البحث عن السعادة
البحث عن السعادة
كل من تراه على وجه الارض يبحث عن السعادة في عالم الارض, فكل من تراه يبحث عنها ويجتهد, ويجد في الوصول اليها, وقد يكون ذلك الباحث ملكا أو رئيسا أو زعيما رجلا أو امرأة كل هاؤلا وغيرهم من الناس على اختلاف وضعهم ومسؤلياتهم وظروف حياتهم يبحثون عن الحياة الطيبة, ويبحثون عن السعادة الدائمة, يبحث عنها اناس في ملك دولة يظنونه لايبلى, ويبحث عنها اخرون في زواج جميلة هيفاء, ويبحث عنها ثالث في مال يملؤ عليه بصره وقلبه, ويبحث عنها رابع في وظيفة أو سيارة أو حلم من احلام هذه الحياة, مع ان السعادة قريبة جدا ممن يطلبها في رسالة الله الى عباده عن طريق أنبيائه وعن طريق خاتم رسله, سيجدها في الايمان بالله والعمل الصالح, فالسعادة لاتعدو ان تكون ممارسة عملية لإحكام شريعة الله, وفي القرآن على ذلك دليل وشاهد: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) ولعل هذا المعنى هو الذي حدى بالحسن البصري رحمه الله ليقول: "والله لو يعلم الملوك وابناء الملوك مانحن فيه من السعادة لجالدونا عليه بالسيوف"
اما العلامة محمد بن محمد المنصور (2) فهو يقول:
قسما بربك إن لذةَ طاعةٍ ... لَتَفُوقُ لذاتِ الحُطامِ الفاني
ما المالُ ما الأبناءُ ما جَاهٌ وما ... مُلكٌ وكأسٌ واحتضانُ غواني
وقال اخر:
ان السعادة امر ليس يدركه ... أهل السعادة الا بالمقادير
مخزونة عن اناس طالبين لها ... وقد تساق الى قوم بتيسير (3)
ان السعادة التي تبحث عنها مصدرها الايمان واليقين, وخشية الله الخالق العظيم, فالشعور بالسكينة والرضا والهدوء والصفاء تصدر من اعماق الانسان وتغمر جوارحه وروحه فيغدو مرتاحا في نفسه, سمحا في اخلاقه, بعيدا عن الانفعال والقلق, فهو انسان مطمئن مرشح لان ينعم بصحة جيدة, يحظى بمحبة وتقدير زملائة واسرته ومجتمعه, ويعود عليه ذلك الهدوء بالسعادة والبهجة, والابتسامة الطيبة, حيث يظهر على وجهه انبساط من غير عبوس وابتسامة من غير جزع, وقد اشار القرآن الكريم الى الطمأنينة التي تحل بقلوب المؤمنين الذاكرين فقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (4) ويرحم الله ابا العتاهية حديث يقول:
وَإِذا اِتَّقى اللَهَ اِمرُؤٌ وَأَطاعَهُ ... فَتَراهُ بَينَ مَكارِمٍ وَمَعالِ
عَلى التَقِيِّ إِذا تَرَسَّخَ في التُقى ... تاجانِ تاجُ سَكينَةٍ وَجَلالِ
ويغفر الله لابي قاسم الشابي حيث يقول:
لمْ أجدْ في الحَيَاةِ لحناً بديعاً ... يَسْتَبيني سِوى سَكينَةِ نَفْسي
__________
(1) - سورة النحل الاية (97).
(2) - هو العلامة العابد الناسك الفاضل المجتهد/ محمد بن محمد بن اسماعيل المنصور الحسني اليماني من العلماء المعاصرين فيلسوف ومفكر اسلامي كبير وهو مرجع لعلماء الزيدية عرف بالاخلاق الكريمة والتواضع وله عدة ابحاث ومؤلفات مخطوطة وهو اديب كبير وشاعر فصيح له ديوان مطبوع اسماه لوامع من خواطر شواسع, وهذان البيتان من قصيدة له اسماها برق يماني مطلعها:
(علمي بربي شامخ الاركان ... بالعقل اشهده وبالقرآن).
(3) - اورد هذين البيتين الراغب الاصبهاني, في محاضرات الادباء منسوبة لمحمد بن عمر الوراق.
(4) - سورة الرعد الاية (28).