قصة رحيل حكومة الرفاعي
قصة رحيل حكومة الرفاعي... الحكومة شكلت في قصر الرفاعي الاب والصفدي تعمد وأد الصحافة الالكترونية
تعديل حجم الخط:
- خلافا للأقوال المتداولة في كواليس العاصمة الأردنية عمان، فإن قرار تكليف رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي قد أتخذ على متن قارب ملكي في مياه العقبة خلال لقاء مطول جمع الملك عبدالله الثاني والرفاعي الذي عمل من قبل وزيرا للبلاط الملكي، ومستشارا للملك وأمينا عاما للديوان الملكي، إذ كان التكليف الملكي الشفهي قد صدر للرفاعي في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام 2009، لكن الملك طلب من الرفاعي أن يبقي الأمر سرا، وأن عليه التحضير لحكومته، في وقت كان فيه واضحا أن حكومة المهندس نادر الذهبي قد باتت تعد أيامها الأخيرة في مقر الحكومة، وأن الإتصال والتواصل بين الملك والذهبي قد انقطع تماما، وهي إشارة ملكية تعني ضمنا أن الملك بدأ بالبحث عن رئيس وزراء جديد.
كان أمام القرار الملكي الذي لم يطلع عليه وقتذاك سوى مدير المخابرات الأسبق الجنرال محمد الرقاد، معضلتين رئيستين تتمثل الأولى في أن الرفاعي الشاب سيتعرض لمحن كثيرة في مواجهة إعلام إلكتروني لا يعرف عن سمير الرفاعي سوى أنه يدير إستثمارات خليجية ناجحة ، إذ لم يسبق للرفاعي أن أدى أعمالا حكومية لعدم شغله أي منصب وزاري من قبل، كما أنه لا يمتلك أي إتصالات بالبرلمان، إذ كان برلمان عام 2007 قائما وقت التكليف السري للرفاعي، أما المعضلة الثانية فهي تكمن في شغل السياسي الأردني المخضرم زيد الرفاعي منصب رئاسة مجلس الأعيان، إذ أن البعض كان سيربط بين جدوى تعيين نجل رئيس مجلس الأعيان رئيسا للوزراء.
كان لجهاز المخابرات تقدير الوضع أمام الملك بضرورة التروي في مسألة إختيار الرفاعي حتى تتضح الصورة، وأن تعمل حكومة الذهبي على حل البرلمان، وإرجاء الإنتخابات لنحو عام، يتمكن خلالها الرفاعي من السيطرة على أي مشاكل أو عقبات يمكن أن توضع أمام حكومته، وهو ما حدث إذ خلال فترة إنتظار الرفاعي، كان من الصعب إقناع زيد الرفاعي بمغادرة منصبه طوعا، كما لم يكن من الحكمة دفعه الى هذا الخيار، وهنا تقصد جهاز المخابرات العامة أن يحمي التكليف السري للملك، حتى إستقالة الذهبي والرفاعي الأب وحل مجلس النواب، وتأجيل الإنتخابات عاما كاملا، في حين كان الرفاعي الإبن يجهز ملفاته ويراقب المشهد السياسي الداخلي عن كثب.
في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر من العام ذاته أي بعد نحو ثلاثة أشهر من التكليف الملكي السري للرفاعي الإبن، طلب الملك من الرفاعي الإستعداد لتكليف علني في غضون ساعات، إلا أن الأنظار والإنطباعات والتحليلات السياسية كانت تتوجه الى تكليف محتمل لرئيس الديوان الملكي وقتذاك ناصر اللوزي، بل أن مراكز قوة تقليدية قد أسهمت في إرخاء هذا الإعتقاد، وهو ما دفع الصحافية رندا حبيب مديرة مكتب وكالة الأنباء الفرنسية (أ. ف. ب) الى إلتقاط الإشارة، إذ سألت أكثر من شخصية محددة، وقيل لها أن أمر رحيل الذهبي بات محسوما، وأن خليفته هو ناصر اللوزي، إذ سرعان ما أرسلت الخبر الى وكالتها في العاصمة الفرنسية باريس، لكن الأمر الملكي صدر بعد أقل من ساعتين من خبر الفرنسية، بتعيين سمير الرفاعي رئيسا للحكومة، وهو ما أحدث صدمة لدى الصحافية حبيب، ولمعظم رجالات الصف الأول، في حين بادر الرفاعي الأب الى إعتزال العمل السياسي بعد نحو نصف قرن من الخدمة العامة في مواقع كثيرة.
