرابلسي لكان الأمر أنكى.
أما فيما يخص كتاب فتحي ليسير عن بن عسكر فهو على النحو الآتي:
فقد يعاب عليه بما نقض فيه القشاط في عنوان كتابه، إذ يذكر بأن "خليفة بن عسكر بيوغرافيا قائد غامض"، وهذا عكس الواقع، فهو معروف ومألوف والدليل على ذلك ما كتب عنه من الباحثين وأصاحابه، وأهله وذويه، وحاول وبدون أدنى معرفة للغة الأمازيغية أن يحشر بعض المصطلحات في كتابه ولا داعي لها لا من الناحية المنهجية، ولا التاريخية، ولا الموضوعية، ويا ليتها صحيحة .
أما النعوت التي نعت بها بن عسكر فلا حق ولا دليل له فيها، مثل الصعلوك، والماجن، وغيرها مما نسبها، إلى الودارنه، اللذين يعتبرونه حسب ما سطره هو بأن جبالية نفوسة، يتميزون عن جبالية الجنوب التونسي من حيث الشجاعة وقوة الشكيمة(4)، وأن نفوسة متميزة على مر الأحقاب(5).
وهنا نقول له ولغيره بأن جبالية نفوسة، وجبالية الجنوب التونسي أصلهم واحد وأشك في هذا الإسناد.
ومما يؤخذ عليه وصفه لقصر نالوت التاريخي الدال على عدم معرفته بالقصور القديمة وطبيعتها، إذ يقول: "وقد تميز قصر نالوت بغرفه الواسعة المؤلفة من مستويين، وغرفه تفتح على حوش تتجمع فيه الحيوانات"(6)، كما يلام في ذكره بأن فرسان الودارنه يؤمنون حماية جبالية نالوت، ضد تحرشات البدو وأنصاف البدو نظير أتوات عينية(1)، وهل هذا عهد بن عسكر أو بعده؟ ومن الذي كان يتبع الآخر، ومع احترامي له فإنه ورغم أنه متخصص في التاريخ، إلا أنه يبدو وكأنه لا يعلم من الذي طرد الوندال من ليبيا ؛ إنه الكباوي الذي هو من نفوسة، كما أنه لم تمر عليه عبارة الإمام الرستمي في قوله: "وما قامت الدولة الرستمية إلا بسيوف نفوسة وأموال مزاتة"(2)، وإلا لما قال ما قاله في الجبالية اللذين هم نفوسة.
كما يذكر بأن بن عسكر كان مطبوعاً على الإستهتار، والعبث، واستنفذ حياته في متع اللهو، ولذة الإنطلاق، والمجون، وكان ميالاً للتبذير، ووصفه بأنه نزق، كما ذكر أن فشل عائلة بن عسكر في فرملة جموع إبنها الأصغر لدليل على عناد هذا الشاب(3)، كما نعته بالطبع الحاد وعصبي المزاج وشديد القسوة.
ومما نقله عن الفرنسيين والإيطالليين، بأنه: لص مخادع ورجل متقلب شرير قاسي، ضعيف الإيمان وبأنه أخرق، مندفع عنيد، سطحي مكابر بالإضافة إلى أعماله البربرية(4)، رغم أنه رد على نفسه بنفسه بقوله في صفحة 73 "ومتى تؤخذ شهادة العدو في عدوه؟".
كما يذكر بأن الجبالي رجل محب للمال مقطر، بخيل، أختار حياة التقشف، وهو رجل أي الجبالي، وديع بله، جبان، ذليل، الواهن العزيمة، والمسلوب الشرف والإرادة، إلى غير ذلك من مرذول الأوصاف والنعوت، وتلك كانت السمات العامةللشخصية الجبالية، كما صورتها لنا المصادر وهي ملامح صحيحة في مجملها(5)، كما يذكر ليسير بأن بن عسكر أبعد ما يكون عن صفات الجبالية من المحامد كانت أو العيوب(6).
وليس عندي ما أقوله فيما كتبه القشاط وليسير وفي التناقض الذي سمعتم بعضاً منه وهو مما يدل، على أن مؤلفا الكتابين، قد يكون كتبا كل منهما ما في بداية كتابه، بعيداً عما كان في نهايته، مما جعل كل منهما يصاب، بالنسيان حتى لا يعي كل منهما ما كتبه عن بن عسكر، في البداية عما هو عليه في النهاية.
وفي الختام نسأل الله أن يميتنا على الإيمان والشهادة في الميادين كما أستشهد أولئك المجاهدون.
ونسأل الله المغفرة والعفو والعافية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات