آراء حول أهمية القدس والصراع القائم عليها ومن أجلها
آراء حول أهمية القدس والصراع القائم عليها ومن أجلها
تشكل مدينة القدس العربية المحتلة عنوان صراع ومواجهة بين الدولة العبرية التي احتلت المدينة المقدسة عامي 1948 و1967 والفلسطينيين الذين يحظى موقفهم السياسي بإسناد ودعم عربي وإسلامي، ومن غالبية كبيرة من دول العالم التي لا تعترف وفق القوانين الدولية بالاحتلال الصهيوني لشطري المدينة الغربي والشرقي، ويضمن ذلك البلدة القديمة، والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
ونظرا للأهمية التي تحتلها القدس، وتمركز الصراع بشأنها عند نقطة حادة، فقد تم إجراء استطلاع آراء قرابة ألف وخمس مائة شخصية من المفكرين والمثقفين والأكاديميين وقادة الرأي العام في المجتمع المدني داخل الوطن العربي وخارجه، وفيما يلي نخبة من هذه الآراء:
- الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" - غزة):
تعتبر قضية القدس قضية خطيرة وحاسمة، لأنها تمس عقيدة كل مسلم في العالم وحضارته وتراثه. تنبع أهمية القدس بالنسبة لنا من كونها قبلة المسلمين الأولى ومن كونها جزءا من عقيدة المسلم، فهي آية من كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والقدس أرض مباركة باركها الله وبارك من حولها، فقد أسري إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرج منها إلى السماء، كما تسلم مفاتيحها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضحى المسلمون بدمائهم من أجلها وحرروها من الغزو الصليبي على يد صلاح الدين الأيوبي.
نحن نرفض أي تنازل عن القدس أو أي جزء منها، أو أي ذرة من ترابها، كما نرفض السيادة الصهيونية الفلسطينية المشتركة عليها، فلا بد أن تكون السيادة عليها للمسلمين، لذا فإننا سنقاوم بشدة أي سيادة صهيونية أو دولية عليها ونعتبر التسوية الحالية التي تسعى أمريكا والصهيونية العالمية إلى فرضها على شعبنا الفلسطيني تسوية ظالمة، لأنها تعمل على تصفية القضية الفلسطينية لصالح وجود الكيان الصهيوني وأمنه واستقراره على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وسيادته وأمنه على كامل ترابه الوطني.
- منير شفيق (كاتب - رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في منظمة التحرير الفلسطينية سابقا - عمان):
أنظر إلى قضية القدس باعتبارها قضية عربية إسلامية وفلسطينية من الدرجة الأولى. فالقدس كلها بشطريها الغربي والشرقي عربية إسلامية ولا يجوز التفريط بها، ولا بأي جزء منها.
وبالمناسبة، أنا من مواليد القدس ومن شطرها الغربي الذي احتل في عام 1948، وفي ربوعه عشت طفولتي وأجمل أيام حياتي، وما زالت ذكريات حي القطمون تلح عليّ كلما ذكرت القدس، أو عدت إلى تلك الأيام. فالقدس غربها قبل شرقها بالنسبة إلي مسألة شخصية كذلك. ولشد ما يحزنني أن يقع التمسك بالقدس الشرقية دون الغربية. فكيف تُنسى القدس الأخرى وهي أقرب إلى المسجد الأقصى من حبل الوريد بالنسبة إليك أو إليّ.
أما أهمية القدس فتنبع من كونها بالنسبة إلى المسلم جزءاً من العقيدة وجزءاً من الأرض الموقوفة على الأمة والتي تقع في القلب من دار الإسلام. وهي بالنسبة للنصراني العربي جزء من وجوده العربي في فلسطين، فضلاً عن كونها جزءاً من تاريخه المسيحي العربي والعربي الإسلامي.
القدس رمز لعزة الأمة أو هوانها، فإذا كانت تحت سيادة الأمة .. فالأمة في حال عزة، وإذا خرجت من سيادتها فالأمة في ذلة وهوان. هكذا كان تاريخ علاقتها بالأمة، وسيبقى كذلك. ولعل ما تمثله القدس من رمز يفسر ما تشكله من عقدة مركزية في القضية الفلسطينية، بل في مجمل الصراع في المنطقة.
ومن هنا يجب التأكيد على أن ليس من حق الفلسطينيين حتى مجتمعين أن يقرروا مصير القدس عدا باتجاه واحد .. وهو تحريرها بلا قيد أو شرط، أو اعتراف بأي حق أو سيادة للدولة العبرية على أي جزء منها.
وإن الأمر لكذلك بالنسبة إلى يسمى السيادة المشتركة، وهي فرضية وهمية، ولكن حتى لو لم تكن وهمية فإن القبول بأي حق للصهاينة فيها (القدس) أو المشاركة في السيادة عليها يبدأ مسلسل التنازلات حتى نصل إلى ما وصلت إليه مفاوضات كامب ديفيد.
أما مسار التسوية فيجب أن يتوقف، فقد كفاه عشر سنوات لم يُوصل إلا إلى الكوارث .. كارثة تلو أخرى على الحقوق والثوابت كما على الشعب الفلسطيني وقضية القدس. فالاحتلال ما زال قائماً، والاستيطان ما زال متوسعاً ومستمراً، والقدس أصبحت مصادرة وتحولت الضغوط لاتخاذ اعتراف من قبل الفلسطينيين والعرب بتهويدها وضمها للدولة العبرية مع (منحهم) بعض الممرات إلى الأماكن المقدسة تحت إشراف جيش الاحتلال .. إن تسوية تلد اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقات وتصل إلى مفاوضات كامب ديفيد يجب أن تنتهي غير مأسوف عليها.
- الدكتور عبد اللطيف عربيات (أمين عام جبهة العمل الإسلامي - عمان):
للقدس مكانة خاصة في نفوس المسلمين الذين يشكلون ربع سكان الكرة الأرضية: فهي قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلى، وفيها الأقصى الذي بارك الله من حوله مباركة تشمل جميع بلاد الشام، كما أجمع علماء المسلمين على ذلك، وهي من القرى التي بارك الله فيها، وهي موطن الرباط والجهاد فيها وفي أكنافها إلى يوم القيامة، كما أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهي التي تشد إليها الرحال كما جاء في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهي التي تميزت دون أرض الله من بلاد المسلمين بأن تسلّم مفاتيحها خليفة رسول الله الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي التي يحيط بها معسكر الفتح من صحابة رسول الله كأمين الأمة أبي عبيدة عامر بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة وبقية الصحابة، وتقابلها من الجهة الشرقية مؤتة، مؤتة الفتح وبوابة النصر في اليرموك.
فالقدس قضيتنا الأولى، ونحن في هذه البقعة التي باركها الله من حول الأقصى، وفي الكنف الأول من أكناف بيت المقدس، والتي ننظر من جبالها الشماء إلى القدس الأسير ونراها مكبلة بأصفاد يهود، وننظر من ورائنا إلى تخاذل البعض من العرب والمسلمين، ونرى درجة الهوان وزوال المهابة من أبناء العروبة والإسلام، وإننا نعد العدة وننتظر ونستشرف بوادر النصر تلوح في الأفق، وكلنا أمل أن يتحقق ذلك في القريب العاجل إن شاء الله.
هذه هي القدس وفلسطين التي استهدفتها مخططات العدوان الصهيوني الغربي، وجعلت هذه البقعة الطاهرة من أرض الله معسكراً متقدماً ضد أمة الإسلام، وفصلت شرق البلاد العربية عن غربها، وجعلت من فلسطين منطلقاً يستهدف كيان الأمة بكاملها.
ولقد تحقق للمشروع الصهيوني ما خطط له خلال قرن من الزمان، فمنذ مؤتمر بال بقيادة هرتزل عام 1897 والزحف الصهيوني المبرمج مستمر على شكل مراحل انتهت باعتراف من أُعدّ لهذه الغاية في أوسلو عام 1993 مروراً بإقامة الكيان عام 1948، وباستكمال السيطرة على كامل فلسطين عام 1967، وبإلقاء السلاح وهجر الجهاد والدخول في العملية السلمية المخطط لها، وإنني أنظر إلى قضية الاعتراف وما تبع ذلك من تنازلات في كافة المجالات بأنه أخطر ما مرت به القضية الفلسطينية.
لقد أعلناها منذ بداية ما سمي بالعملية السلمية أن يهود لن يعطوا شيئاً، وبنينا استراتيجيتنا السياسية على هذا الأساس، وأعلنا بطلان أي اتفاق مع يهود أو اعتراف أو تنازل منطلقين من قوله سبحانه وتعالى عن يهود «أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً»، وهذا ما ثبت فعلاً بعد سنوات من المفاوضات العبثية معهم، وإننا ندعو جميع من يهمهم أمر فلسطين وضع حد لهذه المهازل التي تجرجر بها الفلسطينيون ويسحبون إلى مهاوي الردى في ما يخص قضية الأمة كل الأمة .. قضية فلسطين.
وإننا نكرر ونعلن أن أرض فلسطين وجوهرها القدس هي أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل عن أي شبر منها، ونطالب أحرار العالم بعودة جميع أبناء فلسطين إلى أرضهم كاملة غير منقوصة، والتعويض عن سنوات الشتات والعذاب التي عاشها الشعب الفلسطيني عبر ما يزيد عن نصف قرن، وتتحمل الأمم المتحدة وكل القوى المساندة للمخطط الصهيوني نتيجة هذا الأذى الذي لحق بالشعب الفلسطيني.
- الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي (رئيس الحكومة الجزائرية بين عامي 1984 1988- لندن):
أعتقد أن لقضية القدس بعدان: بعد فلسطيني وطني, وبعد عربي وإسلامي. وفي ما يتعلق بالبعد الفلسطيني ففي نظري لا يمكن فصل قضية القدس عن القضايا الأخرى العالقة, مثل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم, وكذلك تفكيك المستوطنات الصهيونية, لأن كل هذه القضايا نجمت عن الاحتلال العسكري الصهيوني, وعن سياسة القمع والظلم, التي تعرض لها الفلسطينيون منذ عقود.
وهكذا تظل قضية القدس والقضايا الجوهرية الأخرى مرتبطة بحق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية مستقلة, وبتصفية الاستعمار الصهيوني, ووضع حد للهيمنة الصهيونية, ووضع حد للعنف الصهيوني المسلط على الشعب الفلسطيني, وهو عنف يتميز بانتهاكه الصارخ للقوانين الدولية, وقرارات الأمم المتحدة, وخاصة القرار المتعلق بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره, في ظل ميثاق الأمم المتحدة, وهو حق عمل الصهاينة على تجاهله واستبعاده.
أما في ما يتعلّق بالبعد العربي والإسلامي, فالقدس مدينة مقدّسة, وهي رمز يمتاز بطابع خاص عبر التاريخ القديم والحديث. وقد استطاعت القدس أن تحافظ على هويتها العربية والإسلامية رغم كل المحاولات الاستيلاء عليها بالحديد والنار عبر القرون, وخاصة بعد إقامة الدولة العبرية, واحتلالها من جديد في عام 1967 للمدينة المقدسة.
وأي تنازل عن بعض أجزاء من القدس, وعن السيادة الكاملة عليها, يعتبر في نظري تنازلا اعتباطيا للكيان, وسيكون من دون مبرر, وعلى حساب المصلحة العليا لفلسطين, وللقضية الفلسطينية, وللأمة العربية والإسلامية.
