السعادة
السعادة
السعادة خير وفير, وفضل كبير, وعمل صالح, ومشروع ناجح, ومتجر رابح, وايمان صادق, وبهجة وسرور, واخلاص وتوفيق, والسعادة قيمة فردية أو اجتماعية أو حضارية يسعى الانسان السوي للحصول عليها والوصول اليها, فهي يمن وبركة وامان وثقة, وفي اللغة: السَّعْد اليُمْن وهو نقيض النَّحْس والسُّعودة خلاف النحوسة والسعادة خلاف الشقاوة, يقال يوم سَعْد ويوم نحس (1) , والسعادة شعور مصدره اعماق الانسان, فهي تصدر من داخله بتناغم جسدي وعقلي ترتاح بها الارواح وتسعد, وتنعم بها الاجسام وتتلذذ, ينالها التقي, ويحرمها الشقي, فليس هناك من دواء يجلب السعادة غير الاخذ بأسبابها, والايمان بما وعد الله به لاصحابها, واتباع ما امر الله به في القرآن, واجتناب ما نهى الله عنه في شريعة الاسلام, واتباع نهج محمد عليه ولى اله الصلاة والسلام, اذ لايمكن تحقيقها تجميع الثروة, أو السلطة, أو الشهرة مهما اجتمعت, دون الرجوع الى الى كتاب الله وسنة نبيه, فكم راينا من ثري شقي بماله, وانتحر بين رجاله, وجميل اكتئب ولم ينفعه جماله, وفنان ارهقه الطرب واصابه العطب, وبامكان من فقد السعادة ان يستعيدها اذا حالفه الصواب ورجع الى السنة والكتاب, فانه سيجد الحياة وضيئة والكون من حوله جميلا مملوءاً بالمسرات والامل, وسينهض الى اكتساب الصالحات بجميل العمل, وسيجد ان يومه خير من امسه, وانه لايحتاج الى كثير من الماديات ليحقق قدرا كبيرا من السعادة والنجاح والقوة, قال الشاعر:
وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ ... وَلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ
وَتَقوى اللَهِ خَيرُ الزادِ ذُخراً ... وَعِندَ اللَهِ لِلأَتقى مَزيدُ
وَما لا بُدَّ أَن يَأَتي قَريبٌ ... وَلَكِنَّ الَّذي يَمضي بَعيدُ (2)
وقال اخر:
إِنَّ السَعيدَ لَهُ في غَيرِهِ عِظَةٌ ... وَفي التَجارِبِ تَحكيمٌ وَمُعتَبَرُ (3)
ان السعيد من اطاع ربه, وحسُن خلقه, واسعد اهله, واثمر عمله, وابتعد عن الرذيلة, وغرس في نفسه وفي الناس الفضيلة, وكان عونا لاخوانه, وشرفا لزمانه,فله في غيره عظة, وفي التجارب عبر, فهو يسعد نفسه وينجي اهله, وفي الحديث النبوي: (السعيد من وعظ بغيره) (4) والسعيد من ينجو من النار.
قال الشاعر:
ما إِن أُبالي إِذا أَرواحُنا قُبِضَت ... ماذا فَعَلتُم بِأَوصالٍ وَأَبشارِ
تَجري المَجَرَّةُ وَالنَسرانِ عَن قَدَرٍ ... وَالشَمسُ وَالقَمَرُ الساري بِمِقدارِ
وَقَد عَلِمتُ وَخَيرُ القَولِ أَنفَعُهُ ... أَنَّ السَعيدَ الَّذي يَنجو مِنَ النارِ (5)
وقال اخر:
وَما السَعادَةُ في الدُنيا لِذي أَمَلٍ ... إِنَّ السَعيدَ الَّذي يَنجو مِنَ النارِ (6)
اما صالح بن عبدالقدوس فهو يقول:
يَشقى رِجال وَيَشقى آخرون بِهِم ... وَيُسعدُ اللَهُ اقواماً بِأَقوامِ
وقال اخر:
وإِذَا سَخَّرَ الإِلاَهُ أنَاسَا ... لِسَعِيدٍ فَإِنَّهُم سُعَدَاءُ (7)
والسعادة نعمة تعمر بها الديار, وينتفي العار, وتحل الرحمة, وتطيب بها الثمار, وتعم الخيرات, وتحل البركات, ويتعاون الناس في كل الاوقات, وفي الحديث النبوي: مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ (8) , والسعادة رضا بما كتب الله وقدر, والسعادة رحمة, وتعاون والفة, والسعادة ايمان واخلاص, ونجاح وفلاح, وخليق بالعاقل ان يعرف طريقها, ويلزم الاخذ باسبابها حتى لا يقع الخطأ عليه في اختيار الوضيع على الرفيع, وتقديمه الخسيس على النفيس, فالناس في متحرياتها طالب لخير, وهارب من شر, قال الشاعر:
النَفسُ بِالشَيءِ المُمَنَّعِ مولَعَه ... وَالحادِثاتُ أُصولُها مُتَفَرِّعَه
وَالنَفسُ لِلشَيءِ البَعيدِ مُريدَةٌ ... وَلِكُلِّ ما قَرُبَت إِلَيهِ مُضَيَّعَه
مَن عاشَ عاشَ بِخاطِرٍ مُتَصَرِّفٍ ... مُتَنَقِّلٍ في الضيقِ طَوراً وَالسَعَه
وَالمَرءُ يَضعُفُ عَن عَزيمَةِ صَبرِهِ ... فَيَضيقُ عَن شَيءٍ وَعَنهُ بِهِ سَعَه
وَالمَرءُ يَغلَطُ في تَصَرُّفِ حالِهِ ... وَلَرُبَّما اِختارَ العَناءَ عَلى الدِعَه
كُلٌّ يُحاوِلُ حيلَةً يَرجو بِها ... دَفعَ المَضَرَّةِ وَاِجتِلابَ المَنفَعَه
وَالمَرءُ لا يَأتيهِ إِلّا رِزقُهُ ... فَاِقنَع بِما يَأتيكَ مِنهُ في دِعَه (9)
__________
(1) - لسان العرب مادة سعد.
(2) - هذه الابيات للحطيئة, ورويت هذه الابيات ايضا للنابغة الشيباني, والله اعلم.
(3) - هذا البيت للحارث بن حلزة.
(4) - المعجم الاوسط حديث رقم (7871).
(5) - هذه الابيات لابن ابي الحوساء.
(6) - هذا البيت لجحدر العكلي.
(7) - هذا البيت لحمدون بن الحاج السلمي.
(8) - احمد في المسند حديث رقم (1368).
(9) - هذه الابيات لابي العتاهية.