ماذا تعرف عن (قضاء الرفاعي)
قضاء الرفاعي هو اكبر اقضية محافظة ذي قار مساحة ونفوسه أكثر من 450 ألف نسمة يتبع لهذا القضاء ثلاث نواحي هي النصر وقلعة سكر والفجر,
مدينة الرفاعي هي مركز قضاء الرفاعي وتقع 90كم شمال مدينة الناصرية وحوالي 300كم جنوب مدينة بغداد .
قبل خمسة الاف عام ساد ت على هذه الارض الطيبة أولى الحضارات الانسانية في العالم وهي حضارة وادي الرافدين السومرية في مملكة لكش (تلو) 15كم جنوب شرق مدينة الرفاعي ومملكة اوما (جوخه) 23كم الى الغرب منها والمدن السومرية الصغيرة الاخرى التابعة لهما والمنشرة حول مدينة الرفاعي , وكانت هذه الارض الرحبة ساحة واسعة لنزهتهم وافراحهم وملاعب لهوهم وحملات صيدهم , ومسرحا لحروبهم الدائمة والطويلة وخاصة حروبهم الطاحنة حول المياه والتي استمرت لاكثر من قرنين من الزمن قبل ان يشق (اونتمينا ) ملك لكش نهر الغراف الخالد .
ثم تعاقبت على هذه الارض دول وممالك كثيرة من اكدين وبابلين وفرس ومغول وغيرهم ثم اعقبتها خلافات اسلامية متعددة لا زالت اثارها واطلالها شاخصة الى يومنا هذا , مثل رصافة واسط (14 كم شرق مدينة الرفاعي) التي اسسها الحجاج بن يوسف الثقفي لتكون عاصمة صيفية لولايته الاموية في واسط , وكذلك مدينة (أم عبيدة) التي تضم مرقد الامام الصوفي السيد احمد بن السيد سلطان علي الرفاعي وضريحه الشريف ومنارته الشامخة منذ العصور العباسية المتأخرة وتقع الى الشرق من مدينة الرفاعي .ولو عدنا الى الماضي القريب أي الى القرن قبل الماضي (منتصف القرن التاسع عشر) حيث بدأت هذه المدينة بالظهور على شكل بيوتات متفرقة حول مخازن الحبوب (المناثر) الواسعة الكثيرة المنتشرة في هذه المنطقة والتي كانت تملأ جانبي نهر الغراف بما تحتويه من نواتج هذه الارض المعطاء من محاصيل عديدة ومتنوعة أهمها الحنطة والشعير والتي استقطبت تجار كثر من مختلف انحاء العراق لغرض التجارة والبيع والشراء والاستفادة من خيراتها الوافرة بالاضافة الى خصوبة ارضها وجمال طبيعتها ووفرة مياهها , فهاجر اليها هؤلاء التجار وسكنوا واستوطنوا فيها هم وعوائلهم والاعداد الكبيرة من الناس التي جاءت معهم للعمل وكسب الرزق الحلال وتبعهم الى هذه المنطقة عدد من الحرفيين وأصحاب المهن المتمرسين في عملهم ففتحت الحوانيت والمقاهي ومحلات العمل وشيدت البيوت ورسمت الشوارع وبدأت تظهر على هذه المنطقة معالم المدينة
واشتهرت هذه المدينة ومنذ بداية تأسيسها ايضا بتجارة الجياد العربية الاصيلة حيث كانت مركزا لتجميعها وترويضها والاهتمام بها من قبل مجموعة من مزاولي هذه المهنة لتصديرها الى دول عديدة مثل الهند وجنوب شرق اسيا وقد اشار الى ذلك الاستاذ حسن علي خلف في كتابه (المفصل في تاريخ مدينة الناصرية ) في حديثه عن مهن ساكني مدينة الرفاعي عند بداية تأسيسها فيقول ( وكانو يتعاطون البيع والشراء بالحبوب والمواشي وخاصة الخيل لتسفيرها الى الهند عبر الخليج العربي وكانت تجارة رائجة انذاك يشجعها الانكليز ) .
ويروي لنا احفاد هؤلاء التجار قصص مثيرة حول رحلات اجدادهم عبر البحار والمحيطات الى شبه القارة الهندية ومعهم الخيول المصدرة المحمولة على سفنهم ومراكبهم وما يعتريهم من مصاعب كبيرة واهوال جمة تهدد تجارتهم وحياتهم معا , سرعان ما تتبدد تلك المصاعب والاهوال عند عودتهم سالمين وعند حساب أرباحهم الهائلة فتضفي عليهم سعادة غامرة تحفزهم لرحلة اخرى قريبة قادمة .