وأما بالنسبة لي شخصيا فالقدس رمز بل أكثر من رمز, وهي تحتل مكانة خاصة ليس لديّ أنا فحسب, بل لدى كل عربي وكل مسلم. ومن المستحيل التخلي عنها.. وإذا ما حصل تنازل عنها فالحل سيكون حلا منقوصا وجزئيا, وستبقى الأمور معقّدة, وطال الزمن أو قصر لابد من استعادة القدس.
- حسن يوسف (سياسي فلسطيني قيادي في حركة المقاومة الإسلامية - نابلس):
القدس بالنسبة لنا هي قلب الأمة النابض، هي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ومهوى أفئدة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها والقدس التي نؤمن بها هي جغرافيا فليست ما يشاع أنها القدس الشريف بمعنى أنها الأماكن المقدسة والطريق المؤدية إليها فليست هي الأقصى أو القيامة وإن كان لهذه المعالم بالغ الأهمية في عقيدة الأمة وفكرها فهي أرض وسماء وأزقة وشوارع وقباب ومآذن ومساجد وكنائس. وفي كل ذرة منها، أنها هي المصرارة وباب المغاربة وحيها الذي هدم ليهجر سكانه في منطقة قريبة منه أنها حائط البراق وباب الخليل والساهرة ووادي الجوز وحي القطمون إلى غير ذلك من المعالم.
الدكتور محمد عمارة (كاتب ومفكر - باحث في التاريخ الإسلامي - القاهرة):
القدس - كل القدس - حرم مقدس, كما أن مكة - كل مكة - حرم مقدس, ولقد أطلق القرآن الكريم على هذه المدينة المقدسة مصطلح "المسجد" قبل الفتح الإسلامي لها, وقبل بناء المساجد الإسلامية فيها, فهي "مسجد" كما أن مكة "مسجد" أي قبلة للساجدين, حدث ذلك منذ العام الثاني قبل الهجرة - عام معجزة الإسراء - "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (سورة الإسراء/ الآية 1), فالإسراء قد حدث من مكة - المسجد - إلى القدس - المسجد - وهو قد أقام رباطا بين هذين الحرمين المقدسين, وهو رباط يجسد وحدة الدين الإلهي عبر كل النبوات والرسالات.
ولتقديس الإسلام لهذه المدينة باعتبارها مسجدا وحرما وقبلة للنبوات السابقة, فإننا يجب أن نتعامل معها في هذا الطور من أطوار الصراع التاريخي حولها وعليها, باعتبارها أكثر من قطعة أرض, وأعظم من كونها قلب الصراع العربي - الصهيوني, إنها كل ذلك وأعظم من ذلك، فإنها جزء من عقيدة أمة يبلغ تعدادها مليارا وثلث المليار, وليست مجرد قضية وطنية لثمانية ملايين من الفلسطينيين, ولا مجرد مشكلة قومية لأقل من ثلاث مائة مليون عربي, إنها عاصمة الوطن الفلسطيني, ومحور الصراع العربي - الصهيوني, وفوق كل ذلك فهي عقيدة إسلامية وحرم مقدس, والرباط بينها وبين الحرم المكي هو التجسيد لعقيدة وحدة دين الله التي جاء بها الإسلام.
وعليه فإن إسلامية القدس وإسلامية موقفنا في الصراع حولها, يضيف للإمكانات الوطنية الفلسطينية والطاقات القومية العربية ولا ينقص منها, بل إن ما نواجهه في فلسطين من مشروع استعماري استيطاني عنصري مصحوب بادعاءات أسطورية دينية لهذا المشروع تجعل من استدعاء الأبعاد الدينية الإسلامية لموقفنا من هذه القضية ضرورة صراعية, فضلا عن أنها دين واعتقاد, والذين يخافون من أسلمة الصراع حول القدس وفلسطين - حتى إن حسنت نواياهم - هم كالسفهاء الذين لا يعرفون قيمة "الأسلحة الإيمانية" التي ورثوها عن الأجداد في هذا الصراع التاريخي الطويل, وهم بهذا السفه إنما ينزعون من الأمة أمضى أسلحتها في هذا الصراع, فيرجحون بذلك كفة الأعداء في هذا الصراع.
ولقد تميزت السلطة الإسلامية عبر تاريخ السيادة السياسية للدولة الإسلامية على مدينة القدس, بإشاعة قدسيتها لكل أصحاب المقدسات من أبناء كل الشرائع السماوية, فكانت الدولة الإسلامية وحدها والسلطة الإسلامية دون غيرها هي المؤتمنة والأمينة على المقدسات غير الإسلامية في هذا الحرم القدسي الشريف, بينما كان العكس - أي الاحتكار - هو موقف كل السلطات غير الإسلامية التي استولت على مدينة القدس, فالرومان قد احتكروها لأنفسهم دون اليهود والنصارى في حقبة الوثنية الرومانية, وبعد أن دخلوا في النصرانية احتكروها دون اليهود, وعندما فتح المسلمون القدس كان من مطالب أهلها - النصارى - أن لا يسكن فيها أحد من اليهود, ولا أحد من اللصوص.
وصنع هذا الاحتكار أيضا الصليبيون الذين احتلوها تسعين عاما, فبعد أن ذبحوا اليهود مع المسلمين احتكروا مقدسات المدينة، حتى لقد حولوا المسجد الأقصى إلى كنيسة لاتينية, وإلى اصطبل لخيولهم، ونفس الاحتكار يصنعه الصهاينة اليوم عندما يطاردون الوجود العربي فيها - إسلاميا ونصرانيا - ويهددون المقدسات بالاستيلاء والهدم والتحويل.
- الدكتور موسى أبو مرزوق (عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" - مسؤول ملف اللاجئين - دمشق):
القدس قضية العرب والمسلمين والفلسطينيين، ولا يملك أحد التنازل عنها أو عن أي شبر من فلسطين. القدس تاريخياً مدينة عربية، منذ أن سكنها العموريون والكنعانيون واليبوسيون، وتقلب عليها الفراعنة واليهود والفرس واليونان والرومان حتى جاء الفتح الإسلامي، ولم يكن اليهود هم الوحيدون الذين سكنوا القدس، وارتباطنا نحن المسلمين بها لأننا ورثة الأنبياء، وهي أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
احتلها الصليبيون عام 1099 وخضعت لحكمهم 88 عاماً وارتكبوا في حق سكانها أبشع الجرائم، وقتلوا غالبية أهلها، وحولوا المسجد الأقصى إلى إسطبل لخيولهم، ما زالت آثاره موجودة أسفل المسجد الأقصى الحالي، وقد انتصر صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187 وبعدها حرر القدس وسمح للصليبيين بالمغادرة، وأنزل الصليب وأقام في المسجد الأقصى المنبر الذي سُمي باسمه حتى الآن، وتعرضت القدس بعد ذلك لحكم الصليب مرتين، الأولى عندما سلمها الملك الكامل عام 1229م لملك صقلية فردريك لمدة 11 عاماً واستردها الملك الناصر ليعود ويسلمها مرة ثانية مدة أربع سنوات إلى أن استردها الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244.
وبعدها ظلت القدس في أيدي العثمانيين حتى الاحتلال الإنجليزي، وهم، أي العثمانيون، الذين بنوا أسوار القدس حيث تحددت المدينة وبُنيت لها سبع بوابات هي: الخليل والحديد والساهرة والمغاربة والأسباط والنبي داود وباب العمود وبوابة دمشق، وحتى أواخر الحكم العثماني لم يكن من اليهود في فلسطين غير 10 آلاف نسمة، وفي العهد البريطاني سمح لليهود بالهجرة من الخارج حتى الاحتلال الأول عام 1948 ثم الاحتلال الثاني عام 1967.
ولا يوجد من يحفظ القدس وقدسيتها مثل المسلمين، وقد ربطها الله سبحانه وتعالى بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، وحمى المسلمون المدينة ومن فيها، وليس كما يفعل اليهود من محاولات لطمس معالمها وتغيير بنيتها ومحاولة هدم مساجدها وإحراق المسجد الأقصى ومنبر صلاح الدين.
لقد اصطفى الله من عباده أناساً، فمنهم من اختاره رسولاً أو نبياً ومنهم من اجتباه شهيداً أو صالحاً واصطفى من الأرض بلاداً فباركها أو حرمها، والقدس عندنا هي المدينة، وهي المسجد، وهي فلسطين كل فلسطين، "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" (الإسراء/ 1).
وفلسطين جُبلت بدماء الصحابة والمسلمين والعرب والفلسطينيين لمئات السنين، فلا تكاد تمرّ على مدينة إلا وتحدثك عن تاريخها وسيرة الأنبياء في فلسطين، ونحن أولى بهم، لأننا نؤمن بنبوتهم، وهم جزء من عقيدتنا وإيماننا الذي لا يكتمل إلا بالإيمان بهم. فالقدس جزء من عقيدتنا والحفاظ عليها واجبٌ ديني، وواجب وطني، وواجب قومي، وهي درة مدن فلسطين وعاصمتها إن شاء الله.
نحن لا نرى أن للدولة العبرية حقا في فلسطين أو أي جزء منها، فهذه دول مغتصبة طردت الفلسطينيين من أرضهم وديارهم، فلا يصح لمسلم التعاون معها أو الاعتراف بها، وواجب العرب والمسلمين العمل على تحرير الأرض ورد الحقوق إلى أصحابها.
والقدس قطعة من فلسطين ينطبق عليها ما ينطبق على كل أرض فلسطين، وإن كانت تتميز بالخصوصية لضمّها المسجد الأقصى ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمسلمين، وكنيسة القيامة وطريق الآلام بالنسبة للمسيحيين، وهذه حقوق تُفتدى بالأرواح ولا يمكن التفريط بها.
ولا توجد سيادة مشتركة على المدينة لا في القانون الدولي ولا في أرض الواقع، ولكن المطروح هو تقاسم وظيفي في منطقة، وسيادة كاملة في منطقة أخرى، والنموذج المطروح هو مدينة الخليل المقسمة، والصهاينة يريدون سيادة كاملة على المدينة القديمة، بينما يربط المسجد الأقصى وكنيسة القيامة بطريق خاص ويرفع عليهما العلم الفلسطيني، وهذا أمر لا يمكن الموافقة عليه.
- الدكتور عزام التميمي (مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي - لندن):
لا تقتصر أهمية القدس على مكانتها الدينية عند المسلمين كأول قبلة وثالث مسجد تشد الرحال إليه, بل تتجاوز ذلك لتشكل رمزا وشاهدا على عروبة وإسلامية فلسطين وسائر بلاد الشام, قلب العالمين العربي والإسلامي, ومؤشرا عبر التاريخ على صحوة المسلمين أو غفلتهم, قوتهم أو ضعفهم, عزتهم أو هوانهم.
ولذلك فإن التفاوض على أجزاء من القدس, والتجادل حول الصلاحيات الإدارية, والاختلاف حول الحصص السيادية إنما هو من الخطأ الفادح, فالقدس غير قابلة للتجزئة، كما أن فلسطين بأسرها غير قابلة للتقسيم.
