تربيه روحيه
حكم ابن عطاء الله السكندري - مواد للتربية الروحية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سوف انقل لكم ان شاء الله مواد للتربية الروحية , وهي ان شاء الله ستقدم على حلقات.
وهي بعض من حكم ابن عطاء الله السكندري مع شرحها :
من حكم ابن عطاء الله السكندري
" إذا أردت أن تعرف قدرك عنده .. فانظر: فيما يقيمك ؟"
هذه الحكمة تعطي الإنسان ميزانين : أحدهما عام والآخر خاص ، الميزان العام يتناول طبيعة العباد : فكل إنسان يختار لنفسه دورا ورسالة في الحياة ، أدرك ذلك أم غفل عنه ، أناس غلب عليهم حب الخيرات وعمل الصالحات ، وآخرون إختاروا لأنفسهم الشر والفساد ، فطوبى لمن خلقه الله للخير وأجري الخير على يديه ، وويل لمن اختار الشر، وجري الشر على يده ، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده " (صحيح الجامع الصغير) ، وفي الأثر : " من أراد أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله تعالى من قلبه ، فإن الله تعالى ينزل العبد حيث أنزله العبد من نفسه " .
فانظر أيها السائر في أحوالك … فإن كنت ممن تعظم أمر الله وتحسن الظن به ، تمتثل أمره وتجتنب نهيه ، وتسارع في مرضاته وتتحبب إلى أوليائه ، فأنت من المكرمين ، خاصة إذا وجدت شيخا مربيا فهي بشارة طيبة ، لأنه يقال أن الله لا يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ... وأما إن كنت تتهاون في أمره وتتساهل في نواهيه ، وتتكاسل عن طاعته وتهتك حرماته وتعادي أولياءه ، فأنت من المهانين إلا أن تداركتك عناية من رب العالمين
والميزان الخاص يتناول ساعات العبد وأوقاته ، فعليك أن تراجع نفسك الحين بعد الحين ، وتنظر إلى العمل الذي بين يديك ، وتزنه بميزان هذه الحكمة ، فتستبشر بالخير وتزيد إن كانت أوقاتك في الصلاح ، أو تنزجر وتعود وتنيب إذا كانت في غير ذلك
واللى اللقاء في حكم ابن عطاء الله السكندري (2
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته أجمعين
من حكم ابن عطاء الله السكندري (2
" الغافل إذا أصبح نظر ماذا يفعل
، والعاقل ينظر : ماذا يفعل الله به "
الغافل إذا أصبح نظر ماذا يفعل بنفسه ، فيدبر شؤونه ومآربه بعقله وبحدسه ، فهو ناظر لفعله ، معتمد على حوله وقوته ، فإذا فسخ القضاء ما أبرمه ، وهدم له ما أمله ، غضب وسخط وحزن وقنط، فنازع ربه وأساء أدبه ، فلا جرم أنه يستحق من الله البعد ، ويستوجب في قلبه الوحشة والطرد ، إلا إن حصل له إياب ، وتذكر وأناب ، وأدام الوقوف بالباب حتى يلحق بأولي الألباب ، الذين فهموا أن كل ما يقضيه لهم ربهم .. إنما هو الخير لهم .
وأما العاقل وهو العارف فلا يمر بذلك ، فقد تحققت في قلبه عظمة ربه وانجمع إليه بكلية قلبه ، فأشرقت في قلبه شموس العرفان وطوى من نظره وجود الأكوان ، فليس له عن نفسه أخبار ولا مع غير الله قرار، تصرفه بالله ومن الله وإلى الله ، فقد فني عن نفسه وبقي بربه فلم ير لها تركا ولا فعلا ولا قوة ولا حولا ، فإذا أصبح نظر ماذا يفعل الله به ، فتلقى كل ما يرد عليه بالفرح والسرور والبهجة والحبور لما هجم عليه من حق اليقين والغنى برب العالمين ...
قال عمر بن عبد العزيز : " أصبحت ومالي سرور إلا مواقع القدر ".
وقال أبو عثمان : " منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ، ولا نقلني إلى غيره فسخطه" .
فإذا أراد العبد أن يكون تصرفه بالله فلينعزل عن حظوظه وهواه ، فإذا أراد أن يفعل أمرا فليتأن ويصبر ويستمع إلى الهاتف ، فإن الله سبحانه وتعالى يسمعه ما يريد أن يتوجه إليه فعلا أو تركا ، قال ابن عجيبة عن نفسه : وقد جربنا هذا في سفرنا وإقامتنا فكنا لا نتصرف إلا بإذن خاص والحمد لله .
فعليك أيها المريد بالاعتناء بهذا الأمر ، وبملازمة الأدعية التي تكسب الرضا والتسليم ، والمقصود منها تدبر معانيها لا مجرد ألفاظها ، فالمراد المعاني لا الأواني ... فقد ورد في الأثر :
" اللهم إني أصبحت لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني ولا أتقي إلا ما وقيتني ، فوفقني اللهم لما ترضاه مني من القول والفعل ، وفي عافية وستر ، إنك على كل شئ قدير " ،
( وفي رواية : لما تحبه وترضاه من القول والعمل في طاعتك إنك ذو الفضل العظيم )
وكالدعاء المنسوب لعيسى عليه السلام ، وورد في الإحياء ، تعبيرا عن هذا المعنى :
" اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبح الأمر بيد غيري ، وأصبحت مرتهنا بعملي ، فلا فقير أفقر مني ، اللهم لا تشمت بي عدوي ، ولا تسئ بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي في ديني ، ولا تجعل الدنيا أكبر همي ، ولا تسلط علي من لا يرحمني يا حي يا قيوم " ..
وفي هذا المعنى كان دعاء أبي الحسن الشاذلي : " اللهم إن الأمر عندك ... وهو محجوب عني ولا أعلم أمرا أختاره لنفسي ، فكن أنت المختار لي ، واحملني في أجمل الأمور عندك ، وأحمدها عاقبة في الدين والدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير "
يقول الدكتور البوطي (بتصرف) : " يجب على المسلم أن يعلم أنه لا يستقل بأمر نفسه في أفعاله ، وإنما هو مقود بقرار الله وقضائه ، وبعونه وبتدبيره ، والتخطيط في حياة المسلم أمر مندوب ، وهو من عالم النوايا التي يجازى عليها ، وهي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذن فلا حرج أن يخطط المسلم ليومه بل ذلك هو الأولى - ولكن عليه أن يعلم أن التنفيذ الفعلي لذلك التخطيط يتوقف على توفيق الله وقضائه وقدره ، ولعل الحيلولة بين المرء وما أراد في أمر ما هو كل الخير ، لأن الإنسان علمه محدود ، والمؤمن الحق لا يكون إلا واثقا بحكمة الله ورحمته ، وأن ما اختاره الله له هو الخير ، وإن كان ظاهره على خلاف ذلك ، قال تعالى : " فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " ، وحتى في الأمور التي لايستبين له ولا لغيره وجه الخير فيها ، فإن المسلم قد يرى فيها تربية من الله له ، وإيقاظ له من الغفلة إلى مزيد من الإنضباط ، فهي وإن تلقاها ضربات موجعة ، ولكنها كعصى المؤدب ، قال الشاعر :
فقسى ليزدجروا ، ومن يك راحما فليقس أحيانا على من يرحم "
ورحم لله من قال : ورب مكروه عندك نعمة ، نجاك الله به من نقمة ، وأحلك به صهوة القمة ، فلا تكره ما قدره الله وأتمه ...
فالعاقل أول خاطر يرد عليه نسبة الفعل إلى الله فيقول : ماذا يفعل الله بي ، فهو ناظر إلى الله تعالى ، وإلى ما يرد عليه منه ... فانظر إذا استقبلك شغل ... فإن عاد قلبك في أول وهلة إلى حولك وقوتك فأنت المنقطع عنه ، وإن عاد قلبك إلى الله فأنت الواصل إلى الله .. وكل العالم في قبضته سبحانه ...
واعتبر بعمرة الحديبية ، وذلك إن النبي صلى الله عليه وسلم عند بروك ناقته لما أراد توجيهها إلى البيت الحرام قال : إنما حبسها حابس الفيل ، ولا تدعوني اليوم قريش إلى خطة فيها صلة رحم إلا أجبتهم إليها " ، وكان ما تم وأنزل الله سورة الفتح ، فظهرت بعد ذلك الفوائد التي تضمنها ذلك التدبير والتقدير الحسن
والى اللقاء في من حكم ابن عطاء الله السكندري (3)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من حكم ابن عطاء الله السكندري (3)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" متى جعلك في الظاهر ممتثلا لأمره وفي الباطن مستسلما لقهره
فقد أعظم المنة عليك "
إنه استسلام العبد لكل ما قضى الله به في حقه ، في اليسر والعسر ، والمنشط والمكره ، قال تعالى : " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ، وإلى الله عاقبة الأمور" ( لقمان 22
فمتى جعلك أيها الإنسان في الظاهر ممتثلا لأمره ومجتنبا لنهيه ، وفي الباطن مستسلما لقهره ( الشدائد والصعاب على اختلافها ) ، فقد أعظم المنة عليك ، حيث أراح ظاهرك من عنت المخالفة ، وأراح باطنك من تعب المنازعة " والله ذو الفضل العظيم " .
يقول الدكتور البوطي (بتصرف) : " المراد بالاستسلام هنا الصبر مع الرضا على ما قضى به الله عز وجل ، وهذا الرضا من أحوال الباطن ، أما الاستسلام القسري الذي يشترك فيه الناس جميعا ، فهو مظهر لضعف الإنسان وعجزه عن رد ما قد قضى الله عليه به ، وهو ليس أمرا باطنيا ، بل هو من أحوال الظاهر ... والتكاليف التي خاطبنا الله بها هي الأخرى صنف من أصناف تلك الشدائد ، ولولا ذلك لما سميت بالتكاليف ..
والرضا بالشيء لا يتنافى مع ما قد يجده الراضي من الآلام بسببه ، ألا ترى المريض كيف يرضى بإجراء العمل الجراحي الذي لابد له منه مع ما يعلم من تسببه لآلام ومزعجات شتى ؟ وفي هذه الحالة لابد أن يجتمع الرضا مع الصبر .. ينبثق الرضا من قرار العقل وحكمته ، وينبثق الصبر من واقع الألم وضروراته
من حكم ابن عطاء الله السكندري (4)
"ا يخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك
وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك "
الطرق : هي السبل الموصلة إلى مرضاة الله عز وجل ، وهي في أصلها سبيل واحد ، لا ثاني له ، قال تعالى : " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " (الأنعام 153) ، ولعله لذلك السبب تأتي كلمة الظلام في كتاب الله دائما بلغة الجمع (ظلمات) ، ولا يأتي النور إلا مفردا .
الهوى : هو الشيء الذي يقابل العقل ويقابل الدين وتميل إليه النفس .
لاشك أن الله سبحانه بين لنا طريق الوصول ، عبر آيات الكتاب الحكيم ، وعلى لسان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فما ترك عليه الصلاة والسلام شيئا يقربنا إلى الله إلا ودلنا عليه ، ولا شيئا يبعدنا عنه إلا حذرنا منه ، فما رحل إلى الله تعالى حتى ترك الناس على الدين القويم والمنهاج المستقيم ، على طريق بيضاء لا يضل عنها إلا من كان أعمى ، قال تعالى :
" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " (المائدة 3
وقال تعالى : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " (البقرة 256
وفي الأثر : " لقد تركتكم على الحنيفية السمحة " ، وفي رواية : " على الملة البيضاء نهارها كليلها " . وقال أحدهم : من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له .
فلا يخاف عليك التباس الهدى ، إنما يخاف عليك إتباع الهوى .. فلا يخاف عليك التباس الحق ، وإنما يخاف عليك جهلة الخلق ... قال تعالى :
" وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سييل الله ، إن يتبعون إلا الظن ، وإن هم إلا يخرصون" (الأنعام 116..
فلا يخاف عليك عدم وجود أهل التحقيق ، وإنما يخاف عليك قطاع الطريق …
فإذا التبس الأمر ، فلينظر المسلم إلى الأقرب إلى الهوى فيخالفه ، وعلى الإنسان أن يكون دائم الحذر يحاسب نفسه دائما ، هل هو سائر في طريق ما كأثر من آثار الهوى ، أو كأثر من آثار حظوظ النفس ، وليحاول أن يرجع إلى الحق الصريح الواضح وليستعن بالله .
من حكم ابن عطاء الله السكندري (5)
من علامة النجاح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات "
إذا توجهت همتك أيها المريد إلى طلب شئ ، أي شئ كان ، وأردت أن ينجح أمره ، وتبلغ مرادك فيه ، وتكون نهايته حسنة وعاقبته محمودة ، فارجع إلى الله في بداية طلبه ، وانسلخ من حولك وقوتك ، وقل كما قال عليه الصلاة والسلام :
" إن يكن هذا من عند الله يمضه " (صحيح الجامع الصغير) ، فلا تحرص عليه ولا تهتم بشأنه ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ ربنا لم يكن ، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله لك لم يقدروا على ذلك ، ولو اجتمعوا على أن
يضروك بشيء لم يقدره الله عليك لم يقدروا على ذلك ، جفت الأقلام ، وطويت الصحف .
وتأمل هذا الحديث الجامع : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، إحرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا و كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " ( رواه مسلم ) ، ولاحظ قوله عليه الصلاة والسلام : " استعن بالله ولاتعجز " فقد قدم الأمر بالإستعانة بالله ، على النهي عن العجز ، لكي يعلم الإنسان أن سبيل تخلصه من العجز إنما هو الإستعانة بالله عز وجل .
فإذا طلبت شيئا وكنت فيه معتمدا على الله ومفوضا أمرك إليه سبحانه كان ذلك علامة نجاح نهايتك وحصول مطلبك قضيت في الحس أو لم تقض ، لأن مرادك مع مراد الله… لا تشتهي إلا ما قضى الله ، ولا تنظر إلا ما برز من عند الله .
ومن الرجوع إلى الله في البداية أن يحكم الأصل الشرعي من نقطة الانطلاق ، وبالإستشارة والاستخارة … فأي قضية مباحة تحتاج إلى استشارة واستخارة ، ويتخير لاستشارته الأمين العليم الكتوم .
من حكم ابن عطاء الله السكندري (6)
" من أشرقت بدايته أشرقت نهايته "
إشراق البداية : هو الدخول فيها بالله ، وطلبها بالله ، والاعتماد فيها على الله ، مع السعي في أسبابها والاعتناء في طلبها ، ويعظم السعي في السبب بقدر عظمة المطلب ، فبقدر المجاهدة تكون بعدها الهداية والعاقبة الحسنة ، قال تعالى :
" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " (العنكبوت 69)
وقال تعالى : " إن رحمة الله قريب من المحسنين " (الأعراف 56)
فمن رأيناه في بدايته جادا في طلب الحق، مستغرقا في خدمة مولاه ناسيا لحظوظه وهواه ، علمنا أن نهايته مشرقة وعاقبته محمودة ومآربه مقضية …
وأما إشراق البداية في طلب حوائج الدنيا بعد أخذ الأسباب الشرعية في طلبها ، فهو بالزهد فيها والإعراض عنها ، والانشغال بالله عنها حتى تقضى بإذن الله
حكم ابن عطاء الله السكندري (7)
"ما توقف مطلب أنت طالبه بربك
ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك "
إذا عرضت لك حاجة من حوائج الدنيا والآخرة وأردت أن تقضي لك سريعا فاطلبها بالله ولا تطلبها بنفسك ، فإنك إذا طلبتها بالله تيسر أمرها وسهل قضاؤها ، وإن طلبتها بنفسك صعب قضاؤها وتعسر أمرها قال تعالى :
قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله
يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " (الأعراف 128)
فكل من استعان بالله وصبر في طلب حاجته كانت العاقبة له …
وقال تعالى :
" ومن يتوكل على الله فهو حسبه " (الطلاق :3) ، أي كافيه كل ما أهمه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي عبد الله بن عباس : " يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " (صحيح الترمذي صححه الألباني
وقال صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه وهو عبد الرحمن بن سمرة : " يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها " (مسند الإمام أحمد
وعلامة الطلب بالله هو الزهد في ذلك الأمر والاشتغال بالله عنه ، فإذا جاء وقته تكون بإذن الله .
وعلامة الطلب بالنفس هو الحرص والبطش إليه ، فإذا تعذر عليه انقبض ، فمن طلب حوائجه بالله قضيت معنى وإن لم تقض حسا
والعمل لله من أهل قوله تعالى : " إياك نعبد
والعمل بالله من أهل قوله تعالى : " وإياك نستعين " (الفاتحة 5
فكل شئ تطلبه بالله سهل ، وكل شئ تطلبه بنفسك صعب فلا تطلب طلبا إلا بالله مهما كان صغيرا ، ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعوا الله عز وجل في الصغيرة والكبيرة حتى إذا انقطع شسع نعلنا : " ليسأل أحدكم ربه حاجته ، حتى يسأله الملح ، وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع " (سنن الترمذي
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نعتمد على أنفسنا وهو مقتضى قولنا " لا حول ولا قوة إلا بالله ".
وهذه الحكمة إنما تخاطب المؤمنين ، أما الكافرون فينطبق عليهم قول الله تعالى : "كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محظورا " (الإسراء 20) ، فالأخذ بالأسباب قد تعقبه بعض النتائج ، ولكن العاقبة للمتقين ، قال تعالى " لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " (آل عمران 196-197) ، فلله سبحانه وتعالى سنن مع المؤمنين : من توفيق وتيسير ولطف وبركة ، وسنن مع الكافرين : من امتحان وإمهال واستدراج ، ثم أخذ عزيز مقتدر
من حكم ابن عطاء الله السكندري (8
إن لم تحسن ظنك به لأجل جميل وصفه
فحسن ظنك به لأجل معاملته معك ،
فهل عودك إلا حسنا ؟ ...
وهل أسدى إليك إلا مننا ؟ "
حسن الظن بالله ناشئ عن شهود إحسانه وحسن معاملته وامتنانه ، فإذا نزلت بك قهرية أو شدة ، أنظر إلى سالف إحسانه وسابق ما أسدى إليك من حسن لطفه وامتنانه ، وعظيم رحمته وحنانه ، وقس ما يأتي على ما مضى ، تجد أنك تلقى ما يرد عليك بالقبول والرضا … فإن لم تقدر أيها المريد أن تحسن ظنك بالله لشهود وصفه بالرأفة والرحمة التي لا تتخلف ، فحسن ظنك به لوجود معاملته معك بلطفه ومننه ، فهل عودك الحق تعالى إلا برا حسنا ولطفا جميلا ؟ وهل أسدى إليك - أي أوصل إليك - إلا مننا كبيرة ونعما غزيرة :
" وآتاكم من كل ما سألتموه ، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " (إبراهيم 34
وشاهد معنى قوله تعالى :
" وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " (البقرة 216
وقس النادر على الغالب .
كان ابن مسعود يحلف بالله : ما أحسن عبد ظنه بالله تعالى إلا أعطاه الله عز وجل ذلك ، لأن الخير كله بيده ..
وتذكر دائما قوله تعالى فيما روي عنه في الحديث القدسي : " قال الله تبارك وتعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء " .. (سنن الدارمي
واحذر الشيطان… فإنه قد يذكرك سيئاتك وينسيك حسناتك ليعدل بك عن حسن الظن بالله ، فاحذر من ذلك
ومن مواطن الظن بالله تعالى التي لا ينبغي للعبد أن يفارقه فيها : أوقات الشدائد والمحن ، وسيأتي هذا المعنى في كلام المؤلف في قوله : من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره ...
فيجب على العبد أن يدرك جازما أن الله لايعامله إلا بما هو خير له ، فيجب عليه أن يحسن الظن به في كل أحواله ، سواء علم وجه المصلحة والخير في ذلك أو لم يعلم ، لأن الله عز وجل لم يعوده إلا الإحسان ، ولم يجده دائما إلا الكريم المنان ، فكيف يسيء الظن به بعد ذلك ؟ ..
من حكم ابن عطاؤ الله السكندري (9
متى أطلق لسانك بالطلب ، فاعلم أنه يريد أن يعطيك "
قال الله تعالى : " وقال ربكم ادعوني استجب لكم " (غافر 60) ، وقال سبحانه : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، أجيب دعوة الداع إذا دعان " (البقرة 186) ، وقال عز من قائل : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " (النمل 62) ..