وسميت مدينة الرفاعي في بداية تأسيسها بأسم (الكرادي) نسبة الى ابرز تجار هذه المدينة و أكثرهم شهرة (الحاج عباس صالح الكرادي ) القادم اليها من مدينة بغداد الكرادة , وعند زيارة رئيس الوزراء انذاك المرحوم (ياسين الهاشمي) الى هذه القضاء عام 1935م اقترح تبديل أسم القضاء الى (قضاء الر فاعي ) اشتقاقا وتيمنا باسم الامام السيد احمد الرفاعي الموجود ضريحه المقدس شرق هذه المدينة .
ويعتبر عام 1880م هو عام تأسيس هذه المدينة ولكن البعض يذهب الى ابعد من ذلك الى عام 1863م والبعض الاخر يزيد على هذا التاريخ سنوات قليلة واكثرهم استزادة الاستاذ عبد الستار البعاج وهو يتحدث عن تاريخ تأسيس هذه المدينة في كتابه الموسوم (ماضي العراق وحاضره ) المطبوع عام 1959م صفحه 92 فيقول ( والكرادي قرية كبيرة حادثة تأسس عام1311هجرية 1893ميلادية بأسم كنية مؤسسها عباس الكرادي من كرادة بغداد ) ..الا ان الاكثرية المهتمة بهذا الشأن تجمع على ان عام 1880م هو عام تأسيس هذه المدينة بما لديهم من ادلة وشواهد .
ومن الجدير بالذكر ما تدل به الحوادث التاريخية على ذلك ( جاء في لغة العرب للعلامة استانس الكرملي الجزء الاول :- ففي عام 1867م تم تقليد ناصر باشا السعدون في هذه الحاضرة رتبة (مير ميران ) وكان ذلك في 29 شوال 1286 حسب التاريخ الهجري حيث اوصله حسن افندي) .
وفي عام 1928 وبعد تنصيب فيصل الاول بن الشريف حسين ملكا على العراق بسنوات قليلة صدرت الارادة الملكية المرقمة 77 في 20 مايس 1928م بترقية المدينة من ناحية الى قضاء .
وبعد ذلك شهدت المدينة حملة واسعة للبناء والاعمار في بداية الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي من قبل الحكومة والاهالي فشيدت الدار الفخمة لقائمقام القضاء وبجوارها شيد ناديا اجتماعيا كبيرا ذو حديقة فارهة يرتاده موظفي الدولة واعيان المدينة ورجالاتها المهمة وتم بناء دوائرحكومية اخرى كثيرة مثل دائرة ومخزن للاستهلاك والتموين ومدرسة ابتدائية للبنات ومدرسة الرفاعي للبنين بعد ما كانت تداوم في بيوت مستأجرة , وفي الصوب الثاني من المدينة شيد المستشفى الحكومي العام ليرقد فيه المرضى للشفاء والراحة (ولا تزال بنايته قائمة الى يومنا هذا) . وشيد الاهالي من التجار حمام عام لمدينتهم يستحم فيه الرجال والنساء في ايام محددة من الاسبوع لكل منهم وكذلك تم بناء حسينية واسعة وكبيرة في مدينتهم تجمع شملهم في اقامة الشعائر الحسينية والمناسبات الدينية والاجتماعية .
وتسارع اهالي المدينة لبناء بيوتهم المتناسقة الجميلة ذات الشناشيل وخاصة المقابلة لنهر الغراف امتدادا لقصر الشيخ موحان الخير الله , ذلك القصر الذي طالما استقبل وحفل بكثير من رجالات العراق المهمة من ملوك وامراء وشخصيات كبيرة من داخل العراق وخارجه وكان اخر من نزل فيه ضيفا مكرما من الملوك والامراء هو ملك العراق فيصل الثاني وخاله عبد الاله الوصي على العرش وذلك في عام 1953م لينعموا بيوم جميل وليلة هانئة في ضيافة الشيخ واولاده الكرام .
وبعد احتراق سوق المدينة الكبيرفي بداية الاربعينات من القرن الماضي أمر الشيخ موحان الخير الله ببناء سوق حديث للمدينة على ارض تابعة له ومن امواله الخاصة وهو سوق واسع وكبير يخترق المدينة طولا وعرضا واصبح في ذلك الزمان من اجمل واروع وأرتب اسواق مدن المحافظة الاخرى .