فور إعلان حكومة سمير الرفاعي الأولى، لوحظ أن بصمة الرفاعي الأب كانت طاغية بشدة على الأسماء فيها، بل وقيل أن حكومة الرفاعي الإبن قد شكلت في قصر الرفاعي الأب، وأن الرفاعي الإبن لم يكن له خيار في إختيار أكثر من 70% من وزرائه، وأنه قد تأخرت ولادة الحكومة بسبب مساعي إقناع رجائي المعشر بقبول أن يكون نائبا للرفاعي الإبن، كمسؤول للفريق الإقتصادي، علما أن المعشر كان في المنصب ذاته في الحكومة التي قادها الرفاعي الأب وسقطت تحت ضغط مظاهرات شعبية واسعة النطاق على إثر مصاعب إقتصادية صعبة جدا عاشها الأردن في أواخر عقد الثمانينات.
كان التشكيل الرفاعي صادما للأوساط السياسية والشعبية على حد سواء، ولوحظ أن الرفاعي الإبن لا يملك أي خطط للتواصل والإتصال، كما أن وزراء حكومته أبعد ما يكون عن الإتصال بالفعاليات الشعبية، ولوحظ أن الإبن يسير على خطى أبيه، وأنه يوكل الملفات الصعبة لإهتمام ودبلوماسية والده، وظهرت حكومته مفككة، ولا أي إنسجام منذ أسابيعها الأولى، واعترف وزراء سرا أن الرفاعي الأب هو الذي يدير الحكومة الخفية في الأردن، وأنه اعتزاله السياسية كان شكليا لا أكثر، وأن الرفاعي الإبن تعوزه قدرات كثيرة، وأنه رغم عدم وجود برلمان وعقبات حقيقية، إلا أن المهمة بدت أكبر منه بكثير، فيما كان المستشار في القصر الملكي أيمن الصفدي يمارس هو الأخر ضغطا هائلا على الرفاعي في الملف الإعلامي، وكان بادئ الأمر ملف مدونة السلوك الإعلامي التي هيأها الصفدي من وراء الكواليس لتأديب وتطويع المواقع الإخبارية الإلكترونية، إلا أن الأسرة الإعلامية قد تكاتفت على نحو فريد، وقامت بهجمة مضادة ضد الحكومة والصفدي، إذ عرف الأخير أنه عراب مشروع وأد الصحافة الإلكترونية.
بعد أشهر من تأليفه وزارته الأولى، كان على حكومة الرفاعي أن تنشغل بموضوع الإنتخابات البرلمانية، وهي إستعدادات بائسة وتعيسة، وصولا الى مرحلة الإنتخابات، وإنتخاب برلمان مزور بإعتراف أطراف نافذة في الحكومة والدولة، إذ إستقالت حكومة الرفاعي طبقا لعرف دستوري يلزم الحكومة التي أشرفت على الإنتخابات بالإستقالة فور إعلان النتائج الرسمية للإنتخابات، إلا أنه وخلافا لكل التوقعات والإنطباعات فقد أعيد تكليف الرفاعي بتأليف وزارة أردنية لم يقدر لها أن تستمر أكثر من 45 يوما، إذ استقالت الحكومة مجددا بعد ان تكاثرت مظاهرات في الشارع تطالب بإسقاط وزارته، أسوة بوزارة أبيه التي أسقطها الشعب في نيسان 1989، لكنه إضافة للمظاهرات المطالبة شعبيا بإسقاطه فقد بادرت حكومة الرفاعي الثانية تحت ضغط إقتصادي برفع أسعار المحروقات بصورة مبالغ بها، قبل أن يتدخل الملك الأردني ويطالب حكومته بأن تعيد النظر في نسبة رفع الأسعار تخفيفا على الأردنيين.
في التاسع والعشرين من يناير 2011 عقد إجتماع مفصلي أعلى حضرته قيادات أردنية رفيعة، سأل الملك خلاله عن الوضع السياسي الداخلي، والوضع الملائم لتنفيس الإحتقان الداخلي، فقد أكد مدير المخابرات السابق محمد الرقاد أنه يصعب على جهازه الدفاع عن حكومة الرفاعي الثانية، بعدما وصلت الأمور الى ما وصلت إليه تأثرا بأحداث تونس ومصر، في حين سجل رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري موقفا سياسيا لافتا هو الآخر حينما أكد كلفة إقصاء رئيس حكومة جديدة لم يمض على تشكيلها أقل من شهرين، تبقى أرحم وأقل بكثير من بقاء هذه الحكومة التي من الممكن في ظلها أن تذهب الأمور الى ما هو أسوأ، وهنا أبلغ الرفاعي بمعطيات هذا اللقاء، وطلب الى إجتماع عاجل مع الملك تقررت خلاله إستقالة الرفاعي من رئاسة ثاني حكومة يشكلها في غضون عام واحد.