وعن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ربكم حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إلى السماء أن يردهما صفرا " رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي والحاكم وصححه ، وفي رواية الترمذي : " أن يردهما خائبتين "
فمتى أطلق لسانك أيها المريد بالطلب لشيء تجلى في قلبك أو احتجت إليه فغلب ظنك على أن الحق تعالى أراد أن يعطيك ما طلبت منه ، فلا تحرص ولا تستعجل ، فكل شئ عنده بمقدار ، فقد وعد بإجابة دعوة المضطر ، والله لا يخلف الميعاد ، فإن أطلق لسانك في الدعاء من غير سبب ، فخير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك …
قال عليه الصلاة والسلام : " ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم " فقال رجل من القوم : إذا نكثر ، قال : " الله أكثر " (الترمذي والحاكم وصححه) ، وفي رواية للترمذي : " فإما أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن يدخر له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا "
وفي حديث حذيفة : " يأتي عليكم زمان لاينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق " (الحاكم
الدعاء والقدر:
قال عليه الصلاة والسلام : " لايرد القدر إلا الدعاء " (الحاكم وابن حبان في صحيحهما
وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر "
الحاكم وابن حبان في صحيحهما
وفي حديث عائشة رضي الله عنها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لايغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة " (الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد) ، ومعنى الحديث :
مما قد نزل : أي من بلاء نزل : بالرفع إن كان معلقا ، وبالصبر إن كان محكما . فيسهل عليه تحمل ما نزل به فيصبره عليه أو يرضيه به حتى لا يكون في نزوله متمنيا خلاف ما كان بل يتلذذ بالبلاء كما يتلذذ أهل الدنيا بالنعماء ، وذلك بسبب اللطف الذي يتلبس به .
ومما لم ينزل : أي بأن يصرفه عنه ويدفعه منه ، أو يمده قبل النزول بتأييد من يخفف عنه أعباء ذلك إذا نزل به
يعتلجان : أي : يتصارعان
قال الغزالي رحمه الله في كتاب "إحياء علوم الدين" :
" فإن قلت : فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له ؟ ... فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء ، والدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة ، كما أن الترس سبب لرد السهم ، والماء سبب لخروج النبات من الأرض ، وكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان ، فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان ، وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله عز وجل أن لا يحمل السلاح . قال عز وجل : "يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم " (النساء 71) ، وأن لا تسقى الأرض بعد نبت البذر ، فيقال : إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر ، وإن لم يسبق لم ينبت ، بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب ، وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر .
والذي قدر الخير قدره بسبب ، وكذلك الشر قدر لرفعه سببا ، فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته ، ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله عز وجل وذلك منتهى العبادات ، فالدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والإستكانة "
قال عليه الصلاة والسلام : " من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة ، وما سئل الله شيئا يعني أحب إليه من ان يسأل العافية " (سنن الترمذي
وقال عليه الصلاة والسلام : " من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء " (الحاكم في المستدرك وصححه
وقال الكتاني رضي الله عنه : لم يفتح الله لسان المؤمن بالمعذرة إلا وقد فتح له بالمغفرة
وقال الخفاف رحمه الله : وكيف لا يجيبه وهو يحب صوته ، ولولا ذاك ما منح الدعاء
حكم ابن عطاء الله السكندري (10
لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك
فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك ، لا فيما تختار لنفسك
وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد "
إذا تعلق قلبك بحاجة من حوائج الدنيا والآخرة ، فارجع إلى ما وعد الله ، واقنع بعلم الله ، ولا تحرص ، ففي الحرص تعب ومذلة . قال أحدهم : الناس تقضي حوائجهم بالحرص فيها والجري عليها ، ونحن نقضي حوائجنا بالزهد فيها والاشتغال بالله عنها
فإن تركت الحظوظ صبت عليك الحظوظ … وإذا طلبت فاطلب من الله ، قال تعالى
" وقال ربكم ادعوني أستجب لكم " (غافر 60
فإذا تأخرت الإجابة لا تيأس من نواله ورفده ، فإن الله قد ضمن لك الإجابة فيما يريد من خير الدنيا وخير الآخرة ، وقد يمنعك لطفا بك لكون ذلك المطلب لا يليق بك … وقد يكون أجابك وعين لذلك وقتا هو أصلح لك وأنفع ، فيعطيك ذلك في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وقد يؤخر ذلك لدار الكرامة والبقاء وهو خير لك وأبقى ، وفي الحديث :
قال عليه الصلاة والسلام : " ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم " فقال رجل من القوم : إذا نكثر ، قال : " الله أكثر " (الترمذي والحاكم وصححه) ، وفي رواية للترمذي : " فإما أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن يدخر له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا "
فإن كان مع اختيار الحق تعالى لا مع اختيار نفسه كان مجابا وإن لم يعط ، والأعمال بخواتمها .
فحكم العبد أن لا يختار شيئا على مولاه ، ولا يجزم بصلاحية حال من الأحوال له ، لأنه جاهل من كل وجه ، قد يكره الشيء وهو خير له ، ويحب الشيء وهو شر له ، قال تعالى : " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لاتعلمون " (البقرة 216 ..
فعلى العبد أن يسلم نفسه إلى مولاه ، ويعتقد أن الخيرة له في جميع ما به يتولاه ، وإن خالف ذلك مراده وهواه ...
قال أبو الحسن الشاذلي ( في أمور القدر ) : لا تختر من أمرك شيئا ، واختر أن لا تختار ، وفر من ذلك المختار ، ومن فرارك ، ومن كل شئ إلى الله عز وجل ...
فإذا دعا وطلب من مولاه شيئا يرى أن له فيه مصلحة أيقن بالإجابة لا محالة ، قال تعالى :
" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " (البقرة 186
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن الاستعجال في إجابة الدعاء في قوله :
"يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول : قد دعوت ربي فلم يستجب لي " (رواه الشيخان .
يقول الدكتور البوطي (بتصرف) : " إن استجبة الله لك تعني أن يحقق لك هدفك ، ولكن الله سبحانه الذي يعلم غيب السموات والأرض ، ويعلم ما قد تأتي به التقلبات والأحداث ، قد يعلم أن هذا الشيء الذي طلبته وتعلقت النفس به ، لا ينطوي في الواقع على الخير الذي ظننته ، بل وربما كان سببا لنقيضه ، فيصرف الله عنك حرفية ما طلبت ، لطفا منه ورحمة بك،ويحقق لك الهدف البعيد الذي أبتغيته بوسيلة أخرى لم تكن تخطر لك ببال.وإنه للطف كبير وعجيب من الله بالعبد أن يراه لجهالته يتعلق ببوارق ظاهرها الخير وباطنها البلاء الكبير،فيقصيه الله بلطفه ورحمته عن تلك البوارق ، ويكرمه بما يأمله ويبتغيه من حيث لا يحتسب .