تتميز مدينة الرفاعي: -
** بكونها حاضنة للمواقع الاثرية ومنجما للكنوز التاريخية الدفينة حيث بلغت المشخصة منها في هذه المدينة فقط 140 موقعا اثريا (وهذا ما تذكره سجلات الاثار) من غير المواقع الاخرى في النواحي التابعة لهذا القضاء , وتنتشر هذه المواقع الاثرية على شكل اطلال وتلول حول مدينة الرفاعي وبعضها في مركز المدينة مثل الموقع الاثري المسمى محليا (ابو خشيبه) الموجود في منتصف المدينة وتحيط به الاحياء السكنية من جوانبه الاربعة ومنعت الدولة البناء على مقتربات هذا الموقع والغيت القطع السكنية الموزعة على اطرافه وعوض اصحابها بقطع بديلة اخرى . وفيما يلي اسماء بعض المواقع المهمة:-
1- أوما (جوخه) وهي مدينة سومرية كبيرة تعود الى 3000عام قبل الميلاد قريبة من نهر المصب العام (23كم غرب مدينة الرفاعي ).
2- لكش (تلو) وهي مدينة سومرية واسعة وتعتبر العاصمة الدينية لدولة لكش وتقع( 15كم ) جنوب مدينة الرفاعي باتجاه ناحية النصر ضمن الحدود الادارية لقضاء الرفاعي.
3- أم العقارب وهي مدينة سومرية تقع 24كم غرب مدينة الرفاعي
4- المدائن :وتعود الى العصر البابلي 626-539 قبل الميلاد (18 كم شرق مدينة الرفاعي ).
5- دهيمي : يقع الى الشرق من مدينة الرفاعي , ورد ذكر هذا الموقع في (البلدانيين العرب) وانه قرية تابعة الى واسط ويقدر محيط التل 5و5كم واتفاعه 5متر .
6- تل فروة : ويقع الى الغرب من مدينة الرفاعي ويبعد عن منطقة أوما (جوخه) 3كم ويتكون من عدة روابي والموقع يعود للفترة البابلية .
7- موقع الرصافة : ويقع (14كم شرق مدينة الرفاعي ) وهي رصافة واسط التي اسسها الحجاج بن يوسف الثقفي لتكون عاصمة صيفية لولايته الاموية , وقد ورد ذكرها في (البلدانيين العرب ) .
ومما يؤسف له بأن معظم المواقع الاثرية في هذا القضاء غير منقبة ولم تشدد الحراسة عليها مما جعلها عرضة للسرقة والتخريب نتيجة للنبش العشوائي والحفر الجائر .
** بالنظر لسعة مساحة مركز قضاء الرفاعي والنواحي التابعة له ولكثافته السكانية العالية انتشرت المدارس الابتدائية وبكثرة على جميع اراضيه وضربت اطنابها في معظم قرى وارياف هذا القضاء وبصورة متزايدة في كل عام يمر , واستمرت هذه المدارس بالانتشار والتوسع هي والمدارس الاخرى كالمتوسطات والثانويات والاعداديات حتى اصبحت تضاهي في اعدادها أعداد مدارس محافظة المثنى .
ولأهمية هذا القضاء الموقعية وبعده عن مركز المحافظة وتوسطه لخمس محافظات عراقية تجاوره ولها حدود مشتركة معه وهو مفترق طرق لاربعة منها وكذلك لازدياد مخرجات مدارسه الكثيرة من طلاب الثانويات والاعداديات للبنين والبنات وكثير منهم لا تساعدهم ظروفهم المالية والاجتماعية لاكمال دراستهم في محافظات بعيدة, ومثلهم الكثير من ابناء وبنات المدن الاخرى القريبة من هذا القضاء لذلك تفضلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مشكورة بأفتتاح كلية للادارة والاقتصاد في مركز هذا القضاء قبل اربع سنوات (عام 2008م)أعقبها افتتاح كلية اخرى للتربية الاساسية , وفي منتصف عام 2011م وضع معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاستاذ الدكتور علي الاديب حجر الاساس لجامعة في مدينة الرفاعي بأسم (جامعة سومر) وأفتتاح كليتين جديدتين للزراعة والطب البيطري لتكونا نواة لهذه الجامعة الجديدة والتي سيباشر ببنائها عام 2012م على ارض خصصت لها شرق مدينة الرفاعي وبمساحة 400دونم , كما وسارعت وزارة التربية بأفتتاح معهد صباحي للمعلمين والمعلمات في هذه المدينة بدلا من معاهدها المسائية واستقبل تلاميذه الجدد لهذا العام .