نشر بالاتفاق
تعديل حجم الخط:
- خلافا للأقوال المتداولة في كواليس العاصمة الأردنية عمان، فإن قرار تكليف رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي قد أتخذ على متن قارب ملكي في مياه العقبة خلال لقاء مطول جمع الملك عبدالله الثاني والرفاعي الذي عمل من قبل وزيرا للبلاط الملكي، ومستشارا للملك وأمينا عاما للديوان الملكي، إذ كان التكليف الملكي الشفهي قد صدر للرفاعي في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام 2009، لكن الملك طلب من الرفاعي أن يبقي الأمر سرا، وأن عليه التحضير لحكومته، في وقت كان فيه واضحا أن حكومة المهندس نادر الذهبي قد باتت تعد أيامها الأخيرة في مقر الحكومة، وأن الإتصال والتواصل بين الملك والذهبي قد انقطع تماما، وهي إشارة ملكية تعني ضمنا أن الملك بدأ بالبحث عن رئيس وزراء جديد.
كان أمام القرار الملكي الذي لم يطلع عليه وقتذاك سوى مدير المخابرات الأسبق الجنرال محمد الرقاد، معضلتين رئيستين تتمثل الأولى في أن الرفاعي الشاب سيتعرض لمحن كثيرة في مواجهة إعلام إلكتروني لا يعرف عن سمير الرفاعي سوى أنه يدير إستثمارات خليجية ناجحة ، إذ لم يسبق للرفاعي أن أدى أعمالا حكومية لعدم شغله أي منصب وزاري من قبل، كما أنه لا يمتلك أي إتصالات بالبرلمان، إذ كان برلمان عام 2007 قائما وقت التكليف السري للرفاعي، أما المعضلة الثانية فهي تكمن في شغل السياسي الأردني المخضرم زيد الرفاعي منصب رئاسة مجلس الأعيان، إذ أن البعض كان سيربط بين جدوى تعيين نجل رئيس مجلس الأعيان رئيسا للوزراء.
كان لجهاز المخابرات تقدير الوضع أمام الملك بضرورة التروي في مسألة إختيار الرفاعي حتى تتضح الصورة، وأن تعمل حكومة الذهبي على حل البرلمان، وإرجاء الإنتخابات لنحو عام، يتمكن خلالها الرفاعي من السيطرة على أي مشاكل أو عقبات يمكن أن توضع أمام حكومته، وهو ما حدث إذ خلال فترة إنتظار الرفاعي، كان من الصعب إقناع زيد الرفاعي بمغادرة منصبه طوعا، كما لم يكن من الحكمة دفعه الى هذا الخيار، وهنا تقصد جهاز المخابرات العامة أن يحمي التكليف السري للملك، حتى إستقالة الذهبي والرفاعي الأب وحل مجلس النواب، وتأجيل الإنتخابات عاما كاملا، في حين كان الرفاعي الإبن يجهز ملفاته ويراقب المشهد السياسي الداخلي عن كثب.
في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر من العام ذاته أي بعد نحو ثلاثة أشهر من التكليف الملكي السري للرفاعي الإبن، طلب الملك من الرفاعي الإستعداد لتكليف علني في غضون ساعات، إلا أن الأنظار والإنطباعات والتحليلات السياسية كانت تتوجه الى تكليف محتمل لرئيس الديوان الملكي وقتذاك ناصر اللوزي، بل أن مراكز قوة تقليدية قد أسهمت في إرخاء هذا الإعتقاد، وهو ما دفع الصحافية رندا حبيب مديرة مكتب وكالة الأنباء الفرنسية (أ. ف. ب) الى إلتقاط الإشارة، إذ سألت أكثر من شخصية محددة، وقيل لها أن أمر رحيل الذهبي بات محسوما، وأن خليفته هو ناصر اللوزي، إذ سرعان ما أرسلت الخبر الى وكالتها في العاصمة الفرنسية باريس، لكن الأمر الملكي صدر بعد أقل من ساعتين من خبر الفرنسية، بتعيين سمير الرفاعي رئيسا للحكومة، وهو ما أحدث صدمة لدى الصحافية حبيب، ولمعظم رجالات الصف الأول، في حين بادر الرفاعي الأب الى إعتزال العمل السياسي بعد نحو نصف قرن من الخدمة العامة في مواقع كثيرة.