يعني ما سبق أن مبدأ التفاوض حول القدس مرفوض من أساسه شكلا ومضمونا، لأن مثل هذا التفاوض يكمن فيه الاعتراف للمعتدي بشرعية امتلاك ما نهب وسلب في غفلة من أصحاب الدار، ولأن مثل هذا الاعتراف بشرعية الوجود الصهيوني والسياسة الصهيونية إنما هو حكم على القدس بالبقاء في الأسر، وأن لا تظل مفتوحة أمام كل المؤمنين, مسلمين ومسيحيين ويهود. فالقدس لم تكن يوما مفتوحة, إلا في ظل الحكم الإسلامي الذي يفرض على أتباعه الاعتراف بالآخر مهما بلغ جنوح هذا الآخر، طالما أنه في تعامله الدنيوي يلتزم بمبادئ العدل التي إنما جاء الوحي لترسيخها.
- الدكتور محمد علي داهش (باحث ومؤرخ - محاضر في كلية الآداب في جامعة الموصل - الموصل)
كانت القدس وستبقى علامة مهمة في تاريخ الإنسانية وموحدة لمشاعر شعوب ثلاث قارات ترتبط بأرض فلسطين، والقدس موحدة عقائد مشاعر أبناء ثلاث ديانات سماوية، والقدس التي وحدت الإنسانية هي القدس الموحدة التي لم تشهد السلام إلا في ظل الإسلام ولا بد أن تبقى كذلك.
لم تكن القدس في يوم من الأيام قدسين كما اصطلح على تسميتها في المرحلة الأخيرة "القدس الشرقية" و"القدس الغربية" !!. بعبارة أخرى هل يصح أن ينشطر الجسد الواحد إلى نصفين ويحيا حياة طبيعية؟.
يخبرنا التاريخ أن مدينة "يبوس" من أقدم المدن العربية العريقة في تاريخ الأمة العربية، فقد بناها الكنعانيون العرب في الألف الثالث قبل الميلاد وسميت "يبوس" على اسم إحدى قبائلهم "اليبوسيون"، كما بنى الكنعانيون غيرها من مدن فلسطين حتى سميت "أرض كنعان" التي عرفت بأنها "تفيض لبنا وعسلا" ما جعلها محط أنظار القوى الأجنبية وأطماعها على مر العصور، إذ غزاها اليونانيون والفرس وتسلط عليها اليهود والرومان والبيزنطيون وحررها البابليون والآشوريون ثم العرب المسلمون في السنة الخامسة عشرة للهجرة الموافق سنة 638 للميلاد.
عرفت مدينة "يبوس" باسم "القدس" وتعني "الطهر من الدنس والنقاء من الشوائب والصفاء من التعكير"، وبيت المقدس يعني "مكان الطهر من الدنس والذنوب ومكان العبادة المتنزه عن الدنيا وهو المكان الذي يتبرك منه الخلق ابتغاء مرضاة الخالق وطلبا لمغفرته وعفوه". ونشأت العلاقة بين القدس والإسلام حينما أسرى الله سبحانه وتعالى بعبده محمد "صلى الله عليه وسلم" من مكة إليها ثم عرج إلى السماوات العلى.
تعرضت فلسطين ومدينة القدس إلى غزوتين استيطانيتين غربيتين في العصر الوسيط والحديث. وواصلت مدينة القدس مسيرتها في ظل الحكم العربي والإسلامي حتى نهاية العصر الحديث، حيث بدأت الغزوة الأوربية والصهيونية الثالثة لفلسطين وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى إذ كان التحالف البريطاني الصهيوني في وعد بلفور المشؤوم عام 1917 وما أعقب ذلك من إخضاع فلسطين للاحتلال البريطاني حتى عام 1948 حين أعلن تأسيس الكيان الصهيوني وبدعم وإسناد بريطاني وأمريكي غربي فكانت بداية مرحلة جديدة من الاحتلال الاستيطاني.
وظلت مدينة القدس عبر تاريخها الطويل الممتد إلى حدود خمسة آلاف عام حتى الحقبة المعاصرة مدينة عربية ولم يستطع الكيان الصهيوني أن يفرض عليها الاحتلال حتى نكسة حزيران (يونيو) عام 1967 ومنذ تلك المدة وحتى الآن يسعى هذا الكيان العنصري الغاصب وبدعم وإسناد أمريكي غربي إلى تهويد القدس ومحاولة جعلها عاصمة لكيانه الغريب من خلال المصادرة والاضطهاد والتهجير والمذابح الدموية بحق الشعب العربي الفلسطيني.
وإذا كانت مرحلة التسعينيات من القرن العشرين قد شهدت المشروعات التسووية للقضية الفلسطينية فإن هذه المحاولات المسمومة لم تقف عند حدود الجسد الفلسطيني وإنما بدأت تسعى "وبعد الإخفاق في جعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني" إلى تقسيم القدس إلى شرقية وغربية!!، حيث راحت أطراف التسوية الفلسطينية والعربية الرسمية وعبر اتفاقات التسوية والتطبيع تقبل بهذا الاتجاه للحصول على "كانتونات" فلسطينية والجزء الشرقي من القدس مقابل تكريس الوجود الصهيوني المحتل والاعتراف به على حساب الجسد الفلسطيني عامة، والجسد القدسي خاصة!!.ومن حقنا أن نتساءل متى قسمت القدس عبر تاريخها الطويل؟ ومتى ارتضى العرب والمسلمون تقسيمها مع المحتل الأجنبي؟
كانت "يبوس" واحدة عندما حررها البابليون والآشوريون في القرن الأول الهجري وظلت واحدة عندما فتحها العرب المسلمون في القرن الأول الهجري وظلت واحدة عندما غزاها الفرنجة وحررها صلاح الدين عام 1187 وبقيت واحدة في ظل الاحتلال الثاني البريطاني - الصهيوني حتى منتصف القرن العشرين.
كانت المدينة المقدسة وما زالت واحدة والأرض الفلسطينية واحدة والشعب واحد والشعور والإحساس بالانتماء العربي والإسلامي واحد فما الذي تغير؟ إن الذي تغير هو الموقف السياسي الرسمي لبعض الحكام وأجنحة القوى الفلسطينية والعربية التي ارتضت المهانة والتسليم للصهيونية والإمبريالية وتريد التفريط بالكل في مقابل الجزء.
الدكتور محمد الهندي (مدير مركز فلسطين للدراسات والبحوث - غزة):
فلسطين هي القضية المركزية للعرب والمسلمين، وهي قلب فلسطين، وبما تحتويه من مقدسات وبما تحمله من معانٍ تعيش في وجدان كل عربي ومسلم وليس من السهل التسامح تجاه أي تفريط فيها.وعندما تم توقيع اتفاق أوسلو تم تسويقه على أنه سيادة كاملة ودولة في الضفة الغربية وقطاع غزة مع كامل القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، واليوم وبعد أكثر من 7 سنوات من المفاوضات العقيمة حول قضايا المرحلة النهائية وعلى رأسها قضية السيادة على القدس، كان طبيعيا أن تكون هذه القضايا هي قضايا نسف للمسيرة التفاوضية بالكامل.
فمن ناحية هناك إجماع صهيوني على أن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لدولتهم،ورغم ذلك فإن الكيان وأمريكا يدركان استحالة التنازل عن القدس من جانب الفلسطينيين والعرب، لذلك تقدمتا باقتراحات أو بدائل شكلية تعتمد في جوهرها على فكرة توسيع نطاق بلدية القدس وإعادة تقسيمها. والتوسع يشتمل على إضافة الكتل الاستيطانية الكبيرة حول القدس، مثل "معاليه أدوميم" و"**عات زئيف"، إضافة إلى بعض البلدات العربية مثل أبو ديس، ثم تم إعطاء هذه البلدات للسلطة الفلسطينية على أنها جزء من القدس، إلى جانب سيادة بلدية مشتركة على أحياء من المدينة مقابل اعتراف السلطة بالسيادة الصهيونية على باقي المدينة.
- الدكتور محمد عويضة (نائب سابق - عضو جبهة العمل الإسلامي - عمان):
قضية القدس تمثل عنوان القضية الفلسطينية وبوابة الصراع، وهي قضية إسلامية, تمثل جزءا من ديننا, فهي قبلة المسلمين الأولى, ومسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم , فتحها عمر (بن الخطاب), وحررها صلاح الدين (الأيوبي), وعاش فيها الأنبياء والعباد والعلماء.
وهي بهذا البعد لا تخص أهل فلسطين وحدهم, بل هي عربية إسلامية, وهي أرض وقف إسلامي، وقفها الخليفة عمر بن الخطاب على أجيال المسلمين, فلا يملك أحد كائنا من كان التصرف بها بهذا البعد. وهي من الناحية السياسية والوطنية عاصمة لفلسطين يجب أن تكون السيادة عليها جميعها لأهل فلسطين ممثلين للأمة العربية والإسلامية.
والقدس هي كل القدس, وليست كما درج الإعلام العربي والعالمي تبعا للإعلام الصهيوني على تقسيمها إلى شرقية وغربية, ثم إلى عربية وعبرية, ثم إلى الاقتصار على القدس القديمة, أو ما يعمد البعض إلى تسميته بالقدس الشريف, أو الأماكن الدينية وربما تتحول إلى أبو ديس، وقد تسمى عندئذ بالقدس الشريف, هذه مؤامرة مرت على الأمة ينبغي الحذر منها, فالسيادة للعرب على كل القدس, والوجود الصهيوني في القدس وجود طارئ قائم على احتلال الأرض وتهجير أهلها الشرعيين, ولا يستند إلى أي شرعية, غير العدوان, وكل القرارات الدولية تقرر هذه الحقيقة, حقيقة أن القدس للعرب وحدهم وليس للصهاينة فيها أي حق. وعند الحديث عن السيادة لا بد من التأكيد على أن المراد السيادة السياسية الكاملة, غير المنقوصة وليست السيادة الدينية أو الروحية, أو الولاية الدينية على أماكن العبادة ولا المشتركة, كما حاولت وتحاول جهات عديدة منها الفاتيكان والإدارة الأمريكية.
وإذا كان للقدس في ضمير العربي والمسلم هذه المكانة, وإذا كان هذا موقعها من الصراع مع العدو الغاصب, فلا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتصرف بشيء من أرضها المقدسة, وما يقال من أن الدول العربية أو مؤتمر القدس في المغرب قد فوض رئيس السلطة الفلسطينية بالتصرف بالقدس لا أساس له من الصحة, وفي حال حدوثه فإن الشعوب ترفضه, وهي صاحبة الحق, ولم تفوض أحدا في القدس, وسيكون لمصير القدس ما بعده من تفجير للصراع وتأكيد على استمراره حتى يعود الحق كاملا لأصحابه الشرعيين.
خالد ترعاني (المدير التنفيذي للمنظمة الإسلامية الأمريكية للقدس - واشنطن):
ننظر إلى قضية القدس على أنها قضية فلسطينية وعربية وإسلامية، كما أنها تمسّ كل مسلمي العالم ومسيحييه، ونرى أن ما يحصل فيها الآن هو من أسوأ محاولات التطهير العرقي طويلة الأمد، وهي ليست عملية تطهير عرقي آنية كما حصل في ***وفا أو رواندا. قضية القدس هي قضية فصل عنصري تقوم به قوات الاحتلال، ومحاولة من قبل الكيان والحركة الصهيونية لتحويل القدس إلى مدينة يهودية مفرغة من عناصرها العربية الإسلامية والمسيحية، باعتبار تلك العناصر الإرث التاريخي لها كمدينة عربية تأسست قبل ظهور اليهودية.
