فضاءات يوب

يوب

فضاء التربية والتعليم

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
enamiyoub
مسجــل منــــذ: 2011-09-09
مجموع النقط: 187.51
إعلانات


هكذا تكون التربية الناجحة


أتمنى من المعلمين والمعلمات قراءة الموضوع للأخير والإستفادة
بداية القصةكانت حين كلفت بتدريس مادة القرآن الكريم والتوحيد للصف الثالث الابتدائي قبل نهايةالفصل الدراسي الأول بشهر واحد، حينها طلبت من كل تلميذ أن يقرأ، حتى أعرف مستواهم،وبعدها أضع خطتي حسب المستوى الذي أجدهعندهم.
فلما وصل الدور إلى أحد التلاميذ وكانقابعاً في آخر زاوية في الصف، قلت له اقرأ.. قال الجميع بصوت واحد (ما يعرف، مايعرف يا أستاذ)؛ فآلمني الكلام، وأوجعني منظر الطفل البريء الذي احمر وجهه، وأخذالعرق يتصبب منه، دق الجرس وخرج التلاميذ للفسحة، وبقيتُ مع هذا الطفل الذي آلمنيوضعه، وتكلمت معه، أناقشه، لعلي أساعده، فاتضح لي أنه محبط، وغير واثق من قدراته،حتى هانت عليه نفسه؛ لأنه يرى أن جميع التلاميذ أحسن منه، وأنه لا يستطيع أن يقرأمثلهم،ذهبت من فوري، وطلبت ملف هذا الطفل؛ لأطلع على حالته الأسرية، فوجدته منأسرة ميسورة، ويعيش مع أمه، وأبيه، وإخوته، وبيته مستقر، واستنتجت بعدها أن الدمارالنفسي الذي يسيطر عليه ليس من البيت والأسرة، بل إنه من المدرسة، ويرجع السببحتماً إلى موقف محرج عرض له من معلم، أو زميل صده بعنف، أو تهكم على إجابته، أوقراءته، شعر بعدها بهوان النفس والإحباط، وأخذت المواقف المحرجة والإحباطات تتراكمعليه في كل حصة من المعلمين والزملاء، عندها فكرت جدياً في انتشال هذا الطفل مما هوفيه، خاصة وأنني أعرف بحكم الخبرة مع الأطفال أن كل ذكي حساس، وكل ذكي مرهفالمشاعر، ولا يدافع عن نفسه، ولا يدخل في مهاترات قد يكون بعدهاأكثر خسارة.
وبدأت معه خطتي، بأن غيرت مكان جلوسه،وأجلسته أمامي في الصف الأول، وقررت أن أعطي هذا التلميذ تميزاً لا يوجد إلا فيهوحده، ليتحدى به الجميع، وعندها تعود له ثقته بنفسه، ويشعر بقيمته وإنسانيته بينزملائه، خاصة بعد أن عرفت قوة ذكائه.
كتبت له جملة صعبةالنطق، وأفهمته معاني كلماتها، حتى يتخيلها فيسهل عليه حفظها. كنا نرددها ونحنصغار، كتبتها على ورقة صغيرة، ووضعت عليها الحركات، وقلت له: أحفظ هذه الجملة غيباًبسرعة، ولا يطَّلع عليها أحد من أسرتك، ولا من زملائك، وراجعتها معه خلسة عن أعينالتلاميذ حين خرجوا إلى الفسحة، إذ لم يكن هو حريصاً على الفسحة، لأنه ليس له صاحبولا رفيق، وكنت قد عودت تلاميذي على أن أروي لهم قصة في نهاية كل حصة شريطة أنيؤدوا كل ما أكلفهم به من حفظ وواجبات، وإذا تعثر بعضهم أو أحدهم في الحفظ أوالواجب منعت عنهم القصة، ليساعدوا زميلهم المتعثر في حفظه، أو واجبه، ويعاتبوه لأنهضيَّع عليهم القصة. بعدها التزم الجميع بواجباتي لهم؛ حفاظاً على رضاي، وتشوقاً إلىاستمرار القصة.
وفي أحد الأيام، وبعد أن قام الجميعبالتسميع طلبوا مني إكمال قصة الأمس، فقلت لهم: إلى أين وصلنا فيها؟ قالوا: وصلناعند السيدة حليمة السعدية مرضعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ديار بني سعد،ماذا حدث بعد ذلك؟ فقلت لهم: لن أكملها لكم اليوم، فتساءلوا جميعاً: لماذا ياأستاذ؟ كلنا أدينا التسميعوالواجبات!