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سوف انقل لكم ان شاء الله مواد للتربية الروحية , وهي ان شاء الله ستقدم على حلقات.
وهي بعض من حكم ابن عطاء الله السكندري مع شرحها :
من حكم ابن عطاء الله السكندري
" إذا أردت أن تعرف قدرك عنده .. فانظر: فيما يقيمك ؟"
هذه الحكمة تعطي الإنسان ميزانين : أحدهما عام والآخر خاص ، الميزان العام يتناول طبيعة العباد : فكل إنسان يختار لنفسه دورا ورسالة في الحياة ، أدرك ذلك أم غفل عنه ، أناس غلب عليهم حب الخيرات وعمل الصالحات ، وآخرون إختاروا لأنفسهم الشر والفساد ، فطوبى لمن خلقه الله للخير وأجري الخير على يديه ، وويل لمن اختار الشر، وجري الشر على يده ، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده " (صحيح الجامع الصغير) ، وفي الأثر : " من أراد أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله تعالى من قلبه ، فإن الله تعالى ينزل العبد حيث أنزله العبد من نفسه " .
فانظر أيها السائر في أحوالك … فإن كنت ممن تعظم أمر الله وتحسن الظن به ، تمتثل أمره وتجتنب نهيه ، وتسارع في مرضاته وتتحبب إلى أوليائه ، فأنت من المكرمين ، خاصة إذا وجدت شيخا مربيا فهي بشارة طيبة ، لأنه يقال أن الله لا يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ... وأما إن كنت تتهاون في أمره وتتساهل في نواهيه ، وتتكاسل عن طاعته وتهتك حرماته وتعادي أولياءه ، فأنت من المهانين إلا أن تداركتك عناية من رب العالمين
والميزان الخاص يتناول ساعات العبد وأوقاته ، فعليك أن تراجع نفسك الحين بعد الحين ، وتنظر إلى العمل الذي بين يديك ، وتزنه بميزان هذه الحكمة ، فتستبشر بالخير وتزيد إن كانت أوقاتك في الصلاح ، أو تنزجر وتعود وتنيب إذا كانت في غير ذلك
واللى اللقاء في حكم ابن عطاء الله السكندري (2
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته أجمعين
من حكم ابن عطاء الله السكندري (2
" الغافل إذا أصبح نظر ماذا يفعل
، والعاقل ينظر : ماذا يفعل الله به "
الغافل إذا أصبح نظر ماذا يفعل بنفسه ، فيدبر شؤونه ومآربه بعقله وبحدسه ، فهو ناظر لفعله ، معتمد على حوله وقوته ، فإذا فسخ القضاء ما أبرمه ، وهدم له ما أمله ، غضب وسخط وحزن وقنط، فنازع ربه وأساء أدبه ، فلا جرم أنه يستحق من الله البعد ، ويستوجب في قلبه الوحشة والطرد ، إلا إن حصل له إياب ، وتذكر وأناب ، وأدام الوقوف بالباب حتى يلحق بأولي الألباب ، الذين فهموا أن كل ما يقضيه لهم ربهم .. إنما هو الخير لهم .
وأما العاقل وهو العارف فلا يمر بذلك ، فقد تحققت في قلبه عظمة ربه وانجمع إليه بكلية قلبه ، فأشرقت في قلبه شموس العرفان وطوى من نظره وجود الأكوان ، فليس له عن نفسه أخبار ولا مع غير الله قرار، تصرفه بالله ومن الله وإلى الله ، فقد فني عن نفسه وبقي بربه فلم ير لها تركا ولا فعلا ولا قوة ولا حولا ، فإذا أصبح نظر ماذا يفعل الله به ، فتلقى كل ما يرد عليه بالفرح والسرور والبهجة والحبور لما هجم عليه من حق اليقين والغنى برب العالمين ...
قال عمر بن عبد العزيز : " أصبحت ومالي سرور إلا مواقع القدر ".
وقال أبو عثمان : " منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ، ولا نقلني إلى غيره فسخطه" .
فإذا أراد العبد أن يكون تصرفه بالله فلينعزل عن حظوظه وهواه ، فإذا أراد أن يفعل أمرا فليتأن ويصبر ويستمع إلى الهاتف ، فإن الله سبحانه وتعالى يسمعه ما يريد أن يتوجه إليه فعلا أو تركا ، قال ابن عجيبة عن نفسه : وقد جربنا هذا في سفرنا وإقامتنا فكنا لا نتصرف إلا بإذن خاص والحمد لله .
فعليك أيها المريد بالاعتناء بهذا الأمر ، وبملازمة الأدعية التي تكسب الرضا والتسليم ، والمقصود منها تدبر معانيها لا مجرد ألفاظها ، فالمراد المعاني لا الأواني ... فقد ورد في الأثر :
" اللهم إني أصبحت لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني ولا أتقي إلا ما وقيتني ، فوفقني اللهم لما ترضاه مني من القول والفعل ، وفي عافية وستر ، إنك على كل شئ قدير " ،
( وفي رواية : لما تحبه وترضاه من القول والعمل في طاعتك إنك ذو الفضل العظيم )
وكالدعاء المنسوب لعيسى عليه السلام ، وورد في الإحياء ، تعبيرا عن هذا المعنى :
" اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبح الأمر بيد غيري ، وأصبحت مرتهنا بعملي ، فلا فقير أفقر مني ، اللهم لا تشمت بي عدوي ، ولا تسئ بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي في ديني ، ولا تجعل الدنيا أكبر همي ، ولا تسلط علي من لا يرحمني يا حي يا قيوم " ..
وفي هذا المعنى كان دعاء أبي الحسن الشاذلي : " اللهم إن الأمر عندك ... وهو محجوب عني ولا أعلم أمرا أختاره لنفسي ، فكن أنت المختار لي ، واحملني في أجمل الأمور عندك ، وأحمدها عاقبة في الدين والدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير "
يقول الدكتور البوطي (بتصرف) : " يجب على المسلم أن يعلم أنه لا يستقل بأمر نفسه في أفعاله ، وإنما هو مقود بقرار الله وقضائه ، وبعونه وبتدبيره ، والتخطيط في حياة المسلم أمر مندوب ، وهو من عالم النوايا التي يجازى عليها ، وهي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذن فلا حرج أن يخطط المسلم ليومه بل ذلك هو الأولى - ولكن عليه أن يعلم أن التنفيذ الفعلي لذلك التخطيط يتوقف على توفيق الله وقضائه وقدره ، ولعل الحيلولة بين المرء وما أراد في أمر ما هو كل الخير ، لأن الإنسان علمه محدود ، والمؤمن الحق لا يكون إلا واثقا بحكمة الله ورحمته ، وأن ما اختاره الله له هو الخير ، وإن كان ظاهره على خلاف ذلك ، قال تعالى : " فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " ، وحتى في الأمور التي لايستبين له ولا لغيره وجه الخير فيها ، فإن المسلم قد يرى فيها تربية من الله له ، وإيقاظ له من الغفلة إلى مزيد من الإنضباط ، فهي وإن تلقاها ضربات موجعة ، ولكنها كعصى المؤدب ، قال الشاعر :
فقسى ليزدجروا ، ومن يك راحما فليقس أحيانا على من يرحم "
ورحم لله من قال : ورب مكروه عندك نعمة ، نجاك الله به من نقمة ، وأحلك به صهوة القمة ، فلا تكره ما قدره الله وأتمه ...