أهمية القدس تنبع من عدة جوانب، فهي مسرى النبي عليه الصلاة والسلام، وأولى القبلتين، وهي واحدة من ثلاث أقدس بقع في الأرض لدى المسلمين، والمسجد الأقصى ذكره النبي صلى الله عليه وسلم على أنه واحد من ثلاثة مساجد تشد الرحال إليه، ومن هنا تنبع أهمية المدينة الدينية، إلى جانب أهميتها السياسية، كونها العاصمة العربية الواقعة تحت الاحتلال، في وقت انتهى فيه عصر الاحتلالات العسكرية.
أما موقفنا بشأن التنازل عن بعض أجزائها للدولة العبرية، فالقدس باعتراف المجتمع الدولي مدينة تقع تحت الاحتلال العسكري الصهيوني، وهناك فقط دولتان تعترفان بالقدس كعاصمة للكيان، وهما ***تاريكا والسلفادور، أما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن فهم لا يعترفون بالقدس كعاصمة للكيان، كما أن الأخيرة أخذت عضويتها في الأمم المتحدة بناء على قرار رقم 194 والذي يضمن حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم، وبناء على قرار التقسيم الذي يؤكد أن القدس محتلة وليست تحت السيادة الصهيونية أو اليهودية.
التنازل عن القدس أو عن بعض أجزاء المدينة، يعني إعطاء صفة شرعية لهذا الاحتلال بالموافقة عليه أو بعدم المطالبة بأجزاء من القدس، وهذا يشكل مخالفة للقوانين الدولية، بالإضافة الى أن هناك مخالفة للشريعة الدينية .. هناك إجحاف بحق المسلمين والمسيحيين من العرب من أهل القدس، وأي تنازل عن القدس يعني عدم إحقاق الحق لهؤلاء الذين ظلموا وعانوا من الاحتلال.
السيادة المشتركة بين الفلسطينيين والصهاينة من أجل إنجاح مسار التسوية هي تكريس للاحتلال، والسيادة المشتركة ستكون فقط لمصلحة الجانب الصهيوني، خصوصاً أن المساحة التي ستكون عليها تلك السيادة تساوي تقريباً واحدا في المائة من مساحة القدس الكبرى الآن، مما يعني إعطاء الشرعية مرة أخرى للاحتلال الذي صادر تقريباً مائة ضعف من مساحة القدس من أراضي الضفة الغربية، وأقام عليها المستعمرات، وقضية التدويل في عالم أحادي القطبية تتحكم في كثير من سياساته الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر غير مقبول وغير معقول وسيكون فيه إجحاف للحق الفلسطيني والعربي والمسيحي والمسلم في مدينة القدس.
- خليل محمد عامر (أمين عام حركة الخلاص الإسلامي الأرتيرية - الخرطوم):
القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين وهي قضية كل المسلمين, وينبغي أن تظل كذلك, وواجب كل مسلم أن تكون, لا أقول قضيته الثانية, ولكن قضيته الأولى. فاليهود تجمعوا من كل الأصقاع لتحقيق وعد بلفور, وعلى المسلمين أن يوحدوا صفوفهم من أجل العمل على تحريرها. ولكن المشكل أن هذه القضية تحولت من قضية المسلمين كافة إلى قضية العرب لوحدهم, ولكن هي في الحقيقة قضية كل المسلمين, وينبغي أن تكون كذلك. ولا يجوز شرعا ولا واقعا التنازل عن أي جزء من أرض المسلمين, وهي أرض وقف, وينبغي أن تظل باستمرار حقا للمسلمين, وليس لأحد الحق في التنازل عن أي جزء منها, أو القبول بمشاركة الصهاينة في هذه البقعة المقدسة.
ونحن في حركة الخلاص الإسلامي الأرتيري نؤمن بحق, بل بواجب الحفاظ على المقدسات الإسلامية, ومنها فلسطين, ومنها القدس الشريف, فلا نرضى أبدا بضياعها, ولا بتقاسمها مع اليهود. وينبغي على إخواننا الفلسطينيين وإخواننا في السلطة الفلسطينية أن يقوّموا التقويم الصحيح للمحادثات السلمية منذ أوسلو والتي لم تصل إلى أي نتيجة.
صحيح أن هناك الآن وجود للسلطة الفلسطينية في غزة والضفة, ولكن أن يؤدي هذا إلى حصول تنازلات أو القبول بمشاركة الصهاينة للفلسطينيين في القدس فهذا غير مقبول. والفلسطينيون يعرفون أن فلسطين والقدس ليست لهم وحدهم, وإنما هي لكل المسلمين, وينبغي أن تظل كذلك. ونحن مع القدس الإسلامية وأن تظل إسلامية, وندعو الله عز وجل أن يرزقنا المشاركة في تحريرها, وأن يرزقنا شرف الصلاة في المسجد الأقصى المبارك, بعد تحريره إن شاء الله.
- عباس أحمد النهاري (عضو المجلس الاستشاري في اليمن - رئيس دائرة التوجيه في التجمع اليمني للإصلاح - صنعاء):
قضية القدس هي قضية الأمة الإسلامية كلها فهي تمثل أهمية عظيمة عندنا لأنها أرض مقدسة فهي أولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
وخلافة الإسلام سوف تكون في أرض الشام ومركزها القدس الشريف بل هي قطب رحى المعارك الأخيرة. وموضوع السلام مع اليهود الغاصبين يُعد وهما وسرابا لأنه غير معتبر شرعا وغير مجد واقعا، ونواياهم التوسعية معروفة، وأساليبهم الماكرة غير خافية عنا.
ليس هناك من يحق له التنازل عن القدس وكل فلسطين لأن التنازل عن الحق العام هو للمسلمين جميعا وعلى هذا أجمعت فتاوى علماء المسلمين. أما الاستدلال أن هذا واقع، لا يجعلنا ننسى أن دوام الحال من المحال والقانون الثابت أن الأيام دول واحتلال فلسطين والقدس لن يكون دائما ولا بد أن تعود الأرض المحتلة إلى أصحابها الحقيقيين. وأعتقد أن تغيير الحال يتطلب الصبر والمصابرة والجهاد المستمر لاقتلاع الاحتلال الصهيوني.
- الدكتورة هدى سالم فاخوري (طبيبة - رئيسة لجنة مقاومة التطبيع في نقابة أطباء الأسنان - عمّان):
أرغب في التوضيح لكم أنني ابتداء لا أؤمن بما يسمى التسوية أو بمسارها. كما لا أؤمن بما يسمى "الدولة العبرية" أو بأي حق لها في فلسطين أو الأرض الفلسطينية العربية. فالقدس جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية أو من الأراضي العربية المحتلة. وهي مدينة عربية فلسطينية يقدسها العرب والمسلمون لوجود المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة. أما اليهود كمواطنين عاشوا في فلسطين، فهم "اليهود الشرقيون" جزء منهم عرب يدينون باليهودية، أو هم يهود شرقيون إذا رغبوا في هذه التسمية، ولهم الحق في العيش في فلسطين كمواطنين وليس كحكام، ولكن المهاجرين اليهود الذين أتوا إلى فلسطين من الغرب أو الشرق واحتلوا الأرض العربية الفلسطينية، وأنشأوا ما يسمى بـ"دولة إسرائيل" فليس لهم الحق في الاستمرار في اغتصاب حق الفلسطينيين في التواجد بديلا عنهم، فهذا استعمار استيطاني إحلالي غير شرعي.
لهذا أنا أؤمن أن الزمن قادم لتغيير هذا المنطق الذي طرحت من خلاله الأسئلة، وقد بدأت الصحوة العربية للحق العربي في الأرض المحتلة جميعها بما فيها القدس، والحق في البترول وحق السيادة على ممتلكات الأمة العربية.ولن يطول انتظارنا إذا حددنا هدفنا وعملنا من أجل تحقيقه.
- حمد موعد (كاتب - باحث في الشؤون الفلسطينية - دمشق):
القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية تاريخياً والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 مع مجموعة اعتبارات: أولاً: هي عاصمة فلسطين التاريخية, ثانياً: تضم الأماكن المقدسة, وثالثاً: هي استمرار للتاريخ العربي القديم و للتاريخ العربي الجديد، وبالتالي تشكل قضية القدس جزءاً لا يتجزأ من الأرض العربية المحتلة وجزءاً لا يتجزأ من الوطن الفلسطيني, وجزءاً لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية السيادية. من هنا تعتبر قضية القدس واحدة من القضايا التي يواجهها الشعب الفلسطيني في نضاله لتحقيق هويته واستقلاله وسيادته ولتحقيق استمراريته على هذه الأرض.
هناك استطلاعات أجريت للرأي العام الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده في 48 وفي 67 وفي الشتات, وهذه الاستطلاعات أجراها جميل رابح وإيلي رادريك وعدد من المراكز البحثية الدولية والفلسطينية, وتؤكد أن قضية القدس تحتل مرتبة أولى بين كافة تجمعات الشعب الفلسطيني, وتليه فوراً كل القضايا الثانية, أي أن هناك إجماعاً فلسطينياً على مركزية قضية القدس وأولويتها وتصدرها سلم أولويات الشعب الفلسطيني في النضال، و بهذا لا يختلف الفلسطينيون في كل مكان على الأرض على هذا الشيء , وقد تجد فوارق في رسم جدول أولويات النضال الوطني الفلسطيني إلا أن هناك إجماعاً في جعل قضية القدس رقم واحد.
الثابت أن الكيان الصهيوني لا يفهم قضية التنازل و يريدون السيطرة على القدس, في البداية كانوا يتحدثون عن القدس الكبرى الآن هناك أشكال مختلفة للطروحات الصهيونية لقضية القدس, وجوهرها يريدون طمس الهوية الوطنية الفلسطينية والعربي والإسلامية والمسيحية في القدس, وهذه الطروحات وضعت على الطاولة حديثاً بعد كامب ديفيد, وبعد هذه القمة أعلن باراك ثلاث قضايا لا يجوز له التنازل فيها هي: أمن الكيان وشعب الكيان ومقدسات الكيان, ويقول علناً إنه يريد أن يستولي على الحرم القدسي الشريف, وباستيلائه على الحرم القدسي الشريف هناك إنكار للحق الفلسطيني في كل القدس, لأنه استناداً إلى الطروحات الصهيونية, فإن الفلسطيني المقيم في القدس هو أجنبي يقيم إقامة دائمة على أرض ليست له وعلى دولة ليست له ولدولة ليست له, وبالتالي يجوز حرمانه من هذه الإقامة في حال ارتكابه مجموعة من الإجراءات مثل ترك المدينة أو عدم تسديد فواتير أو .. الخ.
هناك إجماع في وحدة الخارطة الفلسطينية أنه حتى الآن هناك اجتماع على مركزية القدس في العمل الوطني الفلسطيني, ولا يمكن تقسيم الحرم القدسي إلى ثلاث مناطق أو تقسيم الأماكن المقدسة إلى ثلاث مناطق أو تقسيم الأماكن المقدسة إلى مجموعة جزر أو اعتبارها مدينة الله والسيادة فيها لله أو ترحيلها.
القدس لها قضية رمزية, دولة الكيان لا تريد أن يتحرر اليهودي من ذهنية "أوشفيتس" ولا تريد أن يتحول المجتمع الصهيوني إلى مجتمع مواطن، تريد تأبيد حالة الغيتو, ولذلك يريدون أن يفرضوا العيش على حافة الخطر وعلى حافة الخوف كما كانت تقول غولدا مائير. ولا يوجد فلسطيني على استعداد للتفريط في القدس حتى أصغر طفل فلسطيني ...