قلت لهم: عندي قصة جديدة، أرويها لكماليوم فقط، وغداً نعود لإكمال قصة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا وماهي؟ فسردت عليهم قصة من خيالي، من أجل أن أُدخل فيها الجملة الصعبة التي حفظها ذلكالطالب وفهمها سلفاً، وقلت لهم: إن هناك جماعة يسكنون قرية واحدة يقال لهم (القراقبة)، كانوا يحتفلون بعيد الأضحى، ويذبحون فيه البقر، ويتفاخرون بذبائحهم،حتى أن كل واحد منهم يربي بقرته من شهر الحج إلى شهر الحج سنة كاملة، يغذيها بأجودالأعلاف، حتى تكون سمينة، وكان عند (علي القرقبي) بقرة يربطها أمام باب بيته فيالقرية، وكانت أكبر وأسمن بقرة في القرية كلها، والكل يتمنون متى يأتي الحج، وتذبحهذه البقرة، ليشربوا من مرقها، ويأكلوا منلحمها.
ولكن المشكلة أن أهل القرية عندهمعادة هي أنهم إذا ذبحوا الأضاحي يطبخون رقابها، ويضعون المرق في أوانٍ، تجمع فيالمكان الذي يتعايدون فيه، فدخل الشباب وأخذوا يتذوقون المرق من كل إناء، فصاحأحدهم مفتخراً بذكائه: عرفتها، عرفتها، فقالوا له: ماذاعرفت؟
قال: ( أنا عرفت مرقة رقبة بقرة عليالقرقبي من بين مراق رقاب أبقار القراقبة )
وبعد هذه العبارة قلتلتلاميذي: من الذكي الذي يعيد هذه العبارة، فتفاجأوا جميعاً، وطلبوا مني إعادتها،فأعدتها لهم، وقلت: من الذكي الذي يعيدها؟ فحاول رائد الصف، والذين يشعرون فيأنفسهم بالتميز، فلم يستطيعوا إعادة حتى ثلاث كلمات منها، فقلت لهم: هذه لا يستطيعأن يقولها إلا ذكي فهم معناها، أين الذكي فيكم؟ والذي يريد المشاركة أطلب منهالخروج عند السبورة ومواجهة زملائه، وأنا أنظر إلى هذا التلميذ، فإذا نظرت إليهيخفض يده؛ لأنه يخشى الإخفاق، فثقته بنفسه معدومة، خاصة أنه رأى فلاناً وفلاناً منالذين يشار إليهم بالبنان يتعثرون، وأين هو من هؤلاء الذين أخفقوا؟ وإذا أعرضت عنهألمحُ أنه يرفع إصبعه عالياً. وبعد أن عجز الجميع طلبت من هذاالصبي:
ـ1- أن يقول الجملة وهو جالس فيمكانه، وذلك لخوفي عليه إذا خرج ونظر إلى التلاميذ أن يصيبه البكم الاختياري، منشدة خجله وحساسيته، فقالها وهو جالس على كرسيه؛ فصفقت له، وإذا بي أنا الوحيدالمصفق، وكأن التلاميذ لم يصدقوني، لأنه قالها بصوت خافت، علاوة على أن التلاميذ لميلقوا له بالاً.
ـ2- طلبت منه إعادتها مرة ثانية، ولكنأمرته بالوقوف في مكانه، مع رفع الصوت، وابتسمت في وجهه، وقلت له: أنت البطل، أنتأذكى من في الفصل، فقام وأعاد الجملة، ورفع صوته، فصفقت له أنا ومن حوله منالتلاميذ، فقال الآخرون: قالها يا أستاذ! قلت نعم، لأنهذكي.
ـ3- الآن وثقت من هذا التلميذ العجيببعد أن حمسته، وشجعته، وظهر لي ذلك في نبرات صوته. فقلت: أخرج أمام السبورة، وقلهامرة أخرى، وأخذت أشحذ همته وشجاعته، أنت الذكي، أنت البطل، فخرج وقالها والجميعمنصتون، ويستمعون في ذهول.
