لمن يسال لماذا لاينصرنا الله
لمن يسأل: لماذا لا ينصرنا الله؟!
بقلم أحمد دعدوش - حماسنا
———
" لماذا لا ينصرنا الله" كثيراً ما أسمع هذا السؤال، والذي قد يحمل في طياته شيئاً من الاستنكار، بالرغم من صدوره عن أشخاص لا يقلون عنا إيماناً، بل لعلهم يسبقوننا بكثير!.. أما جوابي فيأتي محملاً باستنكار أشد، ليس لتعارض السؤال مع الإيمان فحسب، بل لغفلة أصحابه عن الجواب الذي أعتقد أنه أوضح من "عين الشمس"!
- السؤال لا يأتي غالباً بهذا الإطلاق البريء، فهو مشحون بعاطفة جياشة، ومحمّل بتناقضات تلح على عقول سائليه، إذ تجدهم يتساءلون في حيرة: أليس الله قادراً على إهلاك العدو بصاعقة أو هزة أرضية تفنيهم عن بكرة أبيهم؟ ألم يهلك الله أقواماً كثيرة أخبرنا عنها في كتابه وحذَّرنا من مصيرها؟ ألم يعد الله بنصرة المظلوم عندما يستنصره؟ وهل هناك من يعاني الظلم أكثر منا على وجه الأرض؟ ألم يعِد الله بالإجابة لمن يدعوه؟ ألسنا ندعوا الله صباحاً ومساءاً وقياماً وقعوداً وعلى المنابر وشاشات التلفاز؟
- أقول لهؤلاء الحائرين هونوا على أنفسكم، فالقرآن الكريم الذي وجدتم فيه قوله تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" قد وضّح لكم الطريق، يقول ربنا جل وعلا: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، فنصر الله مشروط بنصرتنا له، وقد بنى الله هذا الكون على سنن وقوانين محكمة لا تُبدل إلا بمشيئته، ومن سوء الأدب مع الله تعالى أن نتجرأ لنطلب منه خرق هذه القوانين من أجل نصرتنا دون أن نبذل جهداً يذكر في تحقيق الشروط التي طلبها منا!
لقد حدثنا القرآن عن أقوام سابقين كانوا يتساءلون في ألم بعد أن عانوا من القهر والظلم: "متى نصر الله؟"، ثم يأتي الجواب الإلهي: "ألا إن نصر الله قريب"، ونحن نردد هذه الآية عشرات المرات في دعائنا واستغاثتنا، بل يتجرأ الكثير من مشايخنا على رفع أصواتهم طالبين من المولى عز وجل أن يحقق وعده: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين"!
- ولكن.. ألم يخبرنا القرآن نفسه عن السنة الإلهية في نصر المؤمنين: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين"؟!.. ألم يكن هؤلاء القوم الذين جاءهم الجواب الإلهي: "ألا إن نصر الله قريب" من المجاهدين في سبيل الله؟ ألم ترد هذه الآية في حق الذين نصروا أنبياء الله وبذلوا دنياهم كلها في سبيل نصرة الحق؟.. فأين واقعنا اليوم من هذه الصورة؟
- كيف يجرؤ بعض خطباء المنابر اليوم على أن يرفعوا أصواتهم طالبين من الله تحقيق وعده بنصر المؤمنين؟ ألا يستبطن هذا الطلب ضمنياً الشعور بأن الله تعالى قد أخلف وعده؟ وهل ينتظر ربنا سبحانه منا أن نذكره بوعده حتى ينجزنا إياه؟.. ألم يكن من الأجدر بنا أن نحقق شروط هذا النصر قبل أن نرفع أيدينا لنطالب به وبكل بهذه الجرأة؟
أيُعقل حقاً أن يرى المسلمون اليوم أنفسهم أهلاً للنصر والتمكين؟! إني أسأل هؤلاء المستنكرين: أروني راية الإسلام التي رُفعت لنصرة الحق، وإذا كنتم تنتظرون النصر من الله بأعجوبة من غير أن تُرفع الراية فأي مذهب أو فرقة أو حزب إسلامي سيرفع رايته لتحل محل هذا الظلم المستشري في الأرض بعد تحقق النصر؟
- نعم، هناك مرابطون على الثغور، ولكن الجهاد لا يقوم على أكتاف بضع مئات فقط من أمة يزيد عددها على المليار والربع، ولم يحدث في تاريخ الإسلام كله أن وقف المسلمون مكتوفي الأيدي وهم ينظرون إلى سكان مدينة واحدة يحملون السلاح للدفاع عن حياتهم وأرضهم ورزقهم- كما حدث في غزة- ثم هبوا جميعاً لنصرتهم بالدعاء والتوسل، ولم يُطلق أحد من المؤرخين على من يدافع عن حياته وأرضه اسم المجاهد أصلاً، فالجهاد المعروف في الإسلام يطلق على القتال من أجل نصرة الدين وفتح البلاد التي لم يحكم الناس فيها بشرع الله، وليس على من يدافع عن نفسه وأرضه وعرضه، فهذا القتال المشروع قد اصطُلح على تسميته بقتال الصائل، أي قتال الدفاع وليس الهجوم.
- قد يغيب عن ذهن إخوتنا المطالبين بنصر الله أننا تخلينا عن الجهاد جملة وتفصيلاً، وأن الخطاب الرسمي اليوم في العالم الإسلامي كله هو خطاب استسلام وانهزام- أقول: انهزام، وليس هزيمة فقط- وأن دعوات استعادة فلسطين التي رفعها آباؤنا الذين ما زالوا على قيد الحياة قد تطورت بعد أقل من خمسين سنة إلى مفاوضات على الاعتراف بـ "الأمر الواقع"، ثم إلى إقرار بالانسحاب والاعتراف بـ "حق" العدو في أرضنا المقدسة، ثم إلى مبادرة عربية شاملة تتوسل من دولة العدو القبول بالتطبيع والاعتراف الكامل بوجودها وحدودها، ثم إلى تواطؤ الأكثرية مع العدو ضد الأقلية المقاومة، ووصل بنا الحال أخيراً إلى عدم قبول الدخول في مفاوضات الذل دون الإصرار على قبول العدو بمبادرة التطبيع!
- لقد كان من الأجدر بنا أن نستحي من الله قبل أن نرفع أكفنا إليه لنصرخ طالبين أن يحقق وعده بنصرنا، وأن نستحي من أطفالنا الذين سيتبرؤون منا قبل أن نلوم أجدادنا، وأن نفكر بجدية لمرة واحدة فقط في حياتنا بالتاريخ الذي سيكتبه عنا أحفادنا.. وبالأعذار التي ستنطلق بها ألسنتنا بين يدي الله جل وعلا يوم العرض الأكبر.
أظن أننا لا نملك سوى أن نقول: لقد تألمنا، ودعونا، وتصدقنا.
وأظن أن العدو سيُخمد النار حيناً، ثم يعود إلى هدم البيوت على رؤوس المستضعفين منا، وأننا سنركن إلى ملذاتنا كما كنا سابقاً، ثم نعود إلى الدعاء والصدقة.
لمن يسال
- دعونا إذن ندعوا بكل إلحاح: اللهم لا تحقق وعدك فينا.. اللهم لا تخسف بنا الأرض ولا تسقط علينا السماء، ولا تجب دعوات البهائم والأحجار والأشجار التي تصبح وتمسي على لعننا