** تعوم مدينة الرفاعي على بحيرة واسعة وكبيرة من النفط الخام وهذا ما اكدته الفرق الاستكشافية والمسح الزلزالي ففي الغرب من هذه المدينة وفي مساحة تقدر ب (900كم مربع) فقط اعلن عن وجود اكثر من ملياري برميل من النفط الخام ناهيك عما في شرقها وغربها من الاراضي الاخرى وحتى في وسط المدينة واطرافها ثبت وجود كميات هائلة من النفط , ولغرض الاستفادة من هذه الحقول النفطية واستثمارها قامت الحكومة العراقية بالتعاقد مع شركة (بتروناس )الماليزية وشركة (جوبكس) اليابانية المؤتلفة معها للعمل في اهم هذه الحقول (حقل الغراف ) في غرب هذه المدينة وسارعت الشركة المذكورة ببناء مكاتب لها ودور سكنية واماكن راحة ومستوصف للعاملين فيها في الصوب الثاني من المدينة ,وواصلت الحفر في البئر الرابع من مجموع ( 11بئرا) حتى يتم البدء بتصدير النفط المستخرج في منتصف العام الحالي حتى يصل الى كمية التصدير القصوى البالغ(230 ألف برميل) يوميا لتصبح ذي قار رابع محافظة نفطية عراقية .
** تعد هذه المدينة من اهم المدن الزراعية في هذه المنطقة لما تحتويه من مساحات واسعة من الاراضي الزراعية الخصبة والتي تمتد من حدود محافظة العمارة شرقا الى حدود محافظة السماوة غربا , وبالاضافة الى ما فوق هذه الارض الشاسعة من ثروة حيوانية هائلة ومياه متدفقة من خمسة جداول رئبسية تروي اراضي شرق هذه المدينة وما يمائلها من جداول في الصوب الثاني في الغرب منها غير الجداول الصغيرة الكثيرة الاخرى , مما دفع الحكومة العراقية لافتتاح اول مصرف زراعي خارج مركز المحافظة عام 1964م لتقديم الخدمات المصرفية لمزارعي هذه المدينة والمدن القريبة الاخرى على امتداد نهر الغراف , كمان أن نواتج هذه الارض من المحاصيل الزراعية فاقت انتاج الكثير من المناطق الاخرى المسوقة الى السايلوات والصوامع , لذا قامت الدولة العراقية في سبعينات القرن الماضي وبالتعاون مع احدى الشركات الروسية العملاقة ببناء سايلوضخم للحبوب في هذه المدينة ليستقبل الكميات الهائلة من المحاصيل المنتجة من اراضي هذه المنطقة والمناطق الاخرى وكذلك من المشاريع الزراعية التي اقيمت في تلك الفترة مثل مشروع المغيشي في ناحية الفجر شمال مدينة الرفاعي ومشروع الدواية المتداخلة اراضيه مع اراضي قضاء الرفاعي .
** لهذه المدينة بعض الصناعات الشعبية المحلية القديمة المتوارثة والتي كانت منشرة وبكثرة في الازمنة الماضية ومنها صناعة السجاد اليدوي , و مما زاد من جودة هذه الصناعة ورقيها هو هجرة العديد من العوائل المحترفة لهذه المهنة من واسط الى هذه المدينة مما ادى الى كفاءة وخبرة مزاولي هذه المهنة و تطورها واتساعها بين العوائل المنتجة حتى اوجدت تجار كثر في بغداد مختصون لاستقبال وشراء هذه المنتوجات وبيعها في العاصمة العراقية (ولا يزال بعض الميسورين والهواة يحتفظون بقطع نادرة وثمينة من تلك الصناعة التراثية الفطرية القديمة والتي برع بأتقانها بعض المحترفين لها في ذلك الزمن) , ومن اجل الاهتمام بهذه الصناعة وباليد العاملة المبدعة وتنشيطها أسست الحكومة العراقية في بداية السبعينات من القرن الماضي (معملا للسجاد اليدوي) في هذه المدينة يقع في الشارع العام مقابل محطة الكهرباء الوطنية وانتج في سنيه الاولى ارقى انواع السجاد اليدوي واستمر على هذا المنوال حتى انشغال الحكومة في حروبها المستمرة وسوق معظم العاملين من الرجال في هذا المصنع الى جبهات القتال ثم اعقبها فترة الحصار الاقتصادي مما ادى الى تعثر العمل فيه وتحويله الى معمل لصناعة الفانيلات الرجالية و بسبب أستمرار تلك الظروف المعطلة حتى تم اغلاقه , وهو ينتظر اليد الوطبية المخلصة التي تمتد اليه لتعيد له الحياة من جديد ليكون اكثر حيوية ونشاطا من ذي قبل .