تشكل مدينة القدس العربية المحتلة عنوان صراع ومواجهة بين الدولة العبرية التي احتلت المدينة المقدسة عامي 1948 و1967 والفلسطينيين الذين يحظى موقفهم السياسي بإسناد ودعم عربي وإسلامي، ومن غالبية كبيرة من دول العالم التي لا تعترف وفق القوانين الدولية بالاحتلال الصهيوني لشطري المدينة الغربي والشرقي، ويضمن ذلك البلدة القديمة، والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
ونظرا للأهمية التي تحتلها القدس، وتمركز الصراع بشأنها عند نقطة حادة، فقد تم إجراء استطلاع آراء قرابة ألف وخمس مائة شخصية من المفكرين والمثقفين والأكاديميين وقادة الرأي العام في المجتمع المدني داخل الوطن العربي وخارجه، وفيما يلي نخبة من هذه الآراء:
- الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" - غزة):
تعتبر قضية القدس قضية خطيرة وحاسمة، لأنها تمس عقيدة كل مسلم في العالم وحضارته وتراثه. تنبع أهمية القدس بالنسبة لنا من كونها قبلة المسلمين الأولى ومن كونها جزءا من عقيدة المسلم، فهي آية من كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والقدس أرض مباركة باركها الله وبارك من حولها، فقد أسري إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرج منها إلى السماء، كما تسلم مفاتيحها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضحى المسلمون بدمائهم من أجلها وحرروها من الغزو الصليبي على يد صلاح الدين الأيوبي.
نحن نرفض أي تنازل عن القدس أو أي جزء منها، أو أي ذرة من ترابها، كما نرفض السيادة الصهيونية الفلسطينية المشتركة عليها، فلا بد أن تكون السيادة عليها للمسلمين، لذا فإننا سنقاوم بشدة أي سيادة صهيونية أو دولية عليها ونعتبر التسوية الحالية التي تسعى أمريكا والصهيونية العالمية إلى فرضها على شعبنا الفلسطيني تسوية ظالمة، لأنها تعمل على تصفية القضية الفلسطينية لصالح وجود الكيان الصهيوني وأمنه واستقراره على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وسيادته وأمنه على كامل ترابه الوطني.
- منير شفيق (كاتب - رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في منظمة التحرير الفلسطينية سابقا - عمان):
أنظر إلى قضية القدس باعتبارها قضية عربية إسلامية وفلسطينية من الدرجة الأولى. فالقدس كلها بشطريها الغربي والشرقي عربية إسلامية ولا يجوز التفريط بها، ولا بأي جزء منها.
وبالمناسبة، أنا من مواليد القدس ومن شطرها الغربي الذي احتل في عام 1948، وفي ربوعه عشت طفولتي وأجمل أيام حياتي، وما زالت ذكريات حي القطمون تلح عليّ كلما ذكرت القدس، أو عدت إلى تلك الأيام. فالقدس غربها قبل شرقها بالنسبة إلي مسألة شخصية كذلك. ولشد ما يحزنني أن يقع التمسك بالقدس الشرقية دون الغربية. فكيف تُنسى القدس الأخرى وهي أقرب إلى المسجد الأقصى من حبل الوريد بالنسبة إليك أو إليّ.
أما أهمية القدس فتنبع من كونها بالنسبة إلى المسلم جزءاً من العقيدة وجزءاً من الأرض الموقوفة على الأمة والتي تقع في القلب من دار الإسلام. وهي بالنسبة للنصراني العربي جزء من وجوده العربي في فلسطين، فضلاً عن كونها جزءاً من تاريخه المسيحي العربي والعربي الإسلامي.
القدس رمز لعزة الأمة أو هوانها، فإذا كانت تحت سيادة الأمة .. فالأمة في حال عزة، وإذا خرجت من سيادتها فالأمة في ذلة وهوان. هكذا كان تاريخ علاقتها بالأمة، وسيبقى كذلك. ولعل ما تمثله القدس من رمز يفسر ما تشكله من عقدة مركزية في القضية الفلسطينية، بل في مجمل الصراع في المنطقة.
ومن هنا يجب التأكيد على أن ليس من حق الفلسطينيين حتى مجتمعين أن يقرروا مصير القدس عدا باتجاه واحد .. وهو تحريرها بلا قيد أو شرط، أو اعتراف بأي حق أو سيادة للدولة العبرية على أي جزء منها.
وإن الأمر لكذلك بالنسبة إلى يسمى السيادة المشتركة، وهي فرضية وهمية، ولكن حتى لو لم تكن وهمية فإن القبول بأي حق للصهاينة فيها (القدس) أو المشاركة في السيادة عليها يبدأ مسلسل التنازلات حتى نصل إلى ما وصلت إليه مفاوضات كامب ديفيد.
أما مسار التسوية فيجب أن يتوقف، فقد كفاه عشر سنوات لم يُوصل إلا إلى الكوارث .. كارثة تلو أخرى على الحقوق والثوابت كما على الشعب الفلسطيني وقضية القدس. فالاحتلال ما زال قائماً، والاستيطان ما زال متوسعاً ومستمراً، والقدس أصبحت مصادرة وتحولت الضغوط لاتخاذ اعتراف من قبل الفلسطينيين والعرب بتهويدها وضمها للدولة العبرية مع (منحهم) بعض الممرات إلى الأماكن المقدسة تحت إشراف جيش الاحتلال .. إن تسوية تلد اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقات وتصل إلى مفاوضات كامب ديفيد يجب أن تنتهي غير مأسوف عليها.
- الدكتور عبد اللطيف عربيات (أمين عام جبهة العمل الإسلامي - عمان):
للقدس مكانة خاصة في نفوس المسلمين الذين يشكلون ربع سكان الكرة الأرضية: فهي قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلى، وفيها الأقصى الذي بارك الله من حوله مباركة تشمل جميع بلاد الشام، كما أجمع علماء المسلمين على ذلك، وهي من القرى التي بارك الله فيها، وهي موطن الرباط والجهاد فيها وفي أكنافها إلى يوم القيامة، كما أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهي التي تشد إليها الرحال كما جاء في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهي التي تميزت دون أرض الله من بلاد المسلمين بأن تسلّم مفاتيحها خليفة رسول الله الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي التي يحيط بها معسكر الفتح من صحابة رسول الله كأمين الأمة أبي عبيدة عامر بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة وبقية الصحابة، وتقابلها من الجهة الشرقية مؤتة، مؤتة الفتح وبوابة النصر في اليرموك.
فالقدس قضيتنا الأولى، ونحن في هذه البقعة التي باركها الله من حول الأقصى، وفي الكنف الأول من أكناف بيت المقدس، والتي ننظر من جبالها الشماء إلى القدس الأسير ونراها مكبلة بأصفاد يهود، وننظر من ورائنا إلى تخاذل البعض من العرب والمسلمين، ونرى درجة الهوان وزوال المهابة من أبناء العروبة والإسلام، وإننا نعد العدة وننتظر ونستشرف بوادر النصر تلوح في الأفق، وكلنا أمل أن يتحقق ذلك في القريب العاجل إن شاء الله.
هذه هي القدس وفلسطين التي استهدفتها مخططات العدوان الصهيوني الغربي، وجعلت هذه البقعة الطاهرة من أرض الله معسكراً متقدماً ضد أمة الإسلام، وفصلت شرق البلاد العربية عن غربها، وجعلت من فلسطين منطلقاً يستهدف كيان الأمة بكاملها.
ولقد تحقق للمشروع الصهيوني ما خطط له خلال قرن من الزمان، فمنذ مؤتمر بال بقيادة هرتزل عام 1897 والزحف الصهيوني المبرمج مستمر على شكل مراحل انتهت باعتراف من أُعدّ لهذه الغاية في أوسلو عام 1993 مروراً بإقامة الكيان عام 1948، وباستكمال السيطرة على كامل فلسطين عام 1967، وبإلقاء السلاح وهجر الجهاد والدخول في العملية السلمية المخطط لها، وإنني أنظر إلى قضية الاعتراف وما تبع ذلك من تنازلات في كافة المجالات بأنه أخطر ما مرت به القضية الفلسطينية.
لقد أعلناها منذ بداية ما سمي بالعملية السلمية أن يهود لن يعطوا شيئاً، وبنينا استراتيجيتنا السياسية على هذا الأساس، وأعلنا بطلان أي اتفاق مع يهود أو اعتراف أو تنازل منطلقين من قوله سبحانه وتعالى عن يهود «أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً»، وهذا ما ثبت فعلاً بعد سنوات من المفاوضات العبثية معهم، وإننا ندعو جميع من يهمهم أمر فلسطين وضع حد لهذه المهازل التي تجرجر بها الفلسطينيون ويسحبون إلى مهاوي الردى في ما يخص قضية الأمة كل الأمة .. قضية فلسطين.
وإننا نكرر ونعلن أن أرض فلسطين وجوهرها القدس هي أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل عن أي شبر منها، ونطالب أحرار العالم بعودة جميع أبناء فلسطين إلى أرضهم كاملة غير منقوصة، والتعويض عن سنوات الشتات والعذاب التي عاشها الشعب الفلسطيني عبر ما يزيد عن نصف قرن، وتتحمل الأمم المتحدة وكل القوى المساندة للمخطط الصهيوني نتيجة هذا الأذى الذي لحق بالشعب الفلسطيني.
- الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي (رئيس الحكومة الجزائرية بين عامي 1984 1988- لندن):
أعتقد أن لقضية القدس بعدان: بعد فلسطيني وطني, وبعد عربي وإسلامي. وفي ما يتعلق بالبعد الفلسطيني ففي نظري لا يمكن فصل قضية القدس عن القضايا الأخرى العالقة, مثل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم, وكذلك تفكيك المستوطنات الصهيونية, لأن كل هذه القضايا نجمت عن الاحتلال العسكري الصهيوني, وعن سياسة القمع والظلم, التي تعرض لها الفلسطينيون منذ عقود.
وهكذا تظل قضية القدس والقضايا الجوهرية الأخرى مرتبطة بحق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية مستقلة, وبتصفية الاستعمار الصهيوني, ووضع حد للهيمنة الصهيونية, ووضع حد للعنف الصهيوني المسلط على الشعب الفلسطيني, وهو عنف يتميز بانتهاكه الصارخ للقوانين الدولية, وقرارات الأمم المتحدة, وخاصة القرار المتعلق بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره, في ظل ميثاق الأمم المتحدة, وهو حق عمل الصهاينة على تجاهله واستبعاده.
أما في ما يتعلّق بالبعد العربي والإسلامي, فالقدس مدينة مقدّسة, وهي رمز يمتاز بطابع خاص عبر التاريخ القديم والحديث. وقد استطاعت القدس أن تحافظ على هويتها العربية والإسلامية رغم كل المحاولات الاستيلاء عليها بالحديد والنار عبر القرون, وخاصة بعد إقامة الدولة العبرية, واحتلالها من جديد في عام 1967 للمدينة المقدسة.
وأي تنازل عن بعض أجزاء من القدس, وعن السيادة الكاملة عليها, يعتبر في نظري تنازلا اعتباطيا للكيان, وسيكون من دون مبرر, وعلى حساب المصلحة العليا لفلسطين, وللقضية الفلسطينية, وللأمة العربية والإسلامية.