فور إعلان حكومة سمير الرفاعي الأولى، لوحظ أن بصمة الرفاعي الأب كانت طاغية بشدة على الأسماء فيها، بل وقيل أن حكومة الرفاعي الإبن قد شكلت في قصر الرفاعي الأب، وأن الرفاعي الإبن لم يكن له خيار في إختيار أكثر من 70% من وزرائه، وأنه قد تأخرت ولادة الحكومة بسبب مساعي إقناع رجائي المعشر بقبول أن يكون نائبا للرفاعي الإبن، كمسؤول للفريق الإقتصادي، علما أن المعشر كان في المنصب ذاته في الحكومة التي قادها الرفاعي الأب وسقطت تحت ضغط مظاهرات شعبية واسعة النطاق على إثر مصاعب إقتصادية صعبة جدا عاشها الأردن في أواخر عقد الثمانينات.
كان التشكيل الرفاعي صادما للأوساط السياسية والشعبية على حد سواء، ولوحظ أن الرفاعي الإبن لا يملك أي خطط للتواصل والإتصال، كما أن وزراء حكومته أبعد ما يكون عن الإتصال بالفعاليات الشعبية، ولوحظ أن الإبن يسير على خطى أبيه، وأنه يوكل الملفات الصعبة لإهتمام ودبلوماسية والده، وظهرت حكومته مفككة، ولا أي إنسجام منذ أسابيعها الأولى، واعترف وزراء سرا أن الرفاعي الأب هو الذي يدير الحكومة الخفية في الأردن، وأنه اعتزاله السياسية كان شكليا لا أكثر، وأن الرفاعي الإبن تعوزه قدرات كثيرة، وأنه رغم عدم وجود برلمان وعقبات حقيقية، إلا أن المهمة بدت أكبر منه بكثير، فيما كان المستشار في القصر الملكي أيمن الصفدي يمارس هو الأخر ضغطا هائلا على الرفاعي في الملف الإعلامي، وكان بادئ الأمر ملف مدونة السلوك الإعلامي التي هيأها الصفدي من وراء الكواليس لتأديب وتطويع المواقع الإخبارية الإلكترونية، إلا أن الأسرة الإعلامية قد تكاتفت على نحو فريد، وقامت بهجمة مضادة ضد الحكومة والصفدي، إذ عرف الأخير أنه عراب مشروع وأد الصحافة الإلكترونية.
بعد أشهر من تأليفه وزارته الأولى، كان على حكومة الرفاعي أن تنشغل بموضوع الإنتخابات البرلمانية، وهي إستعدادات بائسة وتعيسة، وصولا الى مرحلة الإنتخابات، وإنتخاب برلمان مزور بإعتراف أطراف نافذة في الحكومة والدولة، إذ إستقالت حكومة الرفاعي طبقا لعرف دستوري يلزم الحكومة التي أشرفت على الإنتخابات بالإستقالة فور إعلان النتائج الرسمية للإنتخابات، إلا أنه وخلافا لكل التوقعات والإنطباعات فقد أعيد تكليف الرفاعي بتأليف وزارة أردنية لم يقدر لها أن تستمر أكثر من 45 يوما، إذ استقالت الحكومة مجددا بعد ان تكاثرت مظاهرات في الشارع تطالب بإسقاط وزارته، أسوة بوزارة أبيه التي أسقطها الشعب في نيسان 1989، لكنه إضافة للمظاهرات المطالبة شعبيا بإسقاطه فقد بادرت حكومة الرفاعي الثانية تحت ضغط إقتصادي برفع أسعار المحروقات بصورة مبالغ بها، قبل أن يتدخل الملك الأردني ويطالب حكومته بأن تعيد النظر في نسبة رفع الأسعار تخفيفا على الأردنيين.
في التاسع والعشرين من يناير 2011 عقد إجتماع مفصلي أعلى حضرته قيادات أردنية رفيعة، سأل الملك خلاله عن الوضع السياسي الداخلي، والوضع الملائم لتنفيس الإحتقان الداخلي، فقد أكد مدير المخابرات السابق محمد الرقاد أنه يصعب على جهازه الدفاع عن حكومة الرفاعي الثانية، بعدما وصلت الأمور الى ما وصلت إليه تأثرا بأحداث تونس ومصر، في حين سجل رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري موقفا سياسيا لافتا هو الآخر حينما أكد كلفة إقصاء رئيس حكومة جديدة لم يمض على تشكيلها أقل من شهرين، تبقى أرحم وأقل بكثير من بقاء هذه الحكومة التي من الممكن في ظلها أن تذهب الأمور الى ما هو أسوأ، وهنا أبلغ الرفاعي بمعطيات هذا اللقاء، وطلب الى إجتماع عاجل مع الملك تقررت خلاله إستقالة الرفاعي من رئاسة ثاني حكومة يشكلها في غضون عام واحد.
نشر بالاتفاق