** انجبت هذه المدينة الكثيرمن الرجال المبدعين والمتميزين من اصحاب الفكر والسياسة والادب والشعر والفن وفي كل المجالات الاخرى والذين قدموا خدمات جليلة الى مدينتهم والعراق وتعدت الى اكثر من ذلك , بعضهم من رواد الجيل الاول ومنهم من المعاصرين والشباب وسوف نمر على ذكرهم بالتفصيل في كتابات اخرى جديدة قادمة انشاء الله .
صورة ملك العراق فيصل الثاني برفقة خاله الأمير عبدالأله الوصي على العرش في قصر الشيخ موحان الخير الله في مدينة الرفاعي عام1953 م
مدينة الرفاعي تغفو على نهر الغراف
(مرقد السيد أحمد الرفاعي ) الذي سميت مدينة الرفاعي بأسمه ويقع الى الشرق من هذه المدينة
صورة صاحب المقال ( راغب رزيج العقابي ) في باحة مرقد السيد أحمد الرفاعي
مدينة الرفاعي هي مركز قضاء الرفاعي وتقع 90كم شمال مدينة الناصرية وحوالي 300كم جنوب مدينة بغداد .
قبل خمسة الاف عام ساد ت على هذه الارض الطيبة أولى الحضارات الانسانية في العالم وهي حضارة وادي الرافدين السومرية في مملكة لكش (تلو) 15كم جنوب شرق مدينة الرفاعي ومملكة اوما (جوخه) 23كم الى الغرب منها والمدن السومرية الصغيرة الاخرى التابعة لهما والمنشرة حول مدينة الرفاعي , وكانت هذه الارض الرحبة ساحة واسعة لنزهتهم وافراحهم وملاعب لهوهم وحملات صيدهم , ومسرحا لحروبهم الدائمة والطويلة وخاصة حروبهم الطاحنة حول المياه والتي استمرت لاكثر من قرنين من الزمن قبل ان يشق (اونتمينا ) ملك لكش نهر الغراف الخالد .
ثم تعاقبت على هذه الارض دول وممالك كثيرة من اكدين وبابلين وفرس ومغول وغيرهم ثم اعقبتها خلافات اسلامية متعددة لا زالت اثارها واطلالها شاخصة الى يومنا هذا , مثل رصافة واسط (
واشتهرت هذه المدينة ومنذ بداية تأسيسها ايضا بتجارة الجياد العربية الاصيلة حيث كانت مركزا لتجميعها وترويضها والاهتمام بها من قبل مجموعة من مزاولي هذه المهنة لتصديرها الى دول عديدة مثل الهند وجنوب شرق اسيا وقد اشار الى ذلك الاستاذ حسن علي خلف في كتابه (المفصل في تاريخ مدينة الناصرية ) في حديثه عن مهن ساكني مدينة الرفاعي عند بداية تأسيسها فيقول ( وكانو يتعاطون البيع والشراء بالحبوب والمواشي وخاصة الخيل لتسفيرها الى الهند عبر الخليج العربي وكانت تجارة رائجة انذاك يشجعها الانكليز ) .
ويروي لنا احفاد هؤلاء التجار قصص مثيرة حول رحلات اجدادهم عبر البحار والمحيطات الى شبه القارة الهندية ومعهم الخيول المصدرة المحمولة على سفنهم ومراكبهم وما يعتريهم من مصاعب كبيرة واهوال جمة تهدد تجارتهم وحياتهم معا , سرعان ما تتبدد تلك المصاعب والاهوال عند عودتهم سالمين وعند حساب أرباحهم الهائلة فتضفي عليهم سعادة غامرة تحفزهم لرحلة اخرى قريبة قادمة .
وسميت مدينة الرفاعي في بداية تأسيسها بأسم (الكرادي) نسبة الى ابرز تجار هذه المدينة و أكثرهم شهرة (الحاج عباس صالح الكرادي ) القادم اليها من مدينة بغداد الكرادة , وعند زيارة رئيس الوزراء انذاك المرحوم (ياسين الهاشمي) الى هذه القضاء عام 1935م اقترح تبديل أسم القضاء الى (قضاء الر فاعي ) اشتقاقا وتيمنا باسم الامام السيد احمد الرفاعي الموجود ضريحه المقدس شرق هذه المدينة .