وأما بالنسبة لي شخصيا فالقدس رمز بل أكثر من رمز, وهي تحتل مكانة خاصة ليس لديّ أنا فحسب, بل لدى كل عربي وكل مسلم. ومن المستحيل التخلي عنها.. وإذا ما حصل تنازل عنها فالحل سيكون حلا منقوصا وجزئيا, وستبقى الأمور معقّدة, وطال الزمن أو قصر لابد من استعادة القدس.
- حسن يوسف (سياسي فلسطيني قيادي في حركة المقاومة الإسلامية - نابلس):
القدس بالنسبة لنا هي قلب الأمة النابض، هي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ومهوى أفئدة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها والقدس التي نؤمن بها هي جغرافيا فليست ما يشاع أنها القدس الشريف بمعنى أنها الأماكن المقدسة والطريق المؤدية إليها فليست هي الأقصى أو القيامة وإن كان لهذه المعالم بالغ الأهمية في عقيدة الأمة وفكرها فهي أرض وسماء وأزقة وشوارع وقباب ومآذن ومساجد وكنائس. وفي كل ذرة منها، أنها هي المصرارة وباب المغاربة وحيها الذي هدم ليهجر سكانه في منطقة قريبة منه أنها حائط البراق وباب الخليل والساهرة ووادي الجوز وحي القطمون إلى غير ذلك من المعالم.
الدكتور محمد عمارة (كاتب ومفكر - باحث في التاريخ الإسلامي - القاهرة):
القدس - كل القدس - حرم مقدس, كما أن مكة - كل مكة - حرم مقدس, ولقد أطلق القرآن الكريم على هذه المدينة المقدسة مصطلح "المسجد" قبل الفتح الإسلامي لها, وقبل بناء المساجد الإسلامية فيها, فهي "مسجد" كما أن مكة "مسجد" أي قبلة للساجدين, حدث ذلك منذ العام الثاني قبل الهجرة - عام معجزة الإسراء - "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (سورة الإسراء/ الآية 1), فالإسراء قد حدث من مكة - المسجد - إلى القدس - المسجد - وهو قد أقام رباطا بين هذين الحرمين المقدسين, وهو رباط يجسد وحدة الدين الإلهي عبر كل النبوات والرسالات.
ولتقديس الإسلام لهذه المدينة باعتبارها مسجدا وحرما وقبلة للنبوات السابقة, فإننا يجب أن نتعامل معها في هذا الطور من أطوار الصراع التاريخي حولها وعليها, باعتبارها أكثر من قطعة أرض, وأعظم من كونها قلب الصراع العربي - الصهيوني, إنها كل ذلك وأعظم من ذلك، فإنها جزء من عقيدة أمة يبلغ تعدادها مليارا وثلث المليار, وليست مجرد قضية وطنية لثمانية ملايين من الفلسطينيين, ولا مجرد مشكلة قومية لأقل من ثلاث مائة مليون عربي, إنها عاصمة الوطن الفلسطيني, ومحور الصراع العربي - الصهيوني, وفوق كل ذلك فهي عقيدة إسلامية وحرم مقدس, والرباط بينها وبين الحرم المكي هو التجسيد لعقيدة وحدة دين الله التي جاء بها الإسلام.
وعليه فإن إسلامية القدس وإسلامية موقفنا في الصراع حولها, يضيف للإمكانات الوطنية الفلسطينية والطاقات القومية العربية ولا ينقص منها, بل إن ما نواجهه في فلسطين من مشروع استعماري استيطاني عنصري مصحوب بادعاءات أسطورية دينية لهذا المشروع تجعل من استدعاء الأبعاد الدينية الإسلامية لموقفنا من هذه القضية ضرورة صراعية, فضلا عن أنها دين واعتقاد, والذين يخافون من أسلمة الصراع حول القدس وفلسطين - حتى إن حسنت نواياهم - هم كالسفهاء الذين لا يعرفون قيمة "الأسلحة الإيمانية" التي ورثوها عن الأجداد في هذا الصراع التاريخي الطويل, وهم بهذا السفه إنما ينزعون من الأمة أمضى أسلحتها في هذا الصراع, فيرجحون بذلك كفة الأعداء في هذا الصراع.
ولقد تميزت السلطة الإسلامية عبر تاريخ السيادة السياسية للدولة الإسلامية على مدينة القدس, بإشاعة قدسيتها لكل أصحاب المقدسات من أبناء كل الشرائع السماوية, فكانت الدولة الإسلامية وحدها والسلطة الإسلامية دون غيرها هي المؤتمنة والأمينة على المقدسات غير الإسلامية في هذا الحرم القدسي الشريف, بينما كان العكس - أي الاحتكار - هو موقف كل السلطات غير الإسلامية التي استولت على مدينة القدس, فالرومان قد احتكروها لأنفسهم دون اليهود والنصارى في حقبة الوثنية الرومانية, وبعد أن دخلوا في النصرانية احتكروها دون اليهود, وعندما فتح المسلمون القدس كان من مطالب أهلها - النصارى - أن لا يسكن فيها أحد من اليهود, ولا أحد من اللصوص.
وصنع هذا الاحتكار أيضا الصليبيون الذين احتلوها تسعين عاما, فبعد أن ذبحوا اليهود مع المسلمين احتكروا مقدسات المدينة، حتى لقد حولوا المسجد الأقصى إلى كنيسة لاتينية, وإلى اصطبل لخيولهم، ونفس الاحتكار يصنعه الصهاينة اليوم عندما يطاردون الوجود العربي فيها - إسلاميا ونصرانيا - ويهددون المقدسات بالاستيلاء والهدم والتحويل.
- الدكتور موسى أبو مرزوق (عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" - مسؤول ملف اللاجئين - دمشق):
القدس قضية العرب والمسلمين والفلسطينيين، ولا يملك أحد التنازل عنها أو عن أي شبر من فلسطين. القدس تاريخياً مدينة عربية، منذ أن سكنها العموريون والكنعانيون واليبوسيون، وتقلب عليها الفراعنة واليهود والفرس واليونان والرومان حتى جاء الفتح الإسلامي، ولم يكن اليهود هم الوحيدون الذين سكنوا القدس، وارتباطنا نحن المسلمين بها لأننا ورثة الأنبياء، وهي أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
احتلها الصليبيون عام 1099 وخضعت لحكمهم 88 عاماً وارتكبوا في حق سكانها أبشع الجرائم، وقتلوا غالبية أهلها، وحولوا المسجد الأقصى إلى إسطبل لخيولهم، ما زالت آثاره موجودة أسفل المسجد الأقصى الحالي، وقد انتصر صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187 وبعدها حرر القدس وسمح للصليبيين بالمغادرة، وأنزل الصليب وأقام في المسجد الأقصى المنبر الذي سُمي باسمه حتى الآن، وتعرضت القدس بعد ذلك لحكم الصليب مرتين، الأولى عندما سلمها الملك الكامل عام 1229م لملك صقلية فردريك لمدة 11 عاماً واستردها الملك الناصر ليعود ويسلمها مرة ثانية مدة أربع سنوات إلى أن استردها الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244.
وبعدها ظلت القدس في أيدي العثمانيين حتى الاحتلال الإنجليزي، وهم، أي العثمانيون، الذين بنوا أسوار القدس حيث تحددت المدينة وبُنيت لها سبع بوابات هي: الخليل والحديد والساهرة والمغاربة والأسباط والنبي داود وباب العمود وبوابة دمشق، وحتى أواخر الحكم العثماني لم يكن من اليهود في فلسطين غير 10 آلاف نسمة، وفي العهد البريطاني سمح لليهود بالهجرة من الخارج حتى الاحتلال الأول عام 1948 ثم الاحتلال الثاني عام 1967.
ولا يوجد من يحفظ القدس وقدسيتها مثل المسلمين، وقد ربطها الله سبحانه وتعالى بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، وحمى المسلمون المدينة ومن فيها، وليس كما يفعل اليهود من محاولات لطمس معالمها وتغيير بنيتها ومحاولة هدم مساجدها وإحراق المسجد الأقصى ومنبر صلاح الدين.
لقد اصطفى الله من عباده أناساً، فمنهم من اختاره رسولاً أو نبياً ومنهم من اجتباه شهيداً أو صالحاً واصطفى من الأرض بلاداً فباركها أو حرمها، والقدس عندنا هي المدينة، وهي المسجد، وهي فلسطين كل فلسطين، "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" (الإسراء/ 1).
وفلسطين جُبلت بدماء الصحابة والمسلمين والعرب والفلسطينيين لمئات السنين، فلا تكاد تمرّ على مدينة إلا وتحدثك عن تاريخها وسيرة الأنبياء في فلسطين، ونحن أولى بهم، لأننا نؤمن بنبوتهم، وهم جزء من عقيدتنا وإيماننا الذي لا يكتمل إلا بالإيمان بهم. فالقدس جزء من عقيدتنا والحفاظ عليها واجبٌ ديني، وواجب وطني، وواجب قومي، وهي درة مدن فلسطين وعاصمتها إن شاء الله.
نحن لا نرى أن للدولة العبرية حقا في فلسطين أو أي جزء منها، فهذه دول مغتصبة طردت الفلسطينيين من أرضهم وديارهم، فلا يصح لمسلم التعاون معها أو الاعتراف بها، وواجب العرب والمسلمين العمل على تحرير الأرض ورد الحقوق إلى أصحابها.
والقدس قطعة من فلسطين ينطبق عليها ما ينطبق على كل أرض فلسطين، وإن كانت تتميز بالخصوصية لضمّها المسجد الأقصى ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمسلمين، وكنيسة القيامة وطريق الآلام بالنسبة للمسيحيين، وهذه حقوق تُفتدى بالأرواح ولا يمكن التفريط بها.
ولا توجد سيادة مشتركة على المدينة لا في القانون الدولي ولا في أرض الواقع، ولكن المطروح هو تقاسم وظيفي في منطقة، وسيادة كاملة في منطقة أخرى، والنموذج المطروح هو مدينة الخليل المقسمة، والصهاينة يريدون سيادة كاملة على المدينة القديمة، بينما يربط المسجد الأقصى وكنيسة القيامة بطريق خاص ويرفع عليهما العلم الفلسطيني، وهذا أمر لا يمكن الموافقة عليه.
- الدكتور عزام التميمي (مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي - لندن):
لا تقتصر أهمية القدس على مكانتها الدينية عند المسلمين كأول قبلة وثالث مسجد تشد الرحال إليه, بل تتجاوز ذلك لتشكل رمزا وشاهدا على عروبة وإسلامية فلسطين وسائر بلاد الشام, قلب العالمين العربي والإسلامي, ومؤشرا عبر التاريخ على صحوة المسلمين أو غفلتهم, قوتهم أو ضعفهم, عزتهم أو هوانهم.
ولذلك فإن التفاوض على أجزاء من القدس, والتجادل حول الصلاحيات الإدارية, والاختلاف حول الحصص السيادية إنما هو من الخطأ الفادح, فالقدس غير قابلة للتجزئة، كما أن فلسطين بأسرها غير قابلة للتقسيم.
