حديث الملأ الأعلى (حذيفة ناصف)
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صل على محمد وعلى محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم! بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فقد روى جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى). هذا الحديث رواه محمد بن نصر في كتابه (تعظيم قدر الصلاة)، والبيهقي في الدلائل من حديث أنس ، وفيه الحارث بن سعد الإيادي ضعفه الجمهور، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح. ورواه -أيضاً- الطبراني في الأوسط، وابن أبي عاصم في السنة، ورمز السيوطي له بالصحة، وحسنه الألباني . فالحديث هو عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى). أما الحلس فهو كساء يبسط ويفرش في أرض البيت، وهو قماش رقيق يوضع على ظهر البعير تحت قتبه، فشبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل عليه السلام بالحلس برؤيته لاصقاً بما تلبس به من هيبة الله تعالى، وشدة فرقه منه، فالسر في هذا التشبيه هو أن الحلس يلصق بالأرض، أو يلصق بظهر البعير، وكذلك هذا الخوف وهذه الخشية من الله سبحانه وتعالى لصيقة بجبريل عليه السلام تماماً كلصوق الحلس بالأرض، أو بظهر البعير. وتلك الخشية التي تلبس بها جبريل عليه السلام هي التي ترقيه في مدارج التبجيل والتعظيم، حتى دعي في التنزيل بأنه الرسول الكريم، وعلى قدر خوف العبد من ربه سبحانه وتعالى يكون قربه، فلأن جبريل عليه السلام شديد الخوف والخشية والهيبة لله سبحانه وتعالى فلذلك كان قريباً معظماً عند الله سبحانه وتعالى. وفي الحديث أن الملائكة بين الخوف والرجاء كسائر المكلفين، مع أن الملائكة لم يخلقوا من نفس طبيعة البشر من حيث وجود الشر أو العصيان، وإنما هم لا وظيفة لهم سوى عبادة الله سبحانه وتعالى وتسبيحه وتحميده والسجود له، ومع ذلك فهم دائماً بين الخوف والرجاء يخافون الله سبحانه وتعالى، فأولى لهم أن يكونوا كالملائكة الذين لا يفعلون المعاصي وهم معصومون منها، فما بالك بمن ليله ونهاره في معصية الله سبحانه وتعالى، فلاشك في أنه لو فقه وعلم حق العلم لكان أشد خشية لله سبحانه وتعالى، فهذا حال جبريل -وهو أفضل الملائكة- يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى). فيفهم من ذلك أن الملائكة يكونون بين الخوف من الله سبحانه وتعالى ورجائه كسائر المكلفين