ويعتبر عام 1880م هو عام تأسيس هذه المدينة ولكن البعض يذهب الى ابعد من ذلك الى عام 1863م والبعض الاخر يزيد على هذا التاريخ سنوات قليلة واكثرهم استزادة الاستاذ عبد الستار البعاج وهو يتحدث عن تاريخ تأسيس هذه المدينة في كتابه الموسوم (ماضي العراق وحاضره ) المطبوع عام 1959م صفحه 92 فيقول ( والكرادي قرية كبيرة حادثة تأسس عام1311هجرية 1893ميلادية بأسم كنية مؤسسها عباس الكرادي من كرادة بغداد ) ..الا ان الاكثرية المهتمة بهذا الشأن تجمع على ان عام 1880م هو عام تأسيس هذه المدينة بما لديهم من ادلة وشواهد .
ومن الجدير بالذكر ما تدل به الحوادث التاريخية على ذلك ( جاء في لغة العرب للعلامة استانس الكرملي الجزء الاول :- ففي عام 1867م تم تقليد ناصر باشا السعدون في هذه الحاضرة رتبة (مير ميران ) وكان ذلك في 29 شوال 1286 حسب التاريخ الهجري حيث اوصله حسن افندي) .
وفي عام 1928 وبعد تنصيب فيصل الاول بن الشريف حسين ملكا على العراق بسنوات قليلة صدرت الارادة الملكية المرقمة 77 في 20 مايس 1928م بترقية المدينة من ناحية الى قضاء .
وبعد ذلك شهدت المدينة حملة واسعة للبناء والاعمار في بداية الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي من قبل الحكومة والاهالي فشيدت الدار الفخمة لقائمقام القضاء وبجوارها شيد ناديا اجتماعيا كبيرا ذو حديقة فارهة يرتاده موظفي الدولة واعيان المدينة ورجالاتها المهمة وتم بناء دوائرحكومية اخرى كثيرة مثل دائرة ومخزن للاستهلاك والتموين ومدرسة ابتدائية للبنات ومدرسة الرفاعي للبنين بعد ما كانت تداوم في بيوت مستأجرة , وفي الصوب الثاني من المدينة شيد المستشفى الحكومي العام ليرقد فيه المرضى للشفاء والراحة (ولا تزال بنايته قائمة الى يومنا هذا) . وشيد الاهالي من التجار حمام عام لمدينتهم يستحم فيه الرجال والنساء في ايام محددة من الاسبوع لكل منهم وكذلك تم بناء حسينية واسعة وكبيرة في مدينتهم تجمع شملهم في اقامة الشعائر الحسينية والمناسبات الدينية والاجتماعية .
وتسارع اهالي المدينة لبناء بيوتهم المتناسقة الجميلة ذات الشناشيل وخاصة المقابلة لنهر الغراف امتدادا لقصر الشيخ موحان الخير الله , ذلك القصر الذي طالما استقبل وحفل بكثير من رجالات العراق المهمة من ملوك وامراء وشخصيات كبيرة من داخل العراق وخارجه وكان اخر من نزل فيه ضيفا مكرما من الملوك والامراء هو ملك العراق فيصل الثاني وخاله عبد الاله الوصي على العرش وذلك في عام 1953م لينعموا بيوم جميل وليلة هانئة في ضيافة الشيخ واولاده الكرام .
وبعد احتراق سوق المدينة الكبيرفي بداية الاربعينات من القرن الماضي أمر الشيخ موحان الخير الله ببناء سوق حديث للمدينة على ارض تابعة له ومن امواله الخاصة وهو سوق واسع وكبير يخترق المدينة طولا وعرضا واصبح في ذلك الزمان من اجمل واروع وأرتب اسواق مدن المحافظة الاخرى .
تتميز مدينة الرفاعي: -
** بكونها حاضنة للمواقع الاثرية ومنجما للكنوز التاريخية الدفينة حيث بلغت المشخصة منها في هذه المدينة فقط 140 موقعا اثريا (وهذا ما تذكره سجلات الاثار) من غير المواقع الاخرى في النواحي التابعة لهذا القضاء , وتنتشر هذه المواقع الاثرية على شكل اطلال وتلول حول مدينة الرفاعي وبعضها في مركز المدينة مثل الموقع الاثري المسمى محليا (ابو خشيبه) الموجود في منتصف المدينة وتحيط به الاحياء السكنية من جوانبه الاربعة ومنعت الدولة البناء على مقتربات هذا الموقع والغيت القطع السكنية الموزعة على اطرافه وعوض اصحابها بقطع بديلة اخرى . وفيما يلي اسماء بعض المواقع المهمة:-
1- أوما (جوخه) وهي مدينة سومرية كبيرة تعود الى 3000عام قبل الميلاد قريبة من نهر المصب العام (23كم غرب مدينة الرفاعي ).