يعني ما سبق أن مبدأ التفاوض حول القدس مرفوض من أساسه شكلا ومضمونا، لأن مثل هذا التفاوض يكمن فيه الاعتراف للمعتدي بشرعية امتلاك ما نهب وسلب في غفلة من أصحاب الدار، ولأن مثل هذا الاعتراف بشرعية الوجود الصهيوني والسياسة الصهيونية إنما هو حكم على القدس بالبقاء في الأسر، وأن لا تظل مفتوحة أمام كل المؤمنين, مسلمين ومسيحيين ويهود. فالقدس لم تكن يوما مفتوحة, إلا في ظل الحكم الإسلامي الذي يفرض على أتباعه الاعتراف بالآخر مهما بلغ جنوح هذا الآخر، طالما أنه في تعامله الدنيوي يلتزم بمبادئ العدل التي إنما جاء الوحي لترسيخها.
- الدكتور محمد علي داهش (باحث ومؤرخ - محاضر في كلية الآداب في جامعة الموصل - الموصل)
كانت القدس وستبقى علامة مهمة في تاريخ الإنسانية وموحدة لمشاعر شعوب ثلاث قارات ترتبط بأرض فلسطين، والقدس موحدة عقائد مشاعر أبناء ثلاث ديانات سماوية، والقدس التي وحدت الإنسانية هي القدس الموحدة التي لم تشهد السلام إلا في ظل الإسلام ولا بد أن تبقى كذلك.
لم تكن القدس في يوم من الأيام قدسين كما اصطلح على تسميتها في المرحلة الأخيرة "القدس الشرقية" و"القدس الغربية" !!. بعبارة أخرى هل يصح أن ينشطر الجسد الواحد إلى نصفين ويحيا حياة طبيعية؟.
يخبرنا التاريخ أن مدينة "يبوس" من أقدم المدن العربية العريقة في تاريخ الأمة العربية، فقد بناها الكنعانيون العرب في الألف الثالث قبل الميلاد وسميت "يبوس" على اسم إحدى قبائلهم "اليبوسيون"، كما بنى الكنعانيون غيرها من مدن فلسطين حتى سميت "أرض كنعان" التي عرفت بأنها "تفيض لبنا وعسلا" ما جعلها محط أنظار القوى الأجنبية وأطماعها على مر العصور، إذ غزاها اليونانيون والفرس وتسلط عليها اليهود والرومان والبيزنطيون وحررها البابليون والآشوريون ثم العرب المسلمون في السنة الخامسة عشرة للهجرة الموافق سنة 638 للميلاد.
عرفت مدينة "يبوس" باسم "القدس" وتعني "الطهر من الدنس والنقاء من الشوائب والصفاء من التعكير"، وبيت المقدس يعني "مكان الطهر من الدنس والذنوب ومكان العبادة المتنزه عن الدنيا وهو المكان الذي يتبرك منه الخلق ابتغاء مرضاة الخالق وطلبا لمغفرته وعفوه". ونشأت العلاقة بين القدس والإسلام حينما أسرى الله سبحانه وتعالى بعبده محمد "صلى الله عليه وسلم" من مكة إليها ثم عرج إلى السماوات العلى.
تعرضت فلسطين ومدينة القدس إلى غزوتين استيطانيتين غربيتين في العصر الوسيط والحديث. وواصلت مدينة القدس مسيرتها في ظل الحكم العربي والإسلامي حتى نهاية العصر الحديث، حيث بدأت الغزوة الأوربية والصهيونية الثالثة لفلسطين وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى إذ كان التحالف البريطاني الصهيوني في وعد بلفور المشؤوم عام 1917 وما أعقب ذلك من إخضاع فلسطين للاحتلال البريطاني حتى عام 1948 حين أعلن تأسيس الكيان الصهيوني وبدعم وإسناد بريطاني وأمريكي غربي فكانت بداية مرحلة جديدة من الاحتلال الاستيطاني.
وظلت مدينة القدس عبر تاريخها الطويل الممتد إلى حدود خمسة آلاف عام حتى الحقبة المعاصرة مدينة عربية ولم يستطع الكيان الصهيوني أن يفرض عليها الاحتلال حتى نكسة حزيران (يونيو) عام 1967 ومنذ تلك المدة وحتى الآن يسعى هذا الكيان العنصري الغاصب وبدعم وإسناد أمريكي غربي إلى تهويد القدس ومحاولة جعلها عاصمة لكيانه الغريب من خلال المصادرة والاضطهاد والتهجير والمذابح الدموية بحق الشعب العربي الفلسطيني.
وإذا كانت مرحلة التسعينيات من القرن العشرين قد شهدت المشروعات التسووية للقضية الفلسطينية فإن هذه المحاولات المسمومة لم تقف عند حدود الجسد الفلسطيني وإنما بدأت تسعى "وبعد الإخفاق في جعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني" إلى تقسيم القدس إلى شرقية وغربية!!، حيث راحت أطراف التسوية الفلسطينية والعربية الرسمية وعبر اتفاقات التسوية والتطبيع تقبل بهذا الاتجاه للحصول على "كانتونات" فلسطينية والجزء الشرقي من القدس مقابل تكريس الوجود الصهيوني المحتل والاعتراف به على حساب الجسد الفلسطيني عامة، والجسد القدسي خاصة!!.ومن حقنا أن نتساءل متى قسمت القدس عبر تاريخها الطويل؟ ومتى ارتضى العرب والمسلمون تقسيمها مع المحتل الأجنبي؟
كانت "يبوس" واحدة عندما حررها البابليون والآشوريون في القرن الأول الهجري وظلت واحدة عندما فتحها العرب المسلمون في القرن الأول الهجري وظلت واحدة عندما غزاها الفرنجة وحررها صلاح الدين عام 1187 وبقيت واحدة في ظل الاحتلال الثاني البريطاني - الصهيوني حتى منتصف القرن العشرين.
كانت المدينة المقدسة وما زالت واحدة والأرض الفلسطينية واحدة والشعب واحد والشعور والإحساس بالانتماء العربي والإسلامي واحد فما الذي تغير؟ إن الذي تغير هو الموقف السياسي الرسمي لبعض الحكام وأجنحة القوى الفلسطينية والعربية التي ارتضت المهانة والتسليم للصهيونية والإمبريالية وتريد التفريط بالكل في مقابل الجزء.
الدكتور محمد الهندي (مدير مركز فلسطين للدراسات والبحوث - غزة):
فلسطين هي القضية المركزية للعرب والمسلمين، وهي قلب فلسطين، وبما تحتويه من مقدسات وبما تحمله من معانٍ تعيش في وجدان كل عربي ومسلم وليس من السهل التسامح تجاه أي تفريط فيها.وعندما تم توقيع اتفاق أوسلو تم تسويقه على أنه سيادة كاملة ودولة في الضفة الغربية وقطاع غزة مع كامل القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، واليوم وبعد أكثر من 7 سنوات من المفاوضات العقيمة حول قضايا المرحلة النهائية وعلى رأسها قضية السيادة على القدس، كان طبيعيا أن تكون هذه القضايا هي قضايا نسف للمسيرة التفاوضية بالكامل.
فمن ناحية هناك إجماع صهيوني على أن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لدولتهم،ورغم ذلك فإن الكيان وأمريكا يدركان استحالة التنازل عن القدس من جانب الفلسطينيين والعرب، لذلك تقدمتا باقتراحات أو بدائل شكلية تعتمد في جوهرها على فكرة توسيع نطاق بلدية القدس وإعادة تقسيمها. والتوسع يشتمل على إضافة الكتل الاستيطانية الكبيرة حول القدس، مثل "معاليه أدوميم" و"**عات زئيف"، إضافة إلى بعض البلدات العربية مثل أبو ديس، ثم تم إعطاء هذه البلدات للسلطة الفلسطينية على أنها جزء من القدس، إلى جانب سيادة بلدية مشتركة على أحياء من المدينة مقابل اعتراف السلطة بالسيادة الصهيونية على باقي المدينة.
- الدكتور محمد عويضة (نائب سابق - عضو جبهة العمل الإسلامي - عمان):
قضية القدس تمثل عنوان القضية الفلسطينية وبوابة الصراع، وهي قضية إسلامية, تمثل جزءا من ديننا, فهي قبلة المسلمين الأولى, ومسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم , فتحها عمر (بن الخطاب), وحررها صلاح الدين (الأيوبي), وعاش فيها الأنبياء والعباد والعلماء.
وهي بهذا البعد لا تخص أهل فلسطين وحدهم, بل هي عربية إسلامية, وهي أرض وقف إسلامي، وقفها الخليفة عمر بن الخطاب على أجيال المسلمين, فلا يملك أحد كائنا من كان التصرف بها بهذا البعد. وهي من الناحية السياسية والوطنية عاصمة لفلسطين يجب أن تكون السيادة عليها جميعها لأهل فلسطين ممثلين للأمة العربية والإسلامية.
والقدس هي كل القدس, وليست كما درج الإعلام العربي والعالمي تبعا للإعلام الصهيوني على تقسيمها إلى شرقية وغربية, ثم إلى عربية وعبرية, ثم إلى الاقتصار على القدس القديمة, أو ما يعمد البعض إلى تسميته بالقدس الشريف, أو الأماكن الدينية وربما تتحول إلى أبو ديس، وقد تسمى عندئذ بالقدس الشريف, هذه مؤامرة مرت على الأمة ينبغي الحذر منها, فالسيادة للعرب على كل القدس, والوجود الصهيوني في القدس وجود طارئ قائم على احتلال الأرض وتهجير أهلها الشرعيين, ولا يستند إلى أي شرعية, غير العدوان, وكل القرارات الدولية تقرر هذه الحقيقة, حقيقة أن القدس للعرب وحدهم وليس للصهاينة فيها أي حق. وعند الحديث عن السيادة لا بد من التأكيد على أن المراد السيادة السياسية الكاملة, غير المنقوصة وليست السيادة الدينية أو الروحية, أو الولاية الدينية على أماكن العبادة ولا المشتركة, كما حاولت وتحاول جهات عديدة منها الفاتيكان والإدارة الأمريكية.
وإذا كان للقدس في ضمير العربي والمسلم هذه المكانة, وإذا كان هذا موقعها من الصراع مع العدو الغاصب, فلا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتصرف بشيء من أرضها المقدسة, وما يقال من أن الدول العربية أو مؤتمر القدس في المغرب قد فوض رئيس السلطة الفلسطينية بالتصرف بالقدس لا أساس له من الصحة, وفي حال حدوثه فإن الشعوب ترفضه, وهي صاحبة الحق, ولم تفوض أحدا في القدس, وسيكون لمصير القدس ما بعده من تفجير للصراع وتأكيد على استمراره حتى يعود الحق كاملا لأصحابه الشرعيين.
خالد ترعاني (المدير التنفيذي للمنظمة الإسلامية الأمريكية للقدس - واشنطن):
ننظر إلى قضية القدس على أنها قضية فلسطينية وعربية وإسلامية، كما أنها تمسّ كل مسلمي العالم ومسيحييه، ونرى أن ما يحصل فيها الآن هو من أسوأ محاولات التطهير العرقي طويلة الأمد، وهي ليست عملية تطهير عرقي آنية كما حصل في ***وفا أو رواندا. قضية القدس هي قضية فصل عنصري تقوم به قوات الاحتلال، ومحاولة من قبل الكيان والحركة الصهيونية لتحويل القدس إلى مدينة يهودية مفرغة من عناصرها العربية الإسلامية والمسيحية، باعتبار تلك العناصر الإرث التاريخي لها كمدينة عربية تأسست قبل ظهور اليهودية.