فالعاقل أول خاطر يرد عليه نسبة الفعل إلى الله فيقول : ماذا يفعل الله بي ، فهو ناظر إلى الله تعالى ، وإلى ما يرد عليه منه ... فانظر إذا استقبلك شغل ... فإن عاد قلبك في أول وهلة إلى حولك وقوتك فأنت المنقطع عنه ، وإن عاد قلبك إلى الله فأنت الواصل إلى الله .. وكل العالم في قبضته سبحانه ...
واعتبر بعمرة الحديبية ، وذلك إن النبي صلى الله عليه وسلم عند بروك ناقته لما أراد توجيهها إلى البيت الحرام قال : إنما حبسها حابس الفيل ، ولا تدعوني اليوم قريش إلى خطة فيها صلة رحم إلا أجبتهم إليها " ، وكان ما تم وأنزل الله سورة الفتح ، فظهرت بعد ذلك الفوائد التي تضمنها ذلك التدبير والتقدير الحسن
والى اللقاء في من حكم ابن عطاء الله السكندري (3)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من حكم ابن عطاء الله السكندري (3)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" متى جعلك في الظاهر ممتثلا لأمره وفي الباطن مستسلما لقهره
فقد أعظم المنة عليك "
إنه استسلام العبد لكل ما قضى الله به في حقه ، في اليسر والعسر ، والمنشط والمكره ، قال تعالى : " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ، وإلى الله عاقبة الأمور" ( لقمان 22
فمتى جعلك أيها الإنسان في الظاهر ممتثلا لأمره ومجتنبا لنهيه ، وفي الباطن مستسلما لقهره ( الشدائد والصعاب على اختلافها ) ، فقد أعظم المنة عليك ، حيث أراح ظاهرك من عنت المخالفة ، وأراح باطنك من تعب المنازعة " والله ذو الفضل العظيم " .
يقول الدكتور البوطي (بتصرف) : " المراد بالاستسلام هنا الصبر مع الرضا على ما قضى به الله عز وجل ، وهذا الرضا من أحوال الباطن ، أما الاستسلام القسري الذي يشترك فيه الناس جميعا ، فهو مظهر لضعف الإنسان وعجزه عن رد ما قد قضى الله عليه به ، وهو ليس أمرا باطنيا ، بل هو من أحوال الظاهر ... والتكاليف التي خاطبنا الله بها هي الأخرى صنف من أصناف تلك الشدائد ، ولولا ذلك لما سميت بالتكاليف ..
والرضا بالشيء لا يتنافى مع ما قد يجده الراضي من الآلام بسببه ، ألا ترى المريض كيف يرضى بإجراء العمل الجراحي الذي لابد له منه مع ما يعلم من تسببه لآلام ومزعجات شتى ؟ وفي هذه الحالة لابد أن يجتمع الرضا مع الصبر .. ينبثق الرضا من قرار العقل وحكمته ، وينبثق الصبر من واقع الألم وضروراته
من حكم ابن عطاء الله السكندري (4)
"ا يخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك
وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك "
الطرق : هي السبل الموصلة إلى مرضاة الله عز وجل ، وهي في أصلها سبيل واحد ، لا ثاني له ، قال تعالى : " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " (الأنعام 153) ، ولعله لذلك السبب تأتي كلمة الظلام في كتاب الله دائما بلغة الجمع (ظلمات) ، ولا يأتي النور إلا مفردا .
الهوى : هو الشيء الذي يقابل العقل ويقابل الدين وتميل إليه النفس .
لاشك أن الله سبحانه بين لنا طريق الوصول ، عبر آيات الكتاب الحكيم ، وعلى لسان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فما ترك عليه الصلاة والسلام شيئا يقربنا إلى الله إلا ودلنا عليه ، ولا شيئا يبعدنا عنه إلا حذرنا منه ، فما رحل إلى الله تعالى حتى ترك الناس على الدين القويم والمنهاج المستقيم ، على طريق بيضاء لا يضل عنها إلا من كان أعمى ، قال تعالى :
" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " (المائدة 3
وقال تعالى : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " (البقرة 256
وفي الأثر : " لقد تركتكم على الحنيفية السمحة " ، وفي رواية : " على الملة البيضاء نهارها كليلها " . وقال أحدهم : من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له .
فلا يخاف عليك التباس الهدى ، إنما يخاف عليك إتباع الهوى .. فلا يخاف عليك التباس الحق ، وإنما يخاف عليك جهلة الخلق ... قال تعالى :
" وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سييل الله ، إن يتبعون إلا الظن ، وإن هم إلا يخرصون" (الأنعام 116..
فلا يخاف عليك عدم وجود أهل التحقيق ، وإنما يخاف عليك قطاع الطريق …
فإذا التبس الأمر ، فلينظر المسلم إلى الأقرب إلى الهوى فيخالفه ، وعلى الإنسان أن يكون دائم الحذر يحاسب نفسه دائما ، هل هو سائر في طريق ما كأثر من آثار الهوى ، أو كأثر من آثار حظوظ النفس ، وليحاول أن يرجع إلى الحق الصريح الواضح وليستعن بالله .
من حكم ابن عطاء الله السكندري (5)
من علامة النجاح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات "
إذا توجهت همتك أيها المريد إلى طلب شئ ، أي شئ كان ، وأردت أن ينجح أمره ، وتبلغ مرادك فيه ، وتكون نهايته حسنة وعاقبته محمودة ، فارجع إلى الله في بداية طلبه ، وانسلخ من حولك وقوتك ، وقل كما قال عليه الصلاة والسلام :
" إن يكن هذا من عند الله يمضه " (صحيح الجامع الصغير) ، فلا تحرص عليه ولا تهتم بشأنه ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ ربنا لم يكن ، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله لك لم يقدروا على ذلك ، ولو اجتمعوا على أن
يضروك بشيء لم يقدره الله عليك لم يقدروا على ذلك ، جفت الأقلام ، وطويت الصحف .
وتأمل هذا الحديث الجامع : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، إحرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا و كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " ( رواه مسلم ) ، ولاحظ قوله عليه الصلاة والسلام : " استعن بالله ولاتعجز " فقد قدم الأمر بالإستعانة بالله ، على النهي عن العجز ، لكي يعلم الإنسان أن سبيل تخلصه من العجز إنما هو الإستعانة بالله عز وجل .