2- لكش (تلو) وهي مدينة سومرية واسعة وتعتبر العاصمة الدينية لدولة لكش وتقع( 15كم ) جنوب مدينة الرفاعي باتجاه ناحية النصر ضمن الحدود الادارية لقضاء الرفاعي.
3- أم العقارب وهي مدينة سومرية تقع 24كم غرب مدينة الرفاعي
4- المدائن :وتعود الى العصر البابلي 626-539 قبل الميلاد (
5- دهيمي : يقع الى الشرق من مدينة الرفاعي , ورد ذكر هذا الموقع في (البلدانيين العرب) وانه قرية تابعة الى واسط ويقدر محيط التل 5و5كم واتفاعه 5متر .
6- تل فروة : ويقع الى الغرب من مدينة الرفاعي ويبعد عن منطقة أوما (جوخه) 3كم ويتكون من عدة روابي والموقع يعود للفترة البابلية .
7- موقع الرصافة : ويقع (14كم شرق مدينة الرفاعي ) وهي رصافة واسط التي اسسها الحجاج بن يوسف الثقفي لتكون عاصمة صيفية لولايته الاموية , وقد ورد ذكرها في (البلدانيين العرب ) .
ومما يؤسف له بأن معظم المواقع الاثرية في هذا القضاء غير منقبة ولم تشدد الحراسة عليها مما جعلها عرضة للسرقة والتخريب نتيجة للنبش العشوائي والحفر الجائر .
** بالنظر لسعة مساحة مركز قضاء الرفاعي والنواحي التابعة له ولكثافته السكانية العالية انتشرت المدارس الابتدائية وبكثرة على جميع اراضيه وضربت اطنابها في معظم قرى وارياف هذا القضاء وبصورة متزايدة في كل عام يمر , واستمرت هذه المدارس بالانتشار والتوسع هي والمدارس الاخرى كالمتوسطات والثانويات والاعداديات حتى اصبحت تضاهي في اعدادها أعداد مدارس محافظة المثنى .
ولأهمية هذا القضاء الموقعية وبعده عن مركز المحافظة وتوسطه لخمس محافظات عراقية تجاوره ولها حدود مشتركة معه وهو مفترق طرق لاربعة منها وكذلك لازدياد مخرجات مدارسه الكثيرة من طلاب الثانويات والاعداديات للبنين والبنات وكثير منهم لا تساعدهم ظروفهم المالية والاجتماعية لاكمال دراستهم في محافظات بعيدة, ومثلهم الكثير من ابناء وبنات المدن الاخرى القريبة من هذا القضاء لذلك تفضلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مشكورة بأفتتاح كلية للادارة والاقتصاد في مركز هذا القضاء قبل اربع سنوات (عام 2008م)أعقبها افتتاح كلية اخرى للتربية الاساسية , وفي منتصف عام 2011م وضع معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاستاذ الدكتور علي الاديب حجر الاساس لجامعة في مدينة الرفاعي بأسم (جامعة سومر) وأفتتاح كليتين جديدتين للزراعة والطب البيطري لتكونا نواة لهذه الجامعة الجديدة والتي سيباشر ببنائها عام 2012م على ارض خصصت لها شرق مدينة الرفاعي وبمساحة 400دونم , كما وسارعت وزارة التربية بأفتتاح معهد صباحي للمعلمين والمعلمات في هذه المدينة بدلا من معاهدها المسائية واستقبل تلاميذه الجدد لهذا العام .
** تعوم مدينة الرفاعي على بحيرة واسعة وكبيرة من النفط الخام وهذا ما اكدته الفرق الاستكشافية والمسح الزلزالي ففي الغرب من هذه المدينة وفي مساحة تقدر ب (900كم مربع) فقط اعلن عن وجود اكثر من ملياري برميل من النفط الخام ناهيك عما في شرقها وغربها من الاراضي الاخرى وحتى في وسط المدينة واطرافها ثبت وجود كميات هائلة من النفط , ولغرض الاستفادة من هذه الحقول النفطية واستثمارها قامت الحكومة العراقية بالتعاقد مع شركة (بتروناس )الماليزية وشركة (جوبكس) اليابانية المؤتلفة معها للعمل في اهم هذه الحقول (حقل الغراف ) في غرب هذه المدينة وسارعت الشركة المذكورة ببناء مكاتب لها ودور سكنية واماكن راحة ومستوصف للعاملين فيها في الصوب الثاني من المدينة ,وواصلت الحفر في البئر الرابع من مجموع ( 11بئرا) حتى يتم البدء بتصدير النفط المستخرج في منتصف العام الحالي حتى يصل الى كمية التصدير القصوى البالغ(230 ألف برميل) يوميا لتصبح ذي قار رابع محافظة نفطية عراقية .
