من أشعار الصبا
في صحارى التيه
متى يا رب ينقشع الظلام
لقد نام الجميع ولا أنام
فماضيَّ الذي ولَّى حطام
أضعت سني حياتي في التمني
وبتُّ أسير أوهامي وظني
ويأبى النوم إلمامًا بجفني
ومرت كل أيامي سراعا
وقد هيأت من وهمي شراعا
رحلت ولم أقل حتى وداعا
وداعا أيها الحب الطهور
لقد تاهتعن الوكر الطيور
تحاصرها الأفاعي والنسور
يثور الحب والتحنان يطغى
إذا مل السكوت تراه أصغى
ويمضغه الأسى المجنون مضغا
صحارى التيه ملأى بالبقايا
فكم غر السراب بها ضحايا
فماتوا فوقها ظمأى عرايا
هنا وحدي أعاني اليأس وحدي
ولا أبكي فليس الدمع يجدي
هنا في هذه الصحراء لحدي
سراب هاته الدنيا سرابُ
وما ندعوه عمرانا خراب
لم الأحلام والمثوى التراب
لماذا ضاق صدري بالحياةِ
برغم الصبر أو رغم الشكاةِ
وتحوي حفرة القبر رفاتي
أنا صفر وكل الناس صفرُ
فلا عيش يدوم ولا مقر
فأنَّى دبت الأقدام قبر
وتنجاب الكآبة عن حياتي
يؤرقني توارد ذكرياتي
وأخشى غب ما في الغيب آت
فضاعت في رؤى الوهم السعاده
يراودني كأصداءٍ معاده
وصار السهد والأوهام عاده
وقد كانت متى كانت بطيئه
يقود العمر في بحر الخطيئه
لساعات قليلات هنيئه
وداعا يا لياليَّ السعيده
وضاعت في ربا الوهم البعيده
فإن حطت وإن شالت فقيده
على قلب المهاجر في السراب
لصوت الذكريات والانتحاب
يمزقه بأنياب العذاب
عظام أضالع ولحاء عود
أتوها هاربين من الوجود
ودوت قهقهات كالرعود
وأسمع ضحكة الأقدار تسخر
ولكن الأسى في القلب ينخر
سألقى ها هنا الموت المقدر
وجُلُّ الحب بهتان وزورُ
ورُبَّ فضيلة فيها فجور
به الشحاذ عانقه الأمير
وسوف أعيش فيها رغم أنفي
سأحيا ثم أسقى كأس حتفي
ويُنسى اسمي وتاريخي ووصفي
وجد الناس ملهاة وهزلُ
ولا نسل ولا ذِكْر يظل
يغيب به الرفات ويضمحل
حبيبة عمري الفاني وداعا
هوانا كان وهما أو خداعا
وكالأوهام والأحلام ضاعا
غدًا محبوبتي أغدو هباءً
وتغدو قصة الحب هُراءً
وقد تروي لك الريح شتاءً
حياة الزهريا عمري قصيره
فما للزهر لا يطوي عبيره
وما للمرء لا يرضى مصيره
أبوء إليك يا ربي بذنبي
أنا العبد المسيء وأنت ربي
وحسبي أنت يا تواب حسبي
وداعا من حبيب لن يراك
وحلما طرت فيه إلى سماك
وأذكى النار في قلب الملاك
وتمحو الريح آثار الجريمه
وطيش مراهق ورؤى قديمه
بصوت مبهم ذكرى أليمه
وعمر الطير أيام قلائل
وما للطيرتشدو في الخمائل
وكل الكون كل الكون زائل
وما لي غير عفوك من وسيله
ومالي غير حسن الظن حيله
فمن أرجوه غيرك للجليله
1975م