فإذا طلبت شيئا وكنت فيه معتمدا على الله ومفوضا أمرك إليه سبحانه كان ذلك علامة نجاح نهايتك وحصول مطلبك قضيت في الحس أو لم تقض ، لأن مرادك مع مراد الله… لا تشتهي إلا ما قضى الله ، ولا تنظر إلا ما برز من عند الله .
ومن الرجوع إلى الله في البداية أن يحكم الأصل الشرعي من نقطة الانطلاق ، وبالإستشارة والاستخارة … فأي قضية مباحة تحتاج إلى استشارة واستخارة ، ويتخير لاستشارته الأمين العليم الكتوم .
من حكم ابن عطاء الله السكندري (6)
" من أشرقت بدايته أشرقت نهايته "
إشراق البداية : هو الدخول فيها بالله ، وطلبها بالله ، والاعتماد فيها على الله ، مع السعي في أسبابها والاعتناء في طلبها ، ويعظم السعي في السبب بقدر عظمة المطلب ، فبقدر المجاهدة تكون بعدها الهداية والعاقبة الحسنة ، قال تعالى :
" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " (العنكبوت 69)
وقال تعالى : " إن رحمة الله قريب من المحسنين " (الأعراف 56)
فمن رأيناه في بدايته جادا في طلب الحق، مستغرقا في خدمة مولاه ناسيا لحظوظه وهواه ، علمنا أن نهايته مشرقة وعاقبته محمودة ومآربه مقضية …
وأما إشراق البداية في طلب حوائج الدنيا بعد أخذ الأسباب الشرعية في طلبها ، فهو بالزهد فيها والإعراض عنها ، والانشغال بالله عنها حتى تقضى بإذن الله
حكم ابن عطاء الله السكندري (7)
"ما توقف مطلب أنت طالبه بربك
ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك "
إذا عرضت لك حاجة من حوائج الدنيا والآخرة وأردت أن تقضي لك سريعا فاطلبها بالله ولا تطلبها بنفسك ، فإنك إذا طلبتها بالله تيسر أمرها وسهل قضاؤها ، وإن طلبتها بنفسك صعب قضاؤها وتعسر أمرها قال تعالى :
قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله
يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " (الأعراف 128)
فكل من استعان بالله وصبر في طلب حاجته كانت العاقبة له …
وقال تعالى :
" ومن يتوكل على الله فهو حسبه " (الطلاق :3) ، أي كافيه كل ما أهمه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي عبد الله بن عباس : " يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " (صحيح الترمذي صححه الألباني
وقال صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه وهو عبد الرحمن بن سمرة : " يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها " (مسند الإمام أحمد
وعلامة الطلب بالله هو الزهد في ذلك الأمر والاشتغال بالله عنه ، فإذا جاء وقته تكون بإذن الله .
وعلامة الطلب بالنفس هو الحرص والبطش إليه ، فإذا تعذر عليه انقبض ، فمن طلب حوائجه بالله قضيت معنى وإن لم تقض حسا
والعمل لله من أهل قوله تعالى : " إياك نعبد
والعمل بالله من أهل قوله تعالى : " وإياك نستعين " (الفاتحة 5
فكل شئ تطلبه بالله سهل ، وكل شئ تطلبه بنفسك صعب فلا تطلب طلبا إلا بالله مهما كان صغيرا ، ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعوا الله عز وجل في الصغيرة والكبيرة حتى إذا انقطع شسع نعلنا : " ليسأل أحدكم ربه حاجته ، حتى يسأله الملح ، وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع " (سنن الترمذي
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نعتمد على أنفسنا وهو مقتضى قولنا " لا حول ولا قوة إلا بالله ".
وهذه الحكمة إنما تخاطب المؤمنين ، أما الكافرون فينطبق عليهم قول الله تعالى : "كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محظورا " (الإسراء 20) ، فالأخذ بالأسباب قد تعقبه بعض النتائج ، ولكن العاقبة للمتقين ، قال تعالى " لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " (آل عمران 196-197) ، فلله سبحانه وتعالى سنن مع المؤمنين : من توفيق وتيسير ولطف وبركة ، وسنن مع الكافرين : من امتحان وإمهال واستدراج ، ثم أخذ عزيز مقتدر
من حكم ابن عطاء الله السكندري (8
إن لم تحسن ظنك به لأجل جميل وصفه
فحسن ظنك به لأجل معاملته معك ،
فهل عودك إلا حسنا ؟ ...
وهل أسدى إليك إلا مننا ؟ "
حسن الظن بالله ناشئ عن شهود إحسانه وحسن معاملته وامتنانه ، فإذا نزلت بك قهرية أو شدة ، أنظر إلى سالف إحسانه وسابق ما أسدى إليك من حسن لطفه وامتنانه ، وعظيم رحمته وحنانه ، وقس ما يأتي على ما مضى ، تجد أنك تلقى ما يرد عليك بالقبول والرضا … فإن لم تقدر أيها المريد أن تحسن ظنك بالله لشهود وصفه بالرأفة والرحمة التي لا تتخلف ، فحسن ظنك به لوجود معاملته معك بلطفه ومننه ، فهل عودك الحق تعالى إلا برا حسنا ولطفا جميلا ؟ وهل أسدى إليك - أي أوصل إليك - إلا مننا كبيرة ونعما غزيرة :
" وآتاكم من كل ما سألتموه ، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " (إبراهيم 34
وشاهد معنى قوله تعالى :
" وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " (البقرة 216
وقس النادر على الغالب .
كان ابن مسعود يحلف بالله : ما أحسن عبد ظنه بالله تعالى إلا أعطاه الله عز وجل ذلك ، لأن الخير كله بيده ..
وتذكر دائما قوله تعالى فيما روي عنه في الحديث القدسي : " قال الله تبارك وتعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء " .. (سنن الدارمي
واحذر الشيطان… فإنه قد يذكرك سيئاتك وينسيك حسناتك ليعدل بك عن حسن الظن بالله ، فاحذر من ذلك
ومن مواطن الظن بالله تعالى التي لا ينبغي للعبد أن يفارقه فيها : أوقات الشدائد والمحن ، وسيأتي هذا المعنى في كلام المؤلف في قوله : من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره ...
فيجب على العبد أن يدرك جازما أن الله لايعامله إلا بما هو خير له ، فيجب عليه أن يحسن الظن به في كل أحواله ، سواء علم وجه المصلحة والخير في ذلك أو لم يعلم ، لأن الله عز وجل لم يعوده إلا الإحسان ، ولم يجده دائما إلا الكريم المنان ، فكيف يسيء الظن به بعد ذلك ؟ ..
من حكم ابن عطاؤ الله السكندري (9
متى أطلق لسانك بالطلب ، فاعلم أنه يريد أن يعطيك "
قال الله تعالى : " وقال ربكم ادعوني استجب لكم " (غافر 60) ، وقال سبحانه : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، أجيب دعوة الداع إذا دعان " (البقرة 186) ، وقال عز من قائل : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " (النمل 62) ..