أهمية القدس تنبع من عدة جوانب، فهي مسرى النبي عليه الصلاة والسلام، وأولى القبلتين، وهي واحدة من ثلاث أقدس بقع في الأرض لدى المسلمين، والمسجد الأقصى ذكره النبي صلى الله عليه وسلم على أنه واحد من ثلاثة مساجد تشد الرحال إليه، ومن هنا تنبع أهمية المدينة الدينية، إلى جانب أهميتها السياسية، كونها العاصمة العربية الواقعة تحت الاحتلال، في وقت انتهى فيه عصر الاحتلالات العسكرية.
أما موقفنا بشأن التنازل عن بعض أجزائها للدولة العبرية، فالقدس باعتراف المجتمع الدولي مدينة تقع تحت الاحتلال العسكري الصهيوني، وهناك فقط دولتان تعترفان بالقدس كعاصمة للكيان، وهما ***تاريكا والسلفادور، أما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن فهم لا يعترفون بالقدس كعاصمة للكيان، كما أن الأخيرة أخذت عضويتها في الأمم المتحدة بناء على قرار رقم 194 والذي يضمن حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم، وبناء على قرار التقسيم الذي يؤكد أن القدس محتلة وليست تحت السيادة الصهيونية أو اليهودية.
التنازل عن القدس أو عن بعض أجزاء المدينة، يعني إعطاء صفة شرعية لهذا الاحتلال بالموافقة عليه أو بعدم المطالبة بأجزاء من القدس، وهذا يشكل مخالفة للقوانين الدولية، بالإضافة الى أن هناك مخالفة للشريعة الدينية .. هناك إجحاف بحق المسلمين والمسيحيين من العرب من أهل القدس، وأي تنازل عن القدس يعني عدم إحقاق الحق لهؤلاء الذين ظلموا وعانوا من الاحتلال.
السيادة المشتركة بين الفلسطينيين والصهاينة من أجل إنجاح مسار التسوية هي تكريس للاحتلال، والسيادة المشتركة ستكون فقط لمصلحة الجانب الصهيوني، خصوصاً أن المساحة التي ستكون عليها تلك السيادة تساوي تقريباً واحدا في المائة من مساحة القدس الكبرى الآن، مما يعني إعطاء الشرعية مرة أخرى للاحتلال الذي صادر تقريباً مائة ضعف من مساحة القدس من أراضي الضفة الغربية، وأقام عليها المستعمرات، وقضية التدويل في عالم أحادي القطبية تتحكم في كثير من سياساته الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر غير مقبول وغير معقول وسيكون فيه إجحاف للحق الفلسطيني والعربي والمسيحي والمسلم في مدينة القدس.
- خليل محمد عامر (أمين عام حركة الخلاص الإسلامي الأرتيرية - الخرطوم):
القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين وهي قضية كل المسلمين, وينبغي أن تظل كذلك, وواجب كل مسلم أن تكون, لا أقول قضيته الثانية, ولكن قضيته الأولى. فاليهود تجمعوا من كل الأصقاع لتحقيق وعد بلفور, وعلى المسلمين أن يوحدوا صفوفهم من أجل العمل على تحريرها. ولكن المشكل أن هذه القضية تحولت من قضية المسلمين كافة إلى قضية العرب لوحدهم, ولكن هي في الحقيقة قضية كل المسلمين, وينبغي أن تكون كذلك. ولا يجوز شرعا ولا واقعا التنازل عن أي جزء من أرض المسلمين, وهي أرض وقف, وينبغي أن تظل باستمرار حقا للمسلمين, وليس لأحد الحق في التنازل عن أي جزء منها, أو القبول بمشاركة الصهاينة في هذه البقعة المقدسة.
ونحن في حركة الخلاص الإسلامي الأرتيري نؤمن بحق, بل بواجب الحفاظ على المقدسات الإسلامية, ومنها فلسطين, ومنها القدس الشريف, فلا نرضى أبدا بضياعها, ولا بتقاسمها مع اليهود. وينبغي على إخواننا الفلسطينيين وإخواننا في السلطة الفلسطينية أن يقوّموا التقويم الصحيح للمحادثات السلمية منذ أوسلو والتي لم تصل إلى أي نتيجة.
صحيح أن هناك الآن وجود للسلطة الفلسطينية في غزة والضفة, ولكن أن يؤدي هذا إلى حصول تنازلات أو القبول بمشاركة الصهاينة للفلسطينيين في القدس فهذا غير مقبول. والفلسطينيون يعرفون أن فلسطين والقدس ليست لهم وحدهم, وإنما هي لكل المسلمين, وينبغي أن تظل كذلك. ونحن مع القدس الإسلامية وأن تظل إسلامية, وندعو الله عز وجل أن يرزقنا المشاركة في تحريرها, وأن يرزقنا شرف الصلاة في المسجد الأقصى المبارك, بعد تحريره إن شاء الله.
- عباس أحمد النهاري (عضو المجلس الاستشاري في اليمن - رئيس دائرة التوجيه في التجمع اليمني للإصلاح - صنعاء):
قضية القدس هي قضية الأمة الإسلامية كلها فهي تمثل أهمية عظيمة عندنا لأنها أرض مقدسة فهي أولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
وخلافة الإسلام سوف تكون في أرض الشام ومركزها القدس الشريف بل هي قطب رحى المعارك الأخيرة. وموضوع السلام مع اليهود الغاصبين يُعد وهما وسرابا لأنه غير معتبر شرعا وغير مجد واقعا، ونواياهم التوسعية معروفة، وأساليبهم الماكرة غير خافية عنا.
ليس هناك من يحق له التنازل عن القدس وكل فلسطين لأن التنازل عن الحق العام هو للمسلمين جميعا وعلى هذا أجمعت فتاوى علماء المسلمين. أما الاستدلال أن هذا واقع، لا يجعلنا ننسى أن دوام الحال من المحال والقانون الثابت أن الأيام دول واحتلال فلسطين والقدس لن يكون دائما ولا بد أن تعود الأرض المحتلة إلى أصحابها الحقيقيين. وأعتقد أن تغيير الحال يتطلب الصبر والمصابرة والجهاد المستمر لاقتلاع الاحتلال الصهيوني.
- الدكتورة هدى سالم فاخوري (طبيبة - رئيسة لجنة مقاومة التطبيع في نقابة أطباء الأسنان - عمّان):
أرغب في التوضيح لكم أنني ابتداء لا أؤمن بما يسمى التسوية أو بمسارها. كما لا أؤمن بما يسمى "الدولة العبرية" أو بأي حق لها في فلسطين أو الأرض الفلسطينية العربية. فالقدس جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية أو من الأراضي العربية المحتلة. وهي مدينة عربية فلسطينية يقدسها العرب والمسلمون لوجود المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة. أما اليهود كمواطنين عاشوا في فلسطين، فهم "اليهود الشرقيون" جزء منهم عرب يدينون باليهودية، أو هم يهود شرقيون إذا رغبوا في هذه التسمية، ولهم الحق في العيش في فلسطين كمواطنين وليس كحكام، ولكن المهاجرين اليهود الذين أتوا إلى فلسطين من الغرب أو الشرق واحتلوا الأرض العربية الفلسطينية، وأنشأوا ما يسمى بـ"دولة إسرائيل" فليس لهم الحق في الاستمرار في اغتصاب حق الفلسطينيين في التواجد بديلا عنهم، فهذا استعمار استيطاني إحلالي غير شرعي.
لهذا أنا أؤمن أن الزمن قادم لتغيير هذا المنطق الذي طرحت من خلاله الأسئلة، وقد بدأت الصحوة العربية للحق العربي في الأرض المحتلة جميعها بما فيها القدس، والحق في البترول وحق السيادة على ممتلكات الأمة العربية.ولن يطول انتظارنا إذا حددنا هدفنا وعملنا من أجل تحقيقه.
- حمد موعد (كاتب - باحث في الشؤون الفلسطينية - دمشق):
القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية تاريخياً والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 مع مجموعة اعتبارات: أولاً: هي عاصمة فلسطين التاريخية, ثانياً: تضم الأماكن المقدسة, وثالثاً: هي استمرار للتاريخ العربي القديم و للتاريخ العربي الجديد، وبالتالي تشكل قضية القدس جزءاً لا يتجزأ من الأرض العربية المحتلة وجزءاً لا يتجزأ من الوطن الفلسطيني, وجزءاً لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية السيادية. من هنا تعتبر قضية القدس واحدة من القضايا التي يواجهها الشعب الفلسطيني في نضاله لتحقيق هويته واستقلاله وسيادته ولتحقيق استمراريته على هذه الأرض.
هناك استطلاعات أجريت للرأي العام الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده في 48 وفي 67 وفي الشتات, وهذه الاستطلاعات أجراها جميل رابح وإيلي رادريك وعدد من المراكز البحثية الدولية والفلسطينية, وتؤكد أن قضية القدس تحتل مرتبة أولى بين كافة تجمعات الشعب الفلسطيني, وتليه فوراً كل القضايا الثانية, أي أن هناك إجماعاً فلسطينياً على مركزية قضية القدس وأولويتها وتصدرها سلم أولويات الشعب الفلسطيني في النضال، و بهذا لا يختلف الفلسطينيون في كل مكان على الأرض على هذا الشيء , وقد تجد فوارق في رسم جدول أولويات النضال الوطني الفلسطيني إلا أن هناك إجماعاً في جعل قضية القدس رقم واحد.
الثابت أن الكيان الصهيوني لا يفهم قضية التنازل و يريدون السيطرة على القدس, في البداية كانوا يتحدثون عن القدس الكبرى الآن هناك أشكال مختلفة للطروحات الصهيونية لقضية القدس, وجوهرها يريدون طمس الهوية الوطنية الفلسطينية والعربي والإسلامية والمسيحية في القدس, وهذه الطروحات وضعت على الطاولة حديثاً بعد كامب ديفيد, وبعد هذه القمة أعلن باراك ثلاث قضايا لا يجوز له التنازل فيها هي: أمن الكيان وشعب الكيان ومقدسات الكيان, ويقول علناً إنه يريد أن يستولي على الحرم القدسي الشريف, وباستيلائه على الحرم القدسي الشريف هناك إنكار للحق الفلسطيني في كل القدس, لأنه استناداً إلى الطروحات الصهيونية, فإن الفلسطيني المقيم في القدس هو أجنبي يقيم إقامة دائمة على أرض ليست له وعلى دولة ليست له ولدولة ليست له, وبالتالي يجوز حرمانه من هذه الإقامة في حال ارتكابه مجموعة من الإجراءات مثل ترك المدينة أو عدم تسديد فواتير أو .. الخ.
هناك إجماع في وحدة الخارطة الفلسطينية أنه حتى الآن هناك اجتماع على مركزية القدس في العمل الوطني الفلسطيني, ولا يمكن تقسيم الحرم القدسي إلى ثلاث مناطق أو تقسيم الأماكن المقدسة إلى ثلاث مناطق أو تقسيم الأماكن المقدسة إلى مجموعة جزر أو اعتبارها مدينة الله والسيادة فيها لله أو ترحيلها.
القدس لها قضية رمزية, دولة الكيان لا تريد أن يتحرر اليهودي من ذهنية "أوشفيتس" ولا تريد أن يتحول المجتمع الصهيوني إلى مجتمع مواطن، تريد تأبيد حالة الغيتو, ولذلك يريدون أن يفرضوا العيش على حافة الخطر وعلى حافة الخوف كما كانت تقول غولدا مائير. ولا يوجد فلسطيني على استعداد للتفريط في القدس حتى أصغر طفل فلسطيني ...