الراحل
قــــــــصة قصـــــــــــيرة [ هذه قصة مرت احداثها خلال اعوام الماساة الوطنية ...لكن الله وفق الرئيس بوتفليقة لطي تلك الصفحة المؤلمة من حياة الجزائريين والحمد لله رب العالمين ..] كتبتها عام 1997
ونشرت في احدى الجرائد اليومية 5 اكتوبر 1997 ... الــــــــــــــــــــــراحل
الإهـــــــــداء :
إلى كل مواطني الجزائر العميقة ...
إلى كل راحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل...
أهــــــــــــــــــــــــــــــدي قصـــــــــتي .....
في مساء ذات يوم من أيام ربيع عام 1997...في مدينة من مدن الجزائر ...تجمع عدد غفير من الناس في جنازة مهيبة ...كانت التوابيت تعلو الرؤوس ..سارت الجنازة وسط الرجال الذين انتابهم شعور هو خليط بين الدهشة والحزن..ثم توقفت الجموع أمام عدد من القبور المهيأة سلفا..راح الناس يتبادلون المجارف لإهالة التراب على أجساد كانت بالأمس القريب تتقد حيوية ونشاطا ..لفت نظر الحضور مشهد ذلك الرجل المعمم الذي كان يمعن النظر في مجموعة من التوابيت ففهم الناس انها لعائلة واحدة ..مالأمر ..؟ من يكون هؤلاء الأموات ؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت تدور في خيال الكثير ..وكان الجواب حاضرا على لسان أحد الناجين من الموت ..لقد تجمع حوله نفر من الناس تحت شجرة في زاوية من زوايا المقبرة ، يتحدث إليهم بصوت منخفض ونبرة محزونة ...قائلا : تلك النعوش هي لرجل وعائلته ..ذاك الذي طلع علينا ذات مساء من هناك ..قادما من أقصى الريف إلى جارنا الكريم العم أحمد ..فأكرمه وأهله كل الإكرام ...وصمت قليلا ...لقد كانت العبرات تخنقه .... ينظر حواليه فيرى تلك الجموع من الناس متجمهرة حول القبور يعلو وجوههم الغبار المتصاعد ...يتنفس الصعداء ...يقلب نظره لسامعيه ..يواصل حديثه ..يسأله أحد الحضور مقاطعا ..من يكون هذا الرجل ومن أي القرى هو ..؟ يصمت الحاضرون وهم يستمعون إلى محدثهم يروي لهم قصة ذلك الرجل بكلمات تبد الحيرة وترضي الفضول ..آه ..لقد تعرفت عليه خلال هذه الأيام التي قضاها في حينا ..وحكى لي كل مراحل رحلته..كان يعرف في القرية التي هاجر منها باسم سي رابح ...يضرب به المثل في قلة ذات اليد وكثرة العيال ..كده في الفلاحة لم يؤمن له ولعائلته إلا اليسير من الرزق والكفاف من العيش يكاد لا يسد الرمق.. وشحت السماء هذا العام ..وفقد سي رابح الأمل في محصول يكفيه وعياله ...لقد زاد هم سي رابح كثيرا مما يصل سمعه من أخبار الليل المروعة ...تلك المجازر التي طالت سكان قرى الأرياف العزل ونسائهم وذراريهم هذه الأيام ..فهو يشهد يوميا جارا عزيزا يغادر القرية الى وجهة مجهولة ...وتتوالى الأيام ويكثر الراحلون .. وتزداد غربة سي رابح في قريته التي نشأ فيها وتربى بين أهلها ...ويشتد صمته وتعظم حيرته ، فهو الفقير الذي يجد نفسه عاجزا في كثير من المرات عن توفير القوت للعيال فضلا عن أن يهجر بعيدا ..وتتداخل في نفسه الكثير من الأشجان .....وتحضره صورا من الذكريات بدءا من طفولته مرورا بزواجه وبعدها كدحه المستمر لإسعاد زوجته وأولاده ...وبينما سي رابح يجول بخياله بعيدا وإذا بصوت يقطع هدوءه ويفسد متعته ، إنها عائشة أم أولا ده تناديه وتقول : إن الجيران يرحلون دون توديعنا ولا السؤال عنا ؟
ويقبل الإبن مسرعا نحو الدار مذعورا وكأن به مسا من الجن ..وتتقدم إليه الأم وهي تقول له : ماذا جرى لك ؟ وتنظر إلى أبيه تقول :
( ياراجل شوف ابنك واش بيه ) .
ينظر سي رابح إلى ابنه نظرة شفقة وكأنه قد عرف مصاب ابنه ..ويكلمه بهدوء قائلا له :يابني اذهب إلى صديقك عمر والعب معه ..ولم يكد ينتهي الأب من كلماته حتى كان جواب الطفل حاضرا ...ياأبي لقد رحل صديقي عمر ولم أجد من ألعب معه ..يصمت الأب طويلا ، إنه يفكر في جواب لمأساته ، وتدور في خلده حينها صورة التضحية كتلك التي راودت إسماعيل حين هم أبوه إبراهيم عليه السلام بذبحه تنفيذا لرؤيا رآها في المنام يأمره فيها ربه بذلك ..؟
لقد انقلبت الصورة في ذهن الرجل ، فهو يرى ان موته دون أهله أهون من أن يتيهوا في الأرض على وجوههم ..ينال منهم الهوان ونظرات الناس كل منال ...
هاهي الشمس مالت نحو الغروب ..واسود جانب هذا الليل..وتحولت الحركة إلى سكون ..وبدأت ظلال من الصمت الرهيب تخيم على القرية ..يبيت سي رابح ليله أرقا ..يحسب كل حساب خوفا من أن يطاله القتل ليلا مثل ما حدث في بعض القرى هذه الأيام..؟ طال ذاك الليل وانبلج صبحه بصياح الديكة ..نهضت عائشة لتحضر فطور الصباح لزوجها وأولادها ...ويتوضأ سي رابح ويصلي الفجر ..وبعد مدة ينهض الأبناء ...تقوم الأم بشؤونهم .. وما إن بزغت الشمس حتى حتى خرج سي رابح من بيته ..ووجد نفسه وحيدا في قرية هجرها أهلها ..مساكنها خاوية على عروشها ..وينظر يمينا وشمالا عله يجد أنيسا ..لكن الكل هجر القرية بدون توديع ..ويدخل سي رابح بيته قائلا لزوجته : لا بد من أن نرحل هذا اليوم ..وترد الزوجة وإلى أين ..؟ سي رابح : سنرحل إلى القرية المحاذية للمدينة ..وسنمكث هناك فترة من الزمن عند أحد معارفي ..
ينادي سي ابنه : احضر الحمار ياعلي ..
كانت الحسرة بادية على الوجوه ..والمرارة تعصر القلوب ..والدموع تملأ المآقي والجفون ..وتتجمع الأسرة على حزم الأمتعة ..وأي متاع ذاك الذي يحمل على حمار..إنه شيء من الفراش وأدوات المطبخ .. وحين أذن بالانطلاق كانت دموع العائلة غزيرة وحزنها عظيم ..إنهم يرحلون ولكنهم لم يجدوا من يودعون..؟ غير تلك الجدران التي كانت رأسمالهم الوحيد في هذه الدنيا..وتسير القافلة يتقدمها حمار عليه متاع ..والأب والأم كل منهم يحمل ما أمكن حمله ..فالأم أبت إلا أن تحمل دجاجاتها.. والبنت الصغرى تحتضن قطتها التي طالما الفتها ..وتركوا الخيار للجرو الذي طالما نبح في وجه كل غريب عن البيت هاهو يقتفي أثر من ألفهم ولقد كف عن النباح لأنه أصبح هو الغريب في العالم الجديد..الراحلون يعلوهم الصمت..وعيونهم ترسل غيثا مدرارا على أرض هذه القرية ...وسي رابح ذلك الرجل الكادح يتفطر قلبه كمدا ، ولكنه يكظم غيضه ..وهم يسيرون على حافة الطريق يشقون طريقهم نحو المجهول لا يدرون كيف سيقضون ليلتهم المقبلة ومع من الأولاد سيلعب أولادهم ..؟أسئلة تدور في أذهانهم طول الطريق ، ويزيد من انسهم انهم وهم سائرون يمر عليهم راحلون يحملون متاعهم وذراريهم في شاحنات وسيارات ..هؤلاء هم الراحلون بسرعة وأولئك هم الراحلون ببطء ..