وعن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ربكم حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إلى السماء أن يردهما صفرا " رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي والحاكم وصححه ، وفي رواية الترمذي : " أن يردهما خائبتين "
فمتى أطلق لسانك أيها المريد بالطلب لشيء تجلى في قلبك أو احتجت إليه فغلب ظنك على أن الحق تعالى أراد أن يعطيك ما طلبت منه ، فلا تحرص ولا تستعجل ، فكل شئ عنده بمقدار ، فقد وعد بإجابة دعوة المضطر ، والله لا يخلف الميعاد ، فإن أطلق لسانك في الدعاء من غير سبب ، فخير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك …
قال عليه الصلاة والسلام : " ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم " فقال رجل من القوم : إذا نكثر ، قال : " الله أكثر " (الترمذي والحاكم وصححه) ، وفي رواية للترمذي : " فإما أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن يدخر له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا "
وفي حديث حذيفة : " يأتي عليكم زمان لاينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق " (الحاكم
الدعاء والقدر:
قال عليه الصلاة والسلام : " لايرد القدر إلا الدعاء " (الحاكم وابن حبان في صحيحهما
وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر "
الحاكم وابن حبان في صحيحهما
وفي حديث عائشة رضي الله عنها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لايغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة " (الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد) ، ومعنى الحديث :
مما قد نزل : أي من بلاء نزل : بالرفع إن كان معلقا ، وبالصبر إن كان محكما . فيسهل عليه تحمل ما نزل به فيصبره عليه أو يرضيه به حتى لا يكون في نزوله متمنيا خلاف ما كان بل يتلذذ بالبلاء كما يتلذذ أهل الدنيا بالنعماء ، وذلك بسبب اللطف الذي يتلبس به .
ومما لم ينزل : أي بأن يصرفه عنه ويدفعه منه ، أو يمده قبل النزول بتأييد من يخفف عنه أعباء ذلك إذا نزل به
يعتلجان : أي : يتصارعان
قال الغزالي رحمه الله في كتاب "إحياء علوم الدين" :
" فإن قلت : فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له ؟ ... فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء ، والدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة ، كما أن الترس سبب لرد السهم ، والماء سبب لخروج النبات من الأرض ، وكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان ، فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان ، وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله عز وجل أن لا يحمل السلاح . قال عز وجل : "يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم " (النساء 71) ، وأن لا تسقى الأرض بعد نبت البذر ، فيقال : إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر ، وإن لم يسبق لم ينبت ، بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب ، وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر .
والذي قدر الخير قدره بسبب ، وكذلك الشر قدر لرفعه سببا ، فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته ، ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله عز وجل وذلك منتهى العبادات ، فالدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والإستكانة "
قال عليه الصلاة والسلام : " من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة ، وما سئل الله شيئا يعني أحب إليه من ان يسأل العافية " (سنن الترمذي
وقال عليه الصلاة والسلام : " من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء " (الحاكم في المستدرك وصححه
وقال الكتاني رضي الله عنه : لم يفتح الله لسان المؤمن بالمعذرة إلا وقد فتح له بالمغفرة
وقال الخفاف رحمه الله : وكيف لا يجيبه وهو يحب صوته ، ولولا ذاك ما منح الدعاء
حكم ابن عطاء الله السكندري (10
لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك
فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك ، لا فيما تختار لنفسك
وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد "
إذا تعلق قلبك بحاجة من حوائج الدنيا والآخرة ، فارجع إلى ما وعد الله ، واقنع بعلم الله ، ولا تحرص ، ففي الحرص تعب ومذلة . قال أحدهم : الناس تقضي حوائجهم بالحرص فيها والجري عليها ، ونحن نقضي حوائجنا بالزهد فيها والاشتغال بالله عنها
فإن تركت الحظوظ صبت عليك الحظوظ … وإذا طلبت فاطلب من الله ، قال تعالى
" وقال ربكم ادعوني أستجب لكم " (غافر 60
فإذا تأخرت الإجابة لا تيأس من نواله ورفده ، فإن الله قد ضمن لك الإجابة فيما يريد من خير الدنيا وخير الآخرة ، وقد يمنعك لطفا بك لكون ذلك المطلب لا يليق بك … وقد يكون أجابك وعين لذلك وقتا هو أصلح لك وأنفع ، فيعطيك ذلك في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وقد يؤخر ذلك لدار الكرامة والبقاء وهو خير لك وأبقى ، وفي الحديث :
قال عليه الصلاة والسلام : " ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم " فقال رجل من القوم : إذا نكثر ، قال : " الله أكثر " (الترمذي والحاكم وصححه) ، وفي رواية للترمذي : " فإما أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن يدخر له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا "
فإن كان مع اختيار الحق تعالى لا مع اختيار نفسه كان مجابا وإن لم يعط ، والأعمال بخواتمها .
فحكم العبد أن لا يختار شيئا على مولاه ، ولا يجزم بصلاحية حال من الأحوال له ، لأنه جاهل من كل وجه ، قد يكره الشيء وهو خير له ، ويحب الشيء وهو شر له ، قال تعالى : " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لاتعلمون " (البقرة 216 ..
فعلى العبد أن يسلم نفسه إلى مولاه ، ويعتقد أن الخيرة له في جميع ما به يتولاه ، وإن خالف ذلك مراده وهواه ...
قال أبو الحسن الشاذلي ( في أمور القدر ) : لا تختر من أمرك شيئا ، واختر أن لا تختار ، وفر من ذلك المختار ، ومن فرارك ، ومن كل شئ إلى الله عز وجل ...
فإذا دعا وطلب من مولاه شيئا يرى أن له فيه مصلحة أيقن بالإجابة لا محالة ، قال تعالى :
" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " (البقرة 186
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن الاستعجال في إجابة الدعاء في قوله :
"يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول : قد دعوت ربي فلم يستجب لي " (رواه الشيخان .
يقول الدكتور البوطي (بتصرف) : " إن استجبة الله لك تعني أن يحقق لك هدفك ، ولكن الله سبحانه الذي يعلم غيب السموات والأرض ، ويعلم ما قد تأتي به التقلبات والأحداث ، قد يعلم أن هذا الشيء الذي طلبته وتعلقت النفس به ، لا ينطوي في الواقع على الخير الذي ظننته ، بل وربما كان سببا لنقيضه ، فيصرف الله عنك حرفية ما طلبت ، لطفا منه ورحمة بك،ويحقق لك الهدف البعيد الذي أبتغيته بوسيلة أخرى لم تكن تخطر لك ببال.وإنه للطف كبير وعجيب من الله بالعبد أن يراه لجهالته يتعلق ببوارق ظاهرها الخير وباطنها البلاء الكبير،فيقصيه الله بلطفه ورحمته عن تلك البوارق ، ويكرمه بما يأمله ويبتغيه من حيث لا يحتسب .