** تعد هذه المدينة من اهم المدن الزراعية في هذه المنطقة لما تحتويه من مساحات واسعة من الاراضي الزراعية الخصبة والتي تمتد من حدود محافظة العمارة شرقا الى حدود محافظة السماوة غربا , وبالاضافة الى ما فوق هذه الارض الشاسعة من ثروة حيوانية هائلة ومياه متدفقة من خمسة جداول رئبسية تروي اراضي شرق هذه المدينة وما يمائلها من جداول في الصوب الثاني في الغرب منها غير الجداول الصغيرة الكثيرة الاخرى , مما دفع الحكومة العراقية لافتتاح اول مصرف زراعي خارج مركز المحافظة عام 1964م لتقديم الخدمات المصرفية لمزارعي هذه المدينة والمدن القريبة الاخرى على امتداد نهر الغراف , كمان أن نواتج هذه الارض من المحاصيل الزراعية فاقت انتاج الكثير من المناطق الاخرى المسوقة الى السايلوات والصوامع , لذا قامت الدولة العراقية في سبعينات القرن الماضي وبالتعاون مع احدى الشركات الروسية العملاقة ببناء سايلوضخم للحبوب في هذه المدينة ليستقبل الكميات الهائلة من المحاصيل المنتجة من اراضي هذه المنطقة والمناطق الاخرى وكذلك من المشاريع الزراعية التي اقيمت في تلك الفترة مثل مشروع المغيشي في ناحية الفجر شمال مدينة الرفاعي ومشروع الدواية المتداخلة اراضيه مع اراضي قضاء الرفاعي .
** لهذه المدينة بعض الصناعات الشعبية المحلية القديمة المتوارثة والتي كانت منشرة وبكثرة في الازمنة الماضية ومنها صناعة السجاد اليدوي , و مما زاد من جودة هذه الصناعة ورقيها هو هجرة العديد من العوائل المحترفة لهذه المهنة من واسط الى هذه المدينة مما ادى الى كفاءة وخبرة مزاولي هذه المهنة و تطورها واتساعها بين العوائل المنتجة حتى اوجدت تجار كثر في بغداد مختصون لاستقبال وشراء هذه المنتوجات وبيعها في العاصمة العراقية (ولا يزال بعض الميسورين والهواة يحتفظون بقطع نادرة وثمينة من تلك الصناعة التراثية الفطرية القديمة والتي برع بأتقانها بعض المحترفين لها في ذلك الزمن) , ومن اجل الاهتمام بهذه الصناعة وباليد العاملة المبدعة وتنشيطها أسست الحكومة العراقية في بداية السبعينات من القرن الماضي (معملا للسجاد اليدوي) في هذه المدينة يقع في الشارع العام مقابل محطة الكهرباء الوطنية وانتج في سنيه الاولى ارقى انواع السجاد اليدوي واستمر على هذا المنوال حتى انشغال الحكومة في حروبها المستمرة وسوق معظم العاملين من الرجال في هذا المصنع الى جبهات القتال ثم اعقبها فترة الحصار الاقتصادي مما ادى الى تعثر العمل فيه وتحويله الى معمل لصناعة الفانيلات الرجالية و بسبب أستمرار تلك الظروف المعطلة حتى تم اغلاقه , وهو ينتظر اليد الوطبية المخلصة التي تمتد اليه لتعيد له الحياة من جديد ليكون اكثر حيوية ونشاطا من ذي قبل .
** انجبت هذه المدينة الكثيرمن الرجال المبدعين والمتميزين من اصحاب الفكر والسياسة والادب والشعر والفن وفي كل المجالات الاخرى والذين قدموا خدمات جليلة الى مدينتهم والعراق وتعدت الى اكثر من ذلك , بعضهم من رواد الجيل الاول ومنهم من المعاصرين والشباب وسوف نمر على ذكرهم بالتفصيل في كتابات اخرى جديدة قادمة انشاء الله .
صورة ملك العراق فيصل الثاني برفقة خاله الأمير عبدالأله الوصي على العرش في قصر الشيخ موحان الخير الله في مدينة الرفاعي عام
مدينة الرفاعي تغفو على نهر الغراف
(مرقد السيد أحمد الرفاعي ) الذي سميت مدينة الرفاعي بأسمه ويقع الى الشرق من هذه المدينة
صورة صاحب المقال ( راغب رزيج العقابي ) في باحة مرقد السيد أحمد الرفاعي