يمر سي رابح على جماعة من الناس فيلقي عليهم التحية ويردون عليه ويلحظ تهامسهم ..إنه مسكين ، لم يجد ما يحمل متاعه إلا حمار..ولم يستطيع كراء سيارة تقل زوجته وأبناءه إلى المدينة ..إنهم ضحايا أزمة ..ويصل سي رابح المدينة فاتحا لقلوب سكانها الذين طالما نعتوا أهل الريف بشتى الصفات ..هاهم أولاء تتفجر قلوبهم عطفا وهم يشهدون تلك العائلة وهي تمر بمحاذاة الشارع الرئيسي للمدينة، وكانت الوجهة إلى أحد المعارف القديمة للرجل ..الذي أسكنه في غرفة من غرف بيته ..يومها كان التعب باديا على الوجوه ..الأجسام مثقلة ..إنها الرحلة الشاقة والألم الدفين ...
وتمر الأيام هناك ..تطلع شمس أحد هذه الأيام وهي تنعي عددا غير قليل من سكان هذه القرية التي تقع امتدادا للمدينة.. نعم لقد داهمها الليلة الماضية مسلحون غرباء فأبادوا بعضا من أهلها..ويتفرس الناس الجثث فيجدوا من بينها ذلك الرجل وعائلته..لقد رحل إلى دار أخرى حيث الأمن والعدل وكانت فتحا آخر للقلوب القاسية وكان مفتاحه هو ذاك الرجل وعائلته..ومادته اللزجة هي تلك الدماء الفوارة الغزيرة التي سالت من سي رابح وأهله ..ويرحل هذه المرة ليس إلى مدينة أخرى ولكن إلى حياة أخرى ..محلقا بروحه الخالدة ..لا ماشيا بخطى فانية ..وكان ذلك ذات مساء من يــــــــــــــــوم.. [ وفي الاخير تقبلوا تحياتي في انتظار تعليقاتكم وتصويباتكم ]
ونشرت في احدى الجرائد اليومية 5 اكتوبر 1997 ... الــــــــــــــــــــــراحل
الإهـــــــــداء :
إلى كل مواطني الجزائر العميقة ...
إلى كل راحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل...
أهــــــــــــــــــــــــــــــدي قصـــــــــتي .....
في مساء ذات يوم من أيام ربيع عام 1997...في مدينة من مدن الجزائر ...تجمع عدد غفير من الناس في جنازة مهيبة ...كانت التوابيت تعلو الرؤوس ..سارت الجنازة وسط الرجال الذين انتابهم شعور هو خليط بين الدهشة والحزن..ثم توقفت الجموع أمام عدد من القبور المهيأة سلفا..راح الناس يتبادلون المجارف لإهالة التراب على أجساد كانت بالأمس القريب تتقد حيوية ونشاطا ..لفت نظر الحضور مشهد ذلك الرجل المعمم الذي كان يمعن النظر في مجموعة من التوابيت ففهم الناس انها لعائلة واحدة ..مالأمر ..؟ من يكون هؤلاء الأموات ؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت تدور في خيال الكثير ..وكان الجواب حاضرا على لسان أحد الناجين من الموت ..لقد تجمع حوله نفر من الناس تحت شجرة في زاوية من زوايا المقبرة ، يتحدث إليهم بصوت منخفض ونبرة محزونة ...قائلا : تلك النعوش هي لرجل وعائلته ..ذاك الذي طلع علينا ذات مساء من هناك ..قادما من أقصى الريف إلى جارنا الكريم العم أحمد ..فأكرمه وأهله كل الإكرام ...وصمت قليلا ...لقد كانت العبرات تخنقه .... ينظر حواليه فيرى تلك الجموع من الناس متجمهرة حول القبور يعلو وجوههم الغبار المتصاعد ...يتنفس الصعداء ...يقلب نظره لسامعيه ..يواصل حديثه ..يسأله أحد الحضور مقاطعا ..من يكون هذا الرجل ومن أي القرى هو ..؟ يصمت الحاضرون وهم يستمعون إلى محدثهم يروي لهم قصة ذلك الرجل بكلمات تبد الحيرة وترضي الفضول ..آه ..لقد تعرفت عليه خلال هذه الأيام التي قضاها في حينا ..وحكى لي كل مراحل رحلته..كان يعرف في القرية التي هاجر منها باسم سي رابح ...يضرب به المثل في قلة ذات اليد وكثرة العيال ..كده في الفلاحة لم يؤمن له ولعائلته إلا اليسير من الرزق والكفاف من العيش يكاد لا يسد الرمق.. وشحت السماء هذا العام ..وفقد سي رابح الأمل في محصول يكفيه وعياله ...لقد زاد هم سي رابح كثيرا مما يصل سمعه من أخبار الليل المروعة ...تلك المجازر التي طالت سكان قرى الأرياف العزل ونسائهم وذراريهم هذه الأيام ..فهو يشهد يوميا جارا عزيزا يغادر القرية الى وجهة مجهولة ...وتتوالى الأيام ويكثر الراحلون .. وتزداد غربة سي رابح في قريته التي نشأ فيها وتربى بين أهلها ...ويشتد صمته وتعظم حيرته ، فهو الفقير الذي يجد نفسه عاجزا في كثير من المرات عن توفير القوت للعيال فضلا عن أن يهجر بعيدا ..وتتداخل في نفسه الكثير من الأشجان .....وتحضره صورا من الذكريات بدءا من طفولته مرورا بزواجه وبعدها كدحه المستمر لإسعاد زوجته وأولاده ...وبينما سي رابح يجول بخياله بعيدا وإذا بصوت يقطع هدوءه ويفسد متعته ، إنها عائشة أم أولا ده تناديه وتقول : إن الجيران يرحلون دون توديعنا ولا السؤال عنا ؟
ويقبل الإبن مسرعا نحو الدار مذعورا وكأن به مسا من الجن ..وتتقدم إليه الأم وهي تقول له : ماذا جرى لك ؟ وتنظر إلى أبيه تقول :
( ياراجل شوف ابنك واش بيه ) .
ينظر سي رابح إلى ابنه نظرة شفقة وكأنه قد عرف مصاب ابنه ..ويكلمه بهدوء قائلا له :يابني اذهب إلى صديقك عمر والعب معه ..ولم يكد ينتهي الأب من كلماته حتى كان جواب الطفل حاضرا ...ياأبي لقد رحل صديقي عمر ولم أجد من ألعب معه ..يصمت الأب طويلا ، إنه يفكر في جواب لمأساته ، وتدور في خلده حينها صورة التضحية كتلك التي راودت إسماعيل حين هم أبوه إبراهيم عليه السلام بذبحه تنفيذا لرؤيا رآها في المنام يأمره فيها ربه بذلك ..؟
لقد انقلبت الصورة في ذهن الرجل ، فهو يرى ان موته دون أهله أهون من أن يتيهوا في الأرض على وجوههم ..ينال منهم الهوان ونظرات الناس كل منال ...
هاهي الشمس مالت نحو الغروب ..واسود جانب هذا الليل..وتحولت الحركة إلى سكون ..وبدأت ظلال من الصمت الرهيب تخيم على القرية ..يبيت سي رابح ليله أرقا ..يحسب كل حساب خوفا من أن يطاله القتل ليلا مثل ما حدث في بعض القرى هذه الأيام..؟ طال ذاك الليل وانبلج صبحه بصياح الديكة ..نهضت عائشة لتحضر فطور الصباح لزوجها وأولادها ...ويتوضأ سي رابح ويصلي الفجر ..وبعد مدة ينهض الأبناء ...تقوم الأم بشؤونهم .. وما إن بزغت الشمس حتى حتى خرج سي رابح من بيته ..ووجد نفسه وحيدا في قرية هجرها أهلها ..مساكنها خاوية على عروشها ..وينظر يمينا وشمالا عله يجد أنيسا ..لكن الكل هجر القرية بدون توديع ..ويدخل سي رابح بيته قائلا لزوجته : لا بد من أن نرحل هذا اليوم ..وترد الزوجة وإلى أين ..؟ سي رابح : سنرحل إلى القرية المحاذية للمدينة ..وسنمكث هناك فترة من الزمن عند أحد معارفي ..
ينادي سي ابنه : احضر الحمار ياعلي ..
كانت الحسرة بادية على الوجوه ..والمرارة تعصر القلوب ..والدموع تملأ المآقي والجفون ..وتتجمع الأسرة على حزم الأمتعة ..وأي متاع ذاك الذي يحمل على حمار..إنه شيء من الفراش وأدوات المطبخ .. وحين أذن بالانطلاق كانت دموع العائلة غزيرة وحزنها عظيم ..إنهم يرحلون ولكنهم لم يجدوا من يودعون..؟ غير تلك الجدران التي كانت رأسمالهم الوحيد في هذه الدنيا..وتسير القافلة يتقدمها حمار عليه متاع ..والأب والأم كل منهم يحمل ما أمكن حمله ..فالأم أبت إلا أن تحمل دجاجاتها.. والبنت الصغرى تحتضن قطتها التي طالما الفتها ..وتركوا الخيار للجرو الذي طالما نبح في وجه كل غريب عن البيت هاهو يقتفي أثر من ألفهم ولقد كف عن النباح لأنه أصبح هو الغريب في العالم الجديد..الراحلون يعلوهم الصمت..وعيونهم ترسل غيثا مدرارا على أرض هذه القرية ...وسي رابح ذلك الرجل الكادح يتفطر قلبه كمدا ، ولكنه يكظم غيضه ..وهم يسيرون على حافة الطريق يشقون طريقهم نحو المجهول لا يدرون كيف سيقضون ليلتهم المقبلة ومع من الأولاد سيلعب أولادهم ..؟أسئلة تدور في أذهانهم طول الطريق ، ويزيد من انسهم انهم وهم سائرون يمر عليهم راحلون يحملون متاعهم وذراريهم في شاحنات وسيارات ..هؤلاء هم الراحلون بسرعة وأولئك هم الراحلون ببطء ..
يمر سي رابح على جماعة من الناس فيلقي عليهم التحية ويردون عليه ويلحظ تهامسهم ..إنه مسكين ، لم يجد ما يحمل متاعه إلا حمار..ولم يستطيع كراء سيارة تقل زوجته وأبناءه إلى المدينة ..إنهم ضحايا أزمة ..ويصل سي رابح المدينة فاتحا لقلوب سكانها الذين طالما نعتوا أهل الريف بشتى الصفات ..هاهم أولاء تتفجر قلوبهم عطفا وهم يشهدون تلك العائلة وهي تمر بمحاذاة الشارع الرئيسي للمدينة، وكانت الوجهة إلى أحد المعارف القديمة للرجل ..الذي أسكنه في غرفة من غرف بيته ..يومها كان التعب باديا على الوجوه ..الأجسام مثقلة ..إنها الرحلة الشاقة والألم الدفين ...
وتمر الأيام هناك ..تطلع شمس أحد هذه الأيام وهي تنعي عددا غير قليل من سكان هذه القرية التي تقع امتدادا للمدينة.. نعم لقد داهمها الليلة الماضية مسلحون غرباء فأبادوا بعضا من أهلها..ويتفرس الناس الجثث فيجدوا من بينها ذلك الرجل وعائلته..لقد رحل إلى دار أخرى حيث الأمن والعدل وكانت فتحا آخر للقلوب القاسية وكان مفتاحه هو ذاك الرجل وعائلته..ومادته اللزجة هي تلك الدماء الفوارة الغزيرة التي سالت من سي رابح وأهله ..ويرحل هذه المرة ليس إلى مدينة أخرى ولكن إلى حياة أخرى ..محلقا بروحه الخالدة ..لا ماشيا بخطى فانية ..وكان ذلك ذات مساء من يــــــــــــــــوم.. [ وفي الاخير تقبلوا تحياتي في انتظار تعليقاتكم وتصويباتكم ]