ـ4- ثم طلب مني التلاميذأن آمره بأن يعيدها لهم.. فرفضت طلبهم، وقلت لهم: اطلبوا أنتم منه. وهدفي من ذلكأولاً: أن أشعرهم أنه أحسن منهم، وأنه ذكي، وثانياً: حتى يثق هو بنفسه، وأنالتلاميذ يخطبون وده، وأنه مهم بينهم، وثالثاً: أن الفهم الذي عنده ليس عند غيره،وأن التلعثم وتقطيع الكلام الذي كان يصيبه أصاب جميع زملائه في هذاالموقف.
ـ5- وطلبوا منه الإعادة مرة أخرى،فأخذت بيده، وقلت لهم أتعبتموه وهو يعيد لكم وأنتم لا تحفظون، ولا تفهمون، لأننيعلى ثقة أنهم سيطلبون إعادتها منه مرات كثيرة، فتركت ذلك له حتى يزداد ثقةبنفسه.
ـ6- دق جرس انتهاء الحصة، وجاء وقتالنزول إلى فناء المدرسة للفسحة، فلم يخرجوا من الصف إلا بهذا الطالب معهم، وأخذواينادونه باسمه، وكوّنوا كوكبة تمشي وهو يمشي بينهم كأنه قائد، أو لاعب كرة يحملالكأس، والفريق من حوله، فخرجت خلفهم، وشاهدت التلاميذ ينادون إخوانهم وأصدقاءهم فيالصفوف العليا، ويجتمعون حول هذا الطالب النجيب وهو يعيد لهم، وهم يرددون خلفه، وهويصحح لهم، وكثر أصدقاء هذا الولد وجلساؤه بعد أن كان نسياً منسياً، ووثق بنفسه، وفيهذا اليوم نفسه طلبت منه أن يعرض هذه الجملة على أبيه وأمه، وإخوته، وجميع معارفه،وأن يتحداهم بإعادتها، وما هو إلا أسبوع واحد وجاءت إجازة نصف العام، وهنا ينبغيالتنويه إلى أن حفظ تلك العبارة جاء نتيجة الفهم لمعناها. إذ إن عدم إدراك مفهوم كلكلمة فيها سيجعل حفظها حفظاً ببغاوياً، وهو ما ليس ينشدهالتربويون.
وبعد الإجازة جاء والده إلى المدرسة،ولأول مرة أقابله، فقال: جزاك الله خيراً يا أستاذ، بارك الله لك في أولادك، جزاءما فعلت مع ولدي، وقال: لقد سألني الأقارب الذين زارونا في الإجازة: من هو الطبيبالذي عالجت عنده ولدك، إذ كنا نعرفه يتهته في كلامه، خجولاً منطوياً على نفسه،والآن تحدى الكبار والصغار رجالاً ونساءً، وتحداهم بإعادة جملة صعبة، عجزنا نحن أننرددها بعده، فقلت لهم إنه معلمه عوض الزايدي، جزاه اللهخيراً.
واستمرت علاقتي بالأب حتى الآن، وأخذيخبرني عن ولده، وأنه انطلق بعد هذه القصة العلاجية وحقق ما لم يكن متوقعاًأبداً:ـ
ـ1- حفظ القرآن الكريم كاملاً، وأصبحعضواً فاعلاً في نشاطات الجماعةورحلاتها.
ـ2- تخرج في الثانوية العامة القسمالعلمي بامتياز، حيث حقق 96% في المجموع الكليللدرجات.
ـ3- التحق بالجامعة قسم الرياضيات،وفي كل سنة دراسية كان ينال الكثيرمن شهادات الشكر والثناء والتميز، حتى أنه تخرجبامتياز مع مرتبة شرف.
ـ4- عُين معيداً في إحدى الكلياتبجامعاتنا.. وعلمت أنه حصل على قبول للدراسات العليا في واحدة من أعرق الجامعاتالعالمية، ولا يزال المستقبل الواعد ينتظره بالكثير، خاصة أنه ذاق حلاوةتميزه.
هذا ... وإني لعلى يقين من أن أحداثهذه القصة الكبيرة جداً.. العظيمة أثراً لا تحتاج إلى تعليق، أو في حاجة إلى ثناءوتقدير للمعلم الذي هو بطلها، وفاعل حقيقي لأحداثها، وإني لأدعو الكُتَّاب إلى تلمسمثل هذه النجاحات وإبرازها، وعدم الإقلال من شأنها؛ لأن لها مردودها العظيم علىالأجيال كلها، كما عرفنا.
هكذا تكون التربيةالناجحة، وهكذا المربي المحلق الناجح الأعمال الكبيرة تحتاج إلى همم كبيرة، مع رغبةصادقة في التعامل مع المواقف بصدق وإخلاص.